موريتانيا: افتتاح مهرجان مدائن التراث والغزواني يدعو شعبه للتخلص من النعرات الضيقة وخطابات الكراهية ونزعات الاستعلاء

عبد الله مولود
حجم الخط
0

شنقيط (شمال موريتانيا) –«القدس العربي»: دعا الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني شعبه لما سماه “هبة وطنية جامعة وقوية تهدف إلى تغيير العقليات السلبية والتخلص من النعرات الضيقة وخطابات الكراهية ونزعات الاستعلاء”.
جاء ذلك في سياق خطاب افتتح به النسخة الثالثة عشرة لمهرجان مدائن التراث الذي انطلقت فعاليته ظهر الجمعة في مدينة شنقيط الواقعة في أقصى الشمال الموريتاني، بحضور وفود وزارية وشخصيات ثقافية وعلمية من مختلف أنحاء العالم، بينها مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، ومدير “الإيسيسكو”، ومدير معهد العالم العربي في باريس. وشدد الرئيس الغزواني في خطابه “على ضرورة العمل من أجل تحول مجتمعي عميق في موريتانيا يعزز الوحدة الوطنية ويقضي على الممارسات الهدامة”.
وأوضح “أن موريتانيا في حاجة إلى تغيير جذري في العقليات، وأنه سبق له أن أعلن الحرب على العقليات الضارة بوحدة موريتانيا الوطنية والمنافية لقيمها الدينية، مثل النفس القبلي والعرقي الهدام”؛ مؤكداً “أن النتائج الميدانية لهذا التوجه ما زالت دون المستوى المأمول، لكنه أكد أن هذا المسار سيظل توجهاً استراتيجياً لا تراخي فيه لحكومته ونظامه”.
وأشاد الرئيس غزواني في مدينة شنقيط، ووصفها بأنها “مركز إشعاع ثقافي وعلمي خالد على مر التاريخ”، حيث لعبت دوراً محورياً في التبادلات التجارية بين شمال وجنوب الصحراء.
ويتضمن برنامج المهرجان الممتد على مدى أربعة أيام، فعاليات ثقافية وفنية وندوات تاريخية ومعارض للتراث، تعكس، وفقاً لوزارة الثقافة الموريتانية، اهتماماً جديداً بالمدن التاريخية، وحرصاً على انتشالها من الإهمال وإيلائها ما تستحقه من عناية بوصفها الشاهد على عراقة موريتانيا وأصالتها العربية والإسلامية. وضمت معارض المهرجان أجنحة للكتب والمخطوطات والمصنوعات التقليدية الموريتانية بمختلف أنواعها ومنتوج التعاونيات الزراعية ومنتوجات النخيل. وأظهرت المعارض بما ضمته من قطع تراثية ومخطوطات أن مدينة شنقيط شكلت عبر تاريخ موريتانيا مواقع تلاق وتمازج بشري ومراكز تبادل تجاري ومنارات إشعاع علمي وفكري.
وتشمل نشاطات هذا المهرجان الكبير محاضرات عن تاريخ وثقافة المدينة والتحولات التي شهدتها، ومعارض للصناعات التقليدية، وجلسات الشعر الشعبي، ومسابقات الفروسية والنسيج اليدوي والحكايات القديمة، وعروض اللباس التقليدي والعادات والتقاليد الخاصة بالأفراح الشعبية، إلى جانب مسابقات في تلاوة القرآن والسيرة النبوية، والرماية والكرة الحديدية وسباقات للإبل والفروسية. وبمناسبة المهرجان، تستضيف ساحات وشوارع وطرقات شنقيط العبقة بأريج الأصالة والعراقة، أسواقاً ومعارض تجارية وسياحية متنوعة، حيث يعرض الصناع التقليديون الموريتانيون المبدعون التحف الفنية والأثرية، وتنتعش بهذه المناسبة تجارة الخيام والأغطية والقماش والعطور.
ويتضمن برنامج المهرجان محاضرات عديدة ستتناول بالتعريف والنقاش الكيانات السياسية كالممالك والإمبراطوريات التي قامت على أديم أرض موريتانيا عبر مسيرتها التاريخية، والتي شكلت المدن القديمة المندثرة حواضر ملكها ومراكز نفوذها. كما يشمل برنامج المهرجان الممتد على مدى أربعة أيام بلياليها، إظهار المكانة التي حظي بها الفضاء الوطني الموريتاني لحقب طوال من الزمن كإطار لتحولات اقتصادية واجتماعية، مع إبراز الدور المحوري الذي لعبته موريتانيا في تحديد ملامح السيرورة التاريخية للمنطقة الساحلية الصحراوية.
وأعلن خلال احتفالية افتتاح المهرجان عن عملية تنشيط للحركة الاقتصادية والتنموية لمدينة شنقيط عبر ضخ تمويلات مهمة بلغ مجموعها أربعة مليارات أوقية موجهة لإنجاز مشاريع اجتماعية واقتصادية.
وأطلقت الحكومة الموريتانية في هذه الدورة مكونة تنموية بهدف فك العزلة عن مدينة شنقيط التاريخية التي سيتم تنفيذها في إطار المهرجان من تحسين أداء الخدمات الأساسية في مدينة شنقيط عبر بناء وترميم منشآت تعليمية، وتعزيز أداء المرافق الصحية، وزيادة قدرة شبكتي المياه والكهرباء، وبناء منشآت رياضية وثقافية، وتمويل مشاريع مدرة للدخل، والقيام بتدخلات لتعزيز أداء القطاع الزراعي ومكافحة التصحر، ومشاريع لدعم المنشآت السياحية، وترميم مقار المرافق العمومية في المدينة، إضافة لتدخلات أخرى تطال مجالات متعددة.
ويشكل مهرجان مدائن التراث فرصة ثمينة لانتشال مدن موريتانيا التاريخية المسجلة ضمن التراث العالمي، من طي النسيان والإهمال الذي عانت منه لعقود طويلة، عبر ما يتيحه من فرص تنموية وما ينظم خلاله من أنشطة مصاحبة، تثبيتاً للسكان في هذه المدائن وتفعيلاً للموارد الاقتصادية فيها.
وفي أقصى الشمال الموريتاني، تحتضن سلسلة جبال آدرار الشامخة بين جوانحها مدينة شنقيط، تلك المدينة التي عرفت بها موريتانيا الحالية عبر التاريخ.
وإلى هذه المدينة، ينسب كبار العلماء الشناقطة الذين ملأ صيتهم العالم باستظهار وحفظ العلوم فافتتن بهم المشارقة في الأزهر وفي الأردن وفي الحجاز وفي السودان. وتعتبر مدينة شنقيط وريثة لمدينة “آبير” القديمة التي توجد أطلالها اليوم على بعد ثلاثة أميال إلى الشمال الشرقي، والتي كانت الموطن الأول لمؤسسي هذه المدينة. وتؤكد الروايات المحلية أن تأسيس مدينة آبير يعود لسنة 160هـ الموافق للعام777م، فيما تؤكد أن تأسيس شنقيط يعود للعام 660 الموافق للعام 1262م.
وبدأ ازدهار شنقيط التجاري وتألقها الثقافي في القرن 17، وبلغ أوجه في القرنين 18 و19 حسبما أكد مؤرخو المدينة.
وفي هذا الإطار، تتحدث المصادر عن خروج قافلة تجارية ضخمة ذات يوم من شنقيط مؤلفة من 32 ألف بعير، ما يعكس أهميتها كملتقى للتجارة الصحراوية إضافة لكونها كانت ولعقود المنطلق السنوي لركب الحج الصحراوي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية