نواكشوط ـ «القدس العربي»: لم يتوقف لحد ظهر أمس انشغال الموريتانيين بالحلقة الأخيرة من برنامج «الاتجاه المعاكس»، التي خصصها فيصل القاسم للمعركة المشتعلة منذ أيام بين نظام الرئيس ولد عبد العزيز والإسلاميين.
وانصب الاهتمام على ناحيتين في هذه القضية هما: رفض الدكتور محمد إسحاق الكنتي المشاركة في هذه الحلقة، بحجة أنها مسجلة وليست مباشرة، والثانية عدم التوازن الذي يرى الكثيرون أنه طبع هذه الحلقة وحوّلها إلى منبر استغله ممثل المعارضة الموريتانية أحمد الوديعة، مستفيدا من غياب ممثل للحكومة لتوجيه انتقادات مسددة لنظام الرئيس ولد عبد العزيز، كما استغلها مقدم البرنامج فيما سماه البعض توجيه «ضربات قطرية العيار» لسياسات الرئيس ولد عبد العزيز المصطفة إلى جانب السعودية والإمارات.
«الجنرال عزيز» و«الكنتي هرب»… عبارات كررها فيصل وأغضبت طرف الحكومة
وعكس كل من مدوني المعارضة والموالاة مواقف الاستياء هنا والارتياح هناك من حلقة توبعت في موريتانيا وخارجها على نطاق واسع جدا.
وتحت عنوان «حقيقة ما حصل»، شرح الدكتور الكنتي، الأمين العام المساعد للحكومة الموريتاني، في تدوينة له مساء الثلاثاء، أسباب تغيبه عن الحلقة قائلا: «هجرت الجزيرة منذ 2011، وقتها كانوا يكتبون على الشاشة عند بث البرنامج «مباشر»، وعلى هذا الأساس أردت المشاركة فيه للدفاع عن الحقيقة، ولم يبلغني أحد أنه مسجل، ولو علمت أنه مسجل ما قبلت المشاركة فيه لأسباب يعرفها الجميع».
وأضاف: «في الطريق من المطار إلى الفندق اتصل بي مخرج البرنامج وأبلغني بوقت تسجيل البرنامج، سألته: البرنامج مسجل؟ قال: نعم؛ قلت: غدا نتكلم في الموضوع، ولما حضر أبلغته بشكل واضح وصريح رفضي التام للمشاركة في البرنامج إلا إذا كان على الهواء مباشرة».
وقد غصت صفحات التواصل بالتعليقات على هذه الحلقة المثيرة، وكتب المدون الناشط إسماعيل الشيخ سيديا تقييما للحلقة قال فيه: «استطاع الوديعة أن يستغل برنامج «الاتجاه المعاكس» بشكل رشيد ومريح ومحنك، ونجح فيصل القاسم في التشفي في ضيفه المعتذر بعد قدومه إلى مباني قناة الجزيرة، وفي طيفه السياسي الحاكم في موريتانيا بشكل فني ومسرحي ولفظي مهين».
«ما كان لإسحاق الكنتي، يضيف المدون، أن يرفض الحوار إلا لأمر قاهر وطارئ؛ وإلا لما لبى الدعوة وحضر أصلا؛ لم يكن البرنامج «حلوا» بالمرة، وكان نجمه الساطع هو الوديعة الذي شكل البرنامج التلفزيوني الواسع الانتشار (الاتجاه المعاكس) فسحة له، وانكشفت قرصات مبيتة للمقدم في جلد الإمارات».
وقال: «اتضح لنا، نحن الموريتانيين، أن لعنة الهامش العربي تطاردنا، وأن تصنيفات مؤشرات التنمية ترفضنا، وما يمكن أن يضيفه برنامج الاتجاه المعاكس للنقاش الداخلي هو لماذا هذه الأرقام المهولة التي تلاها الوديعة؟ وكيف يرد عليها صانع القرار؟ وهل فعلا لدى أغلبيتنا مشاهد أوحد وسياسة شطب وإطفاء وإلغاء كما أورد الإعلامي أحمدو الوديعة؟».
