“إذا شعر العدو أنه لا قدرة أو لا قوة للأمة الإيرانية، فسيهدد أمنكم. الأمن القومي هو الأهم. إذا فقدناه نفقد كل شيء. العدو يعارض قوتنا القومية. لذلك، هم يعارضون أي مظهر من مظاهر القوة القومية، بما في ذلك الانتخابات”، هكذا حذر الزعيم الأعلى في إيران علي خامنئي في هذا الأسبوع قبل الانتخابات البرلمانية التي ستجري اليوم. العلاقة بين “القوة القومية” والانتخابات تكمن في استعداد المدنيين للذهاب إلى صناديق الاقتراع.
المسؤولون عن “هندسة الانتخابات” في إيران استكملوا العمل قبل أسبوعين، عندما أنهوا إخراج قائمة الـ 45 ألف مرشح “غير مؤهل”، بما في ذلك الإصلاحيون والليبراليون والمستقلون الذين يشتبه بهويتهم السياسية، وآلاف آخرون لا تنطبق عليهم المعايير القانونية. حوالي 15.200 مرشح المتبقين سيتنافسون على 290 مقعداً في البرلمان. هناك يتوقع الحفاظ على قوة المحافظين والراديكاليين في الجمهورية الإسلامية.
على خلفية ذلك، لا تخاف القيادة من نجاح ساحق لمعارضي النظام، بل من تصويت الجمهور بالأرجل، وعدم المشاركة في الانتخابات احتجاجاً عليها وتعبيراً عن خيبة أمل من غياب أفق اقتصادي واحتمالية التغيير السياسي. هذه هي الانتخابات الأولى التي تجري في إيران بعد المظاهرات الكبيرة، “احتجاج الحجاب”، في أيلول 2022، عقب موت، أو عملياً قتل، مهسا أميني، فتاة عمرها 22 سنة ومن أصل كردي، اعتقلت لمعارضتها ارتداء الحجاب، وتوفيت أثناء الاعتقال في طهران.
التقديرات التي تستند إلى الاستطلاعات غير الرسمية تتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات 40 أو 42 في المئة. نسبة تشبه النسبة في الانتخابات للرئاسة في 2021، وفي حينه ذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع على خلفية المظاهرات الكبيرة التي بدأت في كانون الأول 2019، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار 2018، وموجة كبيرة من العقوبات القاسية بشكل خاص التي فرضتها إدارة ترامب على دولتهم.
لكن في السنوات الأربع التي مرت منذ الانتخابات السابقة، نجحت إيران في وضع نفسها في مكان مختلف. ما زال اقتصادها فاشلاً، ونسبة البطالة انخفضت من 10 في المئة في نهاية السنة الماضية إلى 7.6 في المئة، لكن النسبة الأهم في أوساط الشباب المثقفين: 14 في المئة. ونسبة التضخم الرسمي ما زالت أعلى من 40 في المئة، ووعود الرئيس إبراهيم رئيسي إلى تقليصها إلى 30 في المئة بقيت على الورق.
في الوقت نفسه، انخفض الناتج السنوي للفرد إلى 4700 دولار، أقل 30 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. البرلمان في إيران الذي انتهت مدته وجه انتقاد شديداً لحكومة رئيسي. ففي خطوة استثنائية، أمر السنة الماضية بإقالة وزير الصناعة رضا فاطمي أمين بسبب ما اعتبر “الإدارة الفاشلة” وأوشك على إقالة نائب وزير الداخلية محمد رضا غلام رضا. إضافة إلى ذلك، استدعي رئيسي لجلسة استماع بسبب برامجه الاقتصادية التي لم تطبق. ولكن أمام هذه الإخفاقات الاقتصادية وغياب استراتيجية اقتصادية مناسبة، بالتحديد الساحة الإقليمية والدولية، منحت إيران فرصة جديدة لتحسين وضعها الاقتصادي والسياسي.
سياسة تحسين العلاقات مع دول الشرق الأوسط التي قررها خامنئي أحدثت ثورة في علاقات إيران مع الإمارات، التي استؤنفت صيف 2021، ومع السعودية في آذار السنة الماضية. والأهم التحالف بين إيران وروسيا، الذي تعزز عقب الحرب في أوكرانيا. للمفارقة، أصبحت طهران مزودة السلاح لموسكو وتبيعها المسيرات والصواريخ وحتى السيارات. قفز حجم التجارة بين الدولتين إلى 5 مليارات دولار، 2 مليار منها من التصدير لروسيا. قلصت الدولتان أيضاً الاعتماد على الدولار بنسبة كبيرة، عندما قررتا في كانون الأول الاتجار بالعملات المحلية. وبذلك تجاوزتا استخدام نظام المقاصة “سويفت” الدولي.
الحرب في أوكرانيا والحرب في قطاع غزة حرفت الاهتمام الدولي عن المشروع النووي الإيراني. ويبدو أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي التي ما زالت تكلف نفسها عناء إصدار التقارير التي تشير إلى أن طهران لا تتأثر من العقوبات المفروضة عليها.
حسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية الذي نشر في شباط، لدى إيران 5.5 طن من اليورانيوم المخصب، 121.5 كغم بمستوى تخصيب 60 في المئة. هذه في الواقع كمية أقل 6 كغم من الكمية التي كانت لديها قبل شهر، بعد أن خفضت كمية اليورانيوم لديها. ولكن حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة النووية، فإن 42 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة يكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة. ورغم أن الأمر يتعلق بحساب نظري ووجود فجوة تكنولوجيا بين كمية اليورانيوم والقدرة على إنتاج القنبلة النووية عندما لا تسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية بالقيام بعملهم وفي الوقت الذي دخلت فيه المحادثات حول اتفاق نووي جديد مرحلة الجمود، إذا لم يكن الموت السريري، فقد بات في الصيف الماضي أن النظام الإيراني يواصل عرض الجرأة أمام ضغط المجتمع الدولي.
دولة رئيسية
الحرب في غزة منحت إيران مكانة دولة رئيسية إقليمية، تملك القوة لمنع حرب إقليمية شاملة، أو على الأقل السيطرة على حجم اللهب الذي يشعله مبعوثوها في لبنان والعراق واليمن. حسب تصريحاتها، لم تكن إيران شريكة في خطة هجوم حماس في 7 تشرين الأول. هذا أيضاً كان التفسير الذي قدمه خامنئي لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، عندما سئل لماذا لم تشارك طهران بشكل مباشر وتكون نشطة في الهجوم كجزء من “وحدة الساحات”. ولكن الجمهورية الإسلامية تعترف بالقيود التي تكتنف مكانتها كدولة عظمى إقليمية، في عملية بناء نسيج علاقات سياسية مع الدول العربية في الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، أمرت المليشيات الشيعية في العراق بالتوقف عن مهاجمة الأهداف الأمريكية لعدم تعويق المفاوضات بين بغداد وواشنطن حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق. مع كل الأهمية التصريحية التي توليها لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، لا سيما مع معركة حماس، يبدو الذخر الاقتصادي التقليدي، مثل تأثيرها في العراق والسيطرة على الخارطة السياسية في لبنان، أكثر أهمية. انسحاب القوات الأمريكية من العراقية سيعتبر إنجازاً استراتيجياً، تفوق أهميته مهاجمة هدف أمريكي آخر، باسم “محور المقاومة”.
والحفاظ على مكانة حزب الله في لبنان وقوته السياسية، يلزم إيران بمد الخطوط الحمراء التي تمنع اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل. ضغط الجمهور المتزايد على حزب الله من قبل الـ 120 ألف مواطن الذين اضطروا إلى الهرب من بيوتهم في جنوب لبنان والانتقاد السياسي الشديد من قبل خصوم الحزب الشيعة، تملي على طهران الحذر السياسي كي لا يضطر هذا الذخر الاستراتيجي المهم إلى استخدام القوة ضد المواطنين اللبنانيين للحفاظ على قوته. أحد نتائج هذه السياسة أن إيران ليست شريكة فيها، ويبدو أنها لن تكون، في كل عملية سياسية تتعلق بمستقبل غزة أو مستقبل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. ويبدو أن تأثيرها على حماس انخفض أيضاً، رغم علاقتها مع قيادة حماس الخارج. ومقارنة مع قطر ومصر، وسيطي بين حماس وإسرائيل، ليس لإيران مكانة في هذه المحادثات.
تسفي برئيل
هآرتس 1/3/2024
اللهم انصر إيران العظيمة التي تصنع سلاحها بنفسها وتقاتل إلى جانب الشعوب العربية في العراق وسوريا واليمن وفلسطين هذي سنين وسنين وسنين 🌴🤲🌴😃👍