موريتانيا: الحكومة تقدم تعديلها لقانون الأحزاب إلى البرلمان والمعارضة تنتقده وتعتبره انتكاسة وتراجعاً عن التعددية السياسية

 عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط ـ «القدس العربي»: رغم العاصفة التي أثارتها مصادقة مجلس الوزراء الموريتاني على تعديل جديد لقانون الأحزاب، لم تتراجع حكومة الرئيس الغزواني عن تعديلاتها المثيرة لهذا القانون الهادفة، حسب تبريراتها، إلى الحد من فوضى تأسيس الأحزاب التي تجاوز عددها أكثر من 100 حزب في بلد من أربعة ملايين ساكن.
فقد عرض وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين أمام لجنة العدل بالجمعية الوطنية مشروع القانون النظامي، القاضي بتعديل بعض أحكام الأمر القانوني رقم 11-24 الصادر بتاريخ 25 تموز/يوليو 1991 المُعدّل المتضمن قانون الأحزاب السياسية.
ودافع الوزير أمام لجنة العدل عن القانون المقترح مؤكداً أنه “يهدف إلى تعزيز التعددية السياسية عبر تشجيع مشاركةٍ أوسعَ للطيف السياسي، وإضفاء المزيد من الجدية والفاعلية والتنظيم على المشهد الحزبي الوطني”.
وأوضح “أن هذه الإصلاحات تأتي سبيلاً لتحقيق استفادة قصوى من جو التهدئة السياسية الذي أرسى دعاماته الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني”، كما أنه، يضيف الوزير، “يأتي توسيعاً لقاعدة تمثيل النساء والشباب في المشاركة السياسية، بما يكفل احترام قواعد اللعبة الديمقراطية والحيلولة دون استغلال الأحزاب لأغراض منافية لنصوصها التنظيمية، مع اشتمال القانون المعدل على جملة من الإصلاحات الجوهرية المتعلقة بشروط إنشاء الأحزاب السياسية وسيرها وحلها، طبقاً لأحكام الدستور”.
غير أن هذه التبريرات التي ساقها وزير الداخلية لتعديل قانون الأحزاب، قوبلت برفض واسع داخل المعارضة مع أن الكثيرين استحسنوها، وهناك من أكد ضرورتها وطلب تخفيف الشروط والقيود المقترحة.
وتساءل الشيخ حيده الأمين، العام لحزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض “عما إذا هذا القانون الجديد سيلبي متطلبات الإصلاح الضرورية أم سيقتصر على فرض قيود إدارية تُضيّق مساحة الحرية السياسية وتكرّس نزعة الاستبداد؟”.
وقال: “لا تبدو المؤشرات الحالية في ظل نهج “الإجماع” واعدة فيما يتعلق بقبول التنوع السياسي، إذ إن الإجماع بطبيعته يتعارض مع التعددية التي تشكل جوهر النظام الديمقراطي، وتجلى ذلك في ممارسات وزارة الداخلية التي لم تلتزم باتفاقاتها مع الأحزاب السياسية، وسعت إلى تدجين المعارضة مع تدخلات واضحة في الشأن الحزبي، ما يعكس استمرار نهج التهدئة على حساب التعددية”.
وأضاف: “في هذا السياق، غابت مطالب الأحزاب السياسية المتعلقة بتطوير إطار قانوني ينسجم مع سقف عالٍ من الديمقراطية يستجيب لتطلعات المواطنين، وجاءت التعديلات الأخيرة لتعزز من صلاحيات وزارة الداخلية، التي ستشمل الترخيص، والإنذار، والإغلاق، وحتى الحل، بمصادقة مجلس الوزراء”.
