موسكو: نجاح استراتيجية بوتين واتساع الاحتجاجات

حفل عام 2019 بالنسبة لروسيا الاتحادية على الصعيدين الخارجي والداخلي، بأحداث هامة ستكون لها انعكاسات في التطورات اللاحقة في البلاد. ومن الممكن القول إن هذه الأحداث شكلت أساسا للمتغيرات اللاحقة التي من الصعوبة التكهن بجوهرها الآن، حيث هناك العديد من السيناريوهات التي ستطرح نفسها، وستختار البلاد منها المناسب، في ظل العديد من العوامل.

وشهد العام حراكا دبلوماسيا كثيفا، غدت نتائجه بمجلها برهانا على ان روسيا أصبحت في خلاله لاعبا لا يستهان به في الساحة الدولية، وأنها تغلبت لحد كبير على محاولات الغرب تحجيم دورها، وعزلها وخنقها اقتصاديا. فقد استضافت في العام المنتهي الكثير من الفعاليات الدولية على مختلف الأصعدة بما في ذلك زيارة بوتين لدول الخليج العربية وعقد مؤتمر روسيا ـ الاتحاد الافريقي، كما وقع بوتين في سوتشي في تشرين الأول/أكتوبر على مذكرة أتاحت وقف العملية العسكرية التركية “نبع الصحراء” شرق سوريا. كما تم إطلاق مشاريع ذات بعد استراتيجي: أنبوبي غاز “قوة سيبيريا” نحو الصين و”السيل التركي” نحو تركيا وشرق أوروبا.

وبقيت شخصية الرئيس بوتين الأكثر تأثيرا في الساحة الروسية خلال العام وله الدور الأهم في قيادة الأحداث الرئيسية في البلاد. وحافظ على مستوى شعبيته العالية في جميع استطلاعات الرأي العام، فكان عاما ناجحا لبوتين، الذي شارك في جميع الأحداث العالمية المهمة تقريبًا وكان النجاح حليفه في كل مكان. وفرضت العقوبات الغربية ضغطًا على الاقتصاد الروسي، لكنها لم تفعل الكثير لتغيير حسابات بوتين، وبدأ الاتحاد الأوروبي في التذبذب. ولا يخفي الرئيس الفرنسي ماكرون رغبته في إعادة العلاقات مع الكرملين. وتزايدت الشكوك حول تصميم الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على نهجه إزاء روسيا بعد رحيل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك.

وكانت الانتخابات المحلية في عموم روسيا في ايلول/سبتمبر، الحدث السياسي الرئيسي الداخلي، واشتدت المنافسة بين المرشحين من قوائم الحزب الحاكم والمعارضة من مختلف أصنافها. وشهدت البلاد حراكا سياسيا حاميا على خلفية الحملة الانتخابية، واتهمت المعارضة لجان الانتخابات المحلية بوضع العراقيل أمام مرشحيها، ورفض قبولهم، بذريعة وجود أخطاء فنية في وثائق طلبات الترشيح. وردت المعارضة في مختلف المدن بتنظيم الاحتجاجات، التي شهدت في بعض الأحيان بما في ذلك في موسكو مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والمتظاهرين. واتهمت الأجهزة الأمنية المشاركين بالاحتجاجات بالتجاوز على رجالها، وقدمتهم للمحاكم، وصدرت على بعضهم أحكاما بالسجن.

وفقا لمتصفح “ياندكس” فقد كان الحدث الداخلي الرئيسي في روسيا هو المسيرات والاحتجاجات في موسكو. جاء ذلك في استطلاع عام 2019 إذ احتلت الاحتجاجات في موسكو المركز الثالث في القائمة العامة للأحداث. والثانية كانت الانتخابات في أوكرانيا.

وفي الربع الثالث من العام وقع أكثر من 580 احتجاجًا في روسيا، وما مجموعه 1.443 منذ بداية العام، وهو مؤشر قياسي مقارنة بحجم الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في السنوات القليلة الماضية. ووفقا لبيانات مركز الحقوق الاجتماعية والعمل فإن عدد فعاليات الاحتجاج للربع الثالث من عام 2019 “كان كبيرا”. وفي الربع الأول وفقا للمركز، تم تسجيل 429 فعالية واسعة النطاق في روسيا.

ومن بين الأسباب الأخرى الأكثر إثارة للاحتجاجات العامة إقالة الأطباء، والوضع البيئي في مدينة شيس بإقليم أرخانجيلسك. ويلاحظ المراقبون أن رغبة المواطنين في دعم المحتجين من خلال المشاركة في التجمعات أو الاعتصامات تعني أن “الروس في عام 2019 اكتسبوا نوعية اجتماعية مختلفة عما كانت عليه في 2016-2017” قبل الاحتجاج على إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، والذي أصبح حاسمًا. وأشاروا أيضًا إلى فعاليات دعم الشامان غاربيشيف، الذي تم احتجازه وهو في طريقه إلى موسكو لإجراء “طقوس سياسية”.

 ومن بين الأحداث الفارقة في السنة المنتهية، يشير الروس إلى افتتاح جسر كيرتش الذي يربط روسيا بالقرم، وسريان مفعول قانون رفع سن التقاعد، والكوارث الطبيعية المختلفة كالحرائق والفيضانات في منطقة آمور، وفي منطقة إيركوتسك، وأصبحت حرائق الغابات في جميع أنحاء سيبيريا واختراق السد التكنولوجي على نهر سيبا في إقليم كراسنويارسك من الأحداث الإعلامية الرئيسية في العام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الله الهيثم:

    بوتين نذير شؤم على المسلمين وقضاياهم. أينما حل بوتين حل الخراب والظلم .

اشترك في قائمتنا البريدية