لقطة من مدينة رفح جنوبي القطاع اليوم- ا ف ب
الناصرة- “القدس العربي”: مقابل تأكيدات متتالية للمستويين السياسي والعسكري في إسرائيل على مواصلة الحرب حتى تدمير “حماس” واستعادة المخطوفين، تتزايد المؤشرات على تراجع دعم الإسرائيليين للحرب على غزة نتيجة عوامل مختلفة، وربما سيسعى وزير الدفاع الأمريكي، الذي يصل البلاد برفقة قائد الجيش الأمريكي، لإيجاد مخرج وسلّم للنزول عن الشجرة العالية.
تشير مواقف أوساط إسرائيلية متزايدة، ترد بالتصريحات والتلميحات، لاتساع الشكوك بجدوى وحسابات الحرب على غزة في يومها الثالث والسبعين اليوم. هذه الشكوك المتصاعدة داخل إسرائيل من شأنها قلب الطاولة على رأس حكومة نتنياهو، من خلال ممارسة ضغط شديد عليها يضطرها لوقف الحرب على غزة. وهذه المخاوف من تحوّلات في الرأي العام دفعت الثلاثية الإسرائيلية نتنياهو، غالانت وغانتس، ليلة أول أمس، لعقد مؤتمر صحفي لم يحمل جديداً سوى التأكيد على ضرورة مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها المعلنة، والتحذير من وقفها، حتى مقابل الإفراج عن كل المخطوفين والأسرى “لأن ذلك يعني انتصار حماس”، على ما قال نتنياهو.
ونتيجة اجتماع عدة عوامل، تتصاعد الشكوك في جدوى واحتمالات الحرب على غزة، وأحياناً بنظافة حساباتها، بسبب الثقة المتدنية بنتنياهو واعتباراته، التي يختلط فيها الحابل القومي بالنابل السياسي الشخصي، كما يشكك عددٌ غير قليل من الإسرائيليين.
باحث إسرائيلي: مواصلة الجيش البحث عن فتحة نفق هنا، وعن بطارية صواريخ هناك تعني أن إنهاء هذه الحرب يشبه تجفيف البحر الأبيض المتوسّط بملعقة سكر
نتنياهو الذي يواصل التأكيد على مواصلة الحرب حتى إسقاط “حماس”، تزامناً مع تأكيد غالانت على مواصلتها لأكثر من شهور، يريد تغيير اسم الحرب: من “سيوف حديدية” إلى اسم ديني: “سفر التكوين”، بدعوى أن “سيوف حديدية” هو اسم حملة عسكرية، لا اسماً لحرب. لكن الأقرب للحقيقة أنه يبحث عن تبرير مواصلة الحرب المكلفة بإقناع الإسرائيليين أنها دينية ومقدسة. وهذا يفسّر استمرار تهرّب نتنياهو من صفقة مع “حماس”، رغم الضغوط المتصاعدة في الشارع، ويفسّر لجوءه، في مستهلّ الجلسة الأسبوعية للحكومة، أمس، للتلويح بأن عائلات لجنود قتلى بعثت له رسائل بضرورة مواصلة الحرب.
وينبع تشكيك عدد متزايد من الإسرائيليين باحتمالات الحرب من حقيقة كونها أطول حرب في تاريخ إسرائيل، والخوف من تورّط إسرائيل بأوحال غزة على غرار لبنان التي تشكّل صدمة وجرحاً في وعي الإسرائيليين، منذ حرب لبنان الأولى عام 1982. بلغة واضحة يدعو معلّق وناقد تلفزيوني في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عيناف شيف لوقف الحرب بقوله، اليوم الإثنين: “هذا وقت للنزول عن الشجرة. المستوى السياسي والعسكري يستصعبون نطق الحقيقة: تدمير حماس هو شعار جميل، لكنه ليس هدفاً واقعياً في الظروف الحالية”.
ويحذّر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، من مغبة تحوّل القطاع إلى لبنان. وقد سبقه بذلك المعلق السياسي البارز في القناة 12 العبرية أمنون أبراموفيتش، الذي قال مجدداً، أمس الأول، إنه “لا انتصار في هذه الحرب، وإننا ذاهبون للبنان ثانية”.
في تحليله، يشير عاموس هارئيل لتصاعد الشكوك في الشارع الإسرائيلي بقوله إن نتنياهو يلمّح لمواصلة وتوسيع الحرب على غزة، لكن ثقة الإسرائيليين بدأت تتراجع، ما يقود لتصدع الدعم الجماهيري.
ويضيف: “الدعم الواسع للحملة البرّية يختلط الآن بالقلق والشكّ. رغم الضربات التي يلحقها الجيش بـ “حماس” داخل القطاع، فإنه يقترب من المراوحة في المكان، وهذه مكلفة من ناحية الخسائر البشرية.. حسب الاتفاق مع أمريكا، سيكون الشهر القادم موعد تقليص الحرب، ولكن حتى ذلك الوقت الوضع في غزة من شأنه أن يشبه الوضع الذي تورّط فيه الجيش في بيروت”.
وعن حالة الضباب التي تلفّ الحرب بقرار من القيادة الإسرائيلية يقول هارئيل إن قافلة المسؤولين الأمريكيين للبلاد مجدداً، منذ يوم الخميس الفائت، ستتيح، على ما يبدو، القليل من الوضوح حول مستقبل الحرب. وعن نهاية الحرب يرجّح هارئيل أن تكون بعد أسابيع قليلة: “حتى وإن كان الطرفان يتحاشيان الكشف علانية عن موعد النهاية، لكن من الواضح أنه في الاتصالات بينهما: حوالي منتصف كانون ثاني 2024، وبعد هذا التاريخ سيتقلص الفعل الهجومي في القطاع”.
علاوة على الحرب التي تطول وتجبي أثماناً باهظة من إسرائيل، يشتد الشكّ حول جدوى الحرب نتيجة تصاعد احتجاجات عائلات المخطوفين والأسرى الإسرائيليين، التي نصبت عشرات خيام الاحتجاج مقابل مقر وزارة الأمن في تل أبيب، وباتت تستقطب تعاطف المزيد من الإسرائيليين، وأوساط من الصحافة العبرية في ظل شهادات المخطوفين المفرج عنهم حول مخاطر القصف العشوائي وقسوة الحياة في الأسر فوق وتحت الأرض في قطاع غزة.
هارئيل: حسب الاتفاق مع أمريكا، سيكون الشهر القادم موعد تقليص الحرب، ولكن الوضع الآن يشبه الوضع الذي تورّط فيه الجيش في بيروت
كذلك تستمد عائلات المخطوفين دعماً في الشارع الإسرائيلي أكثر من الماضي، نتيجة تجنّد بعض المسؤولين العسكريين السابقين، أمثال رئيس الموساد السابق تامير باردو، الذي يواصل التأكيد على أن إسرائيل خانت المخطوفين مرتين، عندما خطفوا من بيوتهم، وعندما فشلت في استعادتهم.
في حديث للقناة 12 العبرية، حذر باردو مجدداً من أن استعادة المخطوفين ليس عملاً إنسانياً فحسب، بل هو خدمة للأمن القومي.
وتبعه في ذلك، أمس، القائد الأسبق لجيش الاحتلال دان حالوتس، الذي قال للقناة العبرية الرسمية إن إسرائيل لن تبقى كما نعرفها بحال تنازلت عن المخطوفين، داعياً هو الآخر، كباردو وآخرين، لوقف الحرب الآن، واستعادة المخطوفين، لأن ذلك هدف أهم.
كما يواصل الباحث في الشؤون الأمنية عوفر شيلح، وهو نائب وصحفي سابق، التأكيد على أن إسرائيل تدير الحرب في غزة بشكل مغلوط من الناحية الإستراتيجية، وأن البحث عن نجاحات تكتيكية لن يسعفها لأن صور الفشل أقوى، وهي التي سترسب في وعي الإسرائيليين وغيرهم، مثل صورة قتل وإصابة عدد كبير من الجنود في الشجاعية، قبل أيام، أو قتل المخطوفين الثلاثة بنيران إسرائيلية، يوم الجمعة الفائت.
وتابع في حديثه للقناة العبرية 12: “مواصلة الجيش البحث عن فتحة نفق هنا، وعن بطارية صواريخ هناك تعني أن إنهاء هذه الحرب يشبه تجفيف البحر الأبيض المتوسّط بـ ملعقة سكر”.