وزاد: “بين التعديلات التي تثير الجدل تلك التي تمنح وزارة الداخلية سلطة تعطيل البتّ في قضايا الأحزاب بحجة التحقيقات التي قد تستمر إلى أجل غير مسمى، كما تضمن النص تعديلات تُجرّم بعض الممارسات الحزبية وتفرض قيودًا على التأسيس والتمويل، ومثال ذلك منع مؤسسي الأحزاب المحلولة من تأسيس أحزاب جديدة لمدة خمس سنوات، ورفع النسبة المطلوبة للإبقاء على الحزب إلى 2% من الناخبين، أما الشروط المعقدة لتأسيس الأحزاب، مثل ضرورة الحصول على 5000 منتسب، على أن يكون 10% منهم من كل ولاية، ووجود أربعة أعضاء مقيمين دائمين يمثلون التنوع الجغرافي، بالإضافة إلى إلزامية تأجير مقرات في نصف ولايات البلاد، كل هذه التعديلات ستؤدي إلى عرقلة تأسيس الأحزاب”.
وتابع الأمين العام لحزب التكتل انتقاداته لقانون الأحزاب قائلاً: “في ظل هذا الواقع، يبدو المشهد السياسي في موريتانيا في حاجة ملحّة إلى إصلاح جذري، يشمل تحرير الأحزاب من تدخل وزارة الداخلية، وتمكين القوى السياسية من ممارسة نشاطها بحرية، كما يتطلب هذا الإصلاح نقل مسؤولية الرقابة على الأحزاب إلى لجنة مستقلة، ومنح المحكمة العليا صلاحيات تنظيمية واسعة، مع حصر دور وزارة الداخلية في التنسيق بين الأحزاب والحكومة، بما يضمن استقرار النظام الديمقراطي”.
وانتقد المدون المعارض الداه يعقوب، من جانبه، تعديل قانون الأحزاب قائلاً: “الطريقة التي صيغ بها هذا القانون المعدل تخالف الوعد الذي قطعه ولد الغزواني على نفسه والمكتوب في برنامجه الانتخابي بأن تكون مراجعة قانون الأحزاب موضوعاً لحوار وطني واسع. ومن ناحية المضمون، فإن القانون الجديد أقرب إلى كونه إنذاراً بوليسياً من كونه نصاً تشريعياً، فهو يسمح لوزير الداخلية بالتحكم في ترخيص الأحزاب حسب هواه، حيث يمكنه من تمديد آجال دراسة ملف طلب الرخصة إلى ما لا نهاية تحت ذريعة “الحاجة إلى مزيد من التحري”.
وقال: “باختصار، هذا النص يطلق رصاصة الرحمة على تعدد الأحزاب في موريتانيا ويكرس ترسيم النزعة السلطوية ونظام الحزب المهيمن، ومن الأحسن أن تعلن الحكومة عن العودة إلى نظام الحزب الواحد”.
وضمن سيل الانتقادات التي قوبل بها تعديل قانون الأحزاب، دعا الخبير القانوني والسياسي غورمو لو، نائب رئيس حزب قوى التقدم المعارض “إلى سحب مشروع القانون المتعلق بالأحزاب السياسية”، واصفاً القانون بأنه يشكل “أكبر انتكاسة تشهدها الديمقراطية الموريتانية الناشئة منذ بدايتها في أوائل التسعينيات”.
وأكد لو في تدوينة له “أن المشروع ينتهك بشكل صارخ أحكام الدستور”، معتبراً “أنه يهدد مكتسبات التعددية السياسية التي ناضل الشعب الموريتاني عقوداً طويلة لتحقيقها”.
وأشار لو إلى “أن تبني هذا القانون سيقوض مسار الديمقراطية والحريات”، محذراً “من أن هذه الخطوة قد تعيد البلاد إلى أجواء الأنظمة الأحادية والاستبدادية التي تجاوزها الشعب بصعوبة”.
كما دعا غورمو “رئيس الجمهورية، الذي يخوض ولايته الأخيرة، إلى الالتزام بتعهداته السابقة في تعزيز الديمقراطية والوحدة الوطنية”، معتبراً “أن المشروع يتناقض مع الاتفاقيات الموقعة، مثل الميثاق الجمهوري”.
وحذر لو غورمو “من أن تمرير هذا القانون سيضع نهاية لسياسات التهدئة السياسية التي آمنت بها فئات واسعة من الطبقة السياسية”، مشيراً إلى أن الحوار مع الأحزاب السياسية بشأن القضايا الجوهرية هو الحل الوحيد لتجنب التصعيد وضمان استمرارية التقدم الديمقراطي في البلاد”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية