ناصر بوريطة في القمة

حجم الخط
38

إذا تابعنا الخطاب الرسمي والإعلامي في الجزائر، القمة العربية الحادية والثلاثون التي عُقدت الأسبوع الماضي في الجزائر ناجحة بامتياز بل هي الأنجح على الإطلاق. أما إذا تابعنا الإعلام الآخر، خصوصا المغربي وبعض الإماراتي، فالقمة فاشلة حتى قبل أن تبدأ، ولعلها الأفشل على الإطلاق.
منذ عقود وقع اتفاق ما بين العرب على أن القمة الناجحة هي فقط التي يحضرها أكبر عدد من الرؤساء والملوك. كل الباقي من نتائج سياسية وقرارات اقتصادية واجتماعية واستراتيجية، مسألة هامشية في نظر الجميع مقارنة بكمّ الحضور ونوعه. تماما مثل أعراس الجزائريين عندما يتباهى صاحب العرس أمام جيرانه والأقارب بحضور «غاشي كبير الله يبارك» يتقدمه علية القوم والمسؤولون المحليون عرس ابنه وابنته، يمنح الحضور القوي في القمة العربية الدولة المضيفة سببا للافتخار والشعور بالأهمية داخليا وخارجيا.
هكذا أصبحت المسألة، خطأً، تتعلق بالوجاهة والمكانة: إذا حضر ملوك ورؤساء الدول الغنية والمؤثرة، فأنت صاحب مكانة واحترام تستطيع أن تتباهى بهما أمام الآخرين. العكس يزرع فيك الشك ويجعلك تعتقد أن الآخرين سينظرون إليك بدونية. هذا ما أربك الأوساط السياسية والرسمية في الجزائر مع انتشار خبر غياب ولي العهد السعودي عن القمة الحادية والثلاثين.
لكن في بعض الأحيان، كما هو حال العرب اليوم، يكون من الأفضل أن تلتئم القمة بأقل عدد ممكن من القادة. وسط الخلافات المستعصي بعضها على الحل، يصبح تراجع عدد القادة المشاركين نعمة لأنه يعني تراجع حجم الخلافات ومعه فرص الفشل. أما حضور الجميع محمّلين بمشاكلهم واختلافاتهم وحتى أحقادهم فوصفة مثالية للفشل.
يجب القول إن قمة الجزائر الأخيرة واحدة من أصعب القمم منذ عقود طويلة لأنها عُقدت في ظروف عربية استثنائية: نصف الدول العربية طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، والنصف الآخر يقف بين متودد ومتردد.
التطبيع مع إسرائيل ينزع عن القمم العربية، وكل الاجتماعات السياسية والاستراتيجية العربية، أحد أسباب وجودها. لهذا بدا لي إصرار الجزائر على إنجاح القمة الأخيرة مجرد رهان بلا طائل وسط هذا الانقسام العربي الكبير والعميق.
كثير من الجهد والتركيز يومي القمة انصبّا نحو المغرب. في نظر المسؤولين الجزائريين جاء ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، إلى بلادهم ليسرق الأضواء من القمة. في نقاش مع ملاحظ جزائري محايد، لكنني أعتبره مطلعا وذكيا، قال إن الدبلوماسية المغربية بقيادة بوريطة بارعة في حملات العلاقات العامة، أما النتائج فليس أكيدا أنها في حجم براعة الأداء.. مثل لاعب جيّد في الميدان لكنه لا يسجل ما يكفي من الأهداف ليفوز فريقه.
براعة بوريطة في الميدان قابلها تواضع الأداء الجزائري. رمطان العمامرة، وزير خارجية الجزائر، كان في حالة دفاع عن النفس شبه مستمرة. بوريطة عقد ما يشبه حلفا مع مراسلي الإعلام الإماراتي (أو الذي يتخذ من الإمارات مقرا له)، فكان يدلي بأكثر من مقابلة صحافية في اليوم بدا أن هدفها إزعاج الجزائريين.

إن قمة الجزائر الأخيرة واحدة من أصعب القمم منذ عقود طويلة لأنها عُقدت في ظروف عربية استثنائية: نصف الدول العربية طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، والنصف الآخر يقف بين متودد ومتردد

