سياسة الشيك على بياض، التي تمنحها واشنطن لتل أبيب، تشجع على استمرار العدوان الإسرائيلي، وتزيد من زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. وإدارة بايدن، المشاركة فعليا في حرب غزة، وتسمح باستمرارها، قررت منذ البداية أن تمضي قدما في واحدة من أكبر عمليات نقل الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل في التاريخ.
في هذه الحرب، التي ارتكبت فيها إسرائيل عشرات المجازر ضد المدنيين، لم يطرح المسؤولون الأمريكيون أي نوع من المساءلة، عندما ألقى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابا أمام الكونغرس الأمريكي. لم توجد أي إشارة إلى الندم، أو الإحساس بالمسؤولية على المعاناة الهائلة، التي حلّت بالشعب الفلسطيني في غزة. بل على العكس كان التصفيق حارا لمجرم حرب يطلب المزيد من الأسلحة الأمريكية، وعليها أن تُوفّرها على عجل.
ثم تأتي التصريحات من البيت الأبيض، ومن غيره من منابر النفاق، بأنهم على ثقة من أن هذه الأسلحة سوف تُستخدم بطريقة صحيحة ولأهداف معينة، في وقت تتواصل فيه الوحشية الإسرائيلية، التي تُدمر البنية التحتية، وتقتل الكثير من الأبرياء، تحت أنظار أمريكا «الحرة» وأوروبا «المتحضرة».
يبدو أن العلاقات الوثيقة مع الجهات المانحة والمؤسسات الأمريكية قد سهّلت تمويلا ودعما كبيرين للتوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية مليارات الدولارات في عمليات نقل أسلحة نحو تل أبيب منذ بداية الحرب، حتى الآن، يمنح إسرائيل فعليا تفويضا مفتوحا لمواصلة فظائعها في غزة، وتصعيد الصراع إلى لبنان، وملامح هذا التصعيد قد بدأت فعلا بعد القصف الأخير المتبادل.
تشير مبيعات الأسلحة الأمريكية المستمرة إلى دعم الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة، التي صدمت ضمير العالم بأسره، دون أن تردعها لا محاكم جنائية دولية، ولا مجلس أمن يعلو فيه صوت «الفيتو» الأمريكي.
يُفترض أنه بعد المجازر والقتل وعمليات التدمير المرتكبة في غزة، فإنّ أي تفويض جديد بتزويد إسرائيل بالأسلحة يشكل انتهاكا لكل من القوانين الدولية والأمريكية أيضا. تلك القوانين، التي تحظر نقل الأسلحة إلى دولة متورطة في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
أمريكا مثال للدولة المنافقة التي تُروّج للديمقراطية والقيم الإنسانية، لكنها أكثر الدول إسرافا في استخدام العنف وإراقة الدماء، وتشجيع كيانات إرهابية استيطانية وعنصرية.
قدمت الولايات المتحدة أسلحة بقيمة تزيد عن 6.5 مليار دولار لإسرائيل في الأشهر التسعة الماضية. وفي 9 آب/أغسطس أفرجت عن 3.5 مليار دولار أخرى من أموال دافعي الضرائب للجيش الإسرائيلي. بمعنى أن إدارة بايدن استماتت في المشاركة في هذه الحرب، بكل ما فيها من جرائم ضد الإنسانية. وضخها السلاح للكيان الصهيوني هو عملية تشجيع صريحة على مواصلة إبادة السكان، دون شفقة ولا رحمة.
وعلى الرغم من أنه لا يتم الكشف علنا عن جميع عمليات نقل الأسلحة، إلا أن الإدارة الأمريكية وافقت منذ 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، على أكثر من 100 عملية بيع أسلحة مختلفة لإسرائيل، تشمل عشرات الآلاف من الذخائر الموجهة بدقة، والقنابل صغيرة القطر، والقنابل الخارقة للتحصينات.
في حزيران/يونيو 2024، أفادت وكالة رويترز أن إدارة بايدن نقلت ما لا يقل عن 14.000 قنبلة من نوع (MK-84) من وزن 2000 رطل، و6.500 قنبلة من وزن 500 رطل، و3000 صاروخ جو-أرض موجه بدقة من طراز (Hellfire) و1.000 قنبلة خارقة للتحصينات، و2.600 قنبلة صغيرة القطر يتم إسقاطها جوا، وذخائر أخرى.
عدد قنابل (MK84) من وزن 2.000 رطل المنقولة وحدها من شأنه أن يخلق دائرة إصابة تعادل مساحة ولاية أمريكية، أو عشرة أضعاف مساحة غزة. مع ذلك مازالت إدارة بايدن تُخطر الكونغرس في كل مرة بِنيّتها أن تقدم إلى إسرائيل الطائرات المقاتلة وذخائر الدبابات، ومجموعة من المركبات التكتيكية، والصواريخ متوسطة المدى وغيرها من الأسلحة والذخائر، مثلما تم في 13 آب/أغسطس الماضي.
