تبنّت الدول التي يُطلق عليها «الدول الوطنية» في العالم العربي، أنموذجا شموليا في الحكم، على اختلاف درجاته، وكان أحد أبرز مظاهرها التداخل التام بين الحزب الحاكم والدولة إلى حد التماهي بينهما. وكان العراق وسوريا، تحت حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، المثال الأكثر تطرفا لهذا التماهي.
تحولت مؤسسات الدولة في هاتين الدولتين، تحديدا المؤسسات العسكرية والأمنية، إلى كيان حزبي. فلم يعد يسمح مثلا لغير المنتمين إلى الحزب، الدخول إلى الكليات العسكرية أو كليات الشرطة أو الكليات الأمنية الأخرى دون الانتماء إلى حزب البعث.
في العراق صدرت قوانين تعاقب بالإعدام أي عسكري يمارس نشاطا سياسيا باستثناء النشاط السياسي لحزب البعث، سواء كان مستمرا في الخدمة أو خارجها أو متقاعدا! وقد تداخلت العلاقة بين الحزب من جهة، والبنى المذهبية والجهوية والقرابية في البلدين، وهو ما أنتج تداخلا لاحقا بين الدولة وهذه البنى. في العراق كانت البنية السنية والتكريتية (أو المرتبطة بعشيرة البوناصر/ البيجات) تحكم الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية. وفي سوريا، تشكلت بنية الدولة من الطائفة العلوية والساحلية، أو المرتبطة بعائلة الأسد الممتدة التي حكمت الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الأمر رقم 2 في 23 أيار/ مايو 2003 (أي بعد يوم واحد فقط من تسلم سلطة الائتلاف المؤقتة مسؤوليتها كسلطة احتلال بموجب قرار مجلس الأمن المرقم 1483 الصادر في 22 أيار/ مايو 2003) بعنوان «حل الكيانات العراقية» والذي قضى بحل كل من وزارة الدفاع، ووزارة الدولة للشؤون العسكرية، وجهاز المخابرات العامة، ومكتب الأمن القومي، ومديرية الأمن العام، وجهاز الأمن الخاص، الجيش العراقي، الحرس الجمهوري، الحرس الجمهوري الخاص، ومديرية الاستخبارات العسكرية، فضلا عن تشكيلات عسكرية أخرى (جيش القدس وقوات الطوارئ). وقد كان هذا القرار أحد الأسباب الرئيسية في ظهور حركة المقاومة العراقية (السنية).
ثم اتخذت سلطة الائتلاف المؤقتة، في مرحلة لاحقة، القرار رقم 91 لسنة 2004 بعنوان «تنظيم القوات المسلحة والميليشيات في العراق» والذي قضى بدمج العناصر المؤهلة التي كانت ضمن الميليشيات التابعة للأحزاب السياسية، في القوات المسلحة والقوات الأمنية، وشمل هذا القرار كلا من منظمة بدر، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب الله فرع العراق، والحزب الإسلامي العراقي، وحركة الوفاق الوطني، وحركة المؤتمر الوطني (طبعا لم يكن لا للحزب الشيوعي ولا للحزب الإسلامي ميليشيات، لكن كانت طريقة للتغطية على الميليشيات الشيعية التي شكلت نواة المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية) فضلا عن القوات المسلحة التابعة للحزبين الكرديين الديمقراطي والاتحاد الوطني. وقد نتج عن هذا الدمج، قوات عسكرية وأمنية غير مهنية، ساهمت بقوة، ولاتزال، في فشل الدولة العراقية، حيث لم تتمكن الدولة فعليا من دمج القوات التابعة للحزبين الكرديين،مثلا، وظلت هذه القوات تأتمر بأوامر أحزابها. كما تحولت مؤسسات أخرى الى مجرد واجهة للميليشيا الأصلية، فالشرطة الاتحادية في العراق هي عمليا ميليشيا بدر وهي تأتمر بأوامر زعيمها وكذا سائر الفصائل.
من الضروري أن يتعلم السوريون من الدرس العراقي، وأن يعمدوا إلى تجنب كل المقدمات التي حولت العراق إلى دولة فاشلة بامتياز
ولعل المظهر الأكثر كارثية على الدولة العراقية، هو التداخل بين المؤسسة العسكرية والأمنية، والبنى الطائفية والحزبية لهذه الميليشيات، لاسيما بعد تشكيل ما سمي «هيئة الحشد الشعبي» الذي ضم ميليشيات لا تزال مرتبطة بمرجعياتها وزعاماتها، ولم تكن في أي مرحلة من مراحل «اندماجها» مؤسسة رسمية تتبع الدولة، أو تتبع القائد العام للقوات المسلحة (السيد مقتدى الصدر مثلا هو صاحب الكلمة العليا على فصيل سرايا السلام التابع بعضه «شكليا» الى هيئة الحشد الشعبي، وهو يصدر أوامر علنية تخالف ما نص عليه قانون الهيئة). استتبع ذلك احتكار المناصب العسكرية والأمنية بشكل كامل لصالح الشخصيات الشيعية (وهذا تطلب تحييد منصب وزير الدفاع الذي يتولاه عادة شخصية سنية يختارها الفاعل السياسي الشيعي نفسه، ليتحول المنصب إلى منصب إداري بحت واحتكار القرار العسكري بيد القائد العام للقوات المسلحة الشيعي، ورئيس الأركان الشيعي)!
وبالرجوع الى الوضع في سوريا، فإن السوريين يواجهون، اليوم، المعضلتين نفسيهما؛ كيف سيتعاملون مع المؤسسة العسكرية والأمنية التي كانت نتاج دولة البعث السوري، بما تحمل من بنى جهوية وطائفية وحزبية؟ وكيف سيتعاملون مع إرث الفصائل/ الميليشيات التي تشكلت في سياق الثورة السورية بين عامي 2011 و2024، بكل ما تحمل هي كذلك من بنى ايديولوجية وجهوية وطائفية؟
فباستثناء التصريح حول حل الفصائل/ الميليشيات ودمجها في وزارة الدفاع، لا وجود لأي قرار نهائي معلن حتى اللحظة بصدد هاتين المعضلتين الجوهريتين.
لا يمكن أن تتجاهل الإدارة السورية الجديدة موضوع ضباط وأفراد الجيش السوري النظاميين، والمؤسسات الأمنية طويلا، فاستحقاقات الرواتب ستكون ضاغطة على الطرفين معا، ويجب أن تكون هناك حلول سريعة لها، بدلا من أن تفلت عن السيطرة، وحتى في حال اتخاذ قرار خاطئ بحلهما مثلا، لن تحل هذه المعضلة بل ستتفاقم. ولا يمكن ترك هذه الآلاف من المدربين والمسلحين من الذين يمتلكون القدرة على التنظيم، دون إيجاد حلول حقيقية، خاصة في سياق الحالة السورية، حيث شكل العلويون نواة صلبة لهذه المؤسسات على مدى السنوات الـ 54 الماضية، وفي الوقت الذي يشكلون فيه أقلية ديمغرافية، ولكنهم يملكون «حيزا جغرافيا» خاصا بهم على الساحل السوري، وشرقي حماه وحمص. وهذه العوامل الثلاثة تشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، مع سياق وضع إقليمي يسمح باستخدامهم ضد الوضع الجديد في سوريا!
في الوقت نفسه لا يمكن التعامل مع فكرة تشكيل جيش جديد، وقوات أمنية جديدة، اعتمادا على فصائل/ ميليشيات ذات بنى إيديولوجية وطائفية وجهوية، والقول في إمكانية فك ارتباطها بمرجعياتها الأصلية هو محض وهم! لاسيما أن تمكن زعماء وأمراء هذه الفصائل/ الميليشيات من الحصول على مواطئ قدم سياسية لهم، سوف يتيح لهم إدامة دورهم في السلطة واستخدام أدوات الدولة.
تحدثنا في مقال سابق عن ضرورة أن يتعلم السوريون من الدرس العراقي، وأن يعمدوا إلى تجنب كل المقدمات التي حولت العراق إلى دولة فاشلة بامتياز، فبناء انظمة الحكم ومؤسسات الدولة، بعد انقلابات عنيفة وجذرية، لا يمكن أن يخضع للرغبات الشخصية، أو حسن النوايا، والأوهام!
كاتب عراقي
الغالبيه الساحقه من المطلوبين على القائمه الامريكيه بعد احتلال العراق هم من الشيعه.
هناك الكثير من الضباط برتبة مقدم أو عقيد أو عميد أو لواء في الجيش العراقي السابق لم يكونوا من السنه وحتى لم يكونوا منتمين للحزب.
تعاقب اثنان من رؤساء الوزراء كلاهما من الشيعه.
ثم أن إيران قاتلت حزب البعث في العراق واعدمت الرئيس في أول أيام العيد فيما قاتلت مع ودعمت حزب البعث في سوريا.
ما أورده الأستاذ يحيى صحيح تماما لتشابه الحالة السورية مع العراقية السابقة ولكن هناك اكثر من أمر مهم لم يتطرق إليه وهو الجار السيء للبلدين فالعراق كان محاط بجيران سيئين في حينها ولا يزال وكانت سوريا منهم وقد ينقلب الأمر ويصبح العراق جار سيء في هذه المرحلة وهناك الآن تركيا وكلنا يعرف ما تريد فخبث إردوغان لا يؤتمن والأردن كان ولا يزال يتوجس من شكل النظام الجديد وتهريب السلاح والمخدرات وهناك إسرائيل ولا نعرف نواياها الحقيقية وهناك الداخل بكل اختلافاته فقط التوافق على شكل نظام الحكم سيحل الامر
تنعت تركيا بالجار السيئ وهي التي آوت ملايين السوريين ولازالت ولولاها لكان الأسد يحكم سوريا الان وكأنك تعيش في كوكب آخر .
يا صديقي آمريكا و إسرائيل أصلًا تريدان دولًا فاشلة في المنطقة.. يا صديقي الشرق الأوسط يتم تشكيله الآن بخطوات عملية متسارعة لصالح إسرائيل..!! الصورة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار..!!
يا رشا لولا غباء الأسد وغرور ه لكان إردوغان باع كل المعارضة من أجل مصالحه وهل عفرين الآن سورية ام تركية