ضمن هذه الخطة المدروسة يمكن وضع المعلومات الدقيقة التي نشرتها مجلة «جون أفريك» في اليوم التالي لوصول الوفد المغربي إلى الجزائر. من المؤكد أن هذه المعلومات مصدرها مغربي.
من بين ما نشرت المجلة الفرنسية عمّا وصفته باليوم العصيب للوفد المغربي في الجزائر، مزاعم عن استقبال هزيل في المطار ومضايقات في بهو الفندق، ثم تعمُّد البروتوكول وضع بوريطة بين وزيري خارجية عُمان وجزر القمر في عشاء وزراء الخارجية العرب وغضب الوزير المغربي من ذلك «الموقع غير المناسب لحجم المغرب»، الشيء الذي دفعه إلى تناول عشائه وحيدا في غرفته، والواقعة المزعومة عن المُخبر الجزائري الذي ضُبط يسجل في هاتفه أحاديث أعضاء الوفد المغربي في بهو الفندق.
في مقابل «الحراك» المغربي، لم يجد المسؤولون الجزائريون منابر غير جزائرية لإسماع صوتهم، ما اضطر وزير خارجيتهم (العمامرة) إلى تبنّي تكتيك الرد والتكذيب. واستمر التكتيك الجزائري حتى بعد انتهاء القمة عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ومنها وكالة الأنباء الجزائرية التي نشرت انتقادات لاذعة لبوريطة وحضوره في القمة.
لا يساور المسؤولين الجزائريين أدنى شك أن بوريطة كان يريد أن يُفسد عليهم عرسهم. ولا يساورهم أدنى شك أيضا أنهم أفشلوا خططه وسجلوا عليه أهدافا وفازوا عليه.
حملة العلاقات العامة التي لجأت إليها الدبلوماسية المغربية لم تبدأ عشية انعقاد القمة، بل سبقتها بأكثر من شهرين عندما نشرت مجلة «جون أفريك» وصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية خبرا عن حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس قمة الجزائر، وأكثر من ذلك سعيه الحثيث لإقناع القادة الخليجيين المترددين بالحضور.
كان واضحا أن مصدر الخبر واحد وزعه باتقان على منصتين إعلاميتين مختلفتين جغرافيا ولغويا وانتشارا واتجاها. وكان واضحا أكثر أن المصدر لا يمكن أن يكون إلا في الرباط. وكان واضحا أكثر فأكثر أن الهدف من الخبر تسجيل نقطة ضد الجزائر تضاف إلى الدفتر القائل إن المغرب هو السبّاق دائما لمد اليد.
يجب أن يكون الإنسان بلا عقل كي يُصدّق أن ملك المغرب كان سيحضر القمة وسط هذه الأجواء المشحونة والعلاقات المقطوعة، وهو المعروف عنه أنه يغيب دائما عن القمم العربية.
ويجب أن يكون الإنسان بلا عقل أيضا كي يصدق الكلام عن الجهد المبذول لإقناع القادة الخليجيين المترددين بالحضور.
في نهاية المطاف، اقتاتت وسائل الإعلام ومنصات الإعلام الاجتماعي قرابة شهرين على خبر مشاركة ملك المغرب الذي وُضع في سياق وشكل يروّج للمغرب، وجنت الصحيفتان شهرة ودعاية مجانية.
يُفترض أن القمة عربية، لكن عمق الخلافات المغربية الجزائرية نقل السؤال عن مدى نجاح القمة أو فشلها، إلى مَن فاز في هذه الجولة من النزال بين الرباط والجزائر.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول متابع:

    أعتقد أنه يمكن تسميتها بأي شيء ما عدا” قمة لم الشمل”

  2. يقول كريم المرابطي:

    مسألة النجاح والفشل امر نسبي .. القمة كانت كغيرها .. بالنسبة للاعلام المغربي او بالاحرى وسائل التواصل المغربي يقصدون بالفشل انه فشل عزل المغرب على المستوى العربي او محاولة المساس بالوحدة الترابية للمغرب .. غير هذا فالقمة ليست لا ناجحة ولا فاشلة ..هي قمة عادية.

    1. يقول علي العرايشي:

      جوابك وافي وفي الصميم.
      شكرًا لك.
      إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم

    2. يقول خاليد من ورزازات:

      اصبت يا اخي

    3. يقول عبد الحق:

      رأيك مقنع ..فعلا النجاح والفشل نسبيان..فمن وجهة نظر مغربية القمة فاشلة ..أما من وجهة نظر جزائرية فهي ناجحة ..أما إذا نظرنا إليها من زاوية محايدة فهي قمة عادية ..اجتمع القوم وانصرفوا

  3. يقول هشام - الرباط:

    حبدا ولو تحدث الكاتب المحترم عن المضايقات والاستفزازات التي تعرض لها الوفد المغربي ابتداءا من استقبال ناصر بوريطة من مسؤول جزاءري اقل رتبة من من استبقل بقية الوفود العربية وكذا المراقبة الامنية اللصيقة حد الاستفزاز و وترتيبات العشاء الرسمي دونما اي احترام للبرتوكول الرسمي المبني على ابجدية الدول و نشر خريطة تجزأ الصحراء المغربية من المغرب و التضييق ومحاولة منع الصحفيين من لقاء رءيس الدبلوماسية المغربية و نشر اخبار مضللة بمغادرة الوفد للتشويش على عمله وو….. خلاصة الامر من حيث لايدري العسكر جعلو زيارة بوريطة ناجحة بإعتماد بنود تدعم لجنة القدس و تنبذ تدخلات ايران ودعمها للحركات الانفصالية و تدعم تنظيم المغرب لتجمع حوار الاديان في فاس

  4. يقول Karkouri:

    هههه المغرب هو الفائز من هده القمة بدليل ان المغرب فرض شروطه قبل القمة و اثناءها، بابعاد الوزير الجزائري المكلف بالصحراء، و إرسال مبعوت خاص لتقديم دعوة رسمية للمغرب ،وفرض الخريطة الرسمية للعرب ،و عزل إيران و تخفيض نسبة مشاركة الزعماء .

