تزايدت وفيات الأطباء السوريين خلال الأسابيع الماضية نتيجة انتشار فيروس كورونا.
ورغم غياب الإحصاءات المنطقية عن وفيات كورونا إلا أن كثافة النعوات في المدن تثير حفيظة المواطنين.
كما ازداد التوتر مع انتشاررسائل لشخصيات اعتبارية تنتقد عشوائية الاستجابة وتعلن أن قطاع الصحة لا يملك أي مقومات للاستجابة بسبب الحصار.
هدر للموارد
ترسم تفاصيل الاستجابة لكورونا صورة واضحة لأسباب الأزمات المتكررة من هدر للموارد على قلتها وسوء للإدارة إضافةً للتعقيدات الدولية.
وتثبت هذه الصورة القاتمة أن السوريين هم الوحيدون المتضررون من لعبة عض الأصابع الدولية على الساحة السورية.
بلغ مجموع المعونات الإنسانية لسوريا عن طريق الأمم المتحدة أو بالتعاون معها حوالي 19مليار دولار خلال السنوات التسع الماضية.
وصلت حصة قطاع الصحة منها ما يقارب المليار ونصف المليار دولار كما هو معلن بالميزانية الأممية.
أكثر من 70في المئة من هذه المعونات الإنسانية وجهت لمناطق النظام كما تشير التقديرات.
في الشمال الغربي، استُنزف قطاع الصحة نتيجة قصف المشافي المتكرر وحركات النزوح المتوالية.
تمكن قطاع الصحة رغم ذلك من إدارة الموارد بطريقة أكثر كفاءة ظهرت بزيادة عدد المشافي. كما إزداد عدد أجهزة التنفس الاصطناعي في تلك المنطقة على سبيل المثال لتزيد عن ضعفي عدد الأجهزة الموجودة في مدينة كبرى مثل حلب.
حملات التهجير
سبق ظهور فيروس كورونا أكبر حملة تهجير شهدتها سوريا. حيث فقد أكثر من مليون سوري منازلهم ومصادر طعامهم في إدلب وحماه واتجهوا للعيش في مخيمات قريبة من المناطق الحدودية. تضافر شح المياه وتزاحم الخيام ونقص الموارد الغذائية كعوامل خطر مهيئة لانتشار عنيف للفيروس في الشمال الغربي. في المقابل طالب قطاع الصحة بتحديد الحركة عبر الحدود كأحد وسائل ضبط الفيروس.
ورغم استمرار عمليات التهريب مع مناطق النظام ومناطق الشمال الشرقي، إلا أن ضبط حركة الحدود كان له الأثر الاكبر على حماية المدنيين.
شكلت منظمة الصحة العالمية فريق عمل للاستجابة لفيروس كورونا. وعلى الرغم من بطء الآليات والخلاف العلني مع المنظمة الدولية على أولويات توزيع الموارد إلا أن الكوادر الطبية تمكنت من رفع سوية البنية التحتية الطبية. فازداد عدد أجهزة التنفس بـ حوالي 25 في المئة وتم إنشاء وحدات عزل إضافية بدون إيقاف العمل في المشافي سيما أن هذه المشافي تعمل بطاقتها القصوى.
تبقى هذه التغييرات على أهميتها محدودة وغير قادرة على الصمود أمام أي انتشار واسع للفيروس في مخيمات المهجرين.
تأخذ المأساة منحى مختلفا في مناطق النظام. فعلى الرغم من أن المعونات الأممية قد أضافت سنوياً ما لا يقل عن 15 في المئة للميزانية الحكومية لقطاع الصحة إلا أن كفاءة القطاع استمرت بالتراجع.
الهيئات الطبية
مع ازدياد خطر فيروس كورونا على السوريين، قدمت جامعة لندن للاقتصاد دراسة تقريبية بناء على المعلومات المقدمة من الهيئات الطبية السورية للأمم المتحدة. تخلص الدراسة إلى أن النظام الصحي سيصبح عاجزًا تماماً مع وصول الحالات العرضيه لـ ما يقارب 10 آلاف حالة.
خلال الأشهر الماضية خصصت المنظمات الدولية حوالي مئة مليون دولار إضافية، زيادة على المخصصات السنوية، لافتتاح مراكز طبية جديدة في مناطق النظام كأحد ركائز الاستجابة لكـورونا. لكـن بدل التوسع، تم تحويل بعض المشافي القائمة لمراكز علاج ومراكز عزل مما زاد الضغط على قطاع الصحة وأضعف قدرته على الاستجابة للحاجات الطبية الأُخرى للمواطنين.
حتى المشافي المدعومة من المنظمات الإغاثية الأممية والتي انتقلت لسيطرة النظام مع تغير سير المعارك في حلب الشرقية وغوطة دمشق ودرعا على سبيل المثال لم يتم الاستفادة منها. فالمشافي جرى إفراغها وهدمها وضاعت المواد الطبية التي تُركت فيها.
أثارت تصريحات منظمة الصحة العالمية عن الاسـتجابة لكورونا في سوريا صدمة لخبراء الصحة العامة. ففي تصريح لمجلة «الفورين بوليسي» منذ أسبوعين تذكر مديرة مكتب دمشق على سبيل المثال أن الهيئة الدولية قد زودت المخابر السورية بالقدرات لإجراء ألف فحص كورونا مجاني على الأقل يوميًا في سوريا.
من المعروف أن مخابر الشمال الغربي قادرة على إجراء حوالي مئة تحليل يوميًا، أما الباقي فيفترض أنه يجرى يوميًا في مناطق النظام وهو ما يخالف رسائل القيادات الاجتماعية والأرقام الرسمية المعلنة.
ويبقى التصريح الأخير للفريق الأممي عن إصابة أكثر من مئتي موظف أممي في مكتب دمشق، عدا المتعاقدين السوريين، هو الأكثر تناقضًا مع الأرقام الحكومية للإصابات.
للأسف فإن المواطن هو أكثر المتضررين من هذه الفوضى. وتسييس كل ما يحفظ كرامة المواطن وصحته وقوته هو الذي يقود لهذا الضياع. تكرر هذا الضياع في أزمات الوقود والقمح السابقة وغالباً ما سيتكرر في معظم الأزمات المقبلة حتى تنتهي لعبة عض الأصابع الدولية على الساحة السورية.
الرئيس السابق لتحالف المنظمات الإغاثية السورية الأمريكية