يروى أنه عندما قرر الخديوي إسماعيل إنشاء أول برلمان مصري على مستوى العالم العربي والذى تم افتتاحه في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1866، طلب أن يكون مشكلا من مجموعة مؤيدة لنظام الدولة وأخرى معارضة، وفى أولى جلساته، قال لهم رئيس البرلمان في ذلك الوقت إن الخديوي يرغب فى أن يكون هناك طرفان أحدهما يؤيد الحكومة ويجلس على يمين المنصة التي يجلس عليها رئيس مجلس شورى النواب، والآخر يمثل المعارضة ويجلس على يسار المنصة طبقا للتقاليد البرلمانية، وقبل أن يدخل الخديوي ذهب إليهم رئيس البرلمان مرة أخرى ليلقي نظرة، فتفاجأ بجلوس جميع النواب على يمين المنصة التي تؤيد الحكومة، ومن ثم قام رئيس البرلمان بإقناع بعض النواب في بأن يجلسوا على يسار المنصة فى مقاعد المعارضة للنظام، ونجح فى إقناع بعض منهم بذلك.
الإسلام دين الله، أما الدولة السورية فقد اختصرها الأسد باسمه منذ استيلائه على السلطة، والإسلام دائم الصلاحية.
أما الجمهورية السورية التي جعلها آل الأسد ملكية وراثية، خرج الشعب الثائر لاستعادتها وانتزاعها من براثن استبدادهم وبناء دولة الكرامة والحرية والمواطنة.
نفذ ولا تناقش
ولعب الأسد الأب وابنه على مدار سنين حكمهم دورا مركزيا في إدارة شؤون البلاد، فلا قول إلا قولهم ولا رأي إلا رأيهم؛ وهذه العقلية الأسدية لا زالت سارية المفعول إلى الآن، وهذا النهج يكشف لنا حقيقة علاقة الحاكم بالمحكوم والمسؤول بالمواطن؛ فهي علاقة إلى حد ما تشبه علاقة السيد بالعبد والأمر بالمأمور وفي هذا الإطار، وهي تذكرنا بالمبدأ العسكري الذي يقول: “نفذ ولا تناقش”، والذي من خلاله حافظ نظام الأسد على دوام سلطته وظلمه واستبداده وتفرده بالقرار.
وتفرد الأسد بالسلطة، مالت إلى تقليده المعارضة السورية، بل أن سلوكيات نظام الأسد وتصرفاته السلبية انعكست على أفكار شخوصها مما صيرها ظاهرة طبيعية واعتيادية بنظرهم.
واستنساخ وتكرار للمقولة المعروفة: “الناس على دين ملوكهم” والتي تؤول تسويغا للاستبداد ومركزية السلطة وتهميش دور الشعب الثائر، والجماهير وفاعليتها في صنع القرار الوطني ؛ وهي تمثل حالة جبرية أو ظاهرة حتمية وفقا للثقافة المنكوسة؛ إذ يراد منها استغفال الجماهير والضحك عليهم، وتعطيل طاقاتهم وفقدان إرادتهم.
وهذا ما يجده السوريون من خلال المعارضة السورية التي تعيد تدوير شخوصها بالسلطة بتعيين واختيار مسبق، حتى لم يعد نظام الأسد يتحرّج من الطعن في مصداقية نتائج انتخاباته وشرعيتها، فجل همه ألا تخرج اللعبة السياسية عن القواعد التي وضعها للبقاء في السلطة والقضاء على الثورة، ويدعمه حلفاؤه روسيا وإيران التي ترعى المفاوضات بينه وبين معارضته.
والنظام العالمي ومؤسساته لا يطلب من النظام الديكتاتوري والمتخلف أكثر من الشرعية القانونية، وبفضل تلك المعارضة التي يحسد عليها، أحسن الأسد التوازن بين مصالح الدول الكبرى والتي غضت الطرف عن كل جرائمه وعوراته، فانتخابات الأسد والمعارضة وإقامة مهرجانات انتخابية وندوات تنظير مأجورة عن الديمقراطية والحوكمة والإصلاح، هي بمثابة إقامة مولد حول مقام شيخ لا وجود له تحت القبة التي يدور حولها المريدون تبركا، وهذا ما كان يجده السوريون خلال سنوات حكم الأسد الأب وابنه.
نمر من ورق
المعارضة التي أدمنت السقوط، وصارت محتوياتها مبعثرة ومكشوفة، ولا يوجد في سلتها سوى البضاعة المزجاة، هذه المعارضة انشقت على نفسها وتعارض ذاتها أكثر من معارضتها لنظام الأسد، لأنها معارضة تحمل من الاسم لفظه لا مدلوله، وعلى أرض الواقع نمر من ورق صنع في أروقة الخارج، يخاف شخوصها من كيد بعضهم البعض داخل كيانها قبل أن يخيفوا نظام الأسد.
معارضة لاتزال تعقد الاجتماعات وتعشق استحداث المؤتمرات والندوات تطرح فيها أفكار سياسة رزق اليوم باليوم، لا تسمن ولا تغني من جوع، والشعب فقد الثقة فيها، وانتخاباتها الأخيرة خير شاهد، فالشعب ما عاد يثق في معارضة هي في حد ذاتها لا تثق في نفسها، وتفتقر الى الخط السياسي الذي يصيب الهدف، وتعثرها المتتالي جعل الجميع ينثر محتويات مطبخها السياسي لحد الوصف أنها معارضة “سَلطة”
معارضة تخدم النظام من حيث تدري أو لا تدري، وتتبع خطه الذي يسعى إليه بسلطة تشاركية، وما جرى بسوتشي وأستانا وهيئة المفاوضات واللجنة الدستورية كان إسفينا في نعش المعارضة التي تعارض النظام بزعمها، ولكنها تعارض نفسها وتساوم بأجرها، معارضة لا تعترف بفشلها وعجزها، وهي لاتزال تعتقد في ولاءات الناس وتمني نفسها بالحصول على السلطة، في حين أصبح الشعب يعرف محتويات سلتها، وأصبح يرى ما كانت تخفيه عن عيونه بتبعثر محتوياتها ونشر شخوصها لغسيلها، وأصبح الصراع داخل ذاتها، ويكشف لنا أعضاؤها عن انتهازية شخوصها وتفضيله منافعه الشخصية على قضية شعبه.
وتفضيله للتكسب السياسي على حساب الثورة السورية، وهذا الذم والنقد الموجه للمعارضة، سواء من داخلها أو خارجها يبقى نقدا أخلاقيا لأنه مرتبط برفض التمصلحَ على حساب القضية التي خرج الشعب من أجلها ضد نظام الأسد.
إذ يحتل النقد مرتبة شريفة عند النظم السياسية التي تحترم ترسيخ النهج الديمقراطي لما لها صلة بالأداء السياسي والعمل السياسي والفكر السياسي.
وهذا النقد تواجهه المعارضة بقول: ما البديل، ما الحل؟
وهذا السؤال دفاعي يأتي في أغلب السياقات التي تهرب من النقد، يشابه القنابل الدخانية التي تستعمل للتعمية على المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم.
ويظن طارح السؤال أنه نقض النقد أو أشار لنقص فيه لكونه لم يعط بديلا، في حين أن الناقد الذي يقيم نقده على ساق الحجة غير ملزم بتقديم بديل ويكفي أنه قال هذا خطأ وأقام البرهان عليه.
والمصيبة أن عدم وجود البديل يصبح مسوغا في انتحال أي بديل حتى ولو ثبت بالظن الأقرب لليقين مدى عقمه وفشله.
مؤتمرات كثيرة
هناك مشاريع وأطروحات ومؤتمرات كثيرة قدمتها وعقدتها المعارضة وهي من قبيل بيع الوهم الصرف للشعب، وكانت في أصلها مبنية على خطأ في التصور لما يحتاجه الشعب، وكل ما يجده ويسمعه جملة “ما البديل” تتناثر هنا وهناك فقط.
