مصر.. إحالة 130 قضية تضم مئات المتهمين إلى محاكم الإرهاب

تامر هنداوي 
حجم الخط
0

القاهرة- “القدس العربي”: توسّعت أجهزة التحقيق المصرية في إحالة القضايا ذات الطابع السياسي إلى المحاكم، بدلًا من اتخاذ خطوات جادة نحو الإفراج عن السجناء كخطوة لإنهاء ملف الحبس الاحتياطي الممتد دون مبرر قانوني، بحسب “المفوضية المصرية للحقوق والحريات”، التي اعتبرت هذا التوجه من قبل السلطات المصرية انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، ويتعارض مع المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حماية الأفراد من الاحتجاز التعسفي وتكفل حقهم في محاكمة عادلة تلتزم بالمعايير القانونية الدولية.

 130 قضية

وأُحيلت 130 قضية، تولّت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في معظمها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي والأسابيع الأولى من عام 2025، إلى المحاكم، منها 95 قضية أُحيلت خلال العام الماضي، و35 قضية أُحيلت منذ بداية العام الحالي.

ورأت المفوضية، في بيان لها، أن قرارات الإحالة للمحاكمة تعدّ شكلًا من أشكال استهداف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين، وطالبت بالإفراج الفوري عن المحبوسين السياسيين وسجناء الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان المحالين للمحاكمة، وإسقاط كافة الاتهامات الموجهة إليهم، خاصةً أن بعضهم أُحيلوا للمحاكمة في قضايا جرى تدويرهم عليها من داخل الحبس. كما شددت على ضرورة ضمان محاكمات عادلة ومنصفة لكل المتهمين المحالين للمحاكمة.

 ضمانات المحاكمة

وأكدت المفوضية أن تصعيد الإحالات إلى المحاكم، خاصةً إلى دوائر الإرهاب، يثير مخاوف بشأن ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، ويعكس تجاهلًا مستمرًا لدعوات الإفراج عن المحتجزين السياسيين، لا سيّما أولئك الذين تجاوزت فترات حبسهم الاحتياطي المدد القانونية المنصوص عليها. كما أبدت مخاوف من أن تكون الإحالة للمحاكمة خطوة جديدة لاستمرار حبس سجناء الرأي والسياسيين، ولكن بشكل مختلف، من خلال صدور أحكام ضدهم بدلًا من استمرار حبسهم احتياطيًا.

وتضمنت مراجعة أجرتها المنظمة تحليلًا لبيانات الإحالة للقضايا الممتدة من عام 2017 وحتى 2024، بهدف إبراز الاتجاهات الرئيسية في الإحالات القضائية وتسليط الضوء على الآليات القانونية المرتبطة بها، مع التأكيد على أهمية ضمان محاكمات عادلة تحترم حقوق الإنسان وتراعي المعايير القانونية.

وتأتي هذه القرارات وسط مطالب متكررة بإنهاء ملف الحبس الاحتياطي المطول والإفراج عن المحتجزين على خلفية قضايا سياسية وقضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير. إلا أن السلطات ردّت على هذه المطالب بمواصلة تكثيف الإحالات إلى المحاكم.

وكشف رصد المفوضية المصرية عن تفاوت ملحوظ بين بدء التحقيقات في القضية وإحالتها إلى المحاكمة، حيث أُحيلت 43 قضية إلى المحاكمة بعد فترة تراوحت بين يومين وعامين من بدء التحقيق فيها، و78 قضية بعد فترة تحقيق استمرت من 3 إلى 5 سنوات، بينما أُحيلت 9 قضايا بعد أكثر من 5 سنوات من فتحها.

 الحبس الاحتياطي

وبيّنت المفوضية أن هذه الفترات تشير إلى أحد أبرز الانتهاكات القانونية التي يتعرض لها السجناء، وهو الحبس لمدة تتجاوز الحد القانوني الأقصى البالغ عامين. كما يعكس هذا التفاوت بطئًا في الإجراءات القضائية، ما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على العدالة، سواء من حيث طول أمد التقاضي، أو من حيث ضمان حقوق المحبوسين.

وجاء توزيع القضايا حسب درجة المحكمة على النحو التالي: إحالة 129 قضية إلى محاكم الجنايات، وقضية واحدة فقط إلى محاكم الجنح الاقتصادية، ما يعكس توجّهًا نحو تصنيف معظم القضايا ضمن قضايا الجنايات ذات الطبيعة الخطيرة، وهو ما يستدعي تسليط الضوء على طبيعة الاتهامات ومدى توافقها مع هذا التصنيف.

 استهداف الصحافيين والحقوقيين

وبحسب إحصائيات المفوضية المصرية، تضمنت القضايا المحالة للمحاكمة عددًا كبيرًا من الحقوقيين والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يواجهون اتهامات تتعلق بالانضمام أو المشاركة في جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. ولا يزال معظمهم رهن الحبس الاحتياطي، بينما حصل البعض على إخلاء سبيل بعد سنوات طويلة من الاحتجاز.

وتشمل قائمة القضايا قضية الباحث بالمفوضية المصرية، إبراهيم عز الدين، الذي أُحيل إلى المحاكمة بعد الإفراج عنه، وكذلك المحامي الحقوقي إبراهيم متولي، المحتجز منذ عدة سنوات. بالإضافة إلى المترجمة مروة عرفة، والصحفي كريم إبراهيم، والمصور التلفزيوني كريم سالم، والمصور الصحفي حمدي الزعيم.

وجددت المفوضية المصرية مطالبتها للسلطات المصرية باتخاذ خطوات عاجلة لإنهاء ملف الحبس الاحتياطي والإفراج عن جميع المحتجزين السياسيين. كما شددت على أن ضمان العدالة وسيادة القانون يتطلبان وضع حد لهذه الانتهاكات، وفتح المجال أمام ممارسة الحقوق السياسية والمدنية دون قيود أو ملاحقة، بما يكفله الدستور والقانون.

أداة لتصفية المعارضة

وقال الباحث في المفوضية المصرية، إبراهيم عز الدين، الذي أُحيلت قضيته إلى المحكمة: “إحالتي إلى المحاكمة في مصر تأتي كدليل إضافي على أن النظام الحاكم لم يكتفِ بما تعرضت له من انتهاكات، سواء عبر سلب ثلاث سنوات من حياتي داخل السجون المصرية، أو من خلال التعذيب الذي تعرضت له، بل يواصل سياساته القمعية عبر استخدام القضاء كأداة لتصفية أي صوت معارض. هذه المحاكمة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى تكميم الأفواه وإرهاب النشطاء والمدافعين عن الحقوق، حتى أولئك الذين يكرّسون جهودهم للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمصريين”.

وتابع عز الدين: “ما يحدث اليوم هو استكمال لمنظومة قمعية لا تتسامح مع أي رأي مخالف، حتى لو كان في إطار المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وضمان حياة كريمة للمواطنين. فبدلًا من الاستماع إلى الأصوات المطالبة بالإصلاح والعدالة الاجتماعية، يردّ النظام بالمحاكمات والتضييق والسجن، ما يرسّخ قناعة راسخة بأن الإصلاح السياسي ليس ضمن أجندته، بل على العكس، يواصل ترسيخ قبضته الأمنية على كافة مناحي الحياة”.

 قضايا الإرهاب

وأحالت النيابة عز الدين إلى المحاكمة بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من إخلاء سبيله، وبعد خمس سنوات من بدء التحقيقات معه في اتهامات تتعلق بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.

وتعكس هذه الإحصائيات التزايد الملحوظ في الإحالات القضائية، وتوسّع نطاق القضايا المحالة إلى دوائر الإرهاب، ما يثير القلق بشأن مدى جدية السلطة في تعاملها مع المطالب الحقوقية والسياسية الخاصة بإنهاء ملف المحبوسين السياسيين والإفراج عن السجناء. كما يثير تساؤلات عديدة حول ضمانات المحاكمة العادلة في التعامل مع المتهمين في هذه القضايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية