نواكشوط ـ «القدس العربي»: يؤكد استقراء الأحداث السياسية التي شهدتها موريتانيا خلال عام 2022 هيمنة ثلاثة ملفات كبرى على المشهد، أولها التشاور السياسي وتوقيفه المفاجئ من طرف الحكومة الذي هز جو التهدئة، والثاني ملف الفساد والانشغال بتطوراته وبتسييسه من أبرز المتهمين فيه وهو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والثالث دخول موريتانيا بعد تشاور مع الأحزاب المرخصة في حمى انتخابات ستجري منتصف السنة المقبلة.
مع أن الرئيس الغزواني ظل يكرر في خطاباته تمسكه بالتشاور مع الأطياف السياسية، فقد شهدت العام تعثرا في سياسة التهدئة.
ومن أبرز تجليات ذلك ابتعاد البعض عن تقبل النظام والتحول لانتقاده، بل وامتداح خصمه وسلفه الرئيس السابق، كما فعل السياسي والنائب البرلماني بيرام ولد الداه بحجة عدم وفاء الرئيس بوعود منها الاعتراف بحزبه حزب «الرك» الموجود قيد التأسيس منذ سنوات.
ووجه محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد التقدم وهو من أحزاب المعارضة المهادنة، انتقادات شديدة للنظام، مؤكدا «أن الرئيس الغزواني لم يغير أي شيء في البلاد بعد سنتين أو ثلاث من حكمه».
فبعد أن أطلق الرئيس يوم 27 تشرين الأول/اكتوبر 2021 جلسات تحضيرية للحوار السياسي بحضور ممثلين عن خمسة وعشرين حزبا سياسيا هي مجموعة الأحزاب المرخصة إضافة للمترشحين الأربعة الخاسرين في انتخابات 2019 الرئاسية، فوجئ الرأي العام مستهل حزيران/يونيو بإعلان الوزير الأمين العام للرئاسة الموريتانية عن تعليق مسار الحوار السياسي، لكون «السياق الحالي لا يخدم الأهداف التي يسعى الحوار لتحقيقها» حسب قوله.
وحملت أحزاب المعارضة الرئيسية الحكومة في بيان مشترك مسؤولية توقيف الحوار السياسي، واصفة تعليقه بأنه «طعنة في الظهر وبألا أساس للحجج التي قدمت لتعليقه بعد عامين من الجهود الحثيثة والنيات الحسنة الدافعة لتنظيمه».
غير أن نظام الرئيس الغزواني لم يتجاوب مع هذه الحجج وواصل تعليقه للحوار إلى أجل غير مسمى، وأبدله بتشاور مقتصر على الأحزاب السياسية المرخصة حول تنظيم الانتخابات بحجة أن الوقت المتبقي عن آجالها الدستورية لم يعد يسمح بالحوار الشامل، وبتنفيذ ما سيتمخض عنه.
كانت 2022 سنة انتصاف مأمورية الرئيس الغزواني، وهو ما أثار جدلا بين أنصاره وخصومه، فهناك من يرى أن الرئيس لم يبخل بجهد وأنه تمكن من تحقيق إنجازات ماثلة للعيان في فترة قياسية؛ ومن يرى أنه مرتبك في أدائه ومبتلى بحكومات عاجزة.
وأخذ من انتقدوا الأداء البطء في إطلاق وتفعيل بعض المشاريع المهمة التي تم الإعلان عنها في النصف الأول من الولاية، والبطء كذلك في بعض مشاريع البنية التحتية، وخاصة منها ما يتعلق بترميم المقاطع المتهالكة، وضعف الأداء السياسي والإعلامي للنظام.
وخصص الرئيس الغزواني خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لعرض إنجازاته بشكل مفصل مدعوما بالأرقام، ونظم الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية حملة للإشادة بخطاب الرئيس وبمنجزاته.
وانشغلت موريتانيا بتطورات ملف الفساد وخاصة ما يسمى «ملف العشرية» فقد قررت الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا إحالة ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى المحكمة الجنائية المختصة في جرائم الفساد التي ينتظر أن تعلن عن موعد لأول محاكمة لرئيس موريتاني سابق.
وانشغل الرأي العام بالمعارك التي خاضها دفاع الرئيس السابق بشأن ملفه، وبالقرار الذي اتخذه قاضي التحقيق في حزيران/يونيو الماضي بإنهاء كافة إجراءات الرقابة القضائية التي اتخذت ضد الرئيس السابق، حيث تمكن من السفر وإبرام تحالف مع نشطاء حركة «المشعل الأفريقي» المعارض، ومن تنظيم لقاءات مع أعضاء الجاليات الموريتانية في أوروبا خصصها لإظهار الطابع السياسي لملفه والدفاع عن سنوات حكمه، ولانتقاد نظام الرئيس الغزواني بشكل لاذع.
وتمكن الرئيس السابق من العودة إلى موريتانيا من جولته الخارجية، وبدء حملات سياسية في الداخل.
إصلاح التعليم
كانت 2022 سنة لإقرار قانون جديد للإصلاح التعليمي والبدء في تنفيذه بحصر دخول السنة الأولى من التعليم الابتدائي على المدارس العمومية.
وقد نص هذا القانون على أن مدة التعليم ما قبل المدرسي ستصبح ثلاث سنوات، أما التعليم القاعدي فهو إجباري ويمتد تسع سنوات والثانوي فمدته ثلاث، كما شمل قانون الإصلاح أسلاك التعليم العالي الثلاثة.
ونص القانون التوجيهي الخاص بإصلاح النظام التربوي الموريتاني على أن اللغة العربية هي اللغة الجامعة للمنظومة التربوية في موريتانيا، وعلى أن جميع أبناء موريتانيا، سيدرسون بها في جميع المستويات التعليمية.
وتكررت حوادث قتل المنقبين التقليديين عن الذهب شمال موريتانيا بالطائرات المسيرة، مع استغراب الكثيرين لعدم اتخاذ إجراءات لإيقافها والتحقيق فيها لتحديد المسؤولية عنها، رغم خطورتها على أمن المنطقة ذات الحساسية البالغة.
ووجه نواب وساسة ومدونون موريتانيون اتهاما «للطيران العسكري المغربي بارتكاب هذه المجازر» التي تسببت في توتر خفي للعلاقات بين موريتانيا والمغرب.
ونددت الحكومة بمقتل مواطنيها في منطقة واقعة بإقليم الصحراء الغربية، مؤكدة «أنها مستاءة كل الاستياء لهذه الحوادث».
اقتصاد يتعافى
شهد الاقتصاد تعافيا بشهادة من صندوق النقد الدولي الذي وقع مع الحكومة اتفاقا مبدئيا تستفيد موريتانيا بموجبه من تدابير إصلاحية في إطار التسهيل الائتماني الموسع، وآلية التسهيل الموسع للقروض وهما نظامان يعمل بهما الصندوق.
وأكد الصندوق «أن الاتفاق المذكور يأتي تتويجا للأداء الحسن الذي حققته الحكومة الموريتانية تنفيذا للإصلاحات الهيكلية، في مجالات عدة بينها استقرار الاقتصاد الكلي، والنمو، والحد من الفقر، وفي إدارة الأزمة الصحية، على الرغم من آثار الوباء، والمخاطر المناخية، والصدمات الناجمة عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على المستوى العالمي التي ضاعفت آثارها، حرب أوكرانيا».
وتم الإعداد والاستعداد للاستغلال المقرر منتصف العام المقبل، لحقل غاز «السلحفاة/احميم الكبير» المكتشف على الحدود البحرية السنغالية الموريتانية، والذي ينتظر أن يدفع الحالة الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا لمستويات عالية غير مسبوقة.
سنة انتخابية
سيجد المتفحص أن السنة كانت حاسمة في إعادة التشكل المنتظرة للمشهد السياسي الموريتاني، حيث توصلت الحكومة لتوقيع وثيقة مع الأحزاب السياسية المرخصة، ستنظم على أساسها انتخابات نيابية وجهوية ومحلية مستهل عام 2023.
وتضمنت الوثيقة اتفاق الحكومة والأحزاب السياسية المرخصة حول عدة مسائل بينها إقرار النسبية في الانتخابات التشريعية، واللائحة الوطنية، وإعادة تقطيع نواكشوط إلى ثلاث دوائر انتخابية، والآجال الانتخابية، والإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي، واللجنة المستقلة للانتخابات، والحالة المدنية، مع الموافقة المبدئية على مساهمة الدولة في تمويل جزء من الحملات الانتخابية.
وقد تم بالفعل البدء في تنفيذ مخرجات التشاور حيث تم تنصيب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في 31 تشرين الأول/أكتوبر وباشرت اللجنة عملها لتحديد الآجال الانتخابية، بالتشاور مع الحكومة والأحزاب السياسية، والتحضير للانتخابات التي بدأت حملاتها المبكرة تعم المدن والقرى الموريتانية.
توثيق التعاون مع أمريكا
شارك الرئيس يومي 15 و16 كانون الأول/ديسمبر في القمة الأمريكية الأفريقية التي عقدت في واشنطن، وأسفرت عن تعزيز جديد لأوجه التعاون بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية المشاركة.
وقوبلت زيارة الرئيس الغزواني للولايات المتحدة باهتمام رسمي أمريكي كبير، حيث قابل الغزواني، الرئيس جو بايدن، واختارت مؤسسة تحدي الألفية موريتانيا ضمن الدول الأفريقية المستفيدة من برنامج تمويلي جديد، وأشادت نائبة الممثلة التجارية الأمريكية سارا بيانكي بالتقدم الذي حققته حكومة موريتانيا في التصدي للعمالة القسرية.
تصريحات
«تبنينا التشاور نهجا ثابتا في مقاربة الشأن العام، ولا أدل على ذلك، من التشاور بين الحكومة والأحزاب السياسية، الذي تمخض عن إجماع على التسيير التوافقي، للاستحقاقات الانتخابية القادمة».
الرئيس محمد الشيخ الغزواني في خطاب ذكرى الاستقلال