مصر: حماية الاقتصاد الأسود ونشره مهمة الوزارة الجديدة!

حجم الخط
0

مصر: حماية الاقتصاد الأسود ونشره مهمة الوزارة الجديدة!

محمد عبد الحكم ديابمصر: حماية الاقتصاد الأسود ونشره مهمة الوزارة الجديدة! تعددت صور المشهد السياسي المصري، لكن صورته الأوضح تتمثل في ظاهرة التوحش الأمني وجسدتها مذبحة اللاجئين السودانيين، في يوم الجمعة قبل الماضي، 30 كانون الأول (ديسمبر)، وجاءت مواكبة لإعلان التشكيل الوزاري الكارثة ، والذي تم فيه الطلاق نهائيا مع السياسة وتسليم مقدرات البلاد لرجال الأعمال، حيث تسلم كل منهم الوزارة التي تدير نشاطه وتوكيلاته واستثماراته، فصاحب الشركة الزراعية يصبح وزيرا للزراعة، ومستثمر في مجال التعليم الخاص يعين وزيرا للتعليم، ومالك المستشفيات الاستثمارية يختار وزيرا للصحة، وصاحب وكالة لبيع السيارات يكلف بوزارة النقل، ومالك مصنع يوضع وزيرا للصناعة والتجارة. وهكذا. لم نسمع عن مثل هذه التقليعة إلا في دول أقامتها عائلات، وتديرها طريقة الشركات المساهمة، مثل دولة الكويت. وجاء هذا التشكيل تحديا صارخا للرأي العام، ومعه وصل الاستفزاز مداه بمنح وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية في التشكيل السابق أعلي وسام، وهو وسام الجمهورية، ففضلا عن أن هذا الوزير معروف بمحاربته للصحافة والصحافيين، فهو متهم بالفساد، وقدمت فيه بلاغات عدة للنائب العام تطلب التحقيق معه فيما هو منسوب إليه. إلا أنه وجد الحماية من حسني مبارك. وهناك من أكد أن منح وسام لوزير تحوم حوله الشبهات ليس سوي رسالة موجهة للصحافة والرأي العام، بأن حسني مبارك، بعد أن وفر لهذا الوزير الحصانة البرلمانية، فإذا به بمنحه ما يمكن أن نسميه الحصانة الرئاسية ، وكان حديث هذه الحصانة كثيرا ما يتكرر كثيرا في أحاديث الوزير في تحديه للصحافة ولباقي زملائه من الوزراء والمحافظين.. وأنه الرجل هو رجل العائلة ومصيره مرتبط بمصيرها، أما المستندات والوثاثق التي نشرت، فقد ذهبت إلي سلة المهملات.. كان الأولي أن يقوم النائب العام بالتحقيق فيما هو منسوب للوزير، وإذا ما برئت ساحته، يمنح الوسام المطلوب، إذا كان يستحق التقدير أصلا. وفي قلب هذا المشهد يأتي التحرك الرسمي المصري تجاه سورية، فيعيد إلي الذاكرة العامة الدور الذي سبق وأن لعبه حسني مبارك بالنسبة للعراق، فقد كان أحد أهم من هيأوا المسرح للغزو الأنكلو أمريكي للبلد العربي الشقيق، .. بدا حسني مبارك متحرقا للقيام بهذا الدور، ونسبت إليه مصادر صحافية أنه عندما ذهب إلي دمشق فور صدور تقرير ميليس، وجه للرئيس الأسد نصيحة من جملة واحدة، هي ضرورة التسليم بما هو مطلوب أمريكيا وصهيونيا، ونسب إليه هذه المصادر أنه قدم النصيحة في قالب جارح للغاية، للرئيس السوري وللأشقاء في سورية، وأصبح معروفا أن نشاط حسني مبارك يزداد كلما كانت المنطقة مقبلة علي كارثة، يبرر وقوعها ويعجل بحدوثها. والسؤال الملح هو لماذا يفعل مبارك ذلك؟ والرد بسيط هو أنه علي قناعة بأن تلبية ما هو أكثر من المطلوب منه، يبقيه في الحكم، وقد يضمن له توريثه لإبنه من بعده، ولهذا فإن تلبية المطالب الأمريكية والغربية والصهيونية قضية مصير، أهم لديه، ألف مرة، من تلبية مطالب تخفف الاحتقان الداخلي، الذي أوشك علي الانفجار في وجهه، وهذا جانب من جوانب تفسير حالة التوحش الزائدة من جانب قوات الأمن ضد المواطنين العزل، وتتم بتعليمات مباشرة من حسني مبارك وابنه. ويفسر ما حدث ضد السودانيين اللاجئين، باعتباره تجربة ميدانية وتمرين عملي علي المواجهات المتوقعة مع القوي الرافضة والمعارضة، وحلقة من سلسلة طويلة، تصاعدت بشاعتها يوم غزو العراق، وضد الفلسطينيين علي معبر رفح، ويوم الاستفتاء علي تعديل المادة 76 من الدستور، والمعروف بيوم الأربعاء الأسود، 25 ايار (مايو) الماضي، وهو يوم هتكت فيه الأعراض، وسحل فيه الرجال والنساء، علي مرأي ومسمع أجهزة الإعلام العالمية. وانتهي بضحايا الانتخابات التشريعية وسقوط 41 شهيدا ومئات المصابين، منهم عدد من القضاة.وحسني مبارك يغطي ما يقوم به بسحابة كثيفة من الجمل الإنشائية عن الاهتمام بمحدودي الدخل وتوفير العمل للعاطلين، ووعود غير قابلة للتنفيذ.. تزيد الفوضي الاقتصادية، ولا تساعد علي رأب الصدع الاجتماعي ولا تخفف من وطأة الاستبداد السياسي وحكم العائلة . ويقتضي الأمر هنا توضيح جانب مهم، يرتبط بالقدرات المحدودة التي تحكم عملية تمكين رجال الأعمال من السيطرة علي كل شيء، فإن هذا الفهم ما زال مسيطرا علي الرجل، ومؤداه أن إحلال القطاع الخاص محل القطاع العام في النشاط الاقتصادي، وتغيير خطط التنمية، وادعاء جذب الاستثمار الأجنبي يري أن هذا لا يتحقق إلا بنقل ملكية البلد كاملة إلي رجال الأعمال، وهو تصور له سيطرة علي جماعة تجمع بين الغباء والجهل بشؤون الحياة والسياسة والاقتصاد، تتحكم في عصب القرار السياسي والرئاسي.. لا تعي أن تقدم المجتمعات والدول ليس من عمل رجال الأْعمال، فإدارة وتنظيم اقتصاد مجتمع بأكمله يحتاج خبراء ومفكرين واقتصاديين، يعملون في حضن نظام سياسي يدير شؤون الدولة والمجتمع بشكل رشيد.. أما نجاح فرد في إدارة ورشة أو محل بقالة أو مقهي أو ملهي ليلي، سوق لتوزيع السلع، أو توكيل أجنبي أو ما شابه، لا يزكي صاحبه لحكم دولة أو إدارة مجتمع، وهو المعني الحقيقي للعمل السياسي، فنجاح المشروع الخاص، أيا كان حجمه، مرده إلي معيارين أساسيين: ترويج السلعة والحد الأعلي من الربح، وتتخذ في سبيل ذلك إجراءات ضرورية.. عمالة أقل، في حدها الأدني، وأسعار أعلي وأرباح بمداهـــــا الأقصي، والاهتمام ينصب علي طرق العرض، وجذب المستهلك، وليس من بين مشاغل رجل الأعمال الاهتمــــــام بالمجتمع، فذلك من اهتمام المشروع المجتمعي أو الوطنـــــي أو السياسي، وإدارته السياسية.. ومسؤوليتها في توفير التناغم والتعايش وتبادل المنافـــــع والأعـــباء بين مكونات المجتمع ومواطــــــني الدولة، والبحث عن حلول للمشاكل اليومية المتجــــــددة للمجتمع والدولة.ليس مطلوبا من رجل الأعمال أن يكون خبيرا اقتصاديا، ولا زعيما سياسيا، وليس مطلوبا من الخبير أو السياسي أن يكون رجل أعمال.. ولا تعرف أكثر المجتمعات تطرفا في التطبيق الرأسمالي نظام حكم رجال الأعمال.. قد تعرف حكم الخبراء أو الفنيين التكنوقراط .. من خلال وزارات ذات طبيعة مؤقتة، تأتي استجابة لظروف أو أزمات يمر بها مجتمع يحتاج إلي مراحل انتقال يتولاها هؤلاء الخبراء أو الفنيون حتي يتجاوز الظرف ويعبر الأزمة.. وقد عرفت مصر حكومات الخبراء والفنيين، وأخذ بها حسني مبارك إلي ما قبل تولي الرئيس الموازي ، المسؤولية. فجمال مبارك، كرجل أعمال ومستثمر ومضارب في سوق الأوراق المالية، يحتاج الوجاهة ويتصور أنها من الممكن أن تورث، ويري، بتجربته، المحدودة، والمفاهيم القاصرة التي تربي عليها، وضيق أفق باقي الأسرة.. يتصور أن ما تحقق لهم من ثراء فاحش، جاء نتيجة نشاط اقتصادي حقيقي، وحصيلة عمل عصامي دؤوب، ونسي أن الوضع الخاص لوالده تم توظيفه لتحقيق أقصي مكاسب مالية واقتصادية، وهي مكاسب، في مجملها، غير مشروعة.. وإذا ما فتحت الملفات، وعرفت الذمة المالية لحسني مبارك وعائلته يوم تعيينه نائبا للرئيس في 5791، ويوم خروجه من الحكم، والذي تقول كل المؤشرات أنه قاب قوسين أو أدني، فسوف يكتشف الرأي العام الحجم الذي وصلت إليه ثروة أسرة كانت متوسطة الحال، وتحولت إلي وحش مالي كاسر، ثروته بالمليارات. وتشكيل الوزارة من رجال أعمال، هو من أجل حماية وبقاء الاقتصاد الأسود، و الرئيس الموازي أول من يعلم أنه ليس عن طريق رجال الأعمال سيبني حسني مبارك ألف مصنع، ويعلم أنه هو الذي صفي الصناعة المصرية علي مدي سنوات حكمه، الذي طال أكثر من اللازم.. ويعلم أنه يكذب علي الناس بادعاء القدرة علي توظيف اربعة مليون ونصف مليون مواطن، ولا حتي واحد علي العشرة من هذا الرقم. ولن يرفع رجال الأعمال الأجور، وإلا ما ألغيت وزارة التأمينات الاجتماعية، لنهب أموالها لتمويل الزيادة المزيفة للأجور، وتقديم الدعم لرجال الأعمال، وتمكينهم من الاحتكار، وتمويل ما يتمعون به من إعفاء شبه مطلق من الضرائب.وتوفير الحماية لكل هذا النهب لا تتم إلا بالترويع والتوحش الأمني، والحلف غير المقدس، الذي قام بين رجال الأعمال وأجهزة الأمن و عائلة مبارك قتل السياسة، بسبب ضخامة الغنيمة، والاستيلاء عليها يحتاج هذا النوع من التحالف، وهذا القدر غير المألوف وغير المبرر من العنف، وهو ما انتهي إلي خصخصة الأمن لحساب الرئيس الموازي وأباطرة الاقتصاد الأسود ، ووكلاء النشاط الأجنبي، ورواد الكويز ممن تولوا صهينة ما بقي من صناعة. وهل هذا الحلف، غير المقدس، بوحشيته المنفلتة سيفت من عضد المقاومة المتنامية لـ عائلة مبارك ؟ وهل ماتمناه عبد الحليم قنديل في عموده المنشور في صحيفة العربي المصرية الأسبوع الماضي، بأن تكون حكومة أحمد نظيف الثانية هي حكومة مبارك الأخيرة.. وهو يطالب بمحاكمة حسني مبارك، بعد مذبحة السودانيين، باعتباره مسؤولا عنها، وعما حل بمصر من مصائب ونكبات وكوارث، وقد سبقه بأيام قليلة المستشار محمود الخصيري، رئيس نادي قضاة الإسكندرية، بأن حمل حسني مبارك مسؤولية العدوان علي القضاء، في حديث نشرته له صحيفة الدستور المصرية مؤخرا، وقال إن الاعتداء علي القضاة قرار سياسي يصدر من سلطة أعلي من وزير الداخلية ، وهذا صحيح، لأن ما يحدث يأتي في سياق التوحش الذي تواجه به أجهزة الأمن كل فئات المجتمع وطوائفه وطبقاته وإذا كان قنديل يطالب بمحاكمة حسني مبارك، والخضيري يحمله مسؤولية، الاعتداء علي القضاة، فقد أعلن أن عهد الكلام قد انتهي ونحن بالفعل نفكر في وسائل أخري كالاعتصام وعمل مسيرات جماعية ورفع الجلسات وغيرها من الوسائل التي نعتقد أنها سوف تؤتي بثمارها ، ومعني هذا أن مصر أمام مرحلة جديدة يكسر فيها القضاة جدار الصمت، الذي عاد ليخيم علي الحياة السياسية، مرة أخري، وإذا شهد القضاة بأن التوحش الأمني سياسة ونهجا وليس تجاوزا، كما يصفه الرئيس الموازي ، علينا أن نشد من أزرهم ونؤيدهم ونساندهم من أجل إنهاء هذه السياسة وإسقاط عائلة مبارك التي تقوم عليها.9

mostread1000000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية