نواكشوط- “القدس العربي”:
أثارت مواقف أعلن عنها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في مقابلته الأخيرة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، جدلا كبيرا في البلاد.
فمن ناحية يوجد أنصاره الذين تابعوا تمجيد المقابلة، ومن ناحية ثانية، هناك مراقبون يرون أنها أظهرت قربا شديدا من فرنسا في سياق رافض للشراكة معها على مستوى دول الساحل، بل على مستوى التيار الأفريقي المضاد لفرنسا والمنتشر بين صفوف الشباب الأفارقة من مدونين ومؤثرين متسيسين.
ووجد محللون تحدثوا لـ”القدس العربي” الأحد، مسوغات لمواقف الرئيس الغزواني، مؤكدين أن وضع موريتانيا يختلف كثيرا عن أوضاع دول الساحل الأخرى، بينما رأى بعضهم أن الغزواني أساء التقدير في المواقف التي أعلن عنها، خاصة انحيازه لفرنسا.
وكانت العبارات الأكثر إثارة في المقابلة هي قول الرئيس الغزواني جازما “إنه لا توجد مشاعر مناهضة لفرنسا في الساحل وأفريقيا بالمعنى الدقيق، بل يتعلق الأمر فقط بسوء تفاهم، كما هو الحال أحيانا بين الأصدقاء القدامى”، وكذلك وصفه رغبة الشعوب الأفريقية في التحرر من التبعية الفرنسية بـ”الشعبوية التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها، حيث يتم تضخيمها بشكل كبير عبر وسائط التواصل الاجتماعي”.
واعتبر حزب الإنصاف الحاكم في موريتانيا “أن مقابلة صحيفة لوفيغارو الفرنسية، مع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وما تضمنته من ردود واضحة وعميقة، أظهرت رؤية ثاقبة للرئيس حول مجمل الحلول الناجعة لمختلف مشاكل المنطقة والعالم”.
وأكد محفوظ ولد السالك، الصحافي والباحث في الشؤون الأفريقية في تصريحات لـ”القدس العربي” أن “وضع موريتانيا يختلف عن وضع شركائها في مجموعة دول الساحل التي تأسست بنواكشوط عام 2014، فالدول الأربع الأخرى بالمجموعة، عرفت سلسلة انقلابات منذ تأسيس هذه المجموعة، بواقع انقلابين في مالي، واثنين في بوركينا فاسو، وواحد بالنيجر، وشبه انقلاب في تشاد”.
وأضاف: “الدول الثلاث غير تشاد، بنت تسويقها الداخلي والإقليمي لاغتصابها للسلطة من مدنيين منتخبين، لم يتجاوز أي منهم ولاياته الدستورية، على مناهضة فرنسا، وعلى رفع شعارات من قبيل “السيادة” و”الوطنية” و”الهوية”… وهي شعارات شبيهة بشعارات حقبة ما قبل الاستقلال، ولكنها عمليا غير واقعية ولا قابلة للإنجاز، لسبب بسيط، وهو أن الدول الثلاث طردت فرنسا، واستقدمت روسيا، وهذا بالنسبة لي لا جديد فيه”.
وزاد: “بالتالي فإن موريتانيا المستقرة سياسيا وأمنيا، لا مشكلة لديها مع فرنسا الآن ولا مع روسيا، فهي تنتهج مقاربة تعدد الشركاء، وهذه كانت ستكون أسلم لدول المنطقة”.
وعما إذا كانت تصريحات الرئيس الغزواني تمهد لظهور محور تابع لفرنسا في الساحل يجمع موريتانيا وتشاد، أكد الخبير ولد السالك “أن موريتانيا ترى أن لديها شراكة تقليدية مع فرنسا تختلف عن شراكة بعض دول المنطقة المنتفضة الآن ضدها، فأرضها لا توجد عليها قوة عسكرية فرنسية مستقرة للتصدي للجماعات المسلحة، كما هو شأن الجارة مالي، التي أقامت بها قوة فرنسية منذ عقد، وكما هو حال النيجر وبوركينا فاسو، حيث كانت توجد قواعد عسكرية فرنسية، كما أن موريتانيا ليست ضمن دول المنطقة التي تشتغل بعملة الفرنك الأفريقي الذي نشأ عام 1945 باتفاقية وقّعها شارل ديغول، ويستخدم من قبل 14 بلدا أفريقيا، والمربوط باليورو بتأطير من الخزينة الفرنسية، وبالتالي فإن نوع الشراكة بين نواكشوط وباريس مختلف، فهناك تعاون اقتصادي وتجاري وعسكري، وليست هناك تبعية اقتصادية بحتة، ولا عسكرية قائمة على إقامة القواعد ونشر الجنود”.
ويتابع: “ولكن، هذا جانب مهم أيضا ولافت، سياسة فرنسا في أفريقيا مرتبكة، وواضح أنها في مأزق، فهي تصمت عن خلافة الجنرال محمد لأبيه المارشال إدريس ديبي في تشاد، وعن إطاحة العقيد مامادي دومبويا بألفا كوندي في غينيا كوناكري، وانقلاب الجنرال بريس أوليغي نغيما على الرئيس الغابوني علي بونغو، وتناهض الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهذا واحد من الأسباب التي جعلتها تخسر الدول الثلاث”.
وقال: “أعتقد أن لموريتانيا رأيا ومقاربة مختلفين، فرئيسها منتخب، وعملتها مستقلة عن اليورو، وأرضها لا توجد بها قاعدة عسكرية فرنسية، ولم تشهد مظاهرات شعبية مناهضة لفرنسا، بالتالي فعلاقتها مع فرنسا ليست هي علاقات مالي غويتا معها، ولا علاقات بوركينا فاسو تراوري، ولا نيجر تياني، ولا حتى علاقات جزائر تبون معها، وهذا يجب أن يكون واضحا، ولا ينبغي أن تنجر موريتانيا نحو العاطفة والتموقع على حساب مصالحها وشراكاتها، يجب أن تقيم الوضع انطلاقا من رؤيتها ومن واقعها، وليس انطلاقا من رؤى انقلابيين يبحثون عن شرعية داخلية من خلال معاداة فرنسا والتحالف مع روسيا. وموريتانيا عليها التحالف مع أي بلد ستفيدها الشراكة معه، وعليها أن تعدد شركاءها، لا أن تظل حبيسة شريك واحد”.
أما الأستاذ ديدي ولد السالك، الباحث الموريتاني البارز، ورئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، فيرى “أن الرئيس الغزواني جامل فرنسا كثيرا في المقابلة، ولم يكن موفقا فيها لعدة اعتبارات، أولها الحديث عن صداقة فرنسا لأفريقيا في ظرف تشهد فيه القارة ما يمكن اعتباره ثورة شعبية مضادة لفرنسا، وكان على الغزواني أن يتحفظ في هذه الناحية، لأن الماضي الاستعماري ماضٍ مرير، خاصة أن بعض الدول مثل الجزائر الصديقة لموريتانيا، تطالب فرنسا بالاعتذار والتعويض. والاعتبار الثاني أن حلفاء موريتانيا وجيرانها وشركاءها في مجموعة دول الساحل الخمس، أصبحت تعلن عداءها البيّن لفرنسا؛ وكان على الغزواني أن يتحفظ حتى لا يستفزهم أو يعتبرونه منحازا لفرنسا ضدهم؛ لأن موقف الانحياز لفرنسا قد يؤزم الأوضاع في المنطقة. أما الاعتبار الثالث، فهو أن موريتانيا تحظى حاليا باهتمام دولي كبير، وعليها أن تلزم الحياد الإيجابي وألا تتموقع في خارطة الصراع بين الصين وروسيا من ناحية، والغرب من ناحية أخرى، حتى تستفيد من شراكات مختلفة ومتنوعة”.
كان الافضل اتباع اسلوب عدم الانحياز والحياد حفاظا على مصالح موريتانيا واواصر الإخوة واحتراما للتاريخ الذي ليس ببعيد ودور فرنسا التدميري في المنطقة. بيد ان ثقافة uncle Ben لازالت تحكم هذا الرجل.