غزة ـ «القدس العربي»: ظروف اقتصادية صعبة يعانيها النازحون في خيام رفح، جنوبي غزة، خاصة من لا يملكون ثمن خيمة من القماش عالي الجودة، وينصبون خيامهم البالية المسقوفة بالنايلون على الأرصفة، حيث يفتك بهم الجوع والمرض والفقر بعد أن فقدوا كل ما يملكون على مدار 7 أشهر من القصف الإسرائيلي العنيف على المنازل والبيوت، شمال ووسط القطاع. وتهدد إسرائيل باجتياح مدينة رفح، وتتحدث عن استعدادات لذلك، رغم التحذيرات الدولية.
وتعيش سمر زرعي، 45 عاماً، فقراً مدقعاً داخل خيمة بالية على رصيف مخيم رفح الغربي، إلى جانب معاناتها من مرضي السرطان وفقر الدم «الثلاسيميا أو أنيميا البحر المتوسط» وهما مرضان خطيران يهددان حياتها، ويمنعانها من تربية الطفلة التي أنجبتها خلال الحرب.
تقول لـ «القدس العربي» : «نزحت إلى خيام رفح منذ 5 أشهر، وبصحبتي شذا تلك الرضيعة من مواليد الحرب».
لم تتناول وأسرتها المكونة من 5 أفراد بخلافها، الزوج وأربعة من الأبناء، أي لحوم منذ 5 أشهر، كما أنها لا تستطيع توفير علبة حليب رضاعة واحدة لابنتها الصغيرة.
وتضيف: «لا أجد مالاً للإنفاق على أبنائي، الذين يحلمون منذ مدة بتناول الدجاج، من أين آتي لهم بمصاريف الأكل والشرب؟ زوجي يعاني إصابة في البطن، ونحن على باب الله».
وتشير النازحة الأربعينية إلى أنها حاولت ممارسة الشحاذة، «ركضت خلف أحدهم، وقلت له: لو ممكن تعطيني 2 شيكل. قال لي: الله يسهل عليك. أوجعني رده. أصبحنا نعيش على الحسنات والتبرعات. ابنتي أصيبت بالأنفلونزا، بالإضافة إلى معاناتها من فقر الدم الوراثي، ولم أستطع شراء الدواء لها رغم أني كنت أراها ترتعش أمامي من شدة المرض».
حلم العودة
تشكو سمر أيضاً عدم توافر الأطعمة الصحية التي تعينها على مقاومة مرض تصلب الجلد، وهو مرض جديد أضيف إلى قائمة أمراضها: «أحتاج إلى تناول أكل صحي بسبب ما أعانيه من أمراض، لكن أطعمة المعلبات لا توفر لي أي تغذية سليمة تُذكر. الطعام الصحي أصبح غير موجود، وإن وجد فإنه يُباع بأسعار باهظة لا نقدر عليها».
وهي تحلم بالعودة إلى منزلها، الذي اضطرت إلى هجره بعد أقل من شهر على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو حلم أم صابر نفسه، النازحة من حي الشجاعية، شرقي قطاع غزة، وغيرها من النازحين سواء كنا نساءً أو شيوخاً.
وتتمنى أم صابر النازحة الخمسينية خلال حديثها لـ «القدس العربي» العودة إلى منزلها في الشجاعية برفقة عائلتها حتى لو كانت على أنقاض منزلها الذي دمرته الآلة الحربية الإسرائيلية قبل 3 شهور.
وهي افتقرت إلى ممارسة العادات الدينية مثل صلاة قيام الليل وتعليم القرآن الكريم وأحكامه وأداء صلوات العيد، كما أنها حُرمت من جمع بناتها المتزوجات في مختلف مدن قطاع غزة على موائد المناسبات.
تقول: «بناتي، كل واحدة منهن في منطقة، واحدة في النصيرات، وأخرى في دير البلح، وثالثة في الخليل، لا أستطيع الذهاب إليهن. الحرب فرقتنا، والعزومات واللمة الحلوة راحت».
تحدثوا لـ «القدس العربي» عن معاناتهم وسط مخاوف من اجتياح بري إسرائيلي
وتشكو من الإقامة في خيمة مهترئة مصنوعة من نسيج النايلون الذي يمتص الحرارة.
وتوضح «أنها وغيرها من النازحات يهربن من حر شمس الظهيرة في خيم النايلون إلى الجلوس على قارعة الطريق، فيزداد حنينهن إلى بيوتهن قبل النزوح، كما لا ينمن ليلاً من شدة القصف المدفعي والجوي، الذي يرج خيامهن الخفيفة رجاً».
وتشير النازحة المُسنة إلى شُح المياه وانقطاعها عن المخيم بشكل متكرر، فلا تتوفر المياه إلا في ساعات الظهيرة: «شاهد طوابير الصبيات النازحات على سبل المياه، يملأن الجرادل في عز شمس الظهيرة».
وتأمل أن يسمع كافة شعوب العالم مناشدات نساء وشيوخ قطاع غزة المحاصر، وتتساءل: «أين العالم مما يحدث من قصف للمنازل وقتل وتشريد لأهلنا؟ في كل دول العالم عندما تحدث حرب تقوم الدنيا ولا تقعد، وغزة تركوها في حصار وموت وجوع».
لم تتمالك السيدة الخمسينية دموعها عندما راودها حلم العودة إلى منزلها في الشجاعية، بينما ينتابها شعورٌ أن دولة الاحتلال تسعى إلى إعادة تكرار سيناريو نكبة 1948، عندما تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم على يد مستوطنين إسرائيليين: «هجرة 48 رجعوها مرة ثانية. حلم حياتنا في العودة إلى بيوتنا صار عشم إبليس في الجنة. يا رب الفرج من عندك».
فقر بعد غنى
القصف الإسرائيلي الذي دمر معظم منازل حي الشجاعية، لم يترك عمارة واحدة أو قطعة أرض من التي كانت تملكها السيدة جندية الشهيرة بأم صبري.
تقول إن «قوات الاحتلال قد أسرت ابنها بعد تدمير بيته كاملاً (قلعوا البيت من جذوره) لم يتركوا لنا حائطا ولا فراشا» حتى انتهى بها الحال في «قفص نايلون».
وتشير أم صبري إلى خيمتها، حيث تقاسي موجة الحر الشديد خلال اليومين الماضيين، ولا تعلم شيئاً عن مصير ابنها «هذه حياتي نار».
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فرّقت بين النازحة الستينية وبين أولادها الخمسة والعشرات من أحفادها، وتتمنى أن تراهم مرة أخرى: «نفسي أشوفهم حبايبي، وألتم فيهم، طلعوا من بيوتهم حفاة الأقدام دون أي أموال أو أغراض».
وتدعو أم صبري الله أن يعيد النازحين مرة أخرى إلى منازلهم دون عذاب أو تفتيش، وأن يرد الأسرى وبينهم ابنها إلى أهلهم سالمين.
وتشعر بالمهانة من الجلوس على رصيف المخيم، تنتظر الحسنة والصدقة من أهل الخير، وهي التي كانت من أهل الصدقات، تقول باكية: «نحن كنا نعمل كوبونات ونوزع على الناس عبوات الطعام في أيام الخير، صرنا نقعد على الأبواب ننتظر الحسنة».
تدمير الشجر والحجر
وتزيد النازحة المُسنة في الدعاء: «يا رب انصرنا، يا رب انصرنا على كل الدول التي تحالفت علينا، يا رب شق الأرض وابتلعهم بطائراتهم ودباباتهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، من ظلمونا وذلونا وألقوا بنا في خيام النزوح».
سعد الحلاق، 49 عاماً، مزارع، حاله مثل أم صبري، فقد أكثر من بيت وأراضي زراعية وماشية وآبار مياه خلال القصف الإسرائيلي على مدينة بيت حانون، ولم يتوقع أيضاً أن ينتهي به الحال داخل «خيمة نايلون» على الرصيف، بعد امتلاء مخيمات الإيواء بالنازحين.
أنقاض غزة
ويستنكر الحلاق تشريده على أيدي قوات الاحتلال. ويتمنى خلال حديثه لـ «القدس العربي» أن ينظر العالم العربي إلى معاناة أهل غزة، ويتساءل: «هل نحن في حلمٍ. هل نحن بلا سند؟ أين العرب؟».
وأظهر تحليل بيانات لصور التقطتها الأقمار الصناعية، حجم الدمار الذي لحق بالمباني في قطاع غزة، إذ تضرر أو دمر ما بين 144 ألف مبنى و175 ألفاً في القطاع بفعل الغارات التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وهذا ما يعادل بين 50٪ و61٪ من مباني غزة.
قارن التحليل، الذي أجراه كوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة سيتي في مدينة نيويورك، وجامون فان دهوك من جامعة ولاية أوريغون، بين صور التُقطت بواسطة الأقمار الصناعية للمباني في غزة قبل وبعد الحرب، للكشف عن التغييرات المفاجئة في ارتفاع المباني أو هيكلها، والتي تبين حدوث تدمير.