باريس- “القدس العربي”:
توقف موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي عند اتهام منظمتين لحقوق الإنسان، الأطرافَ المتحاربة في السودان باستخدام الاغتصاب لترويع المجتمع في العاصمة الخرطوم وأجزاء أخرى من البلاد، مع استمرار تدفق الأسلحة.
وحمل التقرير الذي نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في 29 يوليو/ تموز عنوان: “الخرطوم ليست آمنة للنساء”، ويركز على المدن الثلاث التي تشكل العاصمة، الخرطوم وأم درمان وبحري. علاوة على هذه الوثيقة، يمكن التأكيد على أن “السودان ليس آمنا للمرأة”، لأن تقريرين آخرين تم نشرهما على التوالي من قبل نفس المنظمة في مايو 2024 حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في منطقة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، وفي 22 يوليو من قبل المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي ( SIHA) بشأن العنف الجنسي في ولاية الجزيرة شرق الخرطوم.
توضح كل هذه الأبحاث أن الاغتصاب جزء من استراتيجية غزو الأراضي والسيطرة عليها من قبل قوات الدعم السريع. ومع ذلك، فإن الطرف المتحارب الآخر، وهو الجيش الوطني السوداني (القوات المسلحة السودانية)، لم يتم تبرئة ذمته. ببساطة، يركز البحث على المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. فعندما يسيطر الجنود النظاميون على الأحياء، فإنهم يرتكبون أيضا انتهاكات ضد المدنيين، والعنف الجنسي هو أحد هذه الانتهاكات. كما ألقت هيومن رايتس ووتش اللوم على الجيش النظامي في تقريرها عن الخرطوم، يُشير “ميديابارت”.
تم اجتياح المناطق الثلاث التي تغطيها التقارير في الصراع الذي بدأ في 15 أبريل 2023 من قبل جنرالين متنافسين. وهذان الرجلان خدما الزعيم نفسه، عمر البشير، خلال الحروب نفسها: ضد متمردي جنوب السودان، مما أدى إلى انفصال الجزء الشمالي عام 2011، وضد الجماعات المسلحة في دارفور، التي طالبت منذ عام 2003 بتقاسم أفضل للثروات والموارد والمناصب السياسية.
واستخدما نفس أساليب الحرب، التي أدت إلى توجيه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لعمر البشير والعديد من حلفائه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. ويستخدمونها مرة أخرى، ضد بعضهم البعض، وخاصة ضد المدنيين، مما يغرق السودان في واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية العالمية الحالية ويلقي بأكثر من 10 ملايين شخص على الطرق، أو أكثر من خمس السكان، يتابع “ميديابارت”.
من بين هذه الجرائم، تم توثيق العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي لفترة طويلة، خلال حرب دارفور ابتداء من عام 2003، وضد الثوار الذين انتفضوا منذ ديسمبر 2018 ضد نظام عمر البشير. ويشير التقرير إلى أن “المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أشار في عام 2005 إلى أن الاغتصاب جزء لا يتجزأ من نمط التدمير الذي تلحقه الحكومة السودانية بالمجموعات المستهدفة في دارفور، وأن هذه الممارسات استُخدمت أيضا ضد الثوار المعارضين للنظام الدكتاتوري، يواصل “ميديابارت”.
اليوم، تشير التقارير الثلاثة بأصابع الاتهام بشكل أساسي إلى جمهورية روسيا الاتحادية، لأن رجال حميدتي هم الذين يسيطرون على المناطق الثلاث التي شملتها التقارير. وتختلف أهداف الحرب باختلاف المنطقة: التطهير العرقي أو السيطرة على السكان. لكن العنف الجنسي جزء لا يتجزأ من الممارسات المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف.
ففي الجنينة ومنطقتها، تستهدف قوات الدعم السريع مجتمع المساليت. وحرب اليوم في هذه المنطقة الحدودية مع تشاد، هي استمرار للصراع الذي دار في الفترة من 2003 إلى 2020، بين ما يسمى بالمجموعات العرقية “غير العربية” أو “الإفريقية” ضد السلطة المركزية المدعومة بما يسمى “الجماعات العربية” من مربي الماشية الرحّل وشبه الرحّل، الذين ارتكب بعض أفرادهم، الجنجويد، الذين سلحهم نظام عمر البشير، انتهاكات فظيعة. وهم الذين شكلوا قوات الدعم السريع عام 2013، يوضح “ميديابارت”.