على غرار معلقين إسرائيليين آخرين، يرى شيلح بضرورة استعادة المخطوفين أولاً، حتى بثمن وقف الحرب، من خلال التوصّل لصيغة معينة بمساعدة الولايات المتحدة، على أمل أن تتحقق الأهداف لاحقاً بالمرحلة القادمة من الحرب؛ استهداف عن بعد، والقيام بغزوات كوماندوس.
حذّر رئيس سابق للموساد من أن استعادة المخطوفين ليست عملاً إنسانياً فحسب، بل هي خدمة للأمن القومي
يضاف لكل ذلك ضغوط النازحين الإسرائيليين (220 ألف نسمة)، ممن يريدون العودة لمنازلهم في المناطق الحدودية في الجنوب والشمال، لعدم تكيّفهم للعيش في مناطق غريبة عنهم، وعن نمط حياتهم الريفي.
كذلك تزداد الشكوك حول خيار مواصلة الحرب نتيجة انتقادات دولية واسعة، تجلّت في دعوة 160 دولة في الأمم المتحدة لوقف الحرب، قبل أسبوع، وفي استطلاع رأي في جامعة هارفارد الأمريكية يكشف عن صورة سوداء لإسرائيل بعيون الفئات العمرية الشبابية داخل الولايات المتحدة.
بالتزامن مع هذه التفاعلات، احتفلت الأوساط الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل بالكشف عن “النفق الإستراتيجي” في بيت حانون، والذي أشرف على بنائه محمد السنوار، شقيق يحيى السنوار، وربما يندرج هذا الاحتفال ضمن محاولات التعويض عن فشل الحرب بتحقيق أهدافها حتى الآن، وعن فقدان صورة انتصار. وتحاول جهات رسمية وشبه رسمية، منها أوساط صحفية عبرية، رفع المعنويات في ظل الكشف عن عدد كبير من الجنود القتلى والجرحى. على سبيل المثال؛ اختارت الإذاعة العبرية الرسمية افتتاح برامجها الإخبارية الصباحية بأغنية لمغن إسرائيلي يدعى يورام غائون، عنوانها: ” لن تنتصروا علي”.
وكشفت وزارة الصحة الإسرائيلية عن وجود 300 جندي جريح، إصابتهم تتراوح بين البالغة واليائسة، قسم منهم يعاني إصابة بجراثيم وتلوثّات خطيرة، تمتاز بمناعتها، ويصعب التغلب عليها طبياً، وتؤدي لوفاة الجنود أحياناً، منوهة إلى أن هذه ظاهرة حصلت في حروب سابقة.
جنرال: إسرائيل لن تبقى كما نعرفها بحال تنازلت عن المخطوفين
وكانت صحيفة “هآرتس” قد كشفت، قبل أسبوعين، نقلاً عن معطيات المستشفيات، تقريراً أفاد بإصابة 5000 جندي.
مثل هذه الأوضاع المأزومة تفسّر تصعيد الجيش الإسرائيلي للقصف العشوائي في جباليا والشجاعية وخان يونس، وإصابة المئات من المدنيين قتلاً وجرحاً.
وهذا النزيف الفلسطيني الناجم عن قتل وإصابة عشرات آلاف المدنيين داخل القطاع دفعَ ويدفع أوساطاً إسرائيلية للتحذير من مواصلة القتل، إن كان بدوافع إنسانية- أخلاقية، أو لحسابات المصلحة الإسرائيلية، التي تلاحظ تدهوراً في صورة ومكانة إسرائيل. وهذا ما يدفع الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط، ورئيس محكمة الاستئناف العسكرية سابقاً، يشاي بار للقول: “هكذا نحن، نسيء لسمعة الجيش”. ففي مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، قال: “ردنا من أجل الدفاع عن أنفسنا قانوني، وواجب، لكن علاوة على الدفاع هناك منا من يقاتل في حربين إضافيتين: حرب دينية وحرب انتقام. للأسف تصريحات بعض قادة اسرائيل حول أهداف الحرب تعكس الأهداف الثلاثة هذه”.
هه لا سفر التكوين ولا حتى سفر الهالوين،. إنما هو وعد الحق وعد رب العالمين وكان وعد الله مفعولا اقتربت نهاية دويلة السراب 🇵🇸🦁✌️🔥🐒🔥🐒🔥