نواكشوط –«القدس العربي»: وأخيراً، أصدرت الحكومة الموريتانية تعديلاتها التي وعدت بها من قبل، من أجل ما تعتبره “إصلاحاً لوضعية الأحزاب السياسية الموريتانية التي تأسست بالعشرات منذ دخول موريتانيا عهد التعددية السياسية والحزبية عام 1991.
فقد أعلن محمد أحمد ولد محمد الأمين وزير الداخلية الموريتاني “أن الحكومة أجرت تعديلات في بعض أحكام الأمر القانوني رقم 91-024 الصادر بتاريخ 25 يوليو 1991، المعدل، المتعلق بالأحزاب السياسية، وذلك في مشروع قانون جديد يتضمن جملة من الاصلاحات الجوهرية تهدف إلى نشأة أحزاب سياسية قادرة على أداء مهامها على الوجه الأكمل؛ خاصة فيما يتعلق بإعداد برامجها المجتمعية، وتأطير المواطنين”.
وأوضح “أن التعديلات تشمل عدة محاور، بينها محور يتعلق بشروط إنشاء الأحزاب، ويفرض زيادة عدد أعضاء الجمعية العامة التأسيسية للحزب من 20 إلى 150 مواطناً يمثلون كافة ولايات الوطن”.
واشترط القانون الجديد حصول الحزب المتقدم للترخيص على “تزكية برنامجه من طرف خمسة آلاف (5000) مواطن، ينتمون بحسَب محل الميلاد إلى نصف ولايات الوطن على الأقل؛ على ألا يقلَّ عددُ المنتسِبين في الولاية الواحدة عن 10% من العدد الإجمالي للمنتسبين للحزب، وتمثِّلُ النساءُ نسبة 20% على الأقل من العدد الإجمالي لأعضاء الحزب”. ولإنهاء هيمنة شخص واحد على الحزب بشكل دائم، فرضت التعديلات الجديدة ما سمته الحكومة “اعتماد مبدأ التناوب الضروريّ المتمثل في تجديد ثلث (1/3) أعضاء الهيئات القيادية على الأقل عَقِبَ كل دورة عادية للمؤتمر”.
ومن الشروط الجديدة التي فرضها القانون المعدل، إلزام قيادة الحزب بالحرص على الوحدة الوطنية، واحترام الحوزة الترابية، ومراعاة أحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومبادئ الديمقراطية؛ إضافة للالتزام بافتتاح الحزب لمقرات في نصف ولايات الوطن على الأقل بعد فترة ستة (6) أشهر من تاريخ الترخيص.
ورفعت التعديلات الجديدة كذلك النسبة الدنيا التي تضمن للحزب الحصول على التمويل العمومي، من 1% إلى 2% على الأقل من مجموع الأصوات المعبر عنها على المستوى الوطني في آخر انتخابات بلدية عامة. وبخصوص تعليق وحل الأحزاب السياسية، أكد وزير الداخلية الموريتاني “أن القانون المعدل ينص على حلها في ثلاث حالات، أولاها إذا أخل الحزب السياسي بأحد الشروط الواردة في المادة التاسعة من هذا القانون، حيث يجري توجيه إنذار بالالتزام بالقواعد المنصوصة في أجل 72 ساعة، وإذا لم يُمتثل الأمر في الأجل المحدد، فإن الوزير يقوم بتعليق الحزب لمدة ستة أشهر، وعند انقضاء هذه المدة، إذا لم يلتزم الحزب بالشروط، يكون موضع حل بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، بناء على اقتراح من الوزير المكلف بالداخلية”.
كما يُحل الحزب بقوة القانون عندما يقدم مرشحين لاقتراعين متواليين في انتخابات بلدية عامة دون أن يحصل فيهما على 2%، من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو إذا لم يشارك الحزب في اقتراعين متواليين في انتخابات بلدية عامة.
وفي حالة حل حزب سياسي بمرسوم، ينص القانون الجديد على منع أعضائه المؤسسين من تأسيس حزب جديد وذلك لفترة خمس (5) سنوات.
ونص القانون المعدل على عدم مطالبة الأحزاب السياسية المشرعة حالياً بالإجراءات المتعلقة بالتأسيس، لكنه ألزمها بالتقيد بالاشتراطات المتعلقة بما بعد التأسيس.
وأكد وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين “أن تعديل قانون الأحزاب جاء بعد إطلاع قادة الأحزاب السياسية المرخصة والمتقدمة للترخيص على مجمل التغييرات التي حدثت وعلى الأهداف المتوخاة منها والتي تتلخص، حسب قوله، في ضمان تأسيس أحزاب سياسية قادرة على أداء مهامها على الوجه الأكمل؛ خاصة فيما يتعلق بإعداد برامجها المجتمعية، وتأطير المواطنين”.
هذا ومن المنتظر أن تثير هذه التعديلات انتقادات واسعة من طرف العديد من السياسيين الراغبين في تأسيس أحزاب والذين لا يتمكنون من الوفاء بالشروط التي اشترطها القانون الجديد، كما ينتظر أن توجه انتقادات للجانب المتعلق بتعليق وحل الأحزاب السياسية.
وكان السياسي الشاب نور الدين محمدو رئيس حزب “موريتانيا إلى الأمام” قيد الـتأسيس، هو أول من انتقد القانون الجديد، حيث أكد في تدوينة له “أن عدم تطبيق كافة الشروط المقترحة من طرف وزارة الداخلية على كافة الأحزاب السياسية (كما تم مع الجمعيات بعد تجديد قانونها) ظُلمٌ جديد، ينضاف إلى ظلمها بمنع كثير من الموريتانيين من حقهم في التحزب والتجمع السياسي لمدة سنوات؛ واكتفاؤها بتطبيق شروط ما بعد التأسيس فقط، على الأحزاب الموجودة حالياً، وهي تعلم أن أغلبها تم ترخيصه بالوساطة الشخصية وبعضها عن طريق الصدفة، ومنها ما ليس لديه أي مقر حتى في نواكشوط ومنها من لم يحصل في انتخابات 2023 على 1% وهي تعفيه الآن من شروط تزكية المنتسبين”.
وقال: “من يضمن لنا عندما نستوفي شروط ولد احويرثي (لقب وزير الداخلية) الجديدة وسنستوفيها بسهولة بإذن الله، أنه لا يأتينا غداً ولد احويرثي أو ولد مرزوگ آخر كوزير داخلية لهذا الغزواني أو لغزواني جديد، ليقول إن القانون غير مُناسب لفكره ولا لمنطقه ولا لفهمه للديموقراطية، وبالتالي سيُعطله مدة سنوات، ثم يدعونا لحوار بقصر المؤتمرات حول ترخيص الأحزاب؟”.