ناشط تربوي يدق ناقوس الخطر حول واقع ومستقبل التعليم في المغرب

سعيد المرابط
حجم الخط
5

الرباط ـ «القدس العربي» : رغم أن الدولة المغربية تخصص 25 في المئة من ميزانيتها للتعليم، وتعيش «رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم» بين 2015 و2030، فإن المغرب من بين «25 دولة من أقل البلدان نمواً من حيث التعليم» حسب معطيات اليونسكو. كما أن المجلس الأعلى للحسابات (هيئة رسمية مغربية) ما فتئ يسلط الضوء على بعض أوجه القصور في النظام التعليمي، سواء كان ذلك بسبب نقص المعلمين، واكتظاظ الفصول الدراسية، أو على مستوى المناهج والبرامج التعليمية، أو من حيث تدني الخدمات والتجهيزات الضرورية للمدارس، لا سيما في الأرياف.
في تصريح لـ«القدس العربي» يقول الأستاذ والناشط، عبد الوهاب السحيمي: «إننا نعيش أسوأ مرحلة عرفها التعليم في المغرب على مر التاريخ، فالحوار الذي بموجبه يمكن تجاوز العديد من العقبات، حوار إما مغشوش، ونتائجه يتم التنصل منها مثل ما وقع مع اتفاق 21 كانون الثاني/ يناير 2020 وإما متوقف بشكل نهائي مثل ما يقع اليوم، حيث لم يلتق الوزير الوصي على القطاع مع النقابات منذ 25 شباط/ فبراير 2019». ويؤكد السحيمي أن «هذه سابقة، فلأول مرة، على الأقل، منذ العشرين سنة الأخيرة، يتوقف الحوار لمدة تزيد عن سنتين».
وعن سبب وصفه للتعليم بأنه يمر بأسوأ مرحلة، يؤكد أنه «في هذا العهد، للأسف، ينفرد الوزير بتدبير القطاع بشكل أحادي، فحتى الدستور الذي ينص على الحوار والانصات تم تعطيله، وقرر الوزير أن يبتّ وحده في مصير 8 ملايين من التلاميذ وحوالي مليوني طالب وإطار في التكوين (التدريب) المهني وفي عموم المعاهد العليا… وكذلك في أكثر من 300 ألف رجل وامرأة تعليم».
ويضيف الناشط في صفوف الأستاذة حاملي الشهادات العليا قائلاً: «في هذا الوقت العصيب جداً والذي يحتاج للحوار أكثر من أي وقت مضى، يقرر الوزير أن يسير بالتعليم وحده من دون إشراك أو تشاور مع أي جهة».
«القدس العربي» واجهت السحيمي بقول وزارة التعليم إنها «استطاعت ضمان استمرار الدراسة رغم الجائحة» فكان رده: «ليبيا بجوارنا فيها الحرب، والدولة فيها منهارة، ومع ذلك، الدراسة عندهم مستمرة» وهذا يعني وفق قوله إن «العبرة ليست في استمرار الدراسة من عدمه، العبرة في الكيفية وشكل هذا الاستمرار».
«فبأي طريقة نستمر نحن في الدراسة؟ فهل يوجد شيء اسمه التعليم عن بعد في المغرب؟ وهل يوجد شيء اسمه التَّعلُّم الذاتي في الواقع، وكيف يمكن تدبير سنة دراسية بالتعليم بالتناوب بمراجع وكتب مدرسية مخصصة للتعليم الحضوري؟» يتساءل السحيمي، في حديثه لهذه الصحيفة. ويوضح أنه «في ظل التعليم بالتناوب المعتمد، أقصى ما يمكن الوصول إليه عند نهاية السنة هو تقديم نصف المقرر للمتعلمين والمتعلمات، وفي غيابٍ لدلائل تؤطر عمل الأستاذ وتوجهه، لنجد أن جميع الأساتذة حائرون، وكل واحد منهم يشتغل بطريقته الخاصة، فهناك من يقدم الدروس بالترتيب، وهناك من ينتقي الدروس، يعني العشوائية والارتجالية هي السائدة، وهذا كله حاصل، لأن الوزارة لم تقم بواجبها وتركت المجال فارغاً. وهو الشيء الذي ولَّد هذا الارتباك، فهي لم تشتغل على مراجع ومناهج تأخذ بعين الاعتبار ظروف الجائحة، كما أنها لم تعمل على إصدار مذكرات أو دلائل ترشد الأساتذة إلى الدروس التي يجب تقديمها للمتعلمين».
وأكد على أن التعليم في المغرب «يعيش تدبيراً كارثياً، ونقول ذلك ليس لأننا لدينا حسابات مع الوزير، أبداً، بل لأننا ننطلق من الواقع المعيش؛ وكفاعلين ميدانيين نحس بالاختلالات والقصور أكثر من أي فاعل آخر، ونصرح بها بكل موضوعية ومسؤولية ودون محاباة لأي أحد».
واستطرد قائلاً: «الوضع كارثي، وسيزيد استفحالاً وتأزماً مع دنو موعد الامتحانات الإشهادية، خاصة مع لجوء الوزارة الوصية لمواقع التواصل الاجتماعي لتزيين صورتها ورسم صورة وردية مزيفة عن تدبيرها المأساوي، عوض الانكباب على معالجة كل الإشكالات التي يتخبط فيها القطاع وعلى رأسها العمل على تسوية الملفات العالقة».

التعليم عن بعد

في بداية الجائحة، تحديداً آذار/ مارس من العام الماضي، قررت وزارة التعليم المغربية اعتماد العليم عن بعد، وكان عبد الوهاب السحيمي من بين الذين رفضوا ذلك، معتبراً أن «مصير التعليم عن بعد هو الفشل».
وفي حديثه مع «القدس العربي» جدد السحيمي قوله، مؤكداً على أن «الوزارة الوصية نفسها أقرت ذلك نهاية السنة الدراسية المنصرمة، عندما قررت استبعاد كل الدروس التي قدمت عن بعد من الامتحانات الإشهادية، وكذلك من فروض المراقبة المستمرة، وتم الاكتفاء فقط بالدروس التي قدمت حضورياً».
المندوبية السامية للتخطيط (رسمية) في تقرير صادر عنها في موضوع التعليم عن بعد، قالت إن «83.5 في المئة من المتعلمين والمتعلمات المغاربة لم يستفيدوا نهائياً من التعليم عن بعد».
بالإضافة إلى هذا التقرير الرسمي، يؤكد الأستاذ والناشط أن «التعليم عن بعد عرف فشلاً ذريعاً في المغرب» مؤكداً أنه «لم يكن موجوداً طيلة فترة الحجر الصحي، وكذلك اليوم، إلا في بلاغات وتصريحات الوزارة الوصية».
«القدس العربي» سألت المتحدث عن سبب فشل التعليم عن بعد، فكان جواب السحيمي «فشل لأنه عوض أن ينكب مسؤولو الوزارة على توفير مستلزمات هذه العملية، عبر تمكين المتعلمين والمتعلمات، لا سيما المنحدرين من المناطق النائية والصعبة من لوحات إلكترونية وهواتف ذكية، والقيام بشراكة مع إحدى شركات الاتصالات لتوفير تغطية الإنترنت بالمجان للأساتذة والمتعلمين، أو على الأقل بثمن تفضيلي، وكذا الحرص على تخصيص دورات تدريبية للأساتذة، انشغلوا بمواقع التواصل الاجتماعي؛ لتقديم صورة زائفة عن إنجازات وهمية لا وجود لها إلا في بلاغات وتصريحات الوزارة المعنية».

نظام التعاقد

المعلمون المتعاقدون، واحدة من القضايا التي ما زالت سجالاً في المغرب، وفي السنوات الأخيرة تصدرت قضيتهم المشهد التعليمي بالبلاد، ورغم الشد والجذب بين تنسيقية المعلمين «الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد» من جهة، ووزارة التعليم من جهة أخرى، لم يطو هذا الملف، وما زال قائماً.
ويعتبر السحيمي أن «ملف التعاقد هو من بين الملفات المفتعلة داخل القطاع، إذ لم نستوعب بعد كيف يمكن تنزيل التعاقد في قطاع حيوي كالتعليم وفي مناصب قارة».
«لا يعقل بأن التعليم الذي يقر الكل بأنه يعيش أزمة بنيوية عميقة، يتم تأزيم وضعه بفرض نظام التعاقد على العاملين به، فهل بأساتذة متعاقدين يعيشون الهشاشة وظروفهم النفسية مهزوزة جداً، يمكن تنزيل مقتضيات الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار؟ وهل يمكن أن يصدق أحد شعار إصلاح التعليم في ظل هذا التعاقد حيث أصبحت وضعية الأستاذ شبيهة جداً بوضعية المياوم؟» يتساءل الناشط بحزن وغضب.
ويضيف قائلاً: «حتى الحوار الذي كان قد انطلق مع هذه الفئة قبل حوالي سنتين، والذي كنا نعتبره مدخلاً لإيجاد حل يفضي إلى نتائج تقضي بترسيم هؤلاء الأساتذة والأستاذات في أسلاك الوظيفة العمومية، على غرار زملائهم السابقين، تم توقيفه من جانب الوزارة».
ويعتبر أنه «بهذا النوع من التدبير للقطاع، لا يمكن أن نصدق جدية ادعاء الوزارة في تخفيف الاحتقان والعمل على مباشرة الإصلاح».

حاملو الشهادات

يطالب موظفو وزارة التربية الوطنية حاملي الشهادات بتغيير «درجة المنصب» مثل الأفواج السابقة، وتلك واحدة من المشاكل العالقة في المغرب.
وبالنسبة للسحيمي فهذا الملف هو الآخر «مفتعل داخل القطاع… إذ ما زلنا كأساتذة لم نستوعب بعد سبب توقيف هذا الحق المكفول في القطاع منذ عقود طويلة».
ويقول إن حاملي الشهادات في قطاع التربية الوطنية «هم أساتذة حاصلون على شهادة ماجيستير من الجامعات المغربية العمومية، أو ما يعادلها، ويطالبون بالترقية وتغيير الإطار على غرار زملائهم الذين استفادوا من هذا الحق قبل كانون الأول/ ديسمبر 2015».
ويضيف الناشط البارز في صفوف الأساتذة، وممثل «التنسيقية الوطنية للأساتذة حاملو الشهادات» أن «الأمر يتعلق بحق دستوري يهم المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع موظفي الدولة، وكذلك بمبدأ سريان المرفق العمومي».
ويطرح السؤال عن «ما معنى أن يستفيد من هذا الحق جميع الأساتذة قبل 2015 وكذلك موظفو قطاعات حكومية أخرى كالعدل والمالية والفلاحة، ويتم إقصاء الأساتذة الذي حصلوا على شهادات بعد 2015؟». السحيمي أكد لـ»القدس العربي» أن «هذا الملف ليست له تكلفة مالية، حيث إن معظم المعنيين بهذا الملف والذين لا يتجاوز عددهم الاجمالي الوطني 4500 أستاذ وأستاذة، مرتبين في السلم 11 فقد تمت ترقيتهم سابقاً بالامتحان المهني».
وبخصوص تغيير إطار هؤلاء الأساتذة من سلك الابتدائي إلى سلك الثانوي، يعتبر السحيمي ذلك «إجراء لا يطرح أي مشكل بالقطاع، وليس له أي تأثير على سير العملية التعليمية، حيث إن الأساتذة المعنيين لهم شهادات تعليمية (الفيزياء، الفلسفة، اللغة العربية، الإنكليزية…) ولهم تكوين أساسي وتكوين مستمر بفضل السنوات التي قضوها في التدريس، وعددهم محدود جداً».
ويشدد المتحدث أنه «على الوزارة وكما كان معمولا به قبل 2015 قبل الإعلان عن أي مباراة توظيف جديدة، تغيير إطار موظفيها في سلكي الابتدائي والإعدادي إلى الثانوي التأهيلي، ثم تعلن في المباراة فقط الجزء الذي تحتاج».
ويرى أن حل ملف حاملي الشهادات «يمكن أن يعطي أكثر ويساهم في إرساء الجودة وتنزيل مضامين القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية».
وبخصوص الحوار مع وزارة التربية الوطنية، قال السحيمي إنه «تم التوافق بين الوزارة الوصية والنقابات في لقاء 21 كانون الثاني/ يناير 2020؛ على تسوية الملف وكنا ننتظر إصدار المرسوم لطيه نهائياً، لكن للأسف، لم تلتزم الوزارة بتنفيذ هذا الاتفاق، وتريد اليوم بعد مرور سنة كاملة من الاتفاق، أن ترجع الملف للنقطة الصفر».
وأردف: «للأسف، حصيلة وزارة التربية الوطنية الحالية على مستوى تسوية الملفات العالقة كارثية ومنعدمة، فلم يسجل عليها أن عملت على تسوية أي ملف. فملف الزنزانة أساتذة السلم 9 وملف ضحايا النظامين تمت تسويتهما داخل الحوار المركزي، وحصل ذلك بعد أن تأكد للعموم بأن الوزير يناور ولا نية حقيقية له للتعجيل بتسوية هذين الملفين اللذين عمَّرا طويلاً، فكان التدخل من جهات عليا، لنقلهما إلى الحوار المركزي تحت رئاسة ومسؤولية رئيس الحكومة».
وشدد السحيمي على أن «ملف حاملي الشهادات الأجنبية وملف المهندسين الذي يتبجح بحلهما الوزير، هما ملفان يهمّان العشرات من الأساتذة الأستاذات، وتمت تسويتهما سنة 2015 يعني في عهد الحكومة السابقة وليس الحالية، وكل ما كان ينقص فيهما هو فقط التنفيذ».
و«لم يسجل على هذا الوزير أن قام بتسوية أي ملف، وكل ما يصرح به هو تضليل في تضليل، والشيء الوحيد الذي يحسب له هو أنه بارع في قلب الحقيقة، وفي تحويل الإخفاقات والفشل إلى إنجازات ونجاحات» يختم السحيمي حديثه لـ«القدس العربي».

