بائع متجول يبيع الديزل والبنزين في دمشق. 7 يناير/كانون الثاني 2025. رويترز
واشنطن: بعد انهيار النظام السوري بقيادة الرئيس المخلوع بشار الأسد، تواجه سوريا تحديات هائلة على صعيد الأمن والاستقرار الداخلي. وكانت العقوبات الدولية التي فرضت على النظام، منذ سنوات، قد لعبت دورًا بارزًا في عرقلة تطور الاقتصاد السوري، بالإضافة إلى تأثيراتها على الوضع الأمني في البلاد.
يقول الباحثان السياسيان ألكسندر لانجلويس وعابد الثلجي، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إنه، بعد انهيار نظام الأسد، أصبحت قوانين العقوبات الحالية في حاجة ماسة إلى الإصلاح، حيث عانى الشعب السوري لفترة طويلة من آثار العقوبات الاقتصادية الشاملة التي شلّت الاقتصاد، وأدّت إلى انتشار النشاطات غير القانونية والمحسوبيات.
تم التحايل على العقوبات عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية التي تفاخَرَ بها الأسد علنًا طوال سنوات
كما أن نظام التراخيص المتهالك أعاق العمليات الإنسانية، وشلَّ البنية التحتية الحيوية في قطاعات الطاقة والصحة والتعليم. وفي الوقت نفسه، تم التحايل على العقوبات المستهدفة، المعروفة شعبيًا بـ”العقوبات الذكية”، عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية التي تفاخَرَ بها الأسد علنًا طوال سنوات.
ويقول الباحثان إنه ينبغي على قادة العالم، لا سيّما في الولايات المتحدة وأوروبا، وضع إستراتيجية لإصلاح العقوبات لمعالجة هذه المشكلات. ويعتبر إصدار وزارة الخزانة الأمريكية للرخصة العامة رقم 24 (جي إل 24) خطوة أولى نحو إصلاح العقوبات، حيث يرسل ذلك إشارات إلى الشركاء الإقليميين والسوريين بشأن تحوّل في السياسة، ويدعم إعادة إعمار سوريا ما بعد الأسد.
وبالنسبة للإدارة القادمة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، يعد هذا الأمر محوريًا لأي هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط، خاصة مع توسيع الإدارة المنتهية ولايتها وجودها العسكري من خلال عملية “العزم الصلب”، التي اتبعت منذ فترة طويلة سياسة دفاع خاطئة في سوريا والعراق.
وكان نظام الأسد أحد أوائل الأعضاء في قائمة الرئيس الأمريكي الراحل جيمي كارتر للدول الراعية للإرهاب التي نشرت عام 1979. ومع ذلك، لم تصعد واشنطن العقوبات القطاعية إلا مع صدور قانون محاسبة سوريا عام 2003.
ومع تعنّت الأسد واستمراره في زعزعة استقرار المنطقة، أصدرت إدارة الرئيس بوش أوامر تنفيذية وَسَّعَت القيود على التصدير لتشمل قطاعات النقل والمصارف والاتصالات.
ومع انتشار الانتفاضة السورية في عام 2011، تَوَسَّعَ نطاق القيود التجارية ليشمل البنك المركزي وقطاع الطاقة، ما أجبر الشركات الأجنبية على إعلان القوة القاهرة، ووقف اتفاقيات تقاسم الإنتاج. وكانت هذه العقود مصدرًا رئيسيًا للإيرادات غير المشروعة، حيث استخدمت صناديق استثمار الأسد، مثل صندوق “المشرق”، لتحويل عائدات النفط وإثراء عائلته.
وأدى تداخل المشروع الإجرامي الإقليمي للنظام مع المؤسسات الحكومية الرسمية إلى خلق شبكة معقدة من القيود التصديرية تحت مظلة قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية وقانون الطوارئ الوطنية.
وفي عام 2017، قدّمَ الكونغرس الأمريكي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي يهدف إلى حماية المدنيين من المشروع الإجرامي لنظام الأسد.
وتم فرض عدد كبير من العقوبات المتعلقة بالإرهاب على العديد من الفصائل العسكرية في سوريا منذ عام 2012. وبعض هذه التصنيفات متعدد الأطراف، صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار 2253، أما الأخرى فهي تصنيفات أمريكية أحادية الجانب بموجب الأمر التنفيذي 13224، مثل تصنيف “المنظمات الإرهابية الأجنبية” للكيانات، و”الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص” للأفراد، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام” وقائدها أحمد الشرع.
والجدير بالذكر أن الرخصة العامة رقم 24 ترسم خطًا دقيقًا يسمح بالمعاملات المرتبطة بـ “هيئة تحرير الشام” للخدمات العامة، مع حظر المعاملات العسكرية.
