من يحمي النظام السوري من الأقليات؟

من أكثر النكات إثارة للضحك والسخرية على مدى نصف قرن من التاريخ السوري الحديث النكتة التي كان يضحك بها النظام السوري على العالم، ألا وهي نكتة «حماية الأقليات» موحياً بذلك أن الأقليات في سوريا تعيش في رعب دائم من الأكثرية، وهي بالتالي تحتاج إلى حام على الدوام، مع العلم أن الأقليات السورية لم تتعرض في تاريخها لواحد بالمائة من الأذى الذي تعرضت له على أيدي النظام الأسدي. وللأمانة فقد نجح النظام في ترويج وتعميم تلك الكذبة السمجة لفترة من الزمن، لكن حبل الكذب مهما طال يبقى قصيراً، حيث يظهر اليوم أمام الجميع عارياً تماماً بعد أن سقطت ورقة حماية الأقليات التي كان يغطي بها عوراته التي لا تعد ولا تحصى.
لا شك أن النظام وحلفاءه الطائفيين نجحوا في استغلال البعبع الإسلامي على مدى سنوات لمصلحته الخاصة داخلياً وخارجياً، لكن ماذا بعد أن انكشفت خدعة حماية الأقليات وبعد أن راحت بعض الأقليات كالموحدين الدروز مثلاً يمسحون الأرض برأس النظام ويغلقون مقرات حزبه الحاكم ويدوسون على صوره وتماثيله بنفس الطريقة التي داست بها الأكثرية على رموز النظام قبل أكثر من عشر سنوات. لا بل إن أهالي السويداء لم يتركوا شعاراً ولا لافتة ولا أغنية من اللافتات والشعارات والأغاني التي أنشدها ثوار الأكثرية إلا ورددوها في ساحة الكرامة بقلب المدينة التي تطهرت تماماً من كل صور وتماثيل بشار ووالده. وهذا أكبر دليل على أن الأقليات لم تصدق يوماً الكذبة التي حاول بها النظام خداع العالم لتبرير همجيته بحق الأكثرية وتقديم نفسه على أنه يحمي الغرب من الإرهاب الإسلامي. لقد سقطت كذبة مواجهة الخطر الإسلامي تماماً، ولم يعد هذا النظام الفاشي قادراً أن يستر عوراته بأي شعارات جديدة.
والمؤلم جداً في الأمر أن كذبة «حماية الأقليات» انطلت لردح من الزمن على الغرب نفسه دون أن يعلم الغرب المسيحي أن أكبر المتضررين من النظام السوري هم المسيحيون السوريون أنفسهم. ويقول الباحث السوري المسيحي جورج كدر في دراسة له بعنوان «هندسة الفتن» إن «الهجرةَ الكبرى للمسيحيين السوريين كانت على مدى السنواتِ الثلاثين الماضية، أي خلال حكم النظام السوري الحالي. والأرقام تقول إنّ أكبر هجرة للأقليّات كانت في عهد الديكتاتوريّة التي ادّعت حماية الأقليّات، فقد انخفض عدد المسيحيين منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة بشكل كارثيّ؛ فبعد أن كانت نسبتهم 16.5 بالمئة من السوريين مطلع السبعينيّات، قد تصل اليوم إلى أقلّ من 6 بالمئة وربما أقل بكثير، حسب كدر.

إن أهالي السويداء لم يتركوا شعاراً ولا لافتة ولا أغنية من اللافتات والشعارات والأغاني التي أنشدها ثوار الأكثرية إلا ورددوها في ساحة الكرامة بقلب المدينة التي تطهرت تماماً من كل صور وتماثيل بشار ووالده

وحتى الحاضنة الشعبية للعائلة الحاكمة في سوريا في الساحل السوري لم تدفع بتاريخها ثمناً باهظاً كالثمن الذي دفعته خلال العشر سنوات الماضية، فقد استخدمها النظام كرأس حربة ضد الأكثرية، وورطها في صراع تاريخي مع المسلمين في سوريا الذين يشكلون أكثر من ثمانين بالمائة من سكان البلاد.
لقد صرح أحد المتحدثين باسم النظام في السنوات الأولى للأحداث وعلى شاشة الجزيرة بأن العلويين فقدوا أكثر من مئتي ألف قتيل، وهذا يعني أن الرقم ربما تضاعف خلال السنوات اللاحقة من المواجهة بين النظام والأكثرية السنية. وقد ذكرت صحيفة «الحياة» في تقرير لها من الساحل قبل سنوات أن العديد من البلدات العلوية أصبحت بلا رجال لأن العائلة الحاكمة زجت بهم في أتون الحرب ضد الأكثرية. وماذا كانت مكافأة الأقلية العلوية المذبوحة التي يستخدمها النظام في حربه على السوريين؟ إنها تعيش منذ سنوات أسوأ فترة في تاريخها، ويكاد يكون وضعها اليوم أسوأ بمرات من وضع النازحين السوريين الذين تجمعوا في الشمال السوري أو حتى في بلاد اللجوء. وقد خرجت أصوات علوية قوية للغاية في الآونة الأخيرة ضد النظام رغم القبضة الأمنية الوحشية المسلطة على الحاضنة الشعبية للعائلة الحاكمة في الساحل السوري. ولمن لا يعرف فإن عقاب العلوي الذي يتمرد على النظام أكبر بمرات من عقاب أي مكون سوري آخر، فالمطلوب من العلويين المسحوقين المذبوحين المهمشين المنتوفين أن يصمتوا حتى لو لم يجدوا لقمة الخبز لأطفالهم. لكن مع ذلك، هناك حالة تململ غير مسبوقة في العلاقة بين العائلة الحاكمة والمجتمع العلوي الذي قدم مئات الألوف من القرابين على مذبح العائلة ليجد نفسه اليوم في أسوأ وضع معيشي كارثي بعد أن هرب عشرات الآلاف من شبابه إلى العراق وغيره بحثاً عن لقمة عيش، وبعد أن كانت مكافأة العائلات التي فقدت شبابها في الحرب ساعة حائط صناعة صينية وفي أحس الأحوال «سحارة برتقال» أو «باكيت متة».
واليوم لو خفّت القبضة الأمنية الوحشية قليلاً في الساحل السوري لربما شاهدنا انتفاضة شعبية ضد العائلة الحاكمة بنفس قوة انتفاضة الموحدين الدروز في السويداء. ومن الواضح أن الأمور في الساحل طال الزمن أو قصر تتجه في اتجاه الانتفاضة، خاصة وأن غالبية الشارع العلوي يضع اليوم ألف إشارة استفهام على أصل وفصل العائلة الحاكمة، والنسبة الكبرى من العلويين اليوم تشكك في أن يكون آل الأسد علويين أو سوريين أو حتى عرباً أو مسلمين. حاول اليوم أن تسأل علوياً على انفراد عن أصل العائلة فسيقول لك إنها مجهولة النسب ولا تمت للعلويين بصلة، وهي فقط تستخدم الطائفة كرأس حربة لتنفيذ مخططات شيطانية لصالح مشغليها في الخارج ضد سوريا والسوريين والعرب والمسلمين. ولو كانت العائلة من أصل سوري لما دمرت سوريا وشردت شعبها وباعتها بالجملة والمفرّق للغزاة والمحتلين الذين استقدمتهم لحماية عرشها الذليل.
والآن بعد أن اتضح أن النظام السوري أكبر عدو للأقليات والأكثرية في آن معاً، ماذا بقي لديه من أكاذيب كي يتاجر بها، فقد أثبت الباحثون المسيحيون أنفسهم بأن العائلة الحاكمة في سوريا هي المسؤولة عن تهجير غالبية المسيحيين، بينما يرى العلويون أنهم لم يعانوا في تاريخهم كما يعانون اليوم بسبب استغلالهم من قبل العصابة الحاكمة في مشاريع شيطانية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. أما الموحدون الدروز فقد قطعوا شعرة معاوية مع النظام تماماً كما نرى يومياً في انتفاضتهم المباركة التي ستدخل شهرها الثاني. ولا يبدو أن هناك رجعة إلى النظام بعد أن أصبحت السويداء محسوبة على مناطق المعارضة، وبالتالي فإن السؤال اليوم: هل كان النظام يحمي الأقليات فعلاً أم كان يحتمي بها؟ من سيحميه من الآن فصاعداً من الأقليات بعد أن سقطت وانفضحت خرافة «حماية الأقليات»؟

كاتب واعلامي سوري
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    العلويين بسوريا مستعبدين من نظام بشار !
    هم أكثر الناس فقراً , حتى مع سرقاتهم !!
    العلوي الآن كالبالع الموس بحلقه !!!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامي صوفي:

    ما في داعي لحماية النظام من الأقليات لأن غالبية الأقليات السورية لا تزال تدعم النظام. و العلويون لا يمكن ان يثوروا على النظام

  3. يقول سامح //الأردن:

    *نظام الأسد فاسد ومهلهل ولولا دعم
    روسيا وإيران لسقط من زمان.. بالإضافة
    لسكوت الغرب على جرائمه.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل ومضلل للحق والحقيقة.

  4. يقول عربي سوري:

    لنكن واقعيين وان نعترف ان العصابة المجرمة لم تكن تستطيع امتطاء السلطة في سورية بدون دعم الاقليات

  5. يقول عربي سوري:

    قبل فترة قرات ان أحد المجرمين الصهاينة قال ان الفرس يرسلون اسلحة ومعدات الى النظام المجرم على متن شركات طيران ارمينية الى مطار حلب التي يتواجد فيها جالية ارمينية متعاونة مع مرتزقة الفرس الذين جعلوا حلب مقرًا لهم هذا يعني ان الارمن الذين حمتهم الاغلبية العربية السنية من مجازر العثمانيين تحولوا اليوم الى حربة بيد العصابة المجرمة ضد ثورة الشعب السوري التي ارادت التخلص من العصابة الطائفية التي دمرت سورية حضاريًا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيًا طبعًا قد يتساءل البعض لماذا يفعل الارمن هذا الفعل الخسيس الجواب هو الامتيازات الكثيرة التي جعلت منهم قوةً اقتصادية لا يستهان بها الى درجة ان الحكومة الأرمنية تعتبر اليوم من اكثر المدافعين عن العصابة الطائفية المجرمة في المحافل المسيحية الغربية وان الارمن بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام في سورية ولبنان لا يعانون من الوضع الاقتصادي المتردي بل العكس هم يعيشون في بحبوحة بفضل الدعم والمساعدات التي تقدمها لهم المنظمات المسيحية بعكس الدروز الذين انتفضوا بسبب الضائقة الاقتصادية وبسبب هجرة شباب الطائفة الذي يهدد وجودها باختصار المسيحيين لن يتخلوا عن العصابة لانهم اليوم متورطين معه في الجريمة اما مسالة تناقص اعدادهم فسببه الهجرة ونقص المواليد

  6. يقول عربي سوري:

    المسالة ليست مسالة اقليات وأكثرية في الصراع على سورية بشكل خاص وعلى الشرق الاوسط بشكل عام بل هو صراع ازلي منذ بداية الحملات الصليبية الى يومنا هذا والذي تجلى في وضع المجرم الفرنسي غورو قدمه على قبر صلاح الدين عندما احتل دمشق ١٩٢٠وقال ها قد عدنا ياصلاح الدين ومنذ ذالك اليوم وبعد اقتطاع لبنان من الجسم السوري لتشكيل ( كيان) مسيحي لم تتوقف الحملات الصليبية بل اخذت اشكال مغايرة عن الماضية فهي اليوم تدعم العصابات الاجرامية الأقلواتية في زعزعة الوضع في الشرق الاوسط

  7. يقول أحمد قاسم:

    صدقت توصيف دقيق للغاية

  8. يقول طارق بن زياد:

    نظام الاسد الطائفي الاجرامي الدكتاتوري القاتل و الفاشل يتغنى بنفس الأسطوانة التي تغنى بها حافظ الاسد عند غزوه للبنان اي حماية الأقليات!
    و الله ما تاجر احد بمآسينا و جراحنا مثلما ما فعلت انظمة العسكر الممانعة التي ستحرر فلسطين ظالمة او مظلومة …
    و حسبنا الله ونعم الوكيل!

  9. يقول صليبا:

    عصابة بشار وقبله ابوه حافظ لم يحميان يوما لا اقلية ولا غالبية.
    اعصابة بشكل نظام شبيه بعصابة علي بابا والاربعين حرامي.
    يفيد الفاسدين والمفسدين مِن مَن هم معه وعلى شاكلته فقط .

  10. يقول الكروي داود النرويج:

    لا حول ولا قوة الا بالله

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية