مفاوضات التهدئة.. حماس تتقدم بخطوة وإسرائيل تناور لبقاء الحرب

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»:  كعادتها اختارت دولة الاحتلال التصعيد بشتى الطرق ضد قطاع غزة، مع بداية أولى جولات المفاوضات التي أعقبت انتهاء مدة المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ضمن مساعيها الرامية للضغط على الطرف الآخر في المفاوضات حركة حماس، لدفعها تجاه القبول بمقترحاتها والتي لا تشمل إنهاء للحرب، وسط تهديدات علنية باستئناف الحرب من جديد، رغم قبول الحركة مقترحا جديدا للوسطاء، يقوم على إطلاق سراح أسير إسرائيلي وجثامين يحمل أصحابها أيضا الجنسية الأمريكية.

تشديد الحصار والضغط

وبعد أن شددت إسرائيل الحصار على قطاع غزة، ما أدى إلى نفاد الكم الأكبر من المواد التموينية والطبية والوقود، وافقت على إرسال وفد بدون صلاحيات، للتفاوض حول مستقبل التهدئة في قطاع غزة، ولم تكتف سلطات الاحتلال فقط بفرض الحصار على قطاع غزة منذ بداية الأسبوع قبل الماضي، وحالت بموجبه دون دخول أي شاحنة تقل مساعدات سواء غذائية أو طبية أو وقود للقطاع، إضافة إلى منع التجار من استيراد ما يسد رمق الجوعى في القطاع، حيث قامت بقطع خط كهرباء وحيد يصل إلى وسط قطاع غزة، ويغذي محطة تحلية المياه الرئيسية وأحد محطات الصرف الصحي الرئيسية أيضا هناك، ما يضاعف مأساة السكان المحاصرين.
فعلى مدار الأيام الماضية نفدت الكثير من المواد التموينية من أسواق قطاع غزة، وهي سلع كانت تمر بكميات محدودة يوميا للسكان المحاصرين، وقد كان أكثر السلع نفادا أيضا الدقيق، الذي يعتبر بحكم الواقع المرير، الطعام الأساسي في حياة الغزيين، الذي يملأون به بطونهم هربا من مشقة الجوع، وزادت آثار الحصار، مع إغلاق خمسة مخابز رئيسة في قطاع غزة أبوابها، وبقاء فقط 18 مخبزا تعمل في كافة مناطق القطاع، وتقدم خدماتها لأكثر من 2.2 مليون نسمة، ما يعني أن عمل هذه المخابز بكامل قدراتها، لا تكفي احتياجات هذا العدد الكبير من السكان، وقد جاء إغلاق هذه المخابز، والتحذير من إغلاق ما تبقى منها في غضون عشرة أيام، لنفاد مخزونها من الدقيق والغاز المخصص للأفران، والوقود المخصص لتشغيل مولدات الكهرباء.
وإضافة إلى ذلك بدأت المنظومة الصحية في قطاع غزة تشتكي من خطر كبير يهدد عملها، ويهدد حياة المرضى بخطر الموت، بسبب نفاد الكثير من مخزون الأدوية، إضافة إلى قرب نفاد الوقود المخصص لتشغيل مولدات الطاقة، التي تحافظ على استمرار العمل في الأقسام المهمة، وأبرزها غرف العناية المركزية والعمليات.
وقد أضيفت إلى ذلك كله، مشكلة خطيرة، تتمثل في توقف محطة تحلية المياه عن العمل، وكذلك محطة الصرف الصحي، فالأولى ستترك أثرا خطيرا، خاصة وأنها تمد أكثر من 600 ألف مواطن بالمياه الصالحة للشرب، فيما تهدد الثانية حال توقفها بانتشار الأوبئة، في الوقت الذي تعاني منه أيضا المنظومة البيئية في قطاع غزة من الانهيار الكامل، لعدم قدرة الهيئات المحلية على جمع النفابات من الشوارع وأماكن النزوح، وإيصالها إلى المناطق المؤقتة، لعدم توفر الوقود الكافي للعربات المخصصة لهذه المهمة.

تفشي المجاعة

ولذلك حذرت بلدية دير البلح من إن قطع الاحتلال الكهرباء عن محطة التحلية يعمق أزمة المياه، لافتة إلى أن هذه المحطة كانت المؤسسة الوحيدة التي تصلها كهرباء، وأنه بعد قطعها خرجت المحطة عن الخدمة كليا، فيما أكد اتحاد بلديات قطاع غزة، على الحاجة الملحّة لتوفير إمدادات كافية ودائمة من المياه والكهرباء في القطاع، خاصة بعد تعطيل محطة تحلية المياه المركزية بسبب قطع الاحتلال الإسرائيلي للتيار الكهربائي عنها، وقالت إن ذلك يهدد حياة الفلسطينيين ويعمق الأزمات الصحية والبيئية، وفي ظل استمرار الكارثة التي يشهدها القطاع نتيجة العدوان الإسرائيلي المدمر منذ 16 شهرًا.
ومع استمرار الحصار، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن تداعيات هذه الجريمة واضحة على المستوى الإنساني، مؤكدا وجود مؤشرات على «عودة شبح المجاعة وانعدام الأمن الغذائي»، وأنه يمكن رصد انعدام الأمن الغذائي وفقدان 80 في المئة من المواطنين، مصادرهم للغذاء سواء بتوقف التكيات الخيرية أو توقف صرف المساعدات من الجهات الإغاثية، لعدم توفر المواد التموينية والغذائية، وخلو الأسواق من هذه السلع، وأشار إلى توقف 25 في المئة ؜من مخابز قطاع غزة عن العمل، وقرب توقف أعداد أخرى بسبب نفاد الوقود، وإلى وجود ⁠شح كبير وأزمة خانقة في مياه الاستخدام المنزلي وأزمة أكبر في مياه الشرب، إلى جانب ⁠توقف برامج فتح الشوارع وإزاحة الركام والنفايات في غالبية البلديات، ما يعني مكاره صحية وبيئية ستترك أثرا كارثيا، وتطرق إلى ⁠تأثر إمداد النازحين بالخيام كمأوى مؤقت، وتراجع أعمال إنشاء مخيمات الإيواء لعدم توفر الاحتياجات اللازمة لها.
وأكد أن الحصار يضاعف معاناة نحو 150 ألفا من المرضى المزمنين والجرحى الذين لا يجدون الدواء أو المستهلكات الطبية لمداواتهم، وإلى توقف شبه تام لحركة النقل والمواصلات وصعوبة تنقل المواطنين ووصولهم لقضاء مصالحهم، بما فيها وصول المرضى أو الجرحى للمستشفيات والمراكز الطبية، مؤكدا ان️ هذه المؤشرات تعكس صورة مما يواجهه أكثر من 2.5 مليون إنسان داخل قطاع غزة، بعد أن قرر «الاحتلال الصهيونازي» أن يقتلهم ببطء، بإحكام الحصار.
وجاء ذلك في وقت كشف فيه رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال إيال زامير، بأنه سيجري تغييرا جوهريا في عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وأن جيشه سيتولى بنفسه عملية التوزيع في القطاع، أو يشرف عليها عن قرب، وهذه الخطة وضعها جيش الاحتلال خلال فترة الحرب، لكنه لم يقم بتنفيذها خاصة بعد التوصل إلى اتفاق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، ويتم ذلك عن خطط عسكرية لتشديد إجراءات الحصار على القطاع، بشكل يفاقم الأزمة الإنسانية الخانقة التي يعاني منها سكان غزة منذ بدء الحرب.

مقترحات ترضي إسرائيل

ووسط هذا كله، قررت إسرائيل إرسال وفد المفاوضات الخاص بها إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في جولة الحوار الأولى بعد انقضاء مدة التهدئة الأولى، وبدون أن يحصل هذا الوفد على أي صلاحيات تؤهله لأداء هذه المهمة، ويبحث المرحلة الثانية من التهدئة، ما يجعل المشاركة شكلية فقط، وهو أمر كشفت عنه تصريحات ساسة كبار في إسرائيل، إضافة إلى تصريحات قادة المعارضة وأهالي الأسرى المتواجدين في قبضة المقاومة في غزة.
ويبدو أن الواضح من المشاركة هو التوصل إلى تطبيق رؤية إسرائيل فقط، والتي تتبناها الإدارة الأمريكية، بمقترحين للتهدئة، قدم الأخير منهما خلال المفاوضات، فيما قدم الأول قبل انطلاقها، وكلاهما لم يلاقيا ترحيبا من حماس، كونهما يشملان على تمديد المرحلة الأولى فقط، وعلى إجراء عمليات تبادل أسرى جديدة، لضمان تخفيف الضغط الشعبي على حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو.
وقد اختارت حماس الموافقة على مقترح يقضي بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، إضافة إلى جثامين أربعة آخرين من مزدوجي الجنسية، وقالت إنها تعاملت بمسؤولية وإيجابية، مع هذا المقترح الذي قدمه الوسطاء يوم الخميس، وفي ذات الوقت أكدت جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية، داعيةً إلى إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته كاملة.
لكن إسرائيل واصلت التهرب من استحقاقات التهدئة، بهدف الابتعاد عن تطبيق المرحلة الثانية، وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد رد حماس، أن الحركة «لم تأتِ بجديد»، وأن حماس «لم تتزحزح ولو مليمترا في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة»، واعتبر بيان حماس بشأن الإفراج عن الجندي ألكسندر «حرباً نفسية».
وكانت إسرائيل أعلنت قبل الدفع بوفدها، أنها تريد تطبيق ما عرف «مخطط ويتكوف»، والذي ينص على تمديد وقف إطلاق النار، على أن يتم في اليوم الأول من الخطة، إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، على أن يطلق سراح البقية في اليوم الأخير، بينما تستأنف إسرائيل أيضاً المساعدات الإنسانية لغزة التي أوقفتها للضغط على حركة حماس، وقد عادت ورحبت بالمقترح الثاني الذي يشتمل على قيام حماس بإطلاق سراح خمسة أسرى أحياء، إلى جانب تسليم جثث الأسرى القتلى، مقابل موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار لمدة 50 يوما، على أن تستمر خلال هذه الفترة، المفاوضات لبحث إمكانية تمديد الاتفاق.
وتشمل بنود المقترح الذي كشفته تقارير عبرية وأمريكية، على أن تبدأ مرحلة التهدئة القادمة التي تستمر لـ 50 يوما في الأول من اذار/مارس القادم، على أن تنتهي يوم 20 نيسان/أبريل، لتعطي بذلك الولايات المتحدة والوسطاء مزيدا من الوقت للتفاوض على هدنة متماسكة وطويلة الأمد، ويدور الحديث أن المقترح يحمل أيضا نقاطا تشمل الطلب من حماس في حال التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، تسليم جميع الأسرى المتبقين، الأحياء منهم والأموات، في اليوم الأخير من الهدنة المؤقتة، قبل أن يدخل وقف إطلاق النار الكامل حيز التنفيذ.
وكانت إسرائيل التي رفضت الالتزام بالخطوط العريضة لتفاهمات وقف إطلاق النار، ولم تتقيد بالدخول في مفاوضات المرحلة الأولى وفقا للجدول الزمني الذي حدد اليوم الـ 16 للمرحلة الأولى لانطلاقها، على أن ينتهي التوصل إلى اتفاق شامل لهذه المرحلة قبل انقضاء مدة المرحلة الأولى، لا تزال ترفض وقف الحرب كليا عن قطاع غزة.
ويدل على ذلك ما كشفه مسؤولون كبار في إسرائيل، حيث أعلنت عن ذلك صراحة وزيرة الاستيطان الإسرائيلية اوريت ستروك، والتي قالت خلال مقابلة مع قناة « i24news» الإسرائيلي، إن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابينيت» قرر خلال الجلسة الأخيرة له، عدم التقدم إلى المرحلة الثانية من صفقة الأسرى، كما حددتها حماس، وأنهم قرروا استكمال الحرب.
وأضافت هذه الوزيرة التي تنتمي للحزب المتطرف «الصهيونية الدينية» «يجب على المرحلة الثانية أن تنتهي بهزيمة حماس وإخراجه من قطاع غزة، هذا ليس قرارا يجب قبوله، وإنما هو قرار اتخذناه»، ولتكشف أنها والوزير المتطرف بتسلئيل سموتريش عارضا الصفقة لأنهما «اعتبرا أنه من الخطأ الإفراج عن السجناء الفلسطينيين القتلة»، ولتشدد على أنه في حال اتخذت الحكومة قرارا بالمضي بالمرحلة الثانية كما حددتها حماس، فإن حزبها «سيقوم بتفكيك الحكومة إن أخذت هذا القرار».
كما نقلت قناة « i24news» عن مصدر سياسي قوله «ننسق بشكل كامل مع الولايات المتحدة، وفريق التفاوض في الدوحة يحاول الترويج لمخطط ويتكوف».
خطة الترحيل

وتشير الوقائع على الأرض، إلى وجود تنسيق كبير بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، بشأن الحرب على قطاع غزة، حيث قال مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إن البداية في غزة يجب أن تكون باستسلام حركة حماس ونزع سلاحها ومغادرتها القطاع، وأضاف «لن يكون أمامهم (حماس) خيار، وسيتعين عليهم مغادرة القطاع، وبالنسبة لليوم التالي للحرب لا يوجد حل عقلاني سوى رحيلهم»، وكان بذلك يتبنى أيضا مخططات الترحيل القسري، والذي كشفته أيضا تقارير أكدت أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، تواصلا مع مسؤولين من ثلاث حكومات في شرق أفريقيا لبحث استخدام أراضيها كوجهات محتملة لإعادة توطين الفلسطينيين، الذين يتم اقتلاعهم من قطاع غزة، بموجب خطة ما بعد الحرب التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويعكس ما كشف النقاب عنه، من اتصالات إسرائيلية أمريكية مع السودان والصومال ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، إصرارهم على المضي قدماً في خطة ترامب بتهجير سكان غزة والسيطرة على أراضي القطاع، وهي خطرة تدعمها وتساندها إسرائيل، ويدعم ذلك ما كشفه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، عن تشكيل مجموعات ضغط برلمانية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، للعمل على تنفيذ خطة ترامب، للاستيلاء على غزة وترحيل أهلها، مع إجراء عملية توسيع ضخمة للاستيطان في الضفة الغربية.
وتتضمن الخطة حسب سموتريتش، ترحيل 5000 شخص يومياً، بمعدل 7 أيام في الأسبوع، لمدة عام كامل، أو 10000 شخص يومياً لمدة 6 أشهر.
وبما يدلل على عدم رضا الشارع الإسرائيلي على هذا التوجه لحكومة نتنياهو، والهادف إلى المماطلة وعدم الذهاب نحو صفقة شاملة، قوبلت مواقف حكومة اليمين بانتقادات من أحزاب المعارضة وعوائل الأسرة، حيث طلبت هيئة عائلات الأسرى من الوفد المفاوض، بعدم العودة من الدوحة دون التوصل لاتفاق، وجاء في البيان «لا تعودوا دون التوصل لاتفاق يعيد كل المختطفين فورا ودفعة واحدة»، وطالبت بالإعلان عن التزام سياسي لإنهاء الحرب والانسحاب من غزة مقابل إعادة آخر أسير، وقالت كذلك وهي تلوم حكومة نتنياهو «الوقت ينفد والفرصة الآن ولن يكون هناك موعد آخر لإطلاق سراح الأسرى»، وأكدت أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب «فقد يموت الأحياء من الأسرى»، وأضافت «الأسرى بحاجة إلينا الآن وهذا هو الوقت للتحرك، ويجب وقف الحديث عن صفقات من مراحل، ولا نريد رؤية المزيد من القوائم بل يجب أن يعود الجميع حتى آخر مختطف».
وفي إسرائيل، ألقت المعارضة باللوم على رئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتنياهو، بخصوص عدم التوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار، وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد «إن وقف الحرب له ثمن سياسي ونتنياهو لا يريد دفعه»، مشيرا إلى أن الحكومة «لا تبذل كل جهدها، ولا تستغل كل وسيلة ممكنة لإعادة المختطفين»، وأضاف «نحن في وضع نخسر فيه مرتين، فالمختطفون لا يعودون وحماس تحصل على وقف إطلاق نار مجانا»، أما غادي أيزنكوت، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي المستقبل فقال منتقدا «نتنياهو يريد إعادة المختطفين دون دفع أي ثمن».
وتقلت عنه إذاعة الجيش الإسرائيلي القول «رأيت كيف عملوا على إفشال الصفقات السابقة»، وكان يتحدث عن فترة تواجده في الحكومة قبل استقالته منها احتجاجا على تصرفات نتنياهو وزعماء أحزاب اليمين المتطرفة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية