القاهرة ـ «القدس العربي»: بعيداً عن الصخب اللوني، والأفكار الغارقة في فلسفات أو تهويمات، وكذا أساليب وموضوعات غريبة مُستنسخة لا تنتمي للمجتمع والإنسان المصري وما يعيشه الآن من ظروف قاسية على المستويات كافة، يأتي معرض الفنان عماد إبراهيم، بعنوان «لحن النور» الذي أقيم مؤخراً في غاليري الزمالك للفن في القاهرة، محاولاً تجسيد العديد من حالات شخوص مألوفة ومعهودة، نطالعها في الشوارع والأزقة والمقاهي الشعبية. ورغم ملامح الشقاء المرتسمة على وجوه أصحابها، إلا أن هناك احتفاء بالتجربة الحياتية لهؤلاء، أو بمعنى أدق الاحتفاء بالقدرة على مواصلة الحياة.
الشخصيات وعالمها
من خلال مساحات اللوحات المختلفة، والكبيرة في أغلبها تبدو الشخصيات وكأنها تعيش في عالمها الخاص، ومن هنا كان التغييب المقصود للمكان، فقط وجوه تسطع رغم اللون الأسود المسيطر على المساحة الأكبر من اللوحة، وكأن أصحاب هذه الوجوه يطلون على العالم أو المتلقي على استحياء، لإشراكه في التجربة وما يحملونه من هموم، إلا أن هذا لا يعني أن تغرق اللوحات وأصحابها في المأساة، لكنها تواجه ما تعيشه في قوة وثبات، هذه القوة لا تمنعها من تجسيد لحظات حب وعطف وصداقة وأمومة، وكل المباهج الإنسانية، ولو حتى في شكل لحظة هاربة ومنفلتة من ثقل أيام لا تنتهي.
التقنية
ونظراً لطبيعة الموضوع تأتي التقنية، وهنا يستخدم الفنان الحبر الجاف ـ القلم الجاف ـ على التوال، ومن خلال تدرج اللون من الأسود القاتم إلى الأقل درجة، يصعد اللون من القتامة في أسفل اللوحة، والمتمثل في ملابس الشخصيات، وصولاً إلى الدرجة الأكثر إضاءة، والمتمثلة في وجه الشخصية وتفاصيل ملامحها، مروراً بالتدرج اللوني الصاعد هذا. هذه التقنية تتناسب أيضاً وفكرة الواقع أو الارتباط بالأرض، وما تعيشه الشخصية/اللون القاتم، لكن الإضاءة تزداد حتى تبدو ملامح وجه الشخصية، بما تحمله من أفكار أو أحلام في تجاوز ومفارقة هذا الواقع، أو الأمل في تغييره يوما ما. وفكرة تقنية القلم الجاف على هذه المساحة الكبيرة من التوال تبدو في غاية الصعوبة من جهة، إضافة إلى تناغمها مع تجسيد سطح اللوحة الذي يوحي بالخشونة، وهو الأشبه بحياة هؤلاء.
التكوين
أغلب اللوحات التي تحتوي على شخصين أو أكثر تنتهج قاعدة المثلث المعروفة في عالم التصوير، وهو شكل يوحي بالثبات والقوة، فلا توجد انحناءات أو خطوط دائرية في التكوين، ومن خلال توزيع الإضاءة تقترب اللوحات من الصور الفوتوغرافية القديمة، وكأنهم شخوص من عالم آخر، هجروا الحياة الملونة واكتفوا بلونين فقط، وكأنها تجسيد لرحلة الحياة والموت. الأمر الآخر هو فكرة الجسد الواحد، حتى في حالة الجموع، فالكل يمثل جسداً يمتد عبر اللوحة بالكامل، فقط وجوه تتآلف وترنو إلى المتلقي أو إلى أمل ما، لكن الجميع في الهَم سواء، كتلة ضخمة سوداء.
صوت الست
ورغم صعوبة ما تعانية الشخصيات، وما توحي به اللوحات من حكايات هؤلاء، ولكسر حالة الصمت هذه، تأتي لوحة تمثل (أم كلثوم) لكنها هنا تنتمي إلى عالم الشخصيات، دون أي اغتراب عنهم، وكأنها تغني لهم، أو هي الصوت المُصاحب لحكاياتهم وحياتهم، ولنا أن نتخيل أيضاً العديد من أغنياتها لتصاحب كل لوحة أو كل حالة تم تجسيدها.. من لوحة تمثل مجموعة كبيرة من الشخصيات، رجالا ونساء وأطفالا، أو حالة حب، أو أمومة، أو امراة غارقة في وحدتها، سارحة مع صوت الست.