يحدث ذلك رغم أن قانون المساعدات الخارجية الأمريكي، يشير في بعض مواده، إلى أنه لا يجوز تقديم أي مساعدة أمنية لأي دولة تتورط حكومتها في نمط ثابت من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا. ولا يجوز تقديم أي مساعدة بموجب هذا القانون، أو قانون مراقبة تصدير الأسلحة إلى أي دولة عندما يعلم الرئيس أن حكومة تلك الدولة تحظر أو تقيد بشكل مباشر أو غير مباشر نقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأمريكية.
وفي ما يتصل بجريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، يعاقب القانون الأمريكي أي شخص يحاول ارتكاب جريمة أو يتآمر من أجل ارتكابها بنفس الطريقة التي يعاقب بها الشخص، الذي يقوم بالجريمة. بالتالي المسؤولون الأمريكيون هم في نفس الخندق مع المجرمين الصهاينة مرتكبي جرائم الإبادة في حق أطفال غزة ونسائها وشيوخها.
نفس هذا القانون لا يسمح بنقل أي أسلحة تقدّر الولايات المتحدة أنه من المرجح أن تُستخدم في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب المتلقي لجرائم ضد الإنسانية، أو تفاقم المخاطر، التي قد يرتكبها المتلقي للإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، بما في ذلك الهجمات الموجهة عمدا ضد الأهداف المدنية أو المدنيين المحميين بصفتهم مدنيين، أو غيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي أو قانون حقوق الإنسان، بما في ذلك أعمال العنف الخطيرة القائمة على النوع الاجتماعي، أو أعمال العنف الخطيرة ضد الأطفال.
بهذا المعنى، فإنّ الاستمرار في إمداد إسرائيل بالأسلحة يعرّض المسؤولين الأمريكيين أيضا للمسؤولية القانونية، والملاحقة القضائية في المحاكم الدولية المتعلقة بتهم التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. هذا إن فعّلت هذه المحاكم مهامّها، وقامت بأدوارها، التي وُجدت من أجلها، وطبقت القانون على من تجاوز كل الأعراف الإنسانية والتعاقدات القانونية والمعاهدات الدولية.
أمريكا مثال للدولة المنافقة التي تُروّج للديمقراطية والقيم الإنسانية، مثل الحرية والرحمة، لكنها أكثر الدول إسرافا في استخدام العنف وإراقة الدماء، وتشجيع كيانات إرهابية استيطانية وعنصرية. ولعلّ الأمر، الذي لا شكّ فيه، أنّها راكمت الكثير من مشاعر الكراهية، عبر دعمها المطلق لإسرائيل، في استعمارها لفلسطين وإبادة شعبها. هي تحصد ثمار مواقفها المستفزة، وجشع شركات بيع السلاح، التي ارتفعت أسهمها وتحتفل بمراكمة مليارات الدولارات.
أنجز كيان الاحتلال المهمة بنجاح في موسم حصاد الدم، وها هم يجنون الأرباح مع كل القنابل والقذائف، التي تمحو البيوت وتقتل الأطفال، وتريق دماء الفلسطينيين وتسلبهم حقهم في الحياة والوطن.
كاتب تونسي
أمريكا تسلح وإسرائيل تقتل والسلطة تخبر والعرب تتفرج والمسلمون يتوسلون، ياللهول!
فعلا أستاذ عابد. تلك هي المشهدية المؤسفة.
دمت وشكرا لك
لم يستوعب عرب ومسلمون انهيار نظام دولي بغزو روسي إيراني همجي لسوريا وأوكرانيا بدعم صيني ففوجئوا بدعم غير مشروط بكل مجال لإسرائيل من كل أركان العالم الحر فور حدوث غزوة حماس كما حصل مع أوكرانيا حيث يعتبر العالم الحر أوكرانيا وإسرائيل قواعد متقدمة للغرب أمام عقيدة روسية توسعية بشرق أوروبا وعقيدة إيرانية توسعية بالشرق الأوسط مع استعداد شعوب أوكرانيا وإسرائيل لتقديم جهود وتضحيات بل وتحظى إسرائيل بميزة أكبر مع حاجة سياسيي الغرب لأصوات اليهود الإنتخابية وماكناتهم الإعلامية الضخمة ونفوذهم المالي الكبير
فعلا أ. تيسير . الاصوات الانتخابية تلعب دورا في المعادلة.
دام حضورك الكريم
المقال والتعليقات تعكس همجية الاحتلال الصهيوني وتخاذل العرب والمسلمين في مواجهة الاحتلال الاسراءيلي الاستيطاني المصمم على اعتلاف الشعب الفلسطيني من ارضه ولكنّ الاحتلال الصهيوني سيندحر باذن الله.
شكرا أستاذ عامر على حضورك الكريم واضافاتك القيمة