أما الإعلامي البارز الدكتور الشيخ معاذ، فقد علق قائلا: «مهما كُتِبَ ومهما قيل لن يؤثر ذلك في مكانة قناة الجزيرة عند السواد الأعظم من الموريتانيين، فما زال الرقم (1) على قائمة القنوات في أغلب المنازل محجوزا للجزيرة، لذلك هم لا يتأثرون بنقدها ولا بشتمها».
وأضاف: «على الأصدقاء في الموالاة الاعتراف بأن التعامل مع البرنامج كان فاشلا، فالاعتذار عنه بحجة تسجيله حجة واهية لا تصمد أمام أعداء قطر الكثيرين الذين سجلت معهم الجزيرة برامجها المختلفة ولم نسمع منهم أي تبرم أو شكوى أو اتهام».
ثم طرح المدون أسئلة منها «ما الذي كان سيحدث لو شارك النظام في الحلقة؟ كان سيدفع بحجج كثيرة ما زال يرددها في قنواته وقنواته الموازية، وربما وجد فيها بعض المشاهدين وجاهة…الاعتذار في اللحظات الأخيرة انهزام ونكوص، وجهوا اللوم نحو سياستكم الإعلامية التي أدى عدم تنسيقها إلى سحب البساط من تحت أقدام ممثلكم في «الاتجاه المعاكس»، فلم يبق للكنتي في الاتجاه المعاكس الحقيقي غير سمفونية الهجوم على الإخوان وتاريخهم، وذلك لم يعد مادة تغري أي مشاهد عربي، فقد كفى الإعلام المصري السيسي الناس مؤونة ذلك».
وانتقد الدكتور معاذ في تعليقاته عدة تدوينات طالبت بإغلاق مكتب الجزيرة في نواكشوط قائلا: «تحرضون النظام على إغلاق مكتب الجزيرة في نواكشوط؛ ترى من المستفيد أكثر من وجود هذا المكتب أصلا؟ هل هي موريتانيا أم الجزيرة؟ هل كانت تقارير مكتب الجزيرة هنا منحازة وغير مهنية؟ هل شكا أي من ضيوفها من التصرف في كلامه أو حذف أفكاره؟ فكروا جيدا قبل أن تندموا على قرارات غبية كهذه، فالدول التي تحترم نفسها هي تلك التي ترحب بالإعلام أيا كان نوعه وشكله، وتوفر له مناخ عمل تنافسيا، ما دام لم يصدر منه ما يستوجب الاستغناء عنه؛ فهل صدر من مكتب نواكشوط ما يستوجب غلقه؟».
وكتب الإعلامي الهيبة الشيخ سيداتي معلقا في عجاج هذا السجال: «السماح لموظف حكومي بحجم الأمين العام المساعد للحكومة بالسفر لبلد اتخذت حكومتنا قرارا «سياديا» بقطع العلاقات الدبلوماسية معه قبل أشهر قليلة، أمر لافت جدا، وخصوصا حين يكون السبب المشاركة في برنامج أو مناظرة تلفزيونية يفترض أن في أنصار النظام من هو أحسن أداء، وأقل كلفة دبلوماسية، وأكثر نفيا للحرج».
«وهل يتصور من شخص يحترم الإعلام، يضيف المدون، ويحترم مواقفه في الآن ذاته، ولديه رؤية ورسالة يريد إيصالها للجمهور أن يحجزه عن المشاركة في حلقة حوارية تنقل آلاف الكيلومترات إليها، كونها مسجلة ساعتين قبل البث، وهل يتصور أن يتنقل كل هذه المسافة دون معرفة هذا التفصيل».
ويرى المدون المعارض محمد الأمين أشفاغه «أن حلقة «الاتجاه المعاكس» شكلت سقوطا فظيعا لقناة الجزيرة؛ فاستهداف فيصل القاسم لشخص الرئيس الموريتاني ونعته بمختلف الأوصاف لا يعادله في السقوط إلا وضعهم لصورة الكنتي على المقعد الفارغ ومخاطبته من خلاله، أما تحريض فيصل على الخروج على النظام فذلك يشكل «جريمة» وتحولا في خط القناة المهادن للنظام الموريتاني بعد رصاصته الطويلة، وأعتقد أن الأيام القادمة ستشهد تطورات جديدة في ملف التيار الإسلامي خاصة بعد دخول قطر على خط المواجهة».