وبشكل عام، تتطلب عقوبات الإرهاب مراجعة وتقديم حلول محتملة من خلال نموذج تدريجي. ولأن هذه التصنيفات تستهدف الأمن القومي، فلا ينبغي توسيعها لتشمل الاقتصاد السوري بشكل عام، ولا يجب أن تشكل عائقًا أمام إصدار الإعفاءات من العقوبات بشكل صريح.
وتاريخيًا، لم تصعد إدارة بايدن الضغط على نظام الأسد، وأشارت إلى أن العقوبات قابلة للتراجع. ووفقًا لمصادر تحدثت بشكل غير رسمي، عمل مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن على منع إصلاح العقوبات على سوريا من خلال الضغط على الكونغرس لتجميد جميع مشاريع القوانين المتعلقة بسوريا، خاصة في عام 2024. وتسببت التأخيرات اللاحقة في الكونغرس الأمريكي في تحديث وتطوير التشريعات المتعلقة بسوريا في حدوث خلاف في الاتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ضد نظام الأسد.
كما أن الإدارة لم تقم بتطبيع العديد من القوانين التي أقرت ضمن قوانين تفويض الدفاع الوطني السابقة. وتجاهل المسؤولون أيضًا القانون القائم بموجب قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية، الذي يلزم بفرض عقوبات مدنية أو جنائية على المتهربين من العقوبات. ونتيجة لذلك، قام الأسد بإخفاء أصوله باعتباره “المستفيد النهائي”، مستخدمًا مساهمين اسميين لاختراق نظام المشتريات التابع للأمم المتحدة، وكسب الوقت لانتهاء صلاحية العقوبات بعد عشر سنوات. واستغرق الأمر من الخزانة الأمريكية عامين لإغلاق الثغرة المثيرة للجدل التي تبلغ نسبتها 50، والتي استغلتها زوجة بشار الأسد، أسماء.
ورغم وجود استثناء مدمج للمنظمات غير الحكومية، فإن نطاق التفويض لا يزال محدودًا. فرغم أن الرخصة العامة رقم 24 تسمح بالمعاملات المتعلقة بالطاقة الضرورية للتعافي المبكر، فإنها تقتصر على التبرعات وتتطلب تراخيص خاصة للصادرات التجارية. وبالتالي، لا تزال لوائح إدارة التصدير الحالية التي تنفذها إدارة الصناعة والأمن التابعة لوزارة التجارة الأمريكية تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار.
إصدار وزارة الخزانة الأمريكية للرخصة العامة رقم 24 (جي إل 24) خطوة أولى نحو إصلاح العقوبات، يرسل ذلك إشارات إلى الشركاء الإقليميين والسوريين بشأن تحوّل في السياسة، ويدعم إعادة إعمار سوريا
ويتطلب الأمر سلسلة من الإعفاءات للمنظمات غير الحكومية لتحقيق توطين المساعدات وتجاوز عقبات المشتريات. ووفقًا للمعنيين بالنواحي الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة، فإن الوضع في سوريا حرج. وبالتالي، تعتبر الرخصة العامة ضرورية ومدعومة بسوابق قانونية، حيث ستساعد في عكس تأثير التراجع في المخاطر وتجاوز قضايا الترخيص الغامضة، خاصة أن المنظمات الإنسانية غالبًا ما تعاني من نقص الموارد البشرية وتواجه عقبات إدارية تؤخر عملياتها. ومع ذلك، فإن هذه الرخصة ليست حلًا مثاليًا أو دائمًا.
ويخدم إصلاح العقوبات الأوسع نطاقًا أهدافًا متعددة:
أولًا، إنه يخفف من مخاوف الامتثال لدى الدول والشركات الإقليمية للاستجابة للأزمات الطارئة.
ثانيًا، يتيح للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية زيادة مساعداتها لصندوق تعافي سوريا وتقديم خبرات مرافقة لبناء القدرات. وسيساعد ذلك في تنفيذ نماذج قانونية إنسانية دولية حيوية، مثل المساعدات النقدية والقسائم للنازحين داخليًا.
ثالثًا، يتماشى مع الموقف السياسي الأمريكي مع الشركاء الإقليميين والدوليين الذين أعربوا عن استعدادهم لتقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق وبسرعة.
ويقول الباحثان إنه في نهاية المطاف، أدت الرؤى المشوهة التي تبنّاها مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، والتي تأثرت بالإحباطات من حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى زيادة تعقيد الأزمة السورية، وإطالة أمد سيطرة الأسد. وحملت الإدارة القادمة للرئيس ترامب مهمة شاقة تتمثل في إصلاح العقوبات، وهو ما سيشمل إعادة هيكلة الانتشار الأمريكي في سوريا والعراق، وكذلك إعادة تعريف الوضع القانوني لحكومة سوريا في ظل ظروف غامضة. ومع ذلك، وقبل الشروع في مثل هذا التغيير الإقليمي الواسع، هناك حاجة ملحة لاستجابة طارئة من الولايات المتحدة والغرب، بالنظر إلى أدوارهما كأكبر المانحين الإنسانيين لسوريا.