المشهد في الشارع الإيراني بات مشحونا بالتوتر ويغلي بالقمع والقتل وحملات الملاحقة والاعتقالات العشوائية مستمرة سعياً لصد السيل العارم والحشود المتظاهرة، ترابط المحتجين في الشوارع والجامعات الإيرانية يعيد الى الذاكرة نفس المشاهد التي تكررت وتوالت لمدة ليست بقليلة في ميادين رئيسية وشوارع مدن عواصم عربية ابّان ما يعرف بالثورات «الربيع العربي» التي بدأت شرارتها بإضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه أوآخر عام 2010 أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه، ومن أولى محطات ومسارح الثورات العربية بمدينة سيدي بوزيد عاصمة الثورات العربية قاطبة امتد الغضب وحلت لعنة المواطنين الغاضبين على نظام الحكم، وأن الضحية البوعزيزي باتت صورته أيقونة أججت وقودا لدفع وتسريع قطار الانتفاضات لتُسقط الثورة في محطاتها الرئيسية أنظمة حاكمة وخلعها من العرش كانت حكمت العباد والبلاد بقبضة من النار والحديد لحقب طويلة بدءا بتونس بن علي مرورا بمصر مبارك وليبيا القذافي واليمن الصالح وصولا إلى بعض الدول الافريقية.
لكن المشاهد ربما تختلف شيئا فشيئا في إيران حيث لم تجن الثورة ثمارها ولم تنضج بعد رغم طراوة عنفها وعنفوانها، الثورة عادة تحتاج أكثر فأكثر الى الوقود للاستمرارية، لكن ليس وقود الفحم بل وقود من نوع البشر والجماجم والجثث المتفحمة على الشوارع ورمي الإنسان من على المباني المرتفعة لتفيض سخط الشارع لنرى لاحقا سقوط القادة والمسؤولين تباعا من النظام الإيراني الذي لن يتوانى في استخدام أي أسلحة فتاكة تشبثا بالبقاء الهش.
دوليا تكتفي معظم الدول في العالم بإصدار بيانات لشجب واستنكار حملات القمع والقتل والتعذيب للسلطات الإيرانية حتى الآن لم تتخذ أي دولة موقفا لمطالبة النظام الإيراني بالرحيل على عكس المواقف الدولية والغربية الداعمة للانتفاضات العربية التي كانت تتوالى بل وتشدد على رحيل الأنظمة والحكام ومحاكمة بعضهم وإحالة ملفاتهم إلى المحاكم الدولية.
صورة الثورة الإيرانية من حيث المضمون مشابهة تماما للصورة التونسية حيث بدأت بإعتقال « زینا « مهسا أميني الشابة الكردية البالغة من العمر 22 عاما من قبل شرطة الآداب الإيرانية بتهمة عدم إرتداء ملابس محتشمة، وقتلها تحت التعذيب حسب الروايات والشهادات في حين أن السلطات الإيرانية تنفي صحتها وترفضها جملة وتفصيلا بل وتعتبرها مؤامرة حيكت ضد الجمهورية الإسلامية، واليوم فإن صور أميني أصبحت أيقونة ثورية نسوية وشبابية تجتاح الشوارع المشتعلة بالغضب العارم والعصيان والإضرابات العامة، كما وأن المحتجين يرفعون شعارات ولافتات تطالب بإسقاط النظام في الجامعات والشوارع، على المستوى الدولي تجوب تظاهرات مؤيدة وداعمة لأميني والاحتجاجات الشعبية، شوارع في عدة عواصم غربية.
