مضيق الاختناق… ومفهوم أمن الطاقة لدول الخليج العربي

حجم الخط
0

تلعب دول الخليج دورا أساسياً ومحورياً في تحقيق أمن واستقراء سوق الطاقة الدولية. هذا ناتج عن امتلاك وتحكم دول الخليج العربي لاحتياطيات كبيرة من النفط والغاز، حيث تمتلك دول الخليج مجتمعة حوالي 29،4 بالمئة من احتياطات البترول المؤكدة أي 495،8 مليار برميل، وربع الإنتاج العالمي من النفط بما يقارب 21،4 مليون برميل يوميا، وتمتلك دول الخليج العربي 18،2 تريليون متر مكعب من الاحتياطات المؤكدة للغاز، كما يبلغ انتاجها من الغاز 11،4في المئة من الإنتاج العالمي، هذه الاحتياطات الكبيرة جعلت المنطقة تعيش حالة من الأحداث الساخنة المستمرة.

السوق العالمية

تعمل دول الخليج العربي على ضمان وحماية حصتها السوقية في السوق العالمية، وبناء علاقات استراتيجية دولية مع كثير من دول العالم، و تتبنى مفهوم أمن الطاقة الذي يقوم على أساس أمن المعروض، وهو يشكل الأساس الذي يقوم عليه أمن الطاقة العالمي، أي أن يكون هناك توفر كاف لموارد الطاقة في السوق الدولية، مع ضمان أن تكون الأسعار مناسبة للمنتجين والمستهلكين، وهذا يؤكد أن أمن الطاقة الذي تتبناه دول الخليج العربي يختلف بشكل كبير عن الدول المنتجة لموارد الطاقة التي تتبنى سياسة أمن الطلب، أي أن يكون هناك طلب دائم ومستقر على موارد الطاقة.
وتبنت دول الخليج هذه السياسة للمحافظة على حصتها السوقية، وخلق توازن في السوق الدولية، لأن التجارة الدولية تقوم على الاعتماد المتبادل، وأن أي ارتفاع في أسعار موارد الطاقة سوف ينعكس على ارتفاع سعر العديد من السلع، في اعتبار أن الدول المستوردة لموارد الطاقة هي دول صناعية منتجة، والدول المصدرة لموارد الطاقة هي دول مستهلكة للعديد من السلع وخاصة التكنولوجيا. وأيضاً من أهم محددات أمن الطاقة في الخليج العربي، أمن طرف امدادات الطاقة المتمثلة في المضائق البحرية، وطرق الأنابيب. بالإضافة إلى منافسة البترول الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ولكن الكلفة المرتفعة لإنتاج برميل واحد من البترول الصخري التي تبلغ أكثر من 52 دولارا، وأضراره على البيئة مستقبلا يجعل منه منافسا مؤقتا ولفترة محدودة، وخاصة إذا ما كانت أسعار البترول في السوق الدولية اقل من 60 دولارا فيصبح انتاجه من دون جدوى اقتصادية. وينطبق ذلك أيضا على الغاز.
وقد لعبت دول الخليج دوراً كبيراً في تحقيق التوازن في سوق الطاقة الدولية، وذلك من خلال استخدام سياسة القدرة الفائضة وهي القدرة على زيادة الإنتاج اليومي إلى أكثر من 2 مليون برميل، أي أنها تستطيع تعويض انتاج أحد الدول المنتجة للبترول باستثناء روسيا.

طرق الإمداد

فيما يتعلق بالغاز تمتلك دولة قطر 28 تريليون متر مكعب وهي الثالثة عالميا بعد روسيا وإيران، لكن يتميز الغاز القطري بالجودة العالية، بالإضافة أن قطر تعتبر الدولة الأكثر انتاجاً للغاز المسال في العالم، وتسعى قطر لزيادة تصديرها إلى الدول الأوروبية ومنافسة الغاز الروسي، ويجب على قطر زيادة انتاجها المصدر إلى دول جنوب آسيا وخاصة الصين، بسبب أن روسيا تعمل على إنشاء خط أنابيب بينها وبين الصين، الأمر الذي سوف يرفع من المنافسة بين أقوى مصدرين للغاز في العالم، وخاصة بعد فروض العقوبات على إيران.
تعد مسألة أمن طرق الإمداد من أهم المسائل المرتبطة بأمن الطاقة، ومضيق هرمز يعتبر طريق اختناق بسبب أهميته الكبيرة، وموقعه الاستراتيجي، ويومياً يمر من مضيق هرمز أكثر من 17 مليون برميل من البترول، وهذا الرقم كبير بالنسبة لحجم الاستهلاك العالمي الذي يقدر ب 88 مليون برميل يوميا. وهذه الكميات الكبيرة التي تمر عبر هذا الممر تؤكد أهميته على أمن الطاقة والاقتصاد العالمي.
أما فيما يتعلق بأمن الملاحة التجارية في مضيق هرمز التي تتحكم بأحد اطرافه إيران، و عندما يقوم المجتمع الدولي بالضغط عليها للتنازل عن سياساتها العدائية وعن برنامجها النووي، تهدد بشكل دائم بوقف حركة الملاحة أمام حركة ناقلات النفط والتجارة الدولية، والأحداث الأخيرة تدل على ذلك، عندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وفرضة على إيران حزمة من العقوبات الاقتصادية وأهمها، عدم بيع وشراء موارد الطاقة البترول، الغاز من إيران لذلك عملت إيران على خلق مشاكل في مضيق هرمز من خلال عمل التفجيرات كما حصل في ميناء الفجيرة واحتجاز السفن المحملة للبترول و المتجهة إلى السوق الدولية. ولكن أهمية موارد الطاقة المصدرة من منطقة الخليج العربي إلى السوق الدولية أمريكا، الصين، الدول الأوروبية و اعتماد هذه الدول بنسبة كبيرة على بترول وغاز دول الخليج العربي يشكل أداة ضغط كبيرة على إيران، لأن أمن هذه المضيق مرتبط بتحقيق أمن الطاقة لتلك الدول، وتحقيق أمن الطاقة أصبح أهم عنصر في تحقيق الأمن القومي.
والكن دائما يبقى السؤال مطروحا هل في استطاعة إيران أن تغلق مضيق هرمز؟ في الواقع لا تستطيع إيران إغلاق هذا المضيق الاستراتيجي، أولا لعدم قدرة القوات البحرية الإيرانية غير المجهزة، ثانيا عدم قدرة إيران على مجابهة تحالف دولي سوف يشكل ضدها بسبب تهديدها للأمن الدولي. انما تهديداتها هي عبارة عن ابتزاز للمجتمع الدولي من حين إلى آخر، والأهم من ذلك أن إيران تريد التصعيد إلى حد ما لإشغال الرأي العام الإيراني الذي يعيش حالة صعبة من التدهور الاقتصادي، وخسارتها لحصتها السوقية في السوق الدولية لموارد الطاقة، والاستبداد وخنق الحريات، وهذه التهديدات لا تحمل أي طابع من الجدية.

المستفيد الأكبر

ولكن إذا تمعنا بالأزمة الحاصلة في مضيق هرمز نجد أن المستفيد الأكبر هي روسيا حليفة إيران، وسبب التصعيد المستمر من قبل إيران هو لمصلحة روسيا، بسبب أن بعد التصعيد سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار موارد الطاقة، بسبب أنه سوف ترتفع أجور النقل واضطراب سوق الطاقة الدولية، ولربما نشاهد انخفاضا طفيفا في انتاج موارد الطاقة في دول الخليج، مما يؤدي إلى تغطية روسيا النقص الحاصل في السوق الدولية، والاستفادة من ارتفاع الأسعار. ولكن دول الخليج العربي يجب أن تعمل على زيادة انتاجها في السوق الدولية، وخاصة إلى دول شرق اسيا الصين لعدم خسارتها حصتها في السوق الدولية، ولقدرتها على تنفيذ سياسة القدرة الفائضة. لذلك قدرة دول الخليج أقوى وأكثر تأثيراً من إيران في العلاقات الدولية، بسبب انتهاجها سياسة تقوم على استغلال أهميتها الاقتصادية في العالم، وبسبب اعتماد السوق الدولية على احتياطاتها.

خبير في أمن الطاقة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية