3636
كانت منبج الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا إحدى أكبر مدن البلاد وعاصمة مقاطعة الفرات، حتى أن بروكوبيوس الذي يعد أشهر مؤرخ في القرن السادس الميلادي وصفها بـ «أعظم مدينة في هذا الجزء من العالم». حملت مسميات دينية مختلفة كالمدينة المقدسة، وعاصمة العواصم، كما صكت فيها غالبية العملات التاريخية، وعرفت بمدينة الشعراء والحكماء، والجيش الذي لا يقهر، دخلتها شخصيات تاريخية بارزة، وتناوبت إمبراطوريات ودول على سيادتها، احتلت وتحررت، وعانت من الحملات وعاصرت الفتوحات، فتلك المدينة العظيمة عانت التدمير مرارا، لكنها لم تمت، وبقيت تعاصر المزيد من الأمم.
في كتاب «أخبار ملوك الروم» لمحبوب بن القسطنطين، فسر حروف المدينة بالقول: «الميم وتعني ماء، النون وتعني نبع، والباء وتعني بساتين، والجيم وتعني جنان». فأوائل الكلمات تعني منبج، إلا أن اسم المدينة أو معناها تغير وفق الجهة التي كانت تسيطر عليها.
كما اشتق اسمها من كلمة مبوغ في اللغة الحثية، وقد تطوّر في فترات لاحقة إلى أسماء مختلفة مثل نامبيجي في الآشورية ونابيجو في الآرامية، وقد سمّيت إثر ذلك مابج ونابوج التي تعني النبع، وتنتمي لفظة منبج إلى اللغة السريانية وهي محرفة عن منبغ التي تعني المنبع، وسميت بهذا الاسم لوجود نبع عظيم فيها.
أما في كتاب «نهر الذهب في تاريخ حلب» للغزي، فيقول المصدر: «منبج هذه هي المعروفة بالتاريخ باسم منبج الجديدة ولفظة منبج سريانية محرفة عن منبغ، ومعناها المنبع سميت بهذا الاسم لوجود عين عظيمة فيها تعرف باسم الرام».
أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد
تتبع منبج اليوم محافظة حلب السورية، وتقع شمال شرقي المحافظة على بعد 80 كم من مدينة حلب، و30 كم غربي نهر الفرات في أرض منبسطة تنحدر نحو الفرات شرقاً، ترتفع عن سطح البحر 475 متراً.
كما تتبع لها ما يقارب 285 قرية ضمن ثلاث نواحٍ، ويقدّر عدد سكانها الآن بحدود 900 ألف نسمة حوالي 300 ألف من النازحين، علمًا أن غالبيتهم من العرب ينتمون إلى 29 عشيرة ينتشر أبناؤها في المنطقة، إضافة إلى حوالي 10 في المئة من الأكراد والشركس.
تثبت الكشوفات التي وجدت فيها عن تاريخ يعود إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، وقد انتعشت منذ ذاك الوقت كمدينة كاملة ثم عادت وخبت لتعود وتزدهر في العهد الحثي القديم ولتكمل لعبتها مع الزمن وتتوسع في زمن الآراميين.
حازت منبج مركزاً متقدّمًا في المنظومة الدينية قبيل المسيحية فقد بني فيها معبدٌ للإلهة «أتارغاتيس» إلهة الخصب والمياه والتي اعتبرت إحدى أهم آلهات الأنباط، واعتُبرَ ذلك المعبد واحدًا من أكثر المعابد قداسةً في تلك الفترة، إذ أصبحت منبج العاصمة الدينية للحضارة الآرامية وأقيم فيها هيكل إله العواصف «حدد».
أقدم ذكرٍ لمدينة منبج يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، حيث وصِفت بأنها دار ضربٍ للمسكوكات المالية «الذهبية والفضية» في المنطقة، ومن ثم يمكن عدّها أقدم نقطة لصكّ الأموال في الشرق الأوسط، إلى جانب امتلاكها موقعًا عسكريًا وتجاريًّا مهمًّا في العصرين الرومانيّ والبيزنطيّ.
فكانت فيها أهم قواعد الثغور والجيوش، وحين بدأت الدعوة المسيحية بالانتشار في بلاد الشام، وصلت إلى منبج مع وصولها لحلب، وكان ذلك في منتصف القرن الثالث الميلادي.
وأصبحت حينها واحدة من المدن المسيحية الهامة، وانتعشت التجارة فيها بحكم موقعها الوسيط بين الجزيرة والفرات شرقاً وحلب واللاذقية غرباً، كما أنها كانت مركزاً هاماً لفن النحت الذي تميّز بمفهومٍ جماليٍّ محليٍّ تأثر بالفنون السورية وخاصة الفن التدمريّ.
بقيت منبج على المسيحية حتى عام 15 للهجرة، إلى أن فتِحت على يد القائد عياض بن غنم لتصبح واحدة من أهم المدن الإسلامية في المنطقة، وحصنا دفاعيا هاما جدا للدولة الأموية، وتحوّلت في العهد العباسي إلى جزء مهم من إمارة الحمدانيين، حيث تولّى إدارتها الشاعر والفارس الشهير أبو فراس الحمداني.
آثار
تضم المدينة العديد من الآثار العريقة حسب الباحث عرابي عبد الحي عرابي، منها قلعة منبج التي بناها السلوقيون وتقع وسط المدينة، وقد بنيت سابقاً بغية الدفاع والمنعة للمدينة.
إضافة إلى سور منبج الذي ذكره ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» واكتشف فيها آثار كنيسة مسيحية عمرها 17 قرناً، كما عثر بين القطع الأثرية على رفات بشرية ضمن مدافن لأشخاص سكنوا المكان.
كذلك فيها العديد من الصلبان المحفورة في الأعمدة والجدران والكتابات المنقوشة على الحجر وأحجار كبيرة كأبواب مخفية وسميت بالكنيسة السرية العائدة إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادي، إضافة إلى ذلك ففيها الحي البيزنطي الذي كشف عنه 2008م خلال عمليات الحفر وقد تم العثور على لوحة فسيفسائية تحتوي رسوماً لبعض الحيوانات والنباتات وذلك في الجزأين الشمالي والشرقي.
مدينة الشعراء
نشأ واشتهر فيها العديد من الشعراء المرموقين في التاريخ الإسلامي، منهم البحتري الشاعر العباسي المعروف وأبو فراس الحمداني، والسفير الشاعر عمر أبو ريشة من شعراء العصر الحديث.
وكذلك الأديب والمفكر والشاعر الإسلامي الكبير محمد بن منلا غزيّل الذي توفّي في كانون الثاني/يناير عام 2016.
قبل 150 عاما كانت 1878 السنة التي تدفقت فيها عشرات آلاف المهجرين الشركس على سوريا الطبيعية، قادمين من كل من البلقان بحرا وبرا، ومن شبه جزيرة الأناضول برا، وسبق ذلك تهجير أعداد منهم لا تتجاوز بضعة آلاف وصلت إلى شبه جزيرة الأناضول وسوريا (بلاد الشام شريف). ولم يتوقف وصول أفواجهم، بل استمر حتى مطلع القرن العشرين، ولكن بأعداد كانت تتراجع تدريجيا حيث ضمت المجموعة الأولى حسب الدكتور عادل عبد السلام، الذي يعد أقدم جغرافي سوري ومؤرخ الشركس في سوريا، وما نشره في موقع «التاريخ السوري المعاصر» أن المجموعة الأولى وهي التي تضمنت النسبة الكبرى من الشركس عاشت في منبج والقرى المحيطة قبل ان ينتقلوا في أوقات لاحقة إلى وسط وجنوب سوريا، وهي إشارة مهمة إلى تواجدهم في المدينة قبل 150 عاما.
المدينة الحصينة
تمتعت منبج بمكانة تاريخية كبيرة بفضل موقعها الإستراتيجي الهام، فهي وفق ما قاله الباحث عرابي لـ «القدس العربي» فهي تعد المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه وقريبة من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب، وعقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لحلب، وبسبب ذلك اشتهرت بتاريخها في مقارعة الروم خلال القرون الإسلامية الأولى. وإضافة إلى ذلك ظلت دائما مركزا للحراك الثقافي والاجتماعي الحي.
وحين اندلعت الثورة السورية، شاركت منبج بفعالية في أنشطتها واحتجاجاتها المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وبحلول تموز/يوليو 2012 سيطرت فصائل الجيش الحر عليها وعلى المناطق المحيطة بها.
وفي يوم 23 كانون الثاني/يناير 2014 سيطر تنظيم «الدولة» عليها بعد معارك شرسة مع الجيش الحر، وتمكن من إدارة شؤونها وفقا لنظمه الخاصة، وأصبحت تمثل له قاعدة إستراتيجية كونها عقدة طرق مهمة تربط كلا من جرابلس والرقة وحلب والحدود التركية.
تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية منذ 3 آب/اغسطس 2016 إثر شن هجوم عسكري بري وقصف جوي مكثف من التحالف الدولي.
عقدة الحل والأزمة
تتمتع منبج بموقع جغرافي استراتيجي ومغير لموازين القوى في الشمال السوري عموما، فتموضعها على نهر الفرات ومرور الطريق الدولي M4 من خلالها، منحها خصوصية، بالإضافة إلى أهميتها الخاصة بمشروع الإدارة الذاتية.
وفي هذا الإطار، يرى الباحث بدر ملا رشيد مدى تتبع أهمية السيطرة على المدينة من قبل مختلف أطراف الصراع إلى بداية الثورة من خلال إعلان وحدات حماية الشعب سيطرتها على مدينة كوباني-عين العرب خلال اليوم نفسه، من سيطرة فصائل الجيش الحر على مدينة منبج في 19 تموز/يوليو 2012.
ولا يمكن فصل الحدثين عن بعضهما البعض، فمثلت منبج آنذاك مفتاحاً لتوسع الفصائل شرق الفرات، بالإضافة لتحكمها بعقدة الطرق في المنطقة، ومع خسارة الفصائل للمنطقة في مواجهة تنظيم «الدولة» ظهرت أهميتها مرة أخرى لتمثل أهم معقل للتنظيم في شمال سوريا، لتمتعها ببعد جغرافي على الحدود السورية التركية، وكونها أحد أكبر مدن شمال حلب سكانياً.
كما استغل التنظيم المدينة وسكانها كدرع بشري مع بدء عمليات إنهاء التنظيم إنطلاقاً من مدينة كوباني-عين العرب، واستمرت المعارك بين التنظيم وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي عدة أشهر أدت لخسارات كبيرة في الجانبين، نتيجة شدة المعارك.
بالنسبة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، مثلت منبج وفق ما قاله رشيد لـ «القدس العربي» الطريق الوحيد لتوحيد كانتونات/مقاطعات الإدارة الذاتية، وهذا ما تمت مواجهته من الجانب التركي عبر عملية «درع الفرات» التي كانت تستهدف بالدرجة الأولى إنهاء هذا الاحتمال عبر السيطرة على مدينة الباب.
كانت عملية درع الفرات بمثابة حجر العثرة الأكبر أمام ربط كانتونات الإدارة الذاتية، وتحولت منبج لنقطة توتر بين الطرفين الأمريكي والتركي، بناءً على رغبة تركيا ومطالبتها بانسحاب قوات قسد والحماية الشعبية من المدينة.
وهو ما حصل بشكلٍ تكتيكي عام 2018 بعد تنفيذ تركيا لعملية « غصن الزيتون» وإعلانها نيتها التوجه لمنبج. ورغم اتفاق تركيا وأمريكا حول منبج، إلا إن التوتر لم ينته إلى أن قامت روسيا والجيش السوري بالانتشار في حدود المدينة الغربية وأجزاءً من الشمالية.
تشير كافة هذه المعارك والتوترات الحاصلة بين الدول المنخرطة في المشهد السوري حول منبج لأهميتها، وتشكيلها إحدى عقد الحل والأزمة في المشهد السوري بشكلٍ عام، وهو عامل سيستمر في ظل عدم وصول هذه الأطراف لإتفاقٍ سياسي شامل أما يغير شكل الخريطة العسكرية من جديد أو يثبتها وفق تقسيماتٍ إدارية جديدة تحافظ على مصالح مختلف الأطراف.
مصير الآثار
في عام 2012 سيطر الجيش الحر على معظم مناطق شمال شرقي حلب، من جرابلس إلى عفرين وصولا إلى الجزء الشرقي من مدينة حلب، إلا أن سوء إدارة المناطق المحررة أسفر عن ظهور طبقة جديدة من مافيات تجارة الآثار، وقد توسعت شبكة تجار الآثار في عهد سيطرة تنظيم «الدولة» على المنطقة، وزادت بشكل أكثر منهجية منذ سيطرة قسد على المدينة في 2016 وفق ما قاله عرابي.