  5. يقول كريم:

    القمة لم تأت بجديد ، فهي لم تندد بالتطبيع ، ودعت إلى قيام دولتين إسرائيل وفلسطين وعاصمتها القدس الشرقية ، ودعت إلى تجاوز الصراعات في بعض الدول العربية وعدم تدخل دول أجنبية في شؤون الدول العربية ، ورحبت بجهود المغرب وترأسه لبيت مال القدس . إذن لا جديد في هذه القمة

  6. يقول أسامة حميد-المغرب:

    نعم هي قمة السيد ناصر بوريطة بالفعل بل هي قمة المملكة المغربية…والسبب أن وسائل الإعلام الدولية جعلت أغلب تحاليلها قبل القمة حول مشاركة المغرب وهل سيشارك أم لا ومن سيمثله وهل سيحضر الملك بنفسه…الخ. هذا قبل القمة أما أثناءها فقد تكفل الإخوة الجزائريين بالباقي مما زاد في تسليط الأضواء على السيد ناصر بوريطة وتسابق وسائل الإعلام لاقتناص صورة أو تصريح منه. السبب بالطبع هو جملة الأخطاء التي وقعت ابتداء من منع الوفد الصحافي للقناة الأولى من دخول التراب الجزائري وتضامن الصحافة الدولية معه بما فيها مراسلون بلا حدود إلى برودة الاستقبال من الناحية البروتوكولية…ثم الخطأ المتعمد لنشر خريطة الوطن العربي بدون الصحراء المغربية…باختصار فسلسلة الأخطاء التي كلها انصبت على المغرب جعلت الاهتمام يتحول من جوهر موضوع القمة إلى المغرب في شخص السيد وزير الخارجية الذي صعد كما في عنوان المقال إلى القمة. أما من حيث الجوهر فإن القمة لم تأت بجديد ويلخصها عنوان مقال الدكتور عبد الله الشايجي ” قمة «لمّ الشمل» العربية… مياه قديمة في قوارير جديدة ” مع التحية.

  7. يقول عبد الرحمان بن ادريس:

    قمة فاشلة لأنها اعتمدت على شعارات لا يمكن ان يؤمن بها الا العسكر الجزائري. فاشلة لأنها أساسا لا يمكن ان تكون قمة لم الشمل و لا قمة رجوع سوريا لمقعدها و لا قمة إقصاء المملكة المغربية و لا قمة حضور ايران كضيف شرف و لا البوليزاريو كدولة و لا قمة خريطة الدول العربية بدون المملكة بصحرائها.

    1. يقول أسامة حميد-الصحراء المغربية.:

      صدقت وأصبت لله درك.

  8. يقول طاهر ألعرب امازيغي:

    الجزائر و لمدة خمسين سنة تعاكس المغرب في وحدته الترابية، تمول البوليساريو، تسلحهم، لا لسبب الا لان السيد بومدين قرر لوحده وضع شوكة في حداء المغرب للابد. الجزائر العسكرية الرسمية بعد ذلك جعلت من الصحراء قضيتها الاساسية. اغلقت الحدود، اغلقت الغاز، اغلقت الاجواء، أغلقت الماء حتى الهواء…صرفت اموال شعبها على التسليح و البوليساريو…و الآن تتحدت الجزاير الشقيقة عن لم الشمل. يا سبحان الله!
    المغرب الرسمي يدافع عن وحدته الترابية، لا يرد على التفاهات لنا وطن ينتظر البناء…

  9. يقول عمر من باريس:

    ان متفق مع كاتبنا الكبير في العنوان , لان بوريطة كان فعلا في القمة ، في قمة ادائه وهو يدافع من عقر دار الجزائر عن المصالح العليا للمغرب وبكل لباقة و ديبلوماسية. السؤال المطروح هو يدافع عن وطنه فعمن يدافع العمامرة ؟ عمن يريد مزيدا من التازيم بين العلاقات المغربية الجزائرية حتى و لو حساب قوت اجيال من المنطقة المغاربية.

  10. يقول حميد عاشر:

    اظن ان القمة العربية لم تأت بجديد، لقد كانت حلقة للصراع الدبلوماسي بين دولتين جارتين تتنافسان حول الريادة الإقليمية. ضربة مني وضربة منك وفي الاخير ننتظر ما قرأته لجنة الحكام. هذا كل ما في الأمر.
    تحياتي الاستاذ توفيق.

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية