في أي شيء نجحت؟ فلم تنجح السلطة في مصر على مدى عشر سنوات في صناعة ذراع إعلامي واحد، رغم أنها تدير ملف الإعلام إدارة كاملة، ورغم اهتمامها بصناعة الأذرع، وهي المهمة التي فشلت فيها، لذا فإنها تنتقل بين تدوير الموجود، واستدعاء من في القبور، والذين أحيلوا للاستيداع!
في الأسبوع الماضي نشرت عموم المواقع الإلكترونية المصرية، وهي في مجملها تابعة لـ»الشركة المتحدة»، خبر تعيين عبد اللطيف المناوي، رئيس قطاع الأخبار في ماسبيرو في عهد النظام البائد، رئيساً للأخبار والصحافة في الشركة المتحدة، ولم يمر على النشر سوى سويعات قليلة، إلا وتم رفعه من هذه المواقع جميعها، ولا يمكن أن يكون النشر من باب الفبركة. وبعد يوم أو أكثر أعيد النشر من جديد، ولم يعلن أحد ملابسات النشر والرفع ثم النشر مرة أخرى، ولو من باب احترام القارئ، وتبرئة أولي الأمر من الاتهام بالارتباك!
ورغم أنني طالعت إعادة النشر في صحف مملوكة للشركة المتحدة (الوطن، والمصري اليوم)، إلا أن من لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي، فذهبت لموقع «الشركة المتحدة»، فلم أجد الخبر هناك، وانتظرت على شريط الأخبار المتحرك، فلا وجود لخبر تعيين المناوي، وكذلك الأمر عندما دخلت بقدمي اليمنى لقسم «أخبارنا» في الموقع، فقد لفت انتباهي هذا العنوان: «المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تحالفها مع شركة طارق نور القابضة، لتطوير المنظومة الإعلامية».
إعادة اكتشاف الأشياء
ألف باء هنا أن هناك شركتين تم التحالف بينهما؛ الأولى هي «الشركة المتحدة»، والثانية هي شركة «طارق نور القابضة»، لكن الى جانب الخبر تعيين طارق نور رئيساً للشركة المتحدة، فهل هو تحالف أم اندماج؟ وإذا كان من غير المنطقي أن يحدث الاندماج، ولم يتم الإعلان عن ذلك، فألا يمثل الموقع الجديد لنور بعد التحالف (وليس الاندماج) ما يندرج تحت قاعدة تضارب المصالح؟!
وكيف يمكن لشركة طارق نور التي تعمل في مجال الإعلانات (الدعاية)، أن تطور المنظومة الإعلامية إلا إذا كان كله عند القوم صابون، وفي قراءة أخرى «بلح»، لا «صابون»، ومنذ أن عُين طارق نور في موقعه وهناك «زفة بلدي»، تردد أن القرار صادف أهله، باعتباره الإعلامي صاحب الخبرة الإعلامية الكبيرة، مع ما يمثله هذا من خلط للمفاهيم، وكأنهم يعيدون اكتشاف الأشياء. فمن المتفق عليه، والمفروغ منه، أننا إزاء مهنتين مختلفتين، لذا فالإعلانات والعلاقات العامة قسم مستقل بذاته في كلية الإعلام، عن قسمي الصحافة، والإذاعة والتلفزيون؟!
وأقسام الإعلانات في الصحف مثلاً، هي بعيدة عن التحرير، ويحظر القانون على الصحافي أن يعمل في مجال الإعلانات؛ جمعا، وتحريراً، وتحصيلاً، وإلا فقد صفته الصحافية!
ومن المؤسف أننا مع الحالة المصرية الراهنة، صرنا بحاجة للحديث عن بديهيات، فمن الواضح أن أهل الحكم ومن معهم هبطوا حالاً على الكرة الأرضية من كوكب المريخ، وفي قاموس للأشياء غير المتعارف عليه في دنيا الناس، وسكان كوكب الأرض!
المسمى الوظيفي للوافد الجديد
ما علينا، فنحن ننفخ في قربة مقطوعة، مع هؤلاء الأغراب الذين آن لهم الصعود للمريخ مرة أخرى، وعليه القول، إنني عندما دخلت لموقع «الشركة المتحدة»، لم أكن أبحث عن الأمان المهني للتثبت من خبر تعيين عبد اللطيف المناوي، فإعادة صحف ومواقع الشركة المتحدة نشره يؤكد أنه صحيح، فقد كان هدفي هو تحديد المسمى الوظيفي بالضبط، غير أني لم أجد الخبر نفسه هناك!
ما نشر في الصحف والمواقع أن المتحدة عينت عبد اللطيف المناوي في موقع الرئيس التنفيذي لقطاع الأخبار والصحافة في الشركة المتحدة، فهل هو بديل لفتى المرحلة أحمد الطاهري، صاحب إحدى الاقطاعيات الإعلامية؟!
ليس سراً أن الطاهري هو رجل العقيد متقاعد أحمد شعبان، مدير مكتب الفريق متقاعد عباس كامل، وشعبان كان هو من يتصرف في الإعلام المصري، إبان خدمته، تصرف المالك في ما يملك، وكان مركز قوى ويطلق عليه الذين من حوله «رئيس تحرير مصر».. مصر كلها كما تلاحظ!
وبعزل شعبان نُشرت أخبار كثيرة عن عزل رجاله وعلى رأسهم الطاهري والتحقيق معه في أمور مرتبطة بالماليات، لم تنفها الشركة أو تؤكدها، وهو ملف أحجم عن الخوض فيه، لأنني لا أملك تأكيداً لصحة ما قيل!
إنما المهم، هل الوافد الجديد بديل للطاهري فعلا، والمناوي هو الرئيس التنفيذي لقطاع الأخبار والصحافة، في حين أن الأخير رئيس قطاع القنوات الإخبارية؟ بما يعني أنها مسميات وظيفية مختلفة، فهل هناك مسميات وظيفية ثابتة في الشركة المتحدة؟!
القائمة لا تبدأ بالمناوي
هذا ليس موضوعنا، فالموضوع المهم هو هذا الاستدعاء لمن في القبور، وكدنا أن ننساهم، وذلك مع التعديلات الإعلامية الأخيرة، والقائمة لا تبدأ بالمناوي، ولكنها بدأت باستدعاء أحمد المسلماني لرئاسة الهيئة الوطنية للصحافة، وكان قد أحيل للاستيداع منذ تولي الجنرال رئاسة الجمهورية في يونيو/حزيران 2014، وكان عصام الأمير قد أحيل للاستيداع في سنة 2016، من منصبه كرئيس لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، ومع ما حدث معه من تنكيل وصل إلى درجة فصله تماماً ووقف راتبه كموظف في التلفزيون، يؤكد أن الأمور لا يمكن اعتبارها بسبب قراره ببث مباريات تحتكر «بي إن سبورت» بثها، فهذا قرار كان في وجود وزيرة الإعلام درية شرف الدين، وصفقت له السلطة وإعلامها، فلا بد أنه داس على سلك مكشوف، فهل هو قرار العقيد متقاعد أحمد شعبان؟!
لقد تم استدعاء عصام الأمير ليتولى موقع نائب رئيس المجلس الأعلى للإعلام، ومع هذه السياسة المعتمدة، فلن تكون مفاجأة اذا عاد شعبان لمنصب جديد بعد احالته للاستيداع، ويعود أحمد الطاهري إن صحت الأخبار التي تؤكد أنه بالفعل خرج، لأن السلطة مرتبكة في ملف الإعلام، ولهذا فعلى مستوى مقدمي البرامج لا تزال الصدارة لإعلاميي مبارك، وفي المرحلة التي كان يتم من خلالها التمهيد لتوريث الحكم، وكان عبد اللطيف المناوي أحد هؤلاء عندما عين رئيسا لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورغم أنه جاء في عهد وزير الإعلام أنس الفقي، وعندما كان يحكم مصر؛ جمال، ووالدته، وأحمد عز (الحرس الجديد في الحزب الحاكم)، فقد تقبل الحرس القديم في الحزب ممثلاً في صفوت الشريف تعيينه بقبول حسن!
خط مع المجلس العسكري
وعندما تطالع مذكرات المناوي عن الثورة، ستعرف طبيعة هذه الشخصية القادرة على أن تكون قريبة من كل الخصوم والمتنافسين، فبقيام الثورة، فتح خطا مع الجيش، بينما كان الوزير على تنسيق مع مبارك وأسرته، وهذا الخط دفع المجلس العسكري الحاكم بعد ذلك التمسك به في موقعه، رغم المطلب الثوري بعزله، وقد مارس قطاعه التضليل، بالإساءة للثورة والمشاركين فيها، باتهامهم بأنهم أدوات لجهات أجنبية، تمد ميدان التحرير بوجبات «كنتاكي»، وتمد المتظاهرين بالدولارات، ثم إن كاميرا التلفزيون المصري، التي كانت تنقل الميدان فارغاً تماماً مثلت فضيحة مهنية مكتملة الأركان!
وإزاء تمسك المجلس العسكري به، بعد تنحي مبارك، اقتحم «ثوار ماسبيرو» مكتبه، ولم تجد قوات الجيش مناصاً من أن تخرجه بصعوبة من المبنى، وإلى غير رجعة!
والقرار بتعيينه الآن، لا يعني حفظاً لجميل تشويه الثورة، ولكن للعجز عن صناعة بدائل، ولهذا نشاهد مقدمي برامج يحالون للاحتياط، ثم يتم استدعاؤهم مرة أخرى لمركز التجنيد، مع العلم أن من بينهم من باع مبارك ولي نعمته، وعلى استعداد لبيع غيره إذا تغيرت الظروف!
لماذا لا يعود جمال مبارك؟!
أرض جو
مصر المستقبل لن تحتاج لحاكم يأتي لها بلبن العصفور، فقد أثبتت الأيام إن أي إنجاز، ولو كان بسيطاً يرضيهم، وقد شاهدنا خلال الأيام الماضية، كيف استقبل الناس بالفرح قرار الهيئة الوطنية للإعلام بوقف الإعلانات عبر إذاعة القرآن الكريم، وكذلك قرار وقف كلمة وزير الأوقاف السابق مختار جمعة في الإذاعة ذاتها، والتي فرضت على المستمعين قسراً.
لن يطلب المصريون المستحيل حتى يرضوا!
صحافي من مصر
هل مازال المصريون يتابعون إعلامهم الهابط !
من يتذكر إذاعة صوت العرب ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
الأنظمة المستبدة مفتونة بالإعلام والدعاية، وجوبلز وزير الدعاية النازي لهتلر هو مثلهم الأعلى. فيعتقد بشار أن تماثيله هو وأبيه حافظ وملايين الصور العملاقة لطلعته البهية في الشوارع، ستزيد من إعجاب السوريين به!!!. وهكذا السيسي، فترى آلاف الصور المتماثلة له على طول طريق المطار، هي آخر ما يراه السائح لمصر، فيهتف إعجاباً وولهاً به: (السيسي رئيسي) بعد رؤية جمال وجهه الصبوح. وكان إعلام ناصر النموذج المفضل للسيسي يدبج القصائد والخطب اللوذعية في قوة وشجاعة الجيش المصري، والنهاية معروفة ومتكررة.