تستمر عمليات التنقيب عن الآثار في مناطق متعددة داخل مركز المدينة، وحي الملعب البلدي، وحي السرب شمال المدينة، وحي التّبة وسط المدينة وفي الأرياف الشرقية والشمالية والغربية والجنوبية، وبحسب معلومات من الأهالي فقد تم تهريب العديد من الآثار القديمة ذات القيمة الباهظة مثل اللوحات الفسيفسائية المزخرفة من العهد الروماني القديم.
ولا يقتصر وجود الآثار في المدينة فقط، بل تتواجد في الأرياف معالم أثرية قديمة رصدت وتم التنقيب عنها منذ بداية العام الحالي، حيث تم العثور على العديد من الكهوف الأثرية في الضفة الغربية لنهر الفرات، وفي قرية الصيادة غرب المدينة، وفي قلعة نجم شرق المدينة على ضفة الفرات الغربية، وعند سور منبج القديم، في حين لم تسلم «القنوات الرومانية» من الانتهاكات ليتم نبشها هي الأخرى، وما تزال تلك الأعمال مستمرة دون حسيب أو رقيب، مثل منطقة أم السرج التي تقع جنوب المدينة، وهي تلة أثرية معروفة وفيها آثار قديمة تعود إلى ما قبل العهد البيزنطي، إضافة إلى المناطق المطلة على نهر الفرات شرق منبج والقريبة من منطقة جسر قره قوزاق.
مصدر تمويل
إن موضوع التنقيب عن الآثار في منبج ليس بجديد، وإنما هو استمرار للحملات السابقة التي كان يقوم بها مسؤولو نظام الأسد الفاسدين ثم تنظيم «الدولة» ثم قسد، وقد أدى الحفر المستمر في المواقع الأثرية لإحداث أضرار كبيرة فيها؛ نظرًا لعدم وجود الخبرة اللازمة والمعدات المطلوبة للتنقيب في المواقع الأثرية.
وحسب الأهالي فإن تلك الآثار تباع من قبل القادة الكرد المتنفذين في ميليشيا قسد لتجار لهم علاقة بالأسواق الأوروبية والسوق السوداء للآثار السورية، من أجل التمويل الذاتي سواء للميليشيات أو لقادتها.
إلى جانب التنقيب العلني والرسمي من قبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد «فإن العديد من الناس يبحثون هم كذلك عن اللقى والآثار والعملات الذهبية القديمة، وذلك من خلال اتباع توجيهات المشعوذين الذين يدّعون التعامل مع الجنّ ومعرفة أماكن وجود «الطماير» وهو المصطلح الشعبيّ الذي يعني دفائن القطع الذهبية، أو عبر الخرائط القديمة التي يدّعي عدد من الناس امتلاكها وتشير إلى وجود دفائن معيّنة موجودة فيها.
إلا أن الأمر على مختلف الحالات والتوجهات يتحول إلى كارثة بحق الأرض والآثار التي فيها فقد أدت بعض عمليات الحفر إلى تحطيم قنوات مياهٍ أثريةٌ على عمق عدة أمتار إضافة إلى هدم أجزاء كبيرة من خزّانٍ أثريّ.
وقد سُجّلت بعض الحالات لأصحاب بيوتٍ قاموا بالحفر وبعد عدة أمتار اصطدموا بجدرانٍ حجرية، فتوقفوا عن المتابعة. ومن المرجّح أن تعود هذه الجدران إلى العصر الرومانيّ أو البيزنطيّ.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن أعمال التنقيب العشوائيّ وتخريب واستخراج الآثار، المستمرّة منذ سنتين وحتى يومنا هذا، يتطلب إحصاؤها وتوثيقها عملاً جدياً وشاقاً جداً، وتجنيداً لجهود المهتمين بالآثار لوقف هذا النزيف الحضاريّ.
كسرى وهرقل وفرعون
تؤكد العديد من مراكز الأبحاث والدراسات، إلى أن الإمبراطور البيزنطي هرقل هاجم بلاد ما بين النهرين وسوريا ودمر منبج في عام 540 ميلادي، بعد أن أرغم خصومه الفرس في منبج، على إعادة الصليب الذي كانوا قد استولوا عليه من مدينة القدس عام 610م، إذ يعتقد البيزنطيون أن ذلك الصليب هو الذي صلب عليه السيد المسيح، وقد بقي الصليب عند الفرس مدة 20 عامًا.
من جانبه، كان قد أورد الشيخ زين الدين بن الوردي في كتابه «تتمة المختصر في أخبار البشر»، أن بعضهم كان قد ذكر أول من بنى منبج هو «كسرى»، لمَّا غلب على الشام وسمّاها (من به) أي أنا أجود، فعربت فقيل لها منبج.