في حين أن المعارضة السياسية تعني:
الاستعداد لاستلام الحكم من نظام ديكتاتوري فاشل في خططه ومشاريعه وتقديم وخدمات أفضل منه، في حين كانت المعارضة السورية لغوية، تنظم أبيات شعرية على نفس ما كان ينسج النظام بالوزن والقافية والمعاني ولكن ببلاغة أفضل من قصيدة شعراء بلاط النظام.
فالعمل السياسي عند نظام الأسد ومعارضته يتمحور بالكامل حول قضية: من يحكم؟
والسبب في ذلك أن صيغة الحكم في سوريا ومنذ عقود والذي سارت على خطاه المعارضة أيضا يضع جميع السلطات والموارد والمقدرات تحت تصرف مجموعة من الأفراد، تسمي نفسها وتعيد تدوير شخوصها ولا تترك للمواطنين سوى الزحمة والطوابير والمعاناة وتمن عليه بفتات من خيرات بلادهم.
والسوريون قاموا بثورة لبناء دولة مواطنة، والتي تقوم استراتيجيتها على تقزيم وتصغير وتبسيط السلطة والحكومة وإنهاء استحواذها وهيمنتها على مقدرات وموارد البلاد وأعادتها إلى دورها ووضعها الطبيعي كـموظف يعمل عند الدولة التي يمتلكها مواطنوها، بموجب توكيل مؤقت ومحدد صادر عن أصحاب السيادة الذين هم أهل البلاد عبر الوسائل الديمقراطية المعروفة.
وبعد سنوات من المعاناة للشعب السوري المقهور، مازال الصراع على كرسي الحكم لم ينته ولم تختف جذوره وأسبابه، ومازال الطامعون به والمتقاتلون عليه نظام ومعارضة ينظرون للحكومة والسلطة كمغارة للكنز والغنيمة وليست جهازا إداريا يعمل ليلا نهارا من أجل البلاد والعباد.
المعارضة السورية التي تدعي الحرص على الثورة، هي في حقيقة الأمر لا تريد استنهاضها كمشروع شعبي تحرري، إنهم يرغبون فقط بتسيد قرارها وقيادتها لاكتساب شرعية تمثيل الشعب الثائر، وبحصولهم على السلطة يعملون على تكييف الثورة وظيفيا وبنيويا بما يخدم توجهاتهم ومصالحهم..
وما يثير الدهشة في المعارضة السورية هو أن من يتولى قيادتها ومشاريع إصلاحها لا علاقة له بعلم السياسة، ويتوهم من يحوز مقعدا داخل صفوفها أنه قد ملك حق التحدث في الشأن العام والعملية السياسية على سبيل الملكية الحصرية ليتفاجأ الشعب المعني بالخطاب أن ما يصدر عن شخوص تلك المعارضة من تصريحات وبيانات هو مجرد “طحن برغل” كما غنى فنان سوري عشق وأحب فتاة مقسما أن لا يدقق ولا يتفقد برغلها وأنه سيطحنه “خشن ناعم حياالله”، وهذا البرغل له جوقة ملحنون يعملون على تسويقه بين الجمهور المستهدف من خلال ندوات ومؤتمرات طعام حضورها رز ولحمة ونتاجها برغل للشعب..!
كاتب سوري
اتفق مع المقال هي معارضة سورية بالاسم..جالسون في ألمانيا وفرنسا وايرلندا والخليج ويصدحون بالكلام فقط والفقراء تحملوا مصاعب المواجهة والقتل ضد النظام.
نعم هذا حال تلك المعارضة
الناس على دين ملوكهم …. عائلة الأسد نفسها ما زالت تشجب و تندد و تحتفظ بحقها في الرد على كل قصف اسرائيلي لدمشق و مطارها و حلب و مطارها و ذلك منذ احتلال الجولان ….. عائلة الأسد ترى ان إبادة الشعب السوري اهم من استرجاع الجولان و ان قتل الشعب السوري بيدهم لا بيد عمرو