القدس – «القدس العربي» : شاهد مئات آلاف المسلمين الفيديو الذي نشرته المنصات ووسائل الإعلام الإسرائيلية ويتضمن حرقا للمسجد الأقصى المبارك، وانتابتهم مشاعر القلق والخوف في ظل تنامي هجمات المستوطنين ومحاولات تغيير الوضع القائم، لكنهم على الأغلب لا يعرفون من هي الجهة التي تقف خلف هذا الفيديو التحريضي الخطير.
وظهر خطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، في مقطع مصور معلقا على الفيديو التحريضي حيث اعتبر أن «الفيديو يؤكد أطماع الجماعات الصهيونية، وهي أطماع قديمة جديدة لكن القائمين على الاعتداءات التي يتعرض لها الأقصى هم اليوم جزء من الحكومة الإسرائيلية، وهم يتوهمون أن الوقت قد حان للانقضاض على الأقصى لتنفيذ المخططات العدوانية بحق الأقصى».
وتابع في تعقيبه على الفيديو الذي صدر عن الجماعة المتطرفة التي تعتبر الأكثر تحريضا عليه: «اليهود سيستقبلون أعياداً لهم ويخططون لفرض واقع جديد من الصلوات التلمودية والانبطاح على الأرض واستخدام البوق والأعلام، إنهم يتوهمون أنهم هيمنوا على الأقصى المبارك».
ورأى أن هؤلاء «ينفذون اعتداءاتهم بحراسة مشددة من الأجهزة الأمنية الاحتلالية، فهم لا ينفذون اقتحاماتهم للأقصى من دون حراسة، في إشارة إلى أنهم معتدون وأن الأقصى ليس لهم».
وأدى آلاف المواطنين صلاة أمس الجمعة في المسجد الأقصى المبارك أمس، في ظل الإجراءات العسكرية المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الوصول إلى المسجد.
واقتحمت قوات الاحتلال صحن قبة الصخرة في المسجد، بالتزامن مع خطبة الجمعة.
«القدس الدولية» ترجّح رداً شعبياً… وباحث: جيلان من التنظيمات المتطرفة
وقدّرت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أن نحو 40 ألف مصل أدوا صلاة الجمعة في رحاب المسجد الأقصى.
وعرقلت قوات الاحتلال وصول المصلين إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة عبر باب الأسباط، ودققت في هوياتهم، وأوقفت عددا منهم. وأدى عدد من الشبان الصلاة في ساحة الغزالي أمام باب الأسباط، بعد أن منعهم الاحتلال من الوصول إلى المسجد الأقصى.
وتواصل قوات الاحتلال فرض قيود مشددة على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى خاصة خلال أيام الجمعة، وتمنع العديد من المواطنين من أداء الصلاة.
وتحرم سلطات الاحتلال آلاف المواطنين من محافظات الضفة الغربية من الوصول إلى القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى، حيث تشترط استصدار تصاريح خاصة لعبور حواجزها العسكرية التي تحيط بالمدينة المقدسة.
تاريخ تنظيم إرهابي
ويوم أمس الأول، نشرت جماعة «أبناء جبل موريا» مقطعاً مصوراً قصيراً يظهر النيران تهب في المسجد الأقصى، وجاء في التعليق «قريباً في أيامنا هذه»، وبعبارة «النصر المطلق».
وقدم الخبير في شؤون مدينة القدس الباحث زياد ابحيص مجموعة من الإيضاحات على الفيديو، وضمنها الجهة التي تقف خلف نشر الفيديو.
وقال لـ «القدس العربي» إنها «منظمة استيطانية شبابية متطرفة، تعتبر نفسها وريثة لنهج الحاخام مائير كاهانا الذي اغتيل في 1990، وتكثر الاقتباس من مقولاته، وهي تنتمي للجيل الجديد من منظمات الهيكل المتطرفة».
وتنقسم منظمات الهيكل المتطرفة عموماً ـ وعددها بات يقارب 60 منظمة وهيئة – إلى مجموعتين على أساس الجيل والآراء السياسية: المؤسسات القديمة والتي تجتمع تحت مظلة «ائتلاف منظمات الهيكل»، وهي تتألف من الحاخامات القدامى والأكبر سناً مثل «معهد الهيكل» و»منظمة تاج الكهنة» و«منظمة إلعاد والسنهدرين الجديد»، وترى بضرورة التعاون مع شرطة الاحتلال، والتأثير البطيء في المجتمع والدولة للتأسيس لأجندة الإحلال الديني وتأسيس الهيكل مكان المسجد الأقصى، وتتحدث عن «التقاسم» أكثر مما تتحدث عن إزالة الأقصى من الوجود.
أما المجموعة الثانية، حسب ابحيص، فتتألف من المنظمات حديثة النشأة، وكوادرها أكثر شباباً وأكثر تطرفاً، وتأتلف تحت «ائتلاف الهيكل الثالث» الذي تشكل نهايات عام 2020، وتضم منظمة «جبل الهيكل في أيدينا» و«أبناء جبل موريا» و«عائدون إلى جبل الهيكل» وغيرها.
وترى هذه المنظمات في المجموعة الثانية، أن مقاربة الجيل السابق بطيئة ولا يمكن أن تصل للتغيير المطلوب، وبناء على ذلك تلجأ للضغط على شرطة الاحتلال وانتقاد إجراءاتها في الأقصى واتهامها بأنها «لا سامية»، وبأنها «تميز ضد اليهود» في الأقصى، وتعتقد بأن إيتمار بن غفير بات «يسارياً مدجناً»، ولا يقوم بما يكفي، وترى الفرصة سانحة اليوم لتأسيس الهيكل بالقوة.
وتنتمي «أبناء جبل موريا» إلى الجيل الجديد من منظمات الهيكل حيث نشرت هذا الفيديو لحريق واسع في الأقصى لأول مرة في يوم 13-8-2024 بالتزامن مع الذكرى العبرية المسماة «ذكرى خراب الهيكل» على اعتبار أن خراب الأقصى وتأسيس الهيكل هو الآتي بزعمهم، وأعادت نشره اليوم كذلك.
وأعادت هذه الجماعة نشر الفيديو مرتين يوم أمس الأول في إطار تحضيراتها لموسم الأعياد الطويل الذي سيمتد ما بين الخميس 3-10 وحتى الجمعة 25-10، والذي تخطط فيه جماعات الهيكل عموماً لأكبر عدوانٍ على المسجد الأقصى المبارك.
يذكر أنه في 28-8-2024 في إطار تحضيراتها لموسم الأعياد نفسه، نشرت «جماعة أبناء جبل موريا» مقطعاً مصوراً لصاروخ حربي يقصف المسجد الأقصى ليقام الهيكل في مكانه.
ويعتبر أعضاء هذه الجماعة من أبرز من يؤدون طقوس الانبطاح «السجود الملحمي» الجماعي في المسجد الأقصى المبارك، ومن أبرز المحرضين على الشيخ عكرمة صبري.
وحذرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، يوم أمس الأول، من ارتفاع وتيرة التحريض الإسرائيلي تجاه المسجد الأقصى المبارك.
وقالت في بيان لها إن الخطورة التي أصبح يتضمنها خطاب الكراهية والتدمير للمقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى، أصبحت واضحة ولا تحتاج إلى تدقيق وفحص.
وأضافت أن «هذا الخطاب التدميري الإرهابي المستند على جملة أساطير وأكاذيب أصبح يعلن عن أهدافه ومخططاته بشكل واضح وصريح دون إخفاء كما كانوا يفعلون في الماضي، وهو مؤشر على الدعم السياسي والأمني لهذه المخططات والرؤى من قبل حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية التي تحمي هذه الفئة الإرهابية خلال الاقتحامات اليومية للأقصى».
تقدير موقف
ويرجّح تقدير موقف صادر عن «القدس الدولية» تجدد الفعل الشعبي المقاوم مع تصاعد محاولات الإحلال الديني في الأقصى ومحاولات تصفية هوية المسجد، وفي ظل العدوان على الضفة الغربية وتصاعد المقاومة فيها واستمرار حرب الإبادة ضد غزة والتصعيد في جبهات الإسناد.
ورأى التقدير الذي صدر مساء أمس الاول، أنّ «موسم الأعياد هذا العام، الممتد من 3-10 إلى 24-10-2024، والذي ستليه مباشرة الذكرى العبرية الأولى لعملية «طوفان الأقصى» التي ستوافق صباح الجمعة 25-10، من المرجح أن يكون أعتى مواسم العدوان على الأقصى في تاريخه»، مشيراً إلى أنّ القيادة الصهيونية تتعامل مع هذه الذكرى بوصفها نقطة معالجة «عقدة 7 أكتوبر»، وأنّ الاحتلال قد يخطط لهجوم متعدد الجبهات يومي الأربعاء والخميس 24 و25-10-2024، ما يجعل من الضروري الاستعداد لهذا الاحتمال بل والتفكير في إمكانية استباقه لتعزيز العقدة».
ويرى التقدير أنّ عملية طوفان الأقصى كانت سادس محطّات التصدي الفلسطينية في مواجهة مرحلة الحسم التي أطلقها الصهاينة بدعم أمريكي بهدف التصفية الشاملة لقضية فلسطين، وهي المرحلة التي بدأت من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني في 6-12-2017، تبعتها حملة الشيطنة وسحب التمويل التي خاضها على وكالة الأونروا لتصفية حق العودة، وسحب الاعتراف بجميع أشكال التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني حتى ما كان متماهياً مع جميع الشروط الاستعمارية، ثم إعلان صفقة القرن في 1-2020 التي تعرض إعادة إنتاج قضية فلسطين بوصفها قضية تمويل مقابل الأمن، وليتوج ذلك بتطبيع عربي رسمي على جبهات عديدة شملت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في ما عرفت بـ «الاتفاقيات الإبراهيمية».