كما تعرضت منبج إلى العديد من الحملات والحروب التي ألحقت فيها دمارا كليا أو بشكل جزئي، ومنها أيضا عندما قام فرعون الأعرج بحرق مدينة منبج وتدميرها، ويعتقد أن ذلك قد حصل حوالي سنة 601 ق.م.
عمر بن الخطاب وهارون الرشيد
في العصور الوسطى عندما بدأت الفتوحات الإسلامية، كانت منبج قابعة تحت الحكم البيزنطي، وعندما أصبح عمر بن الخطاب خليفة على المسلمين، كلف عامر بن الجراح أبا عبيدة بطرد البيزنطيين من بلاد الشام، لتتحرر المدينة من الحكم البيزنطي في 16 من العام الهجري- 636 ميلادي، وذلك بعد انتصار جيش المسلمين في معركة اليرموك.
حيث زحف القائد أبو عبيدة بن الجراح، بقواته نحو حلب الساجور، وقدَّم عياض بن غنم الفهري إلى منبج ثم لحق به، وقد صالح إنطاكية على شروط هي الجزية أو الجلاء، فجلا بعضهم، وأقام بعضهم فأمنهم ووضع على كل حالم منهم دينارًا وجريبًا.
وعمد أهالي مدينة مبنج إلى عقد الصلح مع عياض على نفس الشروط التي صالح بموجبها أهل إنطاكية، وقد أقرَّ أبو عبيدة ذلك.
كما تشير المراجع التاريخية إلى قيام الخليفة هارون الرشيد الذي اشتهر بـ «الحج سنة والغزو سنة» بزيارة منبج، وفي ذلك الوقت أطلق عليها منبج العواصم، لأنها تعصم المسلمين من العدو الروماني وجعلها مدينة العواصم عاصمة العواصم وكان حاكمها آنذاك عبد الملك بن صالح بن عباس سنة 173 هجري.
القوى الفاعلة
تمثل منبج أهمية بالغة لعدد من الأطراف، وفي هذا الإطار يرى عرابي عرابي، أن للمدينة أهمية كبرى، إذ أنها مركز اقتصادي يربط مناطق الشمال السوري ببعضها- إلى جوار الطريق السريع إم-4 الذي يربط اللاذقية الساحلية الغربية بحلب والرقة، ودير الزور الغنية بالنفط في الشرق.
أما بالنسبة لروسيا فإن السيطرة على الطريق السريع يمكن أن تساعد في إعادة بناء اقتصاد البلاد وضبط الطرق الدولية اللازمة لإكمال السيطرة على سوريا.
وبالنسبة لتركيا فإن السيطرة على منبج تعني منع قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من وصل شرق البلاد الذي تسيطر عليه مع الغرب، وبالتالي منع تحركها في المنطقة ذهابًا وإيابًا مع عزل الحسكة والقامشلي الخاضعين لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية عن حلب التي يسيطر عليها النظام.
كما أنها مهمة لخطة تركيا لإقامة ما يسمى بـ «المنطقة الآمنة» وإنشاء مدن جديدة فيها لإتاحة عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري لتلك المناطق.
أثر الحرب على المجتمع
سادت انقسامات خلال الحرب في سوريا داخل الهياكل القبلية في منبج، مع سيطرة مجموعات سياسية مختلفة على البلدة.
وقد سعت هذه المجموعات بحسب ما قاله عرابي إلى استبدال الزعماء التقليديين الموالين للنظام بآخرين موالين لها، كي تتمكّن من الوصول إلى عشائر معيّنة.
وهي فعلت ذلك من خلال تنظيم هؤلاء القادة في إطار مجالس عشائرية أو هيئات أخرى خاضعة إلى سيطرتها. لكن هذه المجالس، وعلى الرغم من أدائها دوراً ناشطاً في تسوية النزاع بين فروع العشائر، لم تتمكّن من الحلول مكان زعماء العشائر الذين فضّلوا مساندة النظام. ورغم أن الحرب أضعفت تأثير مشايخ العشائر على الدوائر الواسعة من عشائرهم، إلا أن سلطتهم لا تزال تتفوّق اليوم على سلطة الشخصيات العشائرية المتحالفة مع الجيش السوري الحر أو قوات سوريا الديمقراطية، أو سابقاً تنظيم «الدولة» الإسلامية