الفنان العراقي عماد عاشور منذ معرضه الأول عام 1977 مرورا بمعرضه في جمهورية التشيك 2006 ومشاركات باريس والنمسا، ومعارض جمعية التشكيليين العراقيين ونقابة الفنانين المركز العام، دأب على تقديم لوحاته باعتبارها وجوها تعبيرية تكشف خامتها عن العناصر الأولية من مواد بارزة، دون العناية بالتفاصيل داخل أجزاء اللوحة، حيث نلمح تشظيا قاسيا لمرأى العين، وهي تواجهنا بوضوح مكشوف، إلا أنه أحيانا يذهب نحو المرأة مبتعدا قليلا إلى الوراء ليعطي الوجه الأنثوي مكملات عناصره الأخرى، الكتفين والشعر بحركات بارزة.
ترى إلى أين يوصلنا مسعى مشهد الوجوه لدى الفنان الذي ينتقل من خامة إلى أخرى، ومن مرحلة لونية إلى مرحلة مغايرة؟ لعل نصف الإجابة موجود في رسوماته للوحات تتشكل من شخوص بملامح غائبة، ممسوحة الوجوه، وكأنه يعوضنا عن وجوه الشخوص الشاحبة، بوجوه لوحاته التي يستعمل فيها عدسة (الزوم) إلى أقصى درجة من الاقتراب، إضافة إلى ارتكانه للوحات صغيرة الحجم، حتى يبدو الوجه مقتطعا من هيكل إنساني كبير .
الأمر الآخر الذي يعطي لعاشور جواز مرور للعبور إلى ساحة التشكيل العراقي المعاصر، تعامله مع الألوان بحرفية لا تخدش العين، فهو يستقي من ممارسته الدؤوبة المستمرة في نتاجه الفني، الكثير من الدربة والإتقان والتمكن من الأداء، حتى يلتفت لتكوينات وجوهه التي تطالعنا بتعابيرها الوجدانية، فهناك وجوه خرجت من ساحة حرب، هاربة بما تبقى من خامة وجودها الإنساني، لاسيما التي لا تخفي خامة (الجنفاص) بلونه الكاكي المميز، وهناك وجوه خرجت توا من علاقة عشق وجودي وهي مضرجة بالاتصال الإنساني العاطفي، بارزة بألوانها الحمراء والوردية، ويأتي هذا التأويل من القراءة القريبة لاشتغاله، دون الاعتماد على تصريحات نقدية مجاورة من الفنان نفسه، لأن عماد عاشور يتعامل مع لوحاته دون بهرجة إعلامية، وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من الجدران الرسمية تبنت لوحاته في إشارة إلى حيازة ذائقة ترقى إلى القيمة الفنية التي يسعى إليها كل فنان، ليثبت وجوده الفني في ساحة فنية مزدحمة بالمبدعين، مثل ساحة الفن التشكيلي العراقي المتميز بالإبداع والابتكار.
ثمة إشارات نقدية تثار إزاء وجوه الفنان عماد عاشور، وهي غير مخفية في تتبع الأثر عند وجوه الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك، وفي رأيي أن الأمر لا يفسد للفن قضية، هناك تقارب ولكنه لا يصل إلى حد طبع الأثر، بل هناك ملمح يشير إلى توالد وجوه جديدة تخص فن عماد عاشور، وإن خرجت من مشغل الترك، ولكنها لا تشبه التخطيط النحتي لوجوه إسماعيل، وحجم لوحاته الكبيرة، وألوانه بمسحتها المائية البارزة.
تمتاز وجوه الفنان عماد عاشور عن غيرها، بابتعادها عن الشحوب اللوني، وخلقها جوا من المتعة، والوقوف تأملا بتعابير قسماتها التي تحمل في كل لوحة، حكاية تفترق عن الأخرى باشتغالها، وفق خامتها المناسبة لتأثيرها العام، إضافة إلى أن عاشور يستريح بين آونة وأخرى بلوحات تحتشد فيها كيانات يمكن تسميتها كيانات عائلية في حالة حركة، وكأنها مقبلة على رحيل مفاجئ، أو أنها استدعيت لنفير مبهم، وهي لحظة ذهول، لذا فإن عاشور فنان تعبيري بامتياز وهو يصر على تقديم فنه وفق هذه المساحة التي جعلته مميزا بين اشتغالات مجايليه من الفنانين .
ثمة ملاحظة أخرى تميز توجهات رسوم عماد عاشور، وهي تصب في عالم الوحدة الإنسانية، فنحن نادرا ما نشاهد لوحة تنقل صراعا ثنائيا، رجلا وامرأة، أو إنسانا إزاء طبيعة، بل دائما نجد وجها بشريا وحيدا، يطالعنا وهو في لب معاناته ونظرته للوجود الذي يحيط بحركته وألوانه، وهذا ما يعطينا السمة البارزة في فنه ومغايرته الآخرين.
كاتب عراقي