ويبيّن التقدير أنّ الاحتلال ردّ على الطوفان «بهجوم ثأري مندفع ثم ببلورة استراتيجية الحسم، وهي استراتيجية أيديولوجية تعاند موازين القوى لكنها تشكل الكل المتماسك الذي يفسر منهجية خوض الصهاينة للحرب على مختلف الجبهات: فتتجلى في الأقصى بالإحلال الديني ومحاولة تأسيس «الهيكل» المزعوم، وفي غزة بحرب الإبادة، وفي الضفة الغربية بمشروع التهجير، وفي الخارج بمحاولة إنهاء حق العودة بدءاً من تقويض «الأونروا»، وسياسياً بإنهاء جميع أشكال التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني، ومع دول التطبيع العربي بإلحاقها بالهيمنة الصهيونية على أساس اصطفاف إقليمي جديد ضد إيران».
ويشير إلى أن «المسجد الأقصى يشكل بوابة معركة الحسم، وتنظر إليه الصهيونية الدينية بوصفه نقطة الحسم الأصعب التي إذا ما حُسمت تفتح بوابة الحسم على بقية الجبهات، وهذا ما يجعلها بوابة إلحاق الهزيمة وفرض اليأس الصهيوني من إمكانية الحسم، ويجعل معركة الأقصى معركة وجود».
موسم الأعياد أم ثورات؟
وأوضح التقدير أن جماعات الهيكل المتطرفة التي تنشط ضمن تيار الصهيونية الدينية للعدوان على المسجد الأقصى، قد اتخذت عبر تاريخ صعودها من مواسم الأعياد التوراتية الدينية أو القومية الصهيونية مواسم للعدوان على الأقصى ومحاولة تغيير هويته من مسجد إسلامي خالص إلى مقدس يهودي خالص مروراً بمرحلةٍ من التقاسم، وأنها قد كرست أن موسم الأعياد الممتد من رأس السنة العبرية وحتى «عيد ختمة التوراة» هو موسم العدوان الأسوأ على المسجد الأقصى في كل عام، وسيأتي هذا العام ممتداً ما بين الثالث والخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وبيّن أن هذه التجربة التاريخية أدت إلى انطلاق خمس انتفاضات وحروب من بوابة الأقصى بالتزامن مع موسم الأعياد هذا تحديداً، بدءاً من مجزرة الأقصى 1990 التي تزامنت نع هذه الأعياد، مروراً بهبة النفق 1996 وانتفاضة الأقصى 2000 ثم هبة السكاكين 2015 وصولاً إلى طوفان الأقصى في 7-10-2023، ومع اندفاع الصهاينة اليوم نحو الحسم فإن موسم الثورات هذا مرشحٌ لأن يتجدد بالنظر إلى الظروف القائمة اليوم على الأرض. ويتوقع التقدير أن ترعى شرطة الاحتلال أكبر عدوانٍ على المسجد الأقصى في موسم الأعياد العبرية المقبل، تحاول فيه فرض كامل الطقوس التوراتية العلنية لكل عيد، وتجديد حصار المسجد الأقصى لتفتتحه وتحاول استدامته حتى رمضان المقبل أسوة بتجربة العام الماضي مستفيدة من تراجع أعداد الوافدين إليه شتاءً، وأن تكرس الاستفراد الكامل بالساحة الشرقية، وتحاول توسيع مساحة أداء الطقوس التوراتية إلى الجهة الغربية للأقصى مقابل البائكة الغربية لتصبح مساحة جديدة للاستفراد، مع تجديد تجربة رقص المستوطنين على الأبواب والسيطرة الصوتية عليه.
ويرى أنّ الوصول إلى سقف الطقوس المعلن يعني استعراض نفخ البوق المكرر علنًا يوم الخميس 3-10 ويوم الأحد 13-10، ويتوقّع أن يتكرر نفخ البوق مراراً وعلناً داخل الأقصى وعلى أبوابه وحول أسواره، ثم اقتحام الأقصى بـ»ثياب التوبة» البيضاء التي تحاكي ثياب طبقة الكهنة وأداء صلوات «بركات الكهنة» في الأقصى علناً، وفرض القرابين النباتية أو «ثمار العرش» في المسجد الأقصى، وصولاً إلى أداء طقوس «زفاف التوراة» في الأقصى يوم 24-10 لتتويج العدوان بطقوس تجسد صورة النصر بعد عامٍ من انطلاق طوفان الأقصى.
مجالات التحرك
ويخلص التقدير في الختام إلى أن المسجد الأقصى يواجه ذروة التهديد الوجودي الذي يمكن أن يشهده منذ احتلاله، وهذا يفرض ضرورة الانخراط في معركة الدفاع عنه بكل وسائل المقاومة الممكنة، على مستوى الشعب الفلسطيني في كل مناطق وجوده وعلى مستوى دول الطوق وكل شعوب الأمة العربية والإسلامية، مع الضغط على النظام العربي الرسمي المتآكل للحصول على أي موقف إيجابي ووقف تدهور سقوف موقفه.
وللوصول إلى ذلك يدعو التقدير إلى إطلاق أكبر حملة تعبئة وتوعية في تاريخ حملات التفاعل مع المسجد الأقصى منذ اليوم وحتى نهاية يوم 25-10 المقبل.
يوما ما قريب ستندثرون أنتم ومن والاكم وسكت عنكم 🌸