بغداد ـ «القدس العربي»: اعتبر مفتي السنّة في جمهورية العراق، مهدي الصميدعي، إن تنظيم «الدولة»(داعش) خوارج وليسوا كفاراً، وفيما عدّ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي «رجلا مسالما»، أكد أن ما يسمى «جهاد النكاح» بدعة إعلامية لا أساس لها من الصحة.
وقال الصميدعي في لقاء موسّع مع «القدس العربي» إن «دار الإفتاء العراقية تشكلت عام 1517 (923 للهجرة)، وبقيت موجودة إلى زمن حكم البعثيين عام 1976، عندما أغلقوا دار الإفتاء بشكل كامل، وسمحو باختيار اسم المفتي فقط، وتركوا المرجعية الدينية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية».
وزاد «بعد 2003 تشكلت هيئة علماء المسلمين، كهيئة سياسية، وكان على رأسها أحمد الكبيسي، وعدد من الشخصيات التي كانت تمثل المناطق الغربية. أنا دخلت في الهيئة بترتيب السابع، قبل حارث الضاري وعدنان الدليمي، الذين انضموا إليها في الشهر الثامن عام 2003».
وأضاف: «بعد ذلك اكتشفنا بأن أهداف الهيئة لا تصب في الصالح السنّي باعتبارها هيئة حزبية، وعلى إثر ذلك شكلنا الهيئة العليا للإفتاء (دار الإفتاء العراقية،) جمعنا من خلالها الصوفية والسلفية لتكوين مرجعية موحدة، لحين اعتقالنا على يد الأمريكان في الأول من كانون الثاني/ يناير 2004، حتى الشهر ذاته من عام 2009».
وأشار إلى أن «هيئة علماء المسلمين اختلفت مع رئيس ديوان الوقف السني حينها، أحمد عبد الغفور السامرائي، كونه شارك مع الأمريكان في مداهمة هيئة علماء المسلمين، وعلى أثر ذلك هرب أعضاء الهيئة إلى سوريا، الأمر الذي فتح الطريق إلى تشكيل جماعة علماء العراق، ومن ثم المجمع الفقهي العراقي، وغيره، لحين خروجنا من المعتقل وذهابنا إلى سوريا». وتابع: «عرفنا في فترة الاعتقال أن هناك مشكلة ستحدث في العراق، لذلك عندما خرجنا أعدنا تشكيل دار الإفتاء هناك بدعم من الحكومة السورية،»، مبيناً أن «في نهاية عام 2011، حصل اتفاق مع الحكومة العراقية عن طريق الإشقاء اللبنانيين، من حركة الموحدين في طرابلس، والشيخ بلال شعبان وماهر حمود وزهير الجعيد، الذين يمتلكون علاقات جيدة مع الطيف اللبناني، وعدنا إلى العراق مع رئيس الوزراء حينها نوري المالكي، وتم الاتفاق على فتح دار الإفتاء وعودتها إلى مقرها الرسمي في جامع أم الطبول في بغداد».
وطبقاً للصميدعي «لم يكن هناك دور لدار الإفتاء في الشارع السني في أعوام 2013 إلى 2015، بسبب اتهامنا بالتقرب من إيران والصفويين ودعم المالكي، الأمر الذي وصل إلى حال استباحة دمائنا، ومقاطعتنا من أقرب الناس لنا. كان هناك ألف و500 خطيب مشترك في دار الافتاء، حتى وصل العدد إلى 14 إماماً وخطيباً».
ومضى إلى القول: «بعد ظهور تنظيم الدولة، ووقوف دار الإفتاء بوجه الاعتصامات التي كانت تحرض أهل السنة، فضلاً عن دعوتنا إلى التطوع وحمّل السلاح. وعندما رأى السنّة بأن من كان يحرضهم هربوا إلى الخارج وتركوهم تحت سطوة التنظيم، باستثناء دار الافتاء».
وأضاف إن «المالكي كان متعاطفاً ومتعاوناً مع دار الإفتاء، غير إننا لم نر أي تعاطفا من حيدر العبادي، بدون أن نعرف السبب، العبادي قاطع دار الإفتاء لاعتقاده بأن الدار محسوبة على المالكي». وتابع: «دار الإفتاء حوربت أكثر مما يحارب الآن المسجد الأقصى من اليهود».
الخيانة الكبرى
وعن سبب تصريح سابق للصميدعي اتهم فيه دول الخليج بـ«الخيانة»، أضاف: «قلت إن دول الخليج خونة بسبب موقفهم من احتلال العراق. القوات الأمريكية دخلت إلى العراق عن طريق دول الخليج. وتحديداً عن طريق السعودية، حيث الطيران الأمريكي والقوات البرية تنطلق من هناك، فضلاً عن التمويل»، مبيناً أن «التصريح كان يشمل جميع دول الخليج التي ساندت ودعمت الأمريكان لاحتلال العراق. هذا أمر لن أنكره ولن أتراجع عنه».
واعتبر أن «السبب الرئيسي في الضرر الذي لحق بالعراق هو هذه الخيانة الكبرى. هم خانوا الإسلام، فكيف يمكن أن تنصر كافراً على مسلم، وكيف يمكن أن تسمح تلك الدول للكفار بالدخول إلى العراق؟»، موضحاً أنه «بعد أن سمعنا تصريح الرئيس الأمريكي، جورج بوش عام 2003 عندما قال بأن هذا احتلال صليبي وليس تحريراً للعراق، بعض المشايخ في المملكة العربية السعودية، من الخطباء والعلماء، تكلموا وحرضوا لكن غالبهم تم رميهم في السجون».
وأكد أن «التواصل بيننا وبين السعودية لا يتعدى الحضور في المؤتمرات الإسلامية»، لافتاً إلى أن «السلطات السعودية تعتبر دار الإفتاء العراقية داراً حكومية».
قال إن دار الإفتاء حوربت أكثر مما يحارب اليهود المسجد الأقصى
وبشأن تصريح آخر وصف فيه مفتي سنّة العراق إيران بأنها «تشرّف العالم»، أوضح أن : «إيران تشرّف العالم باسمها، كونها ارتضت أن تسمي نفسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بهذا الاسم تشرّف العالم»، معرباً عن أمله في أن «يسمي العراق نفسه الجمهورية الإسلامية العراقية. يشرفني أن أجد اسم بنت مسلمة فاطمة، ولا يشرفني أن أجد اسم رانيا (مثلاً) على بنت مسلمة».
وزاد : «حتى لو تم اعتباري مقربا من إيران، فأنا أبقى مسلماً وأتشرف بإسلامي وعراقيتي. ديني أمرني بأن أتعامل مع جميع المسلمين على وجه الأرض، وإيران ارتضت الإسلام اسماً لها، ونحن نرتضيها صديقة لنا».
اللقاء بسليماني
وتطرق الصميدعي إلى لقاء جمعه بقائد فيلق القدس الإيراني، في العاصمة بغداد، مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لافتاً إلى أن «قاسم سليماني أحد القادة الموجودين في العالم. هو طلب زيارتي، وعندما زارني (في مقر دار الإفتاء في بغداد) كان معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس»، منوهاً بأن سبب الزيارة يأتي لكوني «مفتي جمهورية العراق. ومن خلال الحديث تطرقنا إلى رؤيته عن الواقع السياسي وتشكيل الحكومة. الرجل كان قليل الكلام، واللقاء استمر على ما أذكر أكثر من ساعة».
وعن اللقاء الذي جمعه برجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني، تحدث قائلاً: «التقيته عام 2003، من خلال وفد كان يمثل علماء السنّة في وقتها، برئاسة الدكتور محمد عبيد الكبيسي، ودار الحوار حول العراق والأخوة والتعايش. كان لقاءً بروتوكولياً»، لافتاً إلى وجود «تواصل روحي وفكري مع المرجعية (الشيعية)، ونحن متواصلون معها على قدمٍ وساق، خصوصاً أن لقاءاتنا مستمرة مع ممثلي السيستاني (أحمد الصافي، وعبد المهدي الكربلائي)، كل عشرة أيام تقريباً أو أقل».
وأضاف: «بعد تولي العبادي مهمة رئاسة الوزراء، وخروج المالكي، سكتت جميع الأصوات الدينية السنّية في الداخل، باستثناء هيئة علماء المسلمين المعارضة التي ما تزال ترى أن الحكومة بعد 2003 هي حكومة احتلال».
واعتبر أن «المجمع الفقهي العراقي، الذي كان يعد الداعم الأبرز لمنصات الاعتصام والتظاهرات والخروج على الحكومة، والذي يعد تجمعاً للإخوان المسلمين، ويمثلهم الحزب الإسلامي»، مشيراً إلى إنه «بعد مجيء العبادي، حاول كسب الحزب الإسلامي، ونجح في ذلك، وأعطاهم مناصب من بينها رئاسة البرلمان (سليم الجبوري 2014-2018)، فسكتوا عن أي شيء حدث في زمن العبادي، في حين لو نظرنا بإنصاف وقسنا الأمور التي حدثت بزمن العبادي، نجد بأنها كانت أضعاف بمليارات المرات عن نظيرتها في حقبة المالكي، فلماذا وقف هؤلاء بوجه المالكي فيما سكتوا عن العبادي، الموضوع تمت تسويته بوزارات ومناصب. العبادي استطاع إسكاتهم، وبقي أهل السنّة غارقين بوادي الدم، والخراب والدمار الذي لحق بهم».
وتابع: «الآن لدينا خلاف مع الحكومة يتعلق بإرجاع هؤلاء المعممين الذين كانوا السبب في التحريض وخراب أهل السنّة وقتل أبنائهم وتشريدهم وتدمير مدنهم، باعتلاء المنابر في الجوامع»، مؤكداً أن «دار الإفتاء العراقية لن تسمح لأي أحد من هؤلاء أن يخطب على المنبر، ونحمل الحكومة ورئيس الوقف السني المسؤولية كاملة».
وشدد على أهمية أن «يكون هناك اتفاق على خطباء المنبر. هناك من لا يستطيع أن يعتلي المنبر إلا بحماية أمنية، لأن أهل المنطقة يرفضونه، فيما ترك المصلين في بعض المناطق في بغداد والمدن الأخرى، الجوامع واتجهوا للصلاة في جوامع أخرى بسبب هؤلاء المعممين».