خارج التعليم

في مقابل كلام الناشط المغربي، كشفت دراسة حديثة أنه من بين 6 ملايين شاب مغربي، بين 15 و24 سنة، بلغ معدّل من هم «خارج التعليم أو العمل أو التدريب» في سنة 2019 نسبة 28.5 في المئة، ما يعادل 1.7 مليون شاب.
وبلغت نسبة الشباب الذين يتدربون أو يخضعون لتدريب مهني 55 في المئة، ما يعادل 3.2 ملايين شاب يواصلون تعليمهم، بينما 16.1 في المئة يمارسون مهنة ما، أي ما يعادل مليون شاب.
هذه الدراسة استندت إلى 549 مقابلة فردية و83 مجموعة مناقشة مع شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً في 23 بلدة، وبشراكة مع «منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة» (اليونيسف).

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” الدولة المغربية تخصص 25 في المئة من ميزانيتها للتعليم ” إهـ
    الذي يعرقل التعليم بالمغرب هو الفساد!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول رضا:

    حق الترقية بالشهادة مكفول لجميع الموظفين في جميع القطاعات باستثناء قطاع التعليم و الأولى ان يكون اول من يكافئ موظفيه المجتهدين
    للأسف اصبح رجل التعليم مهضوم الحقوق اجرة هزيلة اقتطاعات بالجملة خدمات اجتماعية شبه منعدمة

  3. يقول عبدالله المغربي:

    المشكلة في الاطر التعليمية 90/ غير مؤهلة لممارسة مهنة التعليم

  4. يقول محمد:

    اين الحق في الترقية بالشهادة ؟
    أين الحق في المساواة ببن جميع الموظفين في شأن اجتياز مباريات كالتوجيه و التخطيط و التفتيش فحرمان اساتذة الاعدادي من مباريات التفتيش عار على المسؤولين.
    غياب المقاربة التشاركية ،تعطيل الحوار ،التملص من الالتزامات ، توقيف الترقيات ، الاقتطاعات .
    كلها ظروف تزيد من تأزيم الوضع و الدفع لمزيد من الاحتقان .

  5. يقول هيثم:

    مشاكل التعليم قائمة في جميع بلدان العالم. في البلدان المتقدمة كما في بلدان العالم الثالث. طبعا تتفاقم في هذه الأخيرة. الأسباب متعددة منها ما هو مالي و ما هو مرتبط بتكوين الموارد البشرية و مستوى كفاءتها و ارتباط المناهج التعليمية بسوق الشغل و التحولات التكنولوجية السريعة في مجتمعات اليوم و منها على الحصول تطور مواقع التواصل الاجتماعي … المثير أن هذا المتخصص التربوي يعتبره المقال ناشطا تربويا.. وهكذا بعد النشطاء الحقوقيين و نشطاء الحراك تجاه نحو إضفاء صفة النشطاء على جميع المجالات والمهن والتخصصات.

اشترك في قائمتنا البريدية