القاهرة- “القدس العربي”: تواصلت ردود الفعل الرافضة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي تناقشه اللجنة التشريعية في مجلس النواب المصري، ومن المنتظر إقراره في الدورة المقبلة للبرلمان، التي تبدأ في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وقالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات- منظمة حقوقية مستقلة- إن مشروع القانون يحتوي على نصوص كارثية أبقت على عيوب قانون الإجراءات الجنائية الحالي، من تكديس لسلطات التحقيق والاتهام والإحالة في يد النيابة العامة، وحماية مأموري الضبط القضائي من المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان، مثل التعذيب والاختفاء القسري.
وشددت المنظمة الحقوقية على أن مشروع القانون يكرّس ممارسات غير قانونية تخل بالحق في محاكمة عادلة وحقوق الدفاع، مثل حظر قيام المحامي بالكلام، في غير إبداء الدفوع والطلبات، إلا بإذن من عضو النيابة، وحق عضو النيابة في منع اطلاع محامي المتهم على التحقيق.
ورصدت المنظمة أهم مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي تجري مناقشته حاليًا في اللجنة التشريعية في البرلمان المصري، وتقول السلطة في مصر إنه يهدف إلى تحسين كفاءة النظام القضائي وتسريع وتيرة العدالة، مؤكدة أنه يخفي في طياته مخاطر جسيمة تهدد بتقويض حقوق الإنسان وتدمير ما تبقى من ثقة في القضاء.
تضمنت التعديلات عددًا من المواد التي تفرض طوقًا على حريات النشر والدفاع عن المتهمين، وسط تخوف من توظيف تلك التعديلات لتمرير الكثير من الأحكام في ظل تعتيم ممنهج
📍عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية في #مصرhttps://t.co/W4bODXncPV#السيسي pic.twitter.com/3wQ8MJ8mOi
— نون بوست (@NoonPost) August 29, 2024
ولفتت المنظمة، في ورقة تحليل موقف أصدرتها بشأن القانون، إلى أن التعديلات المقترحة تمنح النيابة العامة ومأموري الضبط القضائي سلطات غير مسبوقة على حساب حقوق المتهم أو المحتجز وحقوق الدفاع، ومنها مثلاً منح النيابة العامة سلطة واسعة في إصدار الأمر بإجراء تسجيلات للأحاديث التي تجري في مكان خاص، ومنح مأمور الضبط القضائي سلطة جوازية بالتحقيق مع المتهم، ما يعزز من هيمنة السلطة التنفيذية، ويضعف من دور القضاء كضامن لحقوق الأفراد.
وأكدت أن هذه التعديلات، التي تقلص من دور القاضي وتزيد من صلاحيات النيابة، قد تؤدي إلى انتهاكات خطيرة للحقوق الدستورية، وتجعل من الصعب على المتهمين الحصول على محاكمة عادلة.
وفي ما يتعلق بالتعديلات المتعلقة بالحبس الاحتياطي، قالت المنظمة إنه على الرغم من تقليص مدته، لا تزال تسمح للنيابة العامة بتمديد احتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة، ولا تضمن توقف ممارسات تدوير المتهمين التي تسمح بالتحايل على مدد الحبس الاحتياطي المنصوص عليهاً قانوناً.
وزادت: عملية استخدام الحبس الاحتياطي بشكل تعسفي في مصر لاعتقال أي شخص بسبب آرائه تعرضت لانتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان على مر السنين، وقانون الإجراءات الجنائية الحالي ليس هو السبب الوحيد للاعتقال، ومن ثم الاحتجاز التعسفي، بل أيضاً هناك قوانين قمعية تجرّم ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وعلى رأسها قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الجريمة الإلكترونية وقانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية، حيث يتم استخدامها كأداة لمعاقبة المعارضين السياسيين والنشطاء، بل وأي مواطن يعبر بطريقة سلمية عما بداخله.
وشددت المنظمة على أنه على الرغم من النص على تقليص مدة الحبس الاحتياطي في بعض الحالات، فإن الاستثناءات الواسعة التي يتضمّنها القانون الجديد قد تؤدي إلى استمرار هذه الممارسات التعسفية دون رادع حقيقي، وأن هذه التعديلات تضع الدولة في موقف يتعارض مع التزاماتها الدولية، وتزيد من القلق حول استخدام الحبس الاحتياطي كوسيلة للضغط على الأفراد أو إسكات أصوات المعارضة.
كارثة فى قانون الإجراءات الجنائية الجديد
أولاً يعطى الشرطة الحق فى اقتحام المنازل وتفتيشها دون إذن قضائي
يحق للشرطة التحقيق مع المتهم وفض الأحراز بدلاً من النيابة
يلزم محامى المتهم تواجده مكان تواجد المتهم
اى أن المحامي سيباشر عمله من السجون بدلاً من المحاكم
ما تعليقك؟… pic.twitter.com/TfPMqk883M— حزب تكنوقراط مصر (@egy_technocrats) August 27, 2024
ولفتت المنظمة إلى أن التعديلات المطروحة تناولت تنظيم أوامر المنع من السفر، وهو أمر يثير قلقًا كبيرًا نظرًا لتأثيره المباشر على حرية المواطنين في التنقل، وهو حق أساسي يكفله الدستور المصري.
وأضافت: بينما يحاول المشروع معالجة الفراغ التشريعي الذي سمح سابقًا لقرار وزاري بتنظيم هذه الأوامر، إلا أنه في الواقع يوسع من نطاق الجهات التي يمكنها طلب إصدار أوامر المنع من السفر لتشمل جهات أمنية متعددة، ويزيد من عدد الجرائم التي يمكن أن يُفرض عليها هذا الإجراء ليشمل حتى الجنح المعاقب عليها بالحبس، ورغم إتاحة حق التظلم من هذه الأوامر، إلا أن المشروع يضع قيودًا مشددة على هذا الحق، ما يثير مخاوف من إمكانية استخدام المنع من السفر كأداة للضغط على النشطاء السياسيين والمعارضين، ويعكس توجهاً نحو تقليص الحريات الأساسية بدلاً من تعزيزها.
وتناولت الورقة التعديلات التي تقيد حقوق الدفاع وتضعف من دور المحامين في حماية موكليهم، وقالت إن منح النيابة العامة صلاحيات لمنع المحامين من الاطلاع على أوراق القضية أو المشاركة الفعّالة في التحقيقات يعد انتهاكًا لحق المتهم في الدفاع يخلّ بمبادئ العدالة، مشددة على أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية يثير مخاوف جدية بشأن تراجع ضمانات حقوق الإنسان في مصر.
وعددت المفوضية عدداً من مساوئ مشروع القانون، بينها التوسع في صلاحيات النيابة العامة على حساب القضاء، وتقليص حقوق الدفاع، واستمرار الانتهاكات المتعلقة بالحبس الاحتياطي، كلها تشير إلى اتجاه مقلق نحو تعزيز سيطرة الدولة على العملية القضائية وتقويض استقلالية القضاء.
ودعت المفوضية المصرية للحقوق والحريات كل من يعنيه أمر العدالة الجنائية والحق في محاكمة عادلة إلى الوقوف بحزم ضد مشروع القانون الذي يقوم بتقويض أسس العدالة في مصر.
ودعت إلى سحب مشروع القانون المقترح وإجراء عملية تشاورية شاملة تضم جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والخبراء القانونيين، مؤكدة أن
مصر بحاجة إلى قوانين تعزز من حقوق مواطنيها وتحمي العدالة، وليس إلى تشريعات تزيد من القبضة الأمنية وتقوّض الحريات الأساسية.
وواجه مشروع القانون حملة رفض واسعة من نقابات ومنظمات حقوقية، وفيما قالت نقابة المحامين إنه يتنافى مع أسس العدالة ويهدد المهنة، أكدت نقابة الصحافيين أنه يحمل نصوصاً تقوّض العمل الصحافي، وتقيد رسالة الصحافيين، فيما أعلنت منظمات حقوقية أن مشروع القانون الذي سوقت له السلطة باعتباره يهدف إلى خفض أقصى مدة للحبس الاحتياطي من عامين إلى 18 شهراً، لا يحقق الهدف منه في ظل بقاء مواد في القانون تمنح السلطة حق المنع من السفر والحجز على الأموال، وفي ظل ممارسات تدوير المتهمين على قضايا جديدة.