تم عرض مسرحية ميس الريم للمرة الأولى سنة 1975، على مسرح البيكاديللي في بيروت، وهي مسرحية غنائية، ألّفها ولحنّها الأخوان رحباني، وشاركهما أيضاً زياد رحباني، بلحنين من تأليفه. أما البطولة فهي بالطبع للسيدة فيروز، ومجموعة من أجمل وأرقى الأصوات اللبنانية، ونجوم المسرح الرحباني. وتعد مسرحية ميس الريم، من أشهر مسرحيات فيروز والأخوين رحباني، خصوصاً في نسختها المصورة تلفزيونياً، داخل الاستوديو، لا على خشبة المسرح. وهذا تقليد حسن كان يفعله اللبنانيون، ساهم في الحفاظ على الكثير من الأعمال الفنية، وإتاحتها للمتلقي في كل مكان وزمان، ولدى التلفزيون اللبناني ثروة هائلة، من هذه المسرحيات الغنائية، للأخوين رحباني وغيرهما من الفنانين، الذين صنعوا نهضة فنية كبيرة في هذا الميدان، وجعلوا من لبنان مركزاً لموسيقى المسرح وغنائه، في ذلك الزمن القديم.
ويعد المسرح الغنائي أو الموسيقي، من الأنواع الفنية المحبوبة جماهيرياً، والمفتقدة لدينا بشدة في الوقت الحالي، وعادة ما كان هذا الفن، يشهد بعض فترات الازدهار، فيبدو كما لو أنه سوف يصبح، فناً مستقراً دائم الوجود في بلادنا العربية، كما هو مستقر ودائم الوجود، في بعض بلدان العالم الأخرى، إلا أنه على العكس من ذلك تماماً، كان المسرح الغنائي يتوقف ويختفي فجأة، ويظل غائباً إلى أن تأتي فترة ازدهار أخرى. هكذا كان الحال في مصر على سبيل المثال، وأغلب الظن أن هذا ما جرى عليه الأمر، في لبنان أيضاً.
لا شك في أن المسرح الرحباني، من أهم أسس المسرح الغنائي في لبنان بشكل عام، وأنه يملك السبق والريادة، في الكثير من الأمور الفنية، المتعلقة بهذا المجال. ويتميز مسرح الرحبانية، بقوة الثراء الموسيقي، وإحكام البناء المسرحي، والجاذبية على المستوى الفني والفكري. كما أن مسرحيات الرحبانية، تظل جديدة معاصرة، ملاءمة لأكثر من حقبة زمنية، بسبب ملامستها لأوضاع سياسية، لا تتغير ولا تتبدل رغم مرور الوقت، بل ربما صارت أسوأ بكثير. وكذلك فإن كانت هذه المسرحيات، قد تجاوزت زمن التنفيس السياسي، فإنها الآن تدعو إلى التفكير والتأمل، بعيداً عن التلطيف المؤقت للألم. ولا شك أيضاً في أن المسرح الرحباني، يعد جزءاً أصيلاً من هوية لبنان، وثقافته وفنونه وبصمته المميزة، وهو نسمة جميلة من نسائم لبنان، التي تأتي إلينا على هيئة موسيقى رائعة صافية، وغناء عذب بديع، وصوت فيروزي خلاّب، هذا الصوت المعشوق والراسخ في الوجدان العربي. ومعه أصوات أخرى، متنوعة الألوان والأداء والقدرات، والحوارات الدرامية الشيّقة، التي يصيغها الأخوان رحباني بمهارة فائقة، حيث دقة العبارة وتركيز المعنى، والتمكن من إيصال الرسالة، وضبط أثرها.
رحلة زيون والسيارة المعطلة
تحتوي مسرحية ميس الريم، على مجموعة من أجمل إبداعات الأخوين رحباني، في مجال التلحين وكتابة كلمات الأغاني، وتأليف النص المسرحي وصياغة حواراته. وللمسرحية حكاية بسيطة لطيفة، لا تخلو من بعض الإسقاطات السياسية، عن الخلافات والانقسامات وعدم التوحد، هي حكاية زيون بطلة العمل، التي تلعب دورها تمثيلاً وغناءً، السيدة فيروز. تملك زيون محلاً لبيع الأطباق الثمينة في بيروت، وتتعطل سيارتها في بلدة ميس الريم، حين تكون في طريقها إلى بيت جدتها، في ضيعة كحلون، من أجل حضور زفاف ابنة خالتها، ويكون معها في السيارة، فستان العروس الذي أحضرته من بيروت. تبحث زيون عن ميكانيكي يصلح لها السيارة، لكي تتمكن من الوصول إلى بيت جدتها، واللحاق بالزفاف وتوصيل الفستان، إلى العروس في الوقت المناسب. فيخبرونها إن الميكانيكي في البلدة هو نعمان، لكنها لا تستطيع الوصول إليه، فتتحدث إلى عمته، ثم تعرف أن نعمان، واقع في خلاف كبير مع حبيبته شهيدة، وأن العائلتين على وشك التحارب والتقاتل، وبينهما الكثير من التحديات والمنافسات، بسبب الانتخابات والتفاخر، وادعاء الأفضلية وبعض الأمور الأخرى. تجد زيون نفسها داخل هذا الخلاف، بل تجد أنها هي المتهمة من قبل العائلتين، بإشعال هذا الخلاف، حيث تقول كل عائلة إن زيون، هي سبب المشكلة. فتقول زيون إذا هما قد اتفقا، على أنها هي سبب المشكلة، فهما إذن متفقان ولا خلاف بينهما.
ويستمر الجدال والأحداث، طوال فترة وجود زيون في بلدة ميس الريم، وتتوالى الحوارات بينها وبين شخصيات المسرحية المختلفة. وتتخلل كل ذلك، مجموعة رائعة من الأغنيات الفردية، واللوحات الاستعراضية، والغناء الجماعي والإلقاء الملحن، والزجل اللبناني الشيّق.
ويستمر الجدال والأحداث، طوال فترة وجود زيون في بلدة ميس الريم، وتتوالى الحوارات بينها وبين شخصيات المسرحية المختلفة. وتتخلل كل ذلك، مجموعة رائعة من الأغنيات الفردية، واللوحات الاستعراضية، والغناء الجماعي والإلقاء الملحن، والزجل اللبناني الشيّق. وتغني فيروز سبع أغنيات منفردة في هذا العمل، تتنوع هذه الأغنيات، بين الألحان العاطفية المعروفة، التي استطاعت أن تشتهر خارج إطار العمل، لأنها تخلو من الكلمات أو الحوارات، المرتبطة بالسياق الدرامي للمسرحية، مثل أغنية «سألتك حبيبي لوين رايحين» وأغنية «كنا نتلاقى من عشية» وأغنية «حبوا بعضن تركوا بعضن». حتى الأغنيات الأخرى، المرتبطة بأحداث المسرحية، تعد من أجمل الأغنيات وألطفها، وتُسمع أيضاً بعيداً عن المسرحية، لكنها تذكر سامعها دائماً، بشخصيات المسرحية وأحداثها، وبالسيارة المتوقفة في الطريق، والفستان الأزرق الأنيق الذي ترتديه زيون، والكثير من التفاصيل الأخرى. ومن هذه الأغنيات، أغنية «آخر أيام الصيفية» هذا اللحن الذي لا يُمل سماعه، ويقول مطلعه: «آخر أيام الصيفية، والصبية شوية شوية، وصلت عساحة ميس الريم، وانقطعت فيها العربية». وكذلك أغنية «يا مختار المخاتير» التي تقع في قلب العقدة الدرامية للمسرحية، وتتميز بلحنها الشرقي، الأقرب إلى اللون التقليدي اللبناني، وإيقاعاته الجميلة، وفيها تشرح فيروز أو زيون، ما حدث للمختار، وتخبره عن الاتهامات التي طالتها، من العائلتين على السواء، وهي لا دخل لها في كل ما جرى، فتقول له في بعض مقاطع الأغنية: «هني كانوا زعلانين، أنا شو بدي فيهن، قلت براضي العشقانين، زعلوا أهاليهن، حطوا الحق علي، وقالوا هالحشرية، يصطفلوا شو ما صار يصير، وخلي هالزير بها البير، يا مختار المخاتير.
وتغني فيروز في نهاية المسرحية، أغنية «هالسيارة مش عم تمشي» وهي أغنية لا تقل جمالاً ولطفاً، عن بقية أغنيات العمل، وفيها بعض الإسقاطات السياسية أيضاً. ويقول مطلعها: «هالسيارة مش تمشي، بدنا حدا يدفشها دفشة، بيحكوا عن ورشة تصليح، وما عرفنا وين هي الورشة». وتقول في مقطع من مقاطعها: «يغيب نهار يطل نهار، والناطر ناطر على نار، بيجي مختار بيروح مختار، والسيارة مش عم تمشي». كما تضم مسرحية ميس الريم، لحناً من أجمل ألحان الدبكة، وهو لحن «يا مارق عالطواحين» الذي يغنيه المطرب الراحل نصري شمس الدين، بصوته القوي الرائع، وأدائه الرجولي الفريد، ويشترك نصري شمس الدين أيضاً مع فيروز، في غناء بعض المواويل، والأزجال اللبنانية بأسلوبها اللطيف، كل هذا بالإضافة إلى الاستمتاع، بأصوات أخرى مثل هدى، ورجا بدر، وجوزيف ناصيف، وغيرهم. وتظل الافتتاحية الموسيقية لمسرحية ميس الريم، التي لحنها زياد رحباني، قطعة موسيقية بديعة، يعاد عزفها بأكثر من طريقة، وهي موسيقى خالصة لا تصاحبها كلمات، تُمتع سامعها بتعبيرها الخاص، ورشاقة نغماتها.
كاتبة مصرية
هالسياره مش عم تمشي
اسمك شغلك ضيعتك
انا اسمي زيون
عندي بالمدينة محل بيع صحون
وستي من ضيعة كحلون
الله معك ع كحلون
هالسيارة مش عم تمشي
بدنا حدا يدفشها دفشة
يحكو عن ورشة تصليح
وما عرفنا وين هي الورشة
على قمر العشاق طالعين
و نحنا بمطرحنا واقفين
والسيارة مش عم تمشي
يغيب نهار يطل نهار
والناطر ناطر على نار
بيجي مختار بيروح مختار
والسيارة مش عم تمشي
ويا أهل ميس الريم ضلوا اتذكروني
كلما حبو اثنين تبقوا اتذكروني
لا تنسوا زيون لا تنسوا زيون
اللي ستها من كحلون
مطرح اللي بيبكي وبيحفر الحسون
اسمه على خيال الحور
بكحلون
– من النت –
كم هو رائع هذا التذكير بالمسرحية الغنائية ميس الريم من إبداع الرحابنة و فيروز ذات الصوت الملائكي بمعية فنانين لبنانيين آخرين. كان أحد أصدقائي في فترة السبعينيات من القرن الماضي مولعا بالاستماع إلى هذه الغنائيات الممسرحة التي تزخر بالحكايات الشعبية الاجتماعية الجميلة حول الحياة القروية البسيطة و مفارقاتها في قالب فني ممتع يزيده أداء فيروز بهاء و رونقا جميلين خاصة في ليالي مهرجان بعلبك. كان لبنان آنذاك سويسرا الشرق و منهل
الفنون و الآداب و الثقافة رغم الظاهرة الطائفية. و مؤسف أنه دخل بعد 1975 سنة العرض الأول لمسرحية ميس الريم في دوامة الحرب الأهلية و العدوان الاسرائيلي و استبداد نظام حافظ الأسد مما أثر سلبيا على الأوضاع العامة في البلاد و عجل بنزوح كثير من المثقفين و الفنانين اللبنانيين إلى الخارج. شكرا للدكتورة مروة على هذا التذكير بهذا المجال الفني الجميل. مع تحياتي و احترامي وتقديري للدكتورة العزيزة.
شكرا أستاذي العزيز هيثم، لا أعرف هل هي صدفة، أن يتم تدمير الدول ذات الحضارة والتاريخ والقدرات البشرية. المسرح الغنائي في لبنان كان متميزا للغاية، وغنيا بالرحبانية وغيرهم. بل أظن أنه في فترة من الفترات لم يكن يوجد مسرح غنائي سوى في لبنان. سلامي لحضرتك
يحلو للكثيرين ربط مطربتنا الكبيرة فيروز بالصباحيات لكون اجيال تعرفت على صوتها من خلال البث الصباحي
–
للاذاعات العربية و هذا صحيح و انا شخصيا واحد ممن تنزل عليهم صوتها الملائكي اول مرة صباحا و انا استعد
–
ليوم دراسي بما فيه عيد و وعيد و لكن من ادرك فرادة صوتها الساحر يعلم انه بلسم اليوم كله و موقظ للذكريات
–
الجميلة فما احلى صوت فيروز في اغاني ميس الريم خصوصا في اغتني كنا نتلاقى من عشية و سألتك حبيبي لوين
رايحين. اود الاشارة في الختام الى تجربة رائعة جمعت فيروز بالمطرب الكبير كارم محمود نادرا ما يشار اليها و قد
–
اتحفا بصوتيهما في ثنائياتهما شكر اختي مروة تحياتي
تحياتي أخي خليل. لا عندي الصباح زمان أيام المدرسة مرتبط بعبد الحليم وأم كلثوم، أغانيهما القصيرة كانت تذاع يوميا. فيروز كنا نسمعها من خلال الكاسيت اكثر من الراديو. أنت أشرت من قبل إلى تجربة فيروز مع كارم محمود، سمعت جزءا منها منذ مدة . وسأبحث عن البقية، مهتمة باكتشاف هذا العمل. وأثق في ذوقك دائما. شكرا لك
شكرا للاديبة مي على المقال الجميل وعلى الأسلوب الرائع الذي تكتب به مقالاتها. اسلوب فخم ينم عن موهبة كبيرة في الكتابة الأدبية.
شكرا لك يادكتورة علي الاسلوب الشيق والمبدع والشخصيات اللي بيتم اختيارها واللي بيدل علي الذوق الرفيع والحس الفني المتميز