الثورة في إيران ليست وليدة اليوم، بل انها تمتد جذورها لأكثر من عقد من الزمن إذ بدأت الاحتجاجات ما يعرف بالحركة الخضراء على خلفية عدم إعتراف المحافظين بالهزيمة الساحقة أمام التيار الإصلاحي في انتخابات عام 2009
ثمة مفارقة أخرى بين النظام الإيراني والأنظمة العربية المخلوعة من الحكم، إذ أن إيران تتميز بعقيدة مذهبية وطائفية وقامت على أسس ولاية الفقيه وتبنت دولة شيعية بطابعها الخاص والفريد وليس هناك أي نموذج ومثيل لها في المنطقة والعالم بأسره، لذلك قد تلجأ السلطات الإيرانية إلى إستخدام كافة أوراقها لتخفيف حدة التوترات الداخلية وقمع الاحتجاجات مثلما فعلت في الأعوام الفائتة للنجاة بنفسها، كما أن إيران تحاول منذ سنوات تصدير ثورتها المذهبية إلى الكثير من دول المنطقة من العراق وسوريا ولبنان واليمن وقد نجحت في هذه السياسة والجبهات إلى حد كبير حيث باتت عواصم تلك الدول تحت وطأة وسيطرة شبه كاملة للنظام الإيراني.
دبلوماسيا لم ينشق أي ممثلي أو دبلوماسي إيراني عن النظام إنما يدل على خوفهم من انتقام وغضب المرشد الذي قد يحرق الأسود واليابس.
إقليميا فالدول المجاورة قد تنأى بنفسها عن الأوضاع الداخلية المضطربة داخل إيران تفاديا لوقوع صدامات ومواجهات عسكرية مباشرة مع الحرس الثوري الذي يسعى جاهدا لتصدير المشكلات الداخلية في اللحظة الراهنة الى خارج الحدود وهو الآن يبحث بدقة عن حرب خارجية لإنقاذ نفسه من الورطة الداخلية وغضب الشارع على غرار توحيد موقفه في بدايات تأسيس الجمهورية الإسلامية عقب سقوط نظام شاه عام 1979 بقيادة الخميني حيث كانت أصوات المعارضة ترتفع بين رموز الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد السياسيات الحديثة انذاك حيث أن الخوض في المعركة المنهكة مع العراق كان خيارا وحيدا واستراتيجيا ناجحا لبقاء السلطة الرضيعة بقيادة الخميني.
اما إسرائيل التي تعد العدو اللدود للنظام الإيراني فيبدو أنها تحبس انفاسها وتختار الصمت، وتراقب الوضع الداخلي في الجمهورية الإسلامية.
الثورة في إيران ليست وليدة اليوم، بل انها تمتد جذورها لأكثر من عقد من الزمن إذ بدأت الاحتجاجات ما يعرف بالحركة الخضراء على خلفية عدم إعتراف المحافظين بالهزيمة الساحقة أمام التيار الإصلاحي في انتخابات عام 2009، كما أن الحركة الخضراء حيئذٍ جابت الشوراع والساحات والميادين في طهران والمحافظات الإيرانية لمواجهة آليات القمع والفتك والقتل الجماعي، لكن النظام الإيراني كان قد تمكن من مسك زمام الأمور رغم مراهنة الكثير والكثير لسقوطه تحت ضغط الشارع، إذن إيران تعيش لحظات الثورة لأكثر من 13 سنة عبر محطات مصيرية لكنها ثورة متقطعة لجملة أسباب لعل أبرزها أساليب القمع وقوة النظام عسكريا واقتصاديا فضلا عن التكتيكات السياسية والدبلوماسية في إدارته للملف النووي مع الدول الغربية.
أما قاسم سليماني الرجل المنقذ لإيران عسكريا وسياسيا فهو الغائب في المشهد أيضا لدعم وإسعاف الوضع الداخلي المتأزم، إذ إنه قد قاد الكثير من الحملات لترتيب الأوراق الإيرانية والجبهات تحت ذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية في دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت حرصا وتفانيا من الجنرال الغائب سليماني لتعزيز مكانة إيران على المستويات الدولية والإقليمية، إذن كل المؤشرات تدل على ضعف السلطات الإيرانية أمام موجة الاحتجاجات الطلابية والشبابية والنسوية، وقد تعبر الثورة الإيرانية مرحلتها العصيبة والدقيقة حسب الكثير من المراقبين والمحللين.
كاتب عراقي