واشنطن: بعد أسابيع من تعثر الهجوم البري الروسي في أوكرانيا، عادت موسكو لتكثيف قصفها الجوي والصاروخي، مستهدفة البنية التحتية والمدن الأوكرانية. هذا التحول يثير تساؤلات حول ما إذا كان تصعيدا تكتيكيا لتعويض الجمود العسكري، أم مؤشرا على تغيير في الاستراتيجية الروسية باتجاه حرب استنزاف طويلة الأمد.
وقال ستافروس أتلاماز اوغلو، الصحافي العسكري المتمرس المتخصص في العمليات الخاصة، والمحارب القديم بالجيش اليوناني والحاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية المتقدمة من جامعة جونز هوبكنز، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، إنه خلال الأسبوع الماضي، شن الجيش الروسي أكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد أوكرانيا في عام 2025، حيث أطلقت القوات الروسية وابلا من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية، مستهدفة مواقع في أوكرانيا.
خلال الأسبوع الماضي، شن الجيش الروسي أكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد أوكرانيا في عام 2025، حيث أطلقت القوات الروسية وابلا من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية
وجاء هذا الهجوم غير المبرر في وقت تمتلك فيه روسيا اليد العليا في الحرب، سواء عسكريا أو دبلوماسيا.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية الخميس، استعادة السيطرة على سودجا، أكبر مدينة في مقاطعة كورسك التي اجتاحتها القوات الأوكرانية منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته عبر الحدود في أغسطس/آب 2024.
ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تقترب فيه القوات الروسية من طرد القوات الأوكرانية من آخر معاقلها في منطقة كورسك.
وزار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقر القيادة العسكرية في المنطقة الأربعاء، حيث تحدث إلى القادة العسكريين. ووفقا لتقييم استخباراتي حديث لوزارة الدفاع البريطانية، فقد “أطلقت روسيا ما يصل إلى 35 صاروخ كروز جويا من طراز (إيه إس – 23 إيه كودياك) بالإضافة إلى صواريخ كروز تطلق من سفن أسطول البحر الأسود، وصواريخ باليستية قصيرة المدى، وأكثر من 100 طائرة مسيرة هجومية انتحارية، مما يزيد من تعقيد جهود الدفاع الجوي الأوكراني ويعمل على إنهاكه”.
ويستخدم الجيش الروسي مجموعة متنوعة من المنصات لدعم عمليات القصف بعيد المدى ضد أوكرانيا، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية والمقاتلات والغواصات.
وأضافت وزارة الدفاع البريطانية: “تواصل روسيا استهداف مجموعة من المواقع، بما في ذلك قطاع الطاقة الأوكراني، وخصوصا البنية التحتية للغاز، في محاولة لاستغلال فصل الشتاء لإحباط معنويات السكان المدنيين وإضعاف الاقتصاد الأوكراني”.
ويقول أتلاماز إنه على مدار أكثر من ثلاث سنوات من القتال، جعلت روسيا من الضربات بعيدة المدى سلاحا رئيسيا في حربها، حيث أطلقت آلاف الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على المدن الأوكرانية والمرافق الحيوية وقطاع الطاقة.
وأشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى أن “صاروخ كودياك لا يزال العنصر الأساسي في الهجمات الروسية واسعة النطاق، حيث سمحت سلسلة من الضربات الأقل كثافة هذا العام لروسيا بأن تقوم ببطء بإعادة ملء مخزونها من الأسلحة الدقيقة المتطورة”.
ومنذ فترة، كانت موسكو تحتفظ بالضربات بعيدة المدى ضد جارتها كإجراء انتقامي من نجاحات أوكرانيا، مثل إغراق السفن الحربية الروسية، وتدمير أهداف عسكرية مهمة، وتنفيذ عمليات تخريبية. ومع ذلك، قد يكون شن أكبر هجوم صاروخي ومسير منذ فترة طويلة في هذا التوقيت له تأثير عكسي بالنسبة لروسيا.
يبدو أن هذا الهجوم الأخير، الذي جاء دون أي استفزاز من أوكرانيا، قد يكلف موسكو مكاسب دبلوماسية حققتها مؤخرا
فالطرفان كانا قد التقيا مؤخرا في السعودية لإجراء محادثات تهدف إلى إنهاء الصراع، ويبدو أن هذا الهجوم الأخير، الذي جاء دون أي استفزاز من أوكرانيا، قد يكلف موسكو مكاسب دبلوماسية حققتها مؤخرا، خاصة مع إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
ويرى أتلاماز أن هذا لا يعني أن كييف عاجزة عن التصدي للهجمات الروسية الأخيرة. فقد استلم سلاح الجو الأوكراني مؤخرا الدفعة الأولى من مقاتلات “داسو ميراج” الفرنسية، والتي أثبتت فعاليتها بالفعل في ساحة المعركة.
وخلال الهجوم الروسي الأخير بالصواريخ والطائرات المسيرة الانتحارية، تمكنت مقاتلات “داسو ميراج 2000 – 5 إف” الأوكرانية من إسقاط عدة صواريخ كروز روسية من طراز “كي إتش – 101”.
واللافت أيضا هو سرعة تنفيذ عملية النقل. فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن تزويد أوكرانيا بعدة مقاتلات “داسو ميراج 2000” قبل نحو عام فقط. وخلال أقل من عام، خضع الطيارون والفنيون الأوكرانيون لتدريب على نوع جديد تماما من الطائرات، وتسلموا المقاتلات، وبدأوا فورا في إسقاط الأنظمة المعادية.
ويختم أتلاماز تقريره بالقول إنه عادة ما تستغرق هذه العملية سنوات، لكن متطلبات الحرب واسعة النطاق أظهرت أنه يمكن تحقيق الكفاءة عندما تكون هناك حاجة ماسة لذلك.
(د ب أ)
حينما تصل الحرب إلى حافة الهاوية؛ تخرج عنقها أما إلى السّلام وأما إلى الاستسلام…والهجوم الروسيّ المكثّف الأخير
يسعى إلى تحقيق غايتين متلازمتين: السّلام والاستسلام.السّلام لروسيا بمهماز الردع الستراتيجيّ؛ والاستسلام لأوكرانيا بتخذيل ترامب التكتيكيّ.وإخراج الجيش الأوكرانيّ من كورسك سحب لورقة الضغط النفسيّ على روسيا؛ قبل تحقيق
السّلام الروسيّ والاستسلام الأوكرانيّ.فبعدما تفقد أوكرانيا هذه الورقة التفاوضيّة على الأرض؛ فروسيا ستقدّم لاترامب
مبرر الضغط على استسلام أوكرانيا التي ليس لديها ما تقاتل أو تفاوض عليه.وهذه اللغة البوتينيّة يفهمها ترامب جيدًا…
وهذا الذي جعل بوتين { يترك } أوكرانيا في كورسك طوال المدّة السابقة؛ والآن جاء اللعب بهذا الجوكر المخبوء لصالح
ترامب ضد أوكرانيا.بوتين ليس ساذجًا؛ ومنْ يقرأ ويتابع مجمل قراراته طوال عشرين سنة؛ سيعرف عنه العمق والأفق.
في الدكاكين التقليديّة سابقًا كان صاحب الدكان يحتفظ ببضاعة قليلة لا يرغب ببيعها بل يدعها للعرض أمام الزبائن فقط لحين…وتسمّى عندنا بضاعة رأس الحاجة…أي لتمشية البيع والشراء للبضائع الأخرى لصالح زبائن صاحب الدكان. وبعدما يحقق المكسب تلو المكسب يوافق على بيعها لزبون متمييز؛ كورسك كذلك كانت { رأس حاجة } لدكان بوتين والآن حان بيعها بإخراج أوكرانيا منها لصالح مكاسب أكبر من الزبون الجديد ترامب.من هنا تضحية ترامب بأوكرانيا لصالح روسيا اختيار ستراتيجيّ له؛ فهو يدرك أنّ وزن روسيا في الصراعات الدوليّة أثقل مائة مرّة من وزن أوكرانيا.
فلو اختار أوكرانيا مثل بايدن سيظهر بموقف الضعيف المهزوز؛ ونزعته السيّاسيّة يبحث عن الصعب المتمييز.