وفي يونيو/ حزيران 2023، ثم في نوفمبر/ تشرين الثاني، اقتحمت قوات الدعم السريع حاميات الجيش النظامي. وبمجرد تحييدها، هاجمت نخب المساليت ثم السكان بأكملهم. ورافق العنف الجنسي التطهير العرقي والتهجير القسري الجماعي لشعب المساليت نحو تشاد. وفي الخرطوم وبحري وأم درمان، التي تقع إلى حد كبير في أيدي قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب في أبريل/ نيسان 2023، لا تهدف عمليات الاغتصاب على وجه التحديد إلى طرد السكان، ولكن إلى فرض السيطرة. وتقترن في بعض الأحيان بالعبودية الجنسية والمنزلية والزواج القسري، يقول “ميديابارت”.
وكما هو الحال غالباً في النزاعات التي يكون فيها الاغتصاب سلاحاً من أسلحة الحرب، تعاني الضحية من الازدراء الاجتماعي. وهذا النبذ من المجتمع، مع رفض الزوج أو الوالدين، يزيد من الخوف والصدمة، ويدفع بعض النساء، وخاصة الأصغر سنا، إلى الانتحار، يوضح “ميديابارت”، مشيراً إلى أن قطع الإنترنت الذي نظمته الجبهة الثورية في يناير/ كانون الثاني 2024 أدى لمنع التواصل بين سكان العاصمة والعالم الخارجي، وخاصة مع الجيش النظامي، إلى تفاقم معاناة الضحايا.
والحصول على الرعاية الطبية والنفسية، والإجهاض في حالة الحمل بعد الاغتصاب، أصبح صعبا للغاية بسبب احتلال الهياكل الصحية، على الأقل تلك التي لم تكن موجودة ولم يتم تدميرها، وذلك من خلال سياسة سلطات الأمر الواقع في البلاد.
وهؤلاء، الذين انسحبوا إلى الشرق، يسيطرون على بورتسودان، وبالتالي يسيطرون على دخول كافة المعدات الإنسانية. كما أنهم يتبعون سياسة تقييدية للغاية تجاه المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة، ويقومون بتوزيع التأشيرات وتصاريح الإقامة بكميات صغيرة، وقبل كل شيء يمنعون أي قوافل إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وبالتالي فإن فرص ضحايا الاغتصاب في العاصمة ضئيلة في الحصول على الدواء لمواجهة عواقب العنف الذي يتعرضون له، والحمل، والأمراض المنقولة جنسيا، مثل التهاب الكبد الوبائي أو فيروس نقص المناعة البشرية، وتفاقم الإصابات الناجمة عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، يتابع “ميديابارت”.
وفرّ 500 ألف من سكان الخرطوم، مع بداية الحرب، إلى ولاية الجزيرة، جنوب شرق العاصمة، التي يسيطر عليها الجيش النظامي. لكن ود مدني، عاصمتها، سقطت في أيدي قوات الدعم السريع منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2023، وتبعتها بقية هذه الولاية الزراعية الغنية. وقد بدأت المبادرة الإستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي، بتوثيق الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي هناك أيضا. وتزداد المهمة صعوبة نظرا لصعوبة الوصول إلى المجتمعات الريفية بشكل خاص: فغالبا ما تنقطع الاتصالات ويكون السفر محفوفا بالمخاطر، يضيف “ميديابارت”.
ومع ذلك، يشير التقرير الذي نُشر في 22 يوليو/ تموز إلى أن “العديد من القرى وقعت ضحية لمزيج من العنف الجنسي والقتل والنهب. والغالبية العظمى من حالات الاغتصاب الواردة في هذا التقرير هي حالات اغتصاب جماعي، مما يشير إلى أن هذه ليست حالات جنود يتصرفون بمفردهم، بل هي حملة منسقة تهدف إلى غرس الرعب وتطبيع العنف الجنسي وضمان السيطرة على السكان”. وكما هو الحال في العاصمة، شهدت حالات الزواج القسري، بما في ذلك زواج الأطفال، زيادة حادة، يوضح “ميديابارت”.