منتصر إثري يوثق كارثة زلزال الحوز: من الصدمة إلى الكتابة

ماجدة أيت لكتاوي
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: يعود الصحافي المغربي منتصر إثري إلى زلزال «الحوز» الذي حلّت ذكراه السنوية الأولى منذ أيام، وظلّت راسخة في ذاكرة المواطنين الذين هبوا إلى الشوارع والطرقات، بعد أن اهتزت الأرض تحت أقدامهم، قبل أن تصل الأخبار المؤسفة، مؤكدة وقوع آلاف الضحايا من سكان قرى جبال «الأطلس» تحت أنقاض بيوتهم.
ويسرد المحرر الصحافي في جريدة «العالم الأمازيغي» والناشط المدني في منطقة الحوز، قصصا ومشاهد مؤلمة وقاسية لما حدث بسبب الزلزال وبعده، ضمن كتابه الصادر حديثا تحت عنوان «الصدمة… يوميات زلزال الحوز».
يحكي المؤلف عن تجربته، في كتاب هو الأول من نوعه في توثيق كارثة زلزال 2023 في المغرب، فيقول متحدثا لـ«القدس العربي»: «في الحقيقة، لم أكن أتوقع ولم أفكر حتى في تحويل يوميات مشتتة وممزقة تماماً كالخيام البلاستيكية المتناثرة والمنتشرة في قُرانا، إلى كتاب ليبقى شاهداً على ظروف قاهرة وقاسية مررنا بها في مختلف الأقاليم والمناطق المتضررة من الزلزال، لولا إصرار بعض الأصدقاء والمقربين وإلحاحهم على ضرورة نقل يوميات افتراضية، إلى تجربة تدوين ضمن كتاب، وفيهم من ساهم في المراجعة اللغوية والإخراج الفني».
وأضاف قائلا: «كانت الفكرة في البداية توثيق الأحداث التي عشتها بشكل شخصي في دوَّار (قرية) تنصغارت في إقليم الحوز، من أول اتصال توصلت به لحظة وقوع الكارثة الإنسانية، إلى مرور أشهر ما بعد يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2023 غير القابل للنسيان، عن طريق يوميات مختصرة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلا أن إلحاح الأصدقاء والصديقات، وبينهم من عاش التجربة القاسية والمؤلمة، دفعني إلى تحويلها إلى هذا الكتاب الذي يتضمن تجربتي الشخصية في حدود قريتي، وهي بكل تأكيد تجربة يتقاسمها الكثيرون من أبناء القرى والجبال المنكوبة».

منتصر إثري

وعن سبب اختيار عبارة «الصدمة» عنوانا لهذا الكتاب، يقول: «لأنها فعلا كانت صدمة فقدت معها التركيز والتفكير وكدت أسقط أرضا! غادرت في تجاه المنزل وسط الرباط حيث مقر عملي، فإذا برقم هاتف والدتي يظهر على شاشة الهاتف، حينها كان الناس يتجمهرون في الساحات وسط الرباط. شخصيا لم أتخيل بأن قوته وشدته دمرتا قرانا وبيوتنا، مع الرد على اتصال الوالدة كانت الصدمة قوية، أخبرتني بصوت لم يغادر إلى حدود اليوم طبلة أذني، بأنهم خرجوا من تحت ركام بيتنا الطيني، لكن الجيران والأقرباء تحت الأنقاض والناس يحاولون انتشالهم، رغم انقطاع الكهرباء وتطاير غبار البيوت الطينية المنهارة، الزلزال دمر «الدوار» ولأنني كنت مصدوما من هول الكارثة، ذكرت التفاصيل في الكتاب الذي اخترت له عنوان الصدمة».
وسألت «القدس العربي» المؤلف عما إذا كان يمكن اعتبار كتابه وثيقة أرشيفية لإعلامي هو نفسه كان أحد المتضررين من الزلزال رفقة عائلته، فأجاب: «وثقتُ تفاصيل عشتها إبان الزلزال، منذ اليوم الأول إلى الكثير من الأحداث التي تعاقبت بعده، من مآسي وآلام سكان القرية، إلى جانب مبادرات إنسانية جمعوية وفردية ووعود حكومية، وكل ما هو مرتبط بهذه الكارثة الطبيعية في كل جوانبها المختلفة، من اللحظات الأولى التي تلت الهزة الأرضية، إلى التضامن الإنساني المنقطع النظير». وتابع «على المستوى الشخصي، وكضحية لا يزال يبحث عن بطاقة الإقامة في قريته، وسط أهله وذويه وجِيرانه وأصدقائه، على الرغم من مرور عام، ومع تفاصيل ما عشته، وما يتضمنه الكتاب من أحداث وزيارات للمسؤولين وشخصيات سياسية ورياضية وإعلامية وصور، أعتبره وثيقة أرشيفية ستحتفظ بتفاصيل أفظع كارثة ضربت المغرب حتى الآن».
وجاء في تقديم الكتاب «كانت تجربة مريرة وعسيرة على الهضم إلى حدود كتابة هذه الأسطر، لم يستطع العقل أن يتجاوز مخلفاتها وتداعياتها» والآن، بعد مرور عام على الزلزال، هل ما تزال الصدمة والنظرة هي نفسها؟ يجيب منتصر إثري: «قد أكون كاذبا إن أجبت بأني تجاوزت كل ما وقع. في الحقيقة، لم يستطع العقل أن يتجاوز مخلفات الكارثة وتداعياتها القاسية، ولم تتمكن النفسية بعد من التخلص من آثارها، رغم مرور عام، قد تكون حدة الصدمة أقل الآن، لكن المعاناة مستمرة، وما يزيد من الآلام ويفاقم الآهات هو العيش داخل خيّام بلاستيكية مهترئة تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، منذ أشهر، بالإضافة إلى حرمان الكثير من أبناء هذه المناطق من حقهم في الاستفادة من التعويضات المخصصة لضحايا الزلزال».
وأوضح مؤلف الكتاب أنه عمل على توثيق التضامن الكبير الذي أبان عنه المغاربة وقت الأزمة، بكل تفاصيله، وقال في هذا الصدد: «لا يمكن إطلاقا نكران التضامن الإنساني منقطع النظير الذي تلقيناه آنذاك، تضامن مغربي وأجنبي، قوافل تضامنية شعبية وصلتنا من كل حدب وصوب، ذكرت تفاصيلها وأسماء الكثير من المساهمين والداعمين. نحتفظ لهم بكرمهم، ولن ننسى لهم الجميل».
واختتم منتصر إثري حواره مع «القدس العربي» بالقول، «إن توثيق لحظات الكوارث والأزمات هو إضافة للأدب المتعلق بالكوارث الطبيعية وتجارب المجتمعات في مواجهة الأزمات، وقد يشكل مرجعا للمهتمين بدراسة تأثيرات الكوارث وأثرها على المجتمعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية