روعت مصر قبيل الساعة التاسعة من صباح الأحد 14 من أغسطس/آب الماضي بمفتتح حرائق بدأت بـ”كنيسة أبي سيفين” في منطقة المنيرة الغربية محافظة الجيزة، ساهم الدخان المكثف في تفاقم الكارثة الأولى والأكبر والأخطر حتى ليتوفى 41، بالإضافة لإصابات تقدر بـ12 حالة، سواء ممن كانوا يحضرون “قداس الأحد” في الكنيسة، أو من صغارهم الذين كانوا في حضانة الكنيسة نفسها، ثم تتابعت الحرائق عبر الأيام الماضية، وحتى أسبوع من الحريق الأول، سواء أكانت في المنيا أو أسيوط أو القاهرة أيضا، واستقر أنها جميعا ناتجة عن ماس كهربائي، وبعيدا عن إشادة البابا تواضروس الثاني المتجددة بالجنرال عبد الفتاح السيسي، وأيضا عن مقولات كثيرة، أقل ما توصف به أنها بسيطة، إن لم تكن “متهافتة”، رغم تناثرها من مصريين على جانبيّ المأساة الأولى، إذ ربط بعضهم الأول الحادثة بالذكرى التاسعة لـ”مذبحة رابعة العدوية” وغيرها والتي راح ضحيتها آلاف من المصريين على امتداد الجمهورية صباح الثلاثاء الموافق لتاريخ نفس يوم الحادث المروع، فيما تساءل آخرون باستنكار (على الجانب المواجه) عن سر توافق آلام إخوة الوطن المسيحيين مع أبرز الأحداث التي أدت لرحيل وإصابة ومطاردة متضامنين مع الرئيس الراحل محمد مرسي ضد انقلاب الجيش ضده.
أشد المذابح ترويعا
بداية يجب أن نؤكد الإقرار بما هو معروف ومُسَلَّم به من أن تقسيم المصريين إلى مسلمين ومسيحيين تقسيم فيه افتئات شديد على وطن واحد، يجب أن تظل المواطنة تعم الجميع فيه، وإن إشكالية تزامن “ذكرى رابعة” أشد المذابح ترويعا في تاريخ مصر المعاصر، مع “حادث أبي سيفين” المؤسف تحتاج نظرا بل تدقيقا بعيدا عن “ضحالة” تفسيرات البعض القائمة على أسس غير وطنية أو حتى عقلية.
جاء الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم بناء على عدة عمليات معقدة مما يمكن تسميته بـ”الخداع المزدوج” فخدع في البداية الرئيس مرسي وأقنعه بانحيازه وولائه له، فيما كان يجيد تأليب مختلف القوى الوطنيه ضده، ثم تمادى فأقنع مَنْ سموا أنفسهم بـ”جبهة الإنقاذ” بوجوب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فصادفت الفكرة هوى بأنفسهم، وأعتقدوا أنه سيسلمهم السلطة بعدما يتعنتون فيتخلصون من مرسي، حتى إذا طابت للسيسي الثمار عصف بكليهما، ثم وقف في 6 من أكتوبر/تشرين الأول 2013م بعد قليل من انقلاب 3 تموز/يوليو ليقول إحدى مقولاته الشهيرة: “وبكرة تشوفوا مصر”، وزاد في حفل غنائي مساء اليوم الذي اُستشهدَ فيه نحو 60 متظاهرا ضده: “ما تعرفوش إن أنتوا نور عنينا وألَّا إيه؟” وقد فهم بسطاء المصريين والمغلوبين على أمرهم، وهم يقدرون بعشرات الملايين للأسف، فهموا أن في الحكم العسكري الجديد إنقاذا لهم من الإهمال والتسيب اللذين يعانونه منذ تموز/يوليو 1952م، ولأن “آفة حارتنا النسيان” حسب الراحل الأديب نجيب محفوظ، فقد تناسى هؤلاء أن الذين تسببوا لهم في أزماتهم المقيمة معهم هم العسكريون أنفسهم، وتجددهم في 2013م لن يأتي بجديد عما اعتادوه على مدار أكثر من 60 عاما.
الرئيس المخلوع
اعتاد المصريون في عصر الرئيس الراحل المخلوع حسني مبارك الموت على الطرقات والأرصفة وقضبان السكك الحديدية، بالإضافة للغذاء المسرطن وانهيار المباني، والغرق في عبارات الموت، والسقوط أسفل الأنقاض في البنايات، باختصار كان طائر الموت يحلق فوق رؤوسهم، لكنه كان يختفي ولو قليلا، فضلا عن أن المخلوع كان يسمح لإناء الغضب داخلهم أن يتنفس، لكن عهده طال، فلم يحتمله الشعب لأكثر من 30 عاما، وجاء السيسي كعقاب لهم على ضيقهم بمبارك، وأعانه مكره وخفي كيده وتخطيطه وحسن تمثيله التواضع والإخلاص والإتزان، وزادت فرصه لما ضاقت المؤسسة العسكرية برغبة مبارك توريث نجله المدني جمال، إضافة لضيق الغرب بتجربة مصر الديمقراطية مجسدة في مرسي، أسرع السيسي بإخلاف وعوده وعهوده مع الشعب، كما أخلفها مع جميع القوى الوطنية، فأعاد منظومة الفساد والإهمال والتسيب واختلال عناصر الأمان والسلامة والمتانة والصيانة للمرافق الخدمية من مواصلات وما شابه، بالإضافة لدور العبادة والمساكن، وأيضا تأمين بسطاء الجنود خاصة على الحدود، باختصار أهمل حياة أهل مصر الحقيقيين الذين يمثلون الأغلبية بالكامل، فقط اهتم الجنرال بطبقة الموسرين والارستقراطيين من مناصريه وصائني عهده وحافظي حكمه، فأنشأ قصورا خاصة به بالعاصمة الجديدة والعلمين وغيرهما، بالإضافة للعاصمة الإدارية التي أراد استحداثها ليحصن نفسه بداخلها وخاصته ودولاب الدولة العميقة، إن استطاعت الجماهير الاستيقاظ للعصف به وبهم، وبناء عليه أهدرت مليارات الدولات، فيما البسطاء من أكثرية الشعب تكاد تتكالب عليهم عوامل انهيار منظومة حياتهم بالكامل، وانشغل الجنرال بتأمين ذاته وحكمه ثم خاصته!
فوضى عارمة
تُذكِّر حادثة كنيسة أبي سيفين بـ”حادثة كنيسة القديسين” في الإسكندرية بالأول من يناير/كانون الثاني 2011م ليروح ضحاياها عشرات الأبرياء، التي حدثت إبان حكم الرئيس مبارك، تشير الوقائع إلى أن الإهمال حفر لنفسه مجرى خاصا في عهد السيسي متغلبا على كل عهود سابقيه، حتى أن المآسي صارت تسير بخطى ثابتة واثقة، فتتكرر بعد سنوات في التاريخ نفسه برتابة مطلقة، بل تقارب الساعة نفسها، ففيما بدأت “مجزرتا رابعة والنهضة” وغيرهما في نحو السادسة صباحا لتستمر أغلب اليوم، بدأت “مأساة أبي سيفين” قرب التاسعة صباحا في اليوم نفسه لكن بعد 9 سنوات، فقد تمكن السيسي من إلحاق فوضى عارمة غير مباشرة بحياة الجميع، وعبر الإهمال العام قرب الموت وأسبابه إليهم، بما يجعل العاقل حيرانا: هل يحتاج السيسي لأسلوب مبارك وابنه مبارك ووزير داخليته العادلي بإشعال الفتن أم يكفيه الإهمال الذي يعرف مقدار عظمته تلك المغبة ظانًا أن السلاح بيد مناصريه يحميه ويبقيه؟!
إن منهج الجنرال باقٍ بقاء الليل وتدفقه خلف النهار واشتداد الظلمات فيه على التائهين أو المغلوبين على أمرهم أو الذين أساؤوا اتخاذ القرار، لكن السيسي مثله مثل موسيليني، هتلر، ستالين، فرانكو، والقذافي، عبد الله صالح، زين العابدين بن علي، بل سابقه في الحكم العسكري مبارك، جميعهم لم تبق لهم لا الكراسي ولا المناصب، وإن تمتعوا بلذة الديكتاتورية والاستبداد وتنعموا قليلًا من عمر لزمان ثم ذهبوا، ثم إن السيسي على طريقهم يمعن المسير، وها هو بإهماله واستهتاره يخسر غير قليل من إخوة الوطن المسيحيين، وهم يمثلون قطاعا شعبيا جديدا من أهم مناصريه سابقا ثم صار يخالفه، وغدا وإن طال مجيئه لوقت ـ يعد قليلا من عمر الزمان والكنانة ـ يخسر أكثر، أو تشاء الأقدار إذلاله وتمكين أعدائه منه على نحو تمعن في ترتيبه له.
إن أزمة جميع الوطنيين الحقيقيين في مصر تتمثل في تفرقهم حتى اليوم وعدم لمَّ شملهم، ولذلك نجحت مساعي السيسي وتخطيطه سواء أكان بمعاونة مناصريه في الداخل والخارج، ويوم يجتمعون يقللون من سيئ واقعهم ويدنونه من نهايته الوشيكة! كاتب مصري
إضافة لابد منها:
عبد الفتاح السيسي كان يشغل منصب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع. وفي 12 أغسطس 2012 ألغى رئيس الجمهورية محمد مرسي إعلانا دستوريا مكملا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدره في يونيو 2012، كما أقال محمد مرسي سامي عنان والمشير محمد حسين طنطاوي من منصبي رئيس أركان حرب القوات المسلحة ووزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة وعين بدلا منهما عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة، بعد ترقيته إلى رتبة فريق. جاء ذلك بإيعاز من أحد مستشاري الرئيس مرسي بأن الحاج عبد الفتاح من مريدي الإخوان.
”حادثة كنيسة القديسين” في الإسكندرية بالأول من يناير2011م، التي حدثت إبان حكم الرئيس مبارك، جاءت بتدبير من وزير داخليته حبيب العادلي لترهيب الأقباط. إشادة بعض القيادات الكنسية بالجنرال عبد الفتاح السيسي عملا بالمثل الشعبي “إذا اتاك الزمان بضره فارقص للقرد بعرسه”.
سرد سليم ولكن السيسى لم يكن لوحده من خططوا الانقلاب ومولوه معروفين هو فقط كان المنفذ.؟! اما جبهه الإنقاذ وقيادتهم الثلاثى البرادعي عمر موسى وصبااحين فيتحملوا المسؤوليه الأكبر فى،اضاعه الثوره المصريه؟!