لطالما انتقدت مؤسسات دولية الوضع السيء لحقوق الإنسان في مصر بعد انقلاب حزيران/يونيو 2013 وقد حدثت أكثر من أزمة أدت إلى توتر العلاقات المصرية الخارجية مع أكثر من دولة نتيجة خروقات الأجهزة الأمنية لحقوق الإنسان ونتيجة شيوع حالات التعذيب الممنهج التي تحدث في المؤسسات الأمنية وأقسام الشرطة وأماكن التحقيق. وقد وصف التقرير السنوي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الوضع في مصر بالقول: “تستمرالقوات الأمنية المصرية باستخدام الترهيب والعنف والاعتقالات ضد المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، وكل من وجه ولو انتقادا محدودا للحكومة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الرئاسة. وتبرر الحكومة المصرية ووسائل الإعلام الرسمية القمع بمكافحة الإرهاب، ويتذرع نظام السيسي بالإرهاب وقانون الطوارئ في البلاد لإسكات النشطاء السلميين”.
إدانات دولية
وقد وجهت العديد من الانتقادات القوية لأداء الحكومة المصرية التعسفي في ملف حقوق الإنسان، إذ تبنّى البرلمان الأوروبي قرارا شديد اللهجة ضد استخدام مصر عقوبة الإعدام، منتقدا أيضا القمع الحقوقي في البلاد. وشجب المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي موجة اعتقال النشطاء الحقوقيين في البلاد. وفي جلسة أيلول/سبتمبر من العام الماضي لـ”مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء حال المجتمع المدني في مصر وحول القوانين الجديدة المتعلقة بجرائم الإنترنت ووسائل الإعلام.
كما قام العديد من خبراء الأمم المتحدة، مثل المفوض السامي لحقوق الإنسان والمكلفون بولايات في إطار الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، في عدة مناسبات بإدانة فردية أو جماعية للانتهاكات في مصر. وقد شملت الإدانات الاستهداف المنظم للنشطاء الحقوقيين، والأحكام ضد المتظاهرين، وأحكام الإعدام في أعقاب المحاكمات الجائرة. كما استمرت المحاكمات في “القضية 173 لسنة 2011” الخاصة بالتمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، رغم دعوات من الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي لإنهائها. وعلى خلفية هذه القضية تم منع ما لا يقل عن 28 ناشطا حقوقيا من السفر، ويحتمل اعتقالهم في أي لحظة، كما جُمّدت أصول 10 أفراد و7 منظمات على الأقل.
ماكرون يدين من قلب القاهرة
ما زالت كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتردد تأثيرها عندما انتقد ملف حقوق الإنسان في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في شهر كانون الثاني/يناير الماضي في خطوة ربما كانت الأكثر إحراجا للسيسي. فقد أشاد الرئيس السيسي بالشراكة الاستراتيجية بين فرنسا ومصر والتي تقوم على تبادل تجاري بين البلدين بقيمة مليار يورو مع الوكالة الفرنسية للتنمية تمتد للفترة بين 2019 و2023.
لكن صحافيا وجه سؤاله للرئيس ماكرون عن تصريحاته حول حقوق الإنسان في مصر، وما إذا كان قد غيّر سياسته تجاه القاهرة، فقال الرئيس الفرنسي حينها مجيبا إن سياسته تجاه المنطقة لم تتغير، مضيفاً أن “فرنسا لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولكنها تحرص على أن تكون الشعوب قادرة على التعبير عن إرادتها بحرية” وأشار إلى أنه أعطى الرئيس السيسي عام 2017 مجموعة من اسماء المعتقلين السياسيين “ولكن الأمور لم تسر كما كان متفقاً عليه، إذ أودع المزيد من المدونين والمفكرين السجون”.
من جانبه، رد السيسي المحرج قائلاً إن “مصر ليست مثل أوروبا والولايات المتحدة، فهي دولة لها خصوصيتها، وتقع وسط منطقة مضطربة، كما أن العالم كله لا يمكن أن يسير على نهج واحد”. لكن ماكرون من جانبه أشار إلى أنه سيكون أكثر صراحة خلال زيارته وسيتطرق أيضا لذكر حالات فردية في اجتماعات مغلقة، وقال “في مصر، لا نتحدث فقط عن المعارضين السياسيين المسجونين، ولكن أيضا عن المعارضين الذين هم جزء من المناخ الديمقراطي التقليدي ولا يشكلون خطرا على النظام”.
تداعيات مقتل ريجيني
ربما كانت إحدى أخطر الهزات التي تعرضت لها سمعة نظام السيسي نتيجة خروقاته لملف حقوق الإنسان، قضية مقتل الطالب الإيطالي الشاب جوليو ريجيني في 25 كانون الثاني/يناير 2016 الذي كان يدرس للحصول على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة كمبردج البريطانية، وبينما كان في زيارة لأغراض دراسية في القاهرة تم اعتقاله وتعذيبه، وبعد اختفائه عدة أيام ظهرت جثته في 3 شباط/فبراير ملقاة في أحد شوارع مدينة 6 اكتوبر في العاصمة المصرية القاهرة، وعليها آثار تعذيب وحشي. الحادثة أثارت عاصفة من الإدانة والرفض والاستنكار العالمي، والمطالبة بفتح تحقيق دولي للكشف عن ملابسات الجريمة الوحشية والمتورطين بارتكابها ومحاسبتهم.
تم اتخاذ العديد من الإجراءات والتحقيقات في هذه القضية، وكان المتوقع أن هذا الملف قد أقفل بعد مرور سنوات، إلا أن أدلة جديدة كل مرة تظهر فتعيد فتحه. إذ كشف تقرير صحافي في آيار/مايو 2019 عن ملابسات جديدة تفيد أن الاستخبارات المصرية ظنت إن ريجيني يعمل جاسوسا فعذبته بشدة ما أدى لمقلته. وحسب التقرير الصحافي الإيطالي الأخير، أوقفت السلطات المصرية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وأوسعته ضربا ظناً منها أنه جاسوس بريطاني، وذلك قبل أن يعثر عليه مقتولا، حسب ما أفاد في ٥ آيار/ مايو 2019 تقرير صحافي إيطالي استند إلى شهادة جديدة حول مصير ريجيني أدلى بها شخص تنصت على عنصر استخبارات مصري كان يتحدث عن “الشاب الإيطالي” على ما ذكرت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية.
وتبين المعلومات الجديدة التي توصلت للعثور على أحد ضباط الأمن المصريين الذين اعتقلوا وعذبوا ريجيني الذي قال “اعتقدنا أنّه جاسوس بريطاني. أوقفناه وبعدما وضعناه في السيارة اضطررنا لضربه. قمت بنفسي بضربه مرارا في وجهه” حسب ما ذكرت صحيفة “كوريري ديلا سيرا”.
وما تزال قضية مقتل جوليو ريجيني تلقي بظلالها المعتمة على العلاقات بين روما والقاهرة نتيجة إصرار نظام السيسي على نفي ما حصل من جريمة تعذيب وقتل الشاب الإيطالي، وتصر على أن أجهزتها الأمنية غير متورطة في مقتله. فقد قالت السلطات المصرية في بداية الكشف عن الجريمة إن ريجيني توفي في حادث سير، إلا أنها تراجعت عن ذلك لاحقا لتقول إنه قتل على يد عصابة إجرامية، وقد تمكنت الشرطة من القضاء عليها.
وفاة مواطن أمريكي
ولا تلبث ملفات انتهاك حقوق الإنسان في مصر ان تتفجر بين الفينة والأخرى، وأخر هذه الملفات كان وفاة المواطن الأمريكي من أصل مصري مصطفى قاسم، البالغ من العمر 54 عاما في مستشفى جامعة القاهرة يوم 14 كانون الثاني/يناير 2020. إذ أكدت مصادر حكومية رسمية في القاهرة، وفاة المسجون مصطفى قاسم، الذي طالبت واشنطن في كانون الأول/ديسمبر الماضي بإطلاق سراحه، وقد تم تشريح الجثمان لبيان سبب مفارقته الحياة إثر “إضرابه عن الطعام”. جاء ذلك في بيان النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي الذي نقلته وكالة الأنباء المصرية الرسمية.
وقد فتحت السلطات المصرية تحقيقا حول ملابسات وفاة قاسم في مستشفى جامعة القاهرة الذي نقل إليه بعد تدهور حالته الصحية في سجن طرة جنوب القاهرة، نتيجة إضرابه عن الطعام بشكل متكرر مطالبا بإطلاق سراحه منذ أيلول/سبتمبر 2018 وقد كان يقضي حكما بالسجن لـ 15 عامًا في ما يعرف بقضية فض اعتصام رابعة والتي حوكم فيها قاسم مع أكثر من 700 آخرين.
وقد طالب حقوقيون أمريكيون وأعضاء في الكونغرس الأمريكي إدارة الرئيس دونالد ترامب بتوقيع عقوبات على الحكومة المصرية، على خلفية وفاة مصطفى قاسم في محبسه في مصر، إثر إضرابه عن الطعام لأشهر، بعد قضائه نحو ست سنوات في السجن. وقال عضوا الكونغرس الأمريكي كريس فان هولين وباتريك ليهي في خطاب وجّهاه للرئيس الأمريكي، إن “قانون ماغنيتسكي ينص على منع المسؤولين الرسميين في الدول التي تنتهك حقوق الإنسان من دخول الولايات المتحدة، وتجميد ممتلكاتهم”.
بينما دعت مجموعة عمل بمؤسسة كارنيغي الدولية المعنية بالأبحاث السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إدارة ترامب إلى حجب جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر التي تقدر بـ 1.4 مليار دولار سنويًا، وتوقيع عقوبات اقتصادية أخرى، فضلًا عن تفعيل قانون ماغنيتسكي. كما قال السناتور الأمريكي كريس مورفي، في تغريدة على تويتر، إن “قاسم، توفي بعد ست سنوات من الاحتجاز مثل آلاف السجناء السياسيين في مصر، وما كان يجب اعتقاله” ودعا مورفي، وزير خارجية بلاده مايك بومبيو، إلى تذكير مصر بأن “المساعدات العسكرية مرتبطة قانونيا بإطلاق سراح السجناء، بمن فيهم ستة مواطنين أمريكيين، على الأقل”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد أعرب في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لنظيره المصري سامح شكري، عن قلق واشنطن إزاء أوضاع حرية الصحافة وحقوق الإنسان والأمريكيين المحتجزين في مصر، وبينهم قاسم. إلا ان رد الفعل الأمريكي الرسمي على وفاة قاسم في سجنه لم يتضح حتى الآن، فهل سيثير موته أزمة أمريكية مصرية؟ المراقبون لا يتوقعون ذلك، إلا ان هذا الأمر يبقى رهنا لما ستكشفه الأيام المقبلة.
الحكومه الإيطاليه طناش علي قضية روجيني رغم علمها منذ زمن بالقاتل ..حكومه فاسده ومرتشيه .