نتنياهو بين المطرقة والسندان

ما أن عاد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت من زيارته لواشنطن، حتى تتالت دعوات المسؤولين الإسرائيليين، خاصة جنرالات الجيش المطالبة بإنهاء الحرب، واقتناص ما سموه» بالفرصة الأخيرة»، لإبرام صفقة تبادل الأسرى للتفرغ لإعداد الفرق والألوية العسكرية الإسرائيلية المنهكة، والمثقلة بالخسائر الفادحة بشرياً وعتاداً، وإعادة تأهيلها؛ استعداداً لمواجهة الأوضاع المتصاعدة في الجبهة الشمالية مع حزب الله، وجبهة الضفة التي شهدت عدداً من العمليات النوعية تنذر بانتفاضة عارمة.
لقد أفرز فشل العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، والمعارك الفائقة النوعية التي واجهت المقاومة بها القوات المتوغلة في الشجاعية، التي عادت إليها للمرة الثالثة، وحي تل الهوا والصبرا، الذي شهد سبع عمليات في يوم واحد، أفرز واقعاً جديدا صادماً، أفضى إلى قناعة جنرالات الحرب الإسرائيليين إلى ضرورة إنهاء الحرب، واستحالة تحقيق «نصر مطلق»، كما كان يردّد نتنياهو، الذي بدا متخبطاً بتصريحاته نظراً لوقوعه بين المطرقة والسندان.
إن تعاظم واتساع الاحتجاجات الغاضبة، التي لم تقتصر على عائلات الأسرى فقط، بل شملت فئات المجتمع الإسرائيلي كافة، في أكثر من 80 موقعاً، والمطالبة بعقد صفقة التبادل وإنهاء الحرب واستقالة نتنياهو، يعتبر مؤشراً قوياً على اتساع الجبهة المناهضة لسياسات نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف. هذه الجبهة التي باتت تشمل أيضاً المعارضة والمسؤولين السابقين الكبار، وأبرزهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي طالب مراراً بتنحي نتنياهو على خلفية فشله في تحقيق أهداف الحرب، وهناك رئيس الوزراء السابق أولمرت الذي يرى: «أنه بمجرد سقوط نتنياهو يمكن للبلاد أن تعود إلى العقلانية والبناء»، وكأنه بذلك يصف نتنياهو بالمتهور والهستيري والهدّام. كما انضم إلى جبهة المناوئين عدد من الوزراء ورؤساء أمنيين وضباط كبار ورؤساء أركان سابقين.

المعضلة الأكبر التي تواجه نتنياهو داخلياً هي مواقف قادة الجيش، الذين يقرّون بعدم قدرة الجيش على تحقيق أي نصر في ظل هذه الوقائع على الأرض

أما الجهة الأبرز في اتساع جبهة المناوئة لسياسة نتنياهو وتكتيكاته فهي، جنرالات الحرب وقادة المستوى العسكري الأول، وفي مقدمتهم وزير الحرب غالانت الذي تعرض إلى هجوم شديد من نتنياهو في آخر اجتماع للحكومة. إن انضمام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع غالانت للمطالبة بوقف إطلاق النار، وضرورة إبرام صفقة تبادل الأسرى، يأتي بعد عودة الأخير من واشنطن وكأنه جاء حاملاً ومتمثلاً الموقف الأمريكي الجديد، الداعي والداعم لعقد صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، ولعل مجيء بارنز مدير المخابرات الأمريكية إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات، يندرج في هذا المسعى وكذلك إرسال بايدن مبعوثه الخاص إلى المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل ستنعكس مواقف هذه الشخصيات على الشارع الإسرائيلي الغاضب، وتلقي ظلالها على مفاوضات التبادل؟ وتبقى المعضلة الأكبر التي تواجه نتنياهو داخلياً هي مواقف قادة الجيش، الذين يقرّون بعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أي نصر في ظل هذه الوقائع على الأرض، وهذا الانسداد الميداني. ولعل ما بثته القناة 12 العبرية يعبر عن هذا الوضع: «الأجهزة الأمنية تُقر بأن الجنود يفتقدون إلى الكثير من المعدات الأساسية والمنقذة للحياة في حربهم». وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» ذهب بعضهم بعيداً إلى القول: «علينا التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، حتى لو حكمت حماس في اليوم التالي»، ولسان حالهم يقول إنهم متعبون ومحبطون، وقد استنفدوا كل ما يمكن أن يستنفدوه، وقدموا كل شيء للحرب، فماذا بعد؟ وباتوا مكتفين باستنزاف قدرات حماس بدلاً من تدميرها، وهذا يمثل تراجعاً عن أهداف حربهم. في واقع الأمر، إن جيشهم قصف ودمّر وقتل وأباد وجوّع وشرد وحاصر وأعدم وتفنن بكل أنواع الجرائم ضد المدنيين، فلم يبقِ شجرا ولا حجرا ولا بشرا حتى وصل إلى مرتبة الجيش الأسوأ أخلاقاً في العالم، لم ترَ البشرية مثيلاً له منذ عقود، لذلك تراهم يطالبون باقتناص الفرصة وإبرام صفقة التبادل؛ وكأنها الفرصة الأخيرة، كما عبر عن ذلك الجنرال المتقاعد ايتسحاق بريك، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية: «إذا رفض نتنياهو الصفقة مرّةً أخرى فسيكون الأمر كقنبلةٍ ذرية أُلقيت علينا». ويرى قادة الجيش أن ما صدر عن مكتب نتنياهو مؤخراً صادم وألعوبة ومناورة جديدة، لإفشال المفاوضات بوضعه شروطاً مسبقة. بينما يرى معسكر نتنياهو أن إيقاف الحرب وعقد صفقة تبادل الأسرى مع حماس هو بمثابة انقضاض على ما سموه بالمنجزات الميدانية التي تحققت. هكذا إذن، نتنياهو في وضع لا يحسد عليه؛ فهو على صفيحٍ ساخن في مواجهةٍ غير مسبوقةٍ مع جنرالات الجيش، الذين وصفهم ذات مرّة بالأرواح المنهزمة، وكذلك بمواجهةٍ مع عائلات الأسرى وعائلات قتلى الجيش ومسؤولي الدولة السابقين وجنرالات الاحتياط ومسؤولي الأجهزة الأمنية المختلفة.
في سياقٍ متصل، هناك ضغط أمريكي جديد يدعم وقف إطلاق النار، وإبرام صفقة التبادل. هذا الضغط وهذا التذمر صرّح به مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الاستخبارات، بأن «نتنياهو يخاطر بالأمن القومي الإسرائيلي وكذلك بالأمن القومي الأمريكي». وفي هذا الإطار، أفادت تقارير صادرة عن لجنة خبراء مستقلين أمريكيين «بأن الدعم العسكري يفقد الولايات المتحدة مصداقيتها، وأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي باستخدامها الأسلحة الأمريكية». والواضح تماماً أن الحزب الديمقراطي استشعر خطورة هزيمة بايدن عقب مناظرته مع المرشح الجمهوري ترامب، فبدأ بمراجعة حساباته ومنها، اهتمامه بإيقاف الحرب وضرورة التوصل إلى صفقة التبادل؛ الأمر الذي من شأنه أن يشكل إنجازاً لبايدن في الشارع الانتخابي الأمريكي، وإظهار حرصه على أمن واستقرار الكيان أمام اللوبي الصهيوني هناك، بهدف كسب أصواتهم وأصوات الأقليات الأخرى الداعمة لإنهاء الحرب. أما على الضفة الأخرى، فهناك المقاومة التي تقض مضاجع نتنياهو وجنرالاته، وقد أغرقت جيش الاحتلال في رمال غزة، وأوقعت به هزائم متتالية وضربات موجعة، جعلت جنرالاته يوقنون بأنه لا يمكن تحقيق أهداف حربهم عسكرياً. فبعد أن كان تدمير حماس وإنهاء سلطتها في غزة هدفهم الأول؛ اكتفوا بتقويض قدرات حماس وإبعاد خطرها عن المستوطنات، بل طالبوا نتنياهو بالموافقة على عقد صفقة تبادل الأسرى مهما بلغ الثمن، والكف عن ألاعيبه ومناوراته وكذبه ووضع العراقيل. كما ذهبوا إلى أبعد من ذلك بمطالبتهم الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، والانسحاب من مناطق الكثافة السكانية لتفادي الخسائر، والاعتماد على عمليات محدودة جراحية كما هو الحال في مناطق الضفة الغربية.
وهنا، لا بد من تذكير هؤلاء القادة أن معارك الشجاعية وتل السلطان وحي تل الهوا والصبرا والرمال ورفح مؤخراً، وبعد دخول الحرب الفاشية شهرها العاشر تؤكد صلابة وقوة وصمود المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسّام الـ24 كما ذكر الناطق العسكري باسمها. ولا بد من لفت أنظارهم إلى ما أوردته القناة 12 العبرية من أن أنفاق حماس ما زالت بحالة جيدة، وأن المقاومة استطاعت إعادة تنظيم صفوفها، وعادت بقوة إلى المناطق التي انسحب منها الجيش.
ختاماً، إن انتقال المقاومة وبهذا الزخم الميداني إلى الهجوم والمباغتة والاستهداف المباشر، لمواقع قيادات العدو من مسافة صفر، وتعدد أساليب الكمائن يؤكد حقيقةً مفادها أنه لا يمكن للآلة العسكرية التدميرية الفاشية أن تلوي ذراع المقاومة، لا في الميدان ولا على طاولة المفاوضات. إن مطرقة المقاومة لن تبقى وحدها في الميدان؛ بل ستنضم إليها مطارق المقاومة في الضفة والأرض المحتلة عام 48 لتستمر كابوساً يؤرق نتنياهو ومستقبله السياسي، وبالتالي حتمية هزيمة جيشه وجنرالاته المنكرة.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    بل بين نار غزة العزة و نار حزب الله اللبناني يا إخواني الأسود والفهود الذين سيقهرون الحلف الصهيو صليبي الأمريكي البريطاني الغربي الحاقد الغادر الجبان الذي عاث سفكا بدماء الفلسطينيين منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️☝️🚀🐒🐒🔥

اشترك في قائمتنا البريدية