نتنياهو وتفجير المنطقة: خلق جملة من الأكاذيب عن حزب الله وسط تقبل إعلام الغرب وساسته لدعايته السخيفة

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

أخيرا، حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما يريد وفجر المنطقة، وهو ما يعمل عليه منذ عام تقريبا. فبعد فشله في غزة التي لم يحقق فيها أي من أهدافه الثلاثة: تدمير حماس ومنعها من الحكم وتحرير الأسرى، أضاف قبل أسابيع هدفا رابعا وهو تحرير الشمال من صواريخ حزب الله وإعادة النازحين.
وبدا نتنياهو عازما على تحقيق هذا الهدف وخلق وجنرالاته رواية سرعان ما تلقتها الولايات المتحدة عن خطر حزب الله وأنه هو الذي بدأ الحرب. وفجأة تحولت المواجهات المنضبطة من الطرفين إلى حرب شاملة ومفتوحة.
وكان من الواضح أن قادة إسرائيل يبحثون عن مخرج من فشل غزة في انتصار بلبنان، وهم يعرفون أن كل مغامراتهم مع لبنان انتهت بالفشل.

الموساد وحيلة الانتصار

إلا أن الفرصة لاحت مع صاروخ مجدل شمس في الجولان في 27 تموز/يوليو والذي نفى حزب الله أي علاقة به، وأن الصاروخ كان من الصواريخ المعترضة الإسرائيلية. لكن إسرائيل وحليفتها الأمريكية رفضت تصديقه.
ومن هنا بدأ تتابع الأحداث باغتيال فؤاد شكر قائد أركان حزب الله في 30 تموز/يوليو وكذا مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، إسماعيل هنية بعد ساعات من اغتيال شكر، أي صباح 31 تموز/يوليو.
وعلق البعض في حينه أن الموساد الذي واجه أكبر فشل في تاريخه بهجوم حماس بالسابع من تشرين الأول/أكتوبر قد استعاد الردع، انتصار في لبنان وطهران وفي ليلة واحدة. وأعطت إسرائيل وجهازها الأمني فكرة انها استطاعت اختراق حزب الله، والحقيقة أن هذه الرواية ظلت متداولة في الإعلام الغربي وأن حماس غزة فاجأت إسرائيل مثلما فاجأت هي حزب الله الذي اخترقت جهازه الأمني، مثلما اقترح تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» (27/9/2024) فتتابع الأحداث منذ مقتل شكر حتى تفجير أجهزة بيجر وتوكي ووكي في 17 و 18 أيلول/سبتبمر ثم اغتيال إبراهيم عقيل وعدد من قادة الحزب مثل إبراهيم القبيسي مسؤول المسيرات الانتحارية في حزب الله يعطي حسا بأن إسرائيل اخترقت دفاعات حزب الله، وهي الجماعة التي طالما اعتبرت الأمن مهما لنجاتها وحماية لبنان وأمنه.
ومع الشكوك التي دارت أن «العاب جيمس بوند» وتوقيت الموساد تفجير أجهزة بيجر ووكي توكي، جاء لخشيته من اكتشاف حزب الله للخلل الأمني، إلا أن إسرائيل شعرت بأنها تحقق انتصارات ضد حزب الله، حتى لو أدت هذه لقتل المدنيين، ذلك أن التفجيرات للأجهزة بثت على الهواء الحي، حيث سقط حملتها في الشوارع وهم يشترون الخضروات أو في سيارات الأجرة، وهم على الدراجات النارية وفي المطابخ.
وبدلا من الحديث عن الجريمة التي طالت آلافا وقتلت مدنيين وأطفالا تغنى المعلقون والساسة في الغرب ببراعة وإبداعية تفكير الموساد.

التركيز على الضاحية

وظلت هذه هي الفكرة المتداولة أو التي أرادتها إسرائيل وأن حزب الله مخترق، وأكدت هذا من خلال التركيز على الضاحية الجنوبية في بيروت حيث واصلت هجماتها فيما اعتبره حزب الله خرقا لقواعد الاشتباك غير المكتوبة بين الطرفين منذ حرب 2006 وتجاوزها الخطوط الحمر. وفجأة حولت إسرائيل المناوشات الجارية منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أو دعم الساحات وإسناد حماس في حربها ضد إسرائيل إلى قضية كبيرة. وبدا في الخطاب الإسرائيلي عملية تجريم حزب الله وأنه المعتدي.
وبدأ استعراض القوة يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر حيث زعمت إسرائيل أنها دمرت أكثر من 2.000 منصة صاروخية للحزب في لبنان وقتلت أعدادا من مقاتليه، مع أن الأهداف التي ضربتها إسرائيل كانت بيوتا ومصانع للحديد ومناطق للمدنيين في سهل البقاع والجنوب اللبناني، ما أدى إلى عملية نزوح جماعي للسكان. ووصلت ذروة الهجمات بضرب مجمعات سكنية في حارة حريك من الضاحية الجنوبية ليل الجمعة حيث قالت إسرائيل إنها استهدفت و»بدقة» مركزا للقيادة والتحكم في بيروت، بقنابل خارقة للتحصينات تصل زنة الواحدة منها آلاف الأرطال.
ثم بدأت الآلة الإعلامية الإسرائيلية تتحدث عن أن المستهدف هو الأمين العام للحزب، حسن نصر الله نفسه. ولزيادة التهويل، عاش لبنان ليلة سوداء من القصف الذي طال الجنوب ومدنه والضاحية الجنوبية ومحيط المطار الدولي، وهي نفس الأهداف التي ضربتها إسرائيل في حربها عام 2006.

عقيدة الضاحية

وفجأة عادت إسرائيل لتنفيذ «عقيدة الضاحية» أو الدمار الشامل، حيث ضربت الطائرات الحربية بيروت طوال الليل، وظهر نتنياهو في غرفة فندقه بنيويورك وهو يعطي موافقته على الضربة ليلة الجمعة في بيروت. وأصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على السفر لحضور اجتماع الجمعية للأمم المتحدة، حيث حمل معه كل الحزمة من الأكاذيب التي يرددها كل عام ومنذ 12 عاما على منبر الأمم المتحدة، التهويل من خطر إيران واتهام المنظمة الدولية بكراهية إسرائيل ومعاداة السامية. وجاء هذه المرة رافضا لخطة وقف إطلاق النار مدة 3 أسابيع التي تقدمت بها الولايات المتحدة وفرنسا. وقرر التصعيد من داخل مقر المنظمة حيث كان وزير دفاعه الذي هدد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بإعادة بيروت إلى العصر الحجري، يراقب عملية ضرب المجمعات السكنية في بيروت من المقر السري في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

التاريخ يلاحق إسرائيل

وطالما تجاهلت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة الداعية لوقف إطلاق النار في غزة أو تحقيق تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقادت حملة لإفلاس واحدة من وكالاتها التي تقدم الخدمات للاجئين الفسطينيين. ولكن التاريخ يلاحق إسرائيل اليوم، فدروها في شرعنة إسرائيل لا يعني التغاضي عن سياساتها ضد الفلسطينيين واحتلالها لأراضيهم. ففي تموز/يوليو وجدت أعلى محكمة في الأمم المتحدة أن احتلال الأراضي الفلسطينية غير قانوني وطلبت من إسرائيل إنهاؤه في عام. وأصدرت نفس المحكمة قرارا في كانون الثاني/يناير وجد أن هناك أدلة منطقية عن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة.
علاوة على ذلك، فقد طلب كريم خان مدعي عام الجنائية الدولية من قضاة المحكمة إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. ورغم تاريخ إسرائيل مع الأمم المتحدة ووصف مؤسساتها بالإرهابية، بل ودعوة مندوبها الحالي داني ياتوم الذي خلف جلعاد إردان الذي استخدم الأمم المتحدة كمنصة لإلقاء محاضرة على أعضائها، إلا أن الدول الغربية وخاصة أمريكا تسامحت مع هذا المسرح وتراجع نتنياهو عن مواقفه، وظلت عاجزة في الوقت نفسه عن إجباره على تغيبر موقفه.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر قدمت الولايات المتحدة أكثر من خطة لوقف إطلاق النار ولكن نتنياهو فجرها في اللحظة الأخيرة. وهو ما فعله بالخطة الأخيرة المتعلقة بلبنان، حيث صعد من الحرب في لبنان، مع أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، أكد أن الخطة الأخيرة نوقشت مع الجميع بمن فيهم إسرائيل. وفي كل مرة يحبط فيها نتنياهو الخطط الأمريكية تسارع إدارة بايدن للدفاع عن وجهة نظر إسرائيل، ومن تابع كلمة المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أو المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليلة الجمعة الذي يكرر بدون ملل لازمته عن الدبلوماسية ووقف إطلاق النار في غزة وتحرير الأسرى وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين وعودة سكان الشمال وغير ذلك من الكلام المعاد المكرر، إلى جانب تهديده أي طرف في الشرق الأوسط برد أمريكي حاسم حال استهدف الجنود أو المصالح والأرصدة الأمريكية، وكان يعني إيران وجماعاتها الوكيلة، في تبن واضح للغة نتنياهو التي عبر عنها في لغة حربية بالأمم المتحدة. ومجرد ذكره عودة النازحين الإسرائيليين إلى الشمال، هو في حد ذاته تبن للهدف الإسرائيلي من الحرب. وكما يقول بيتر بيومنت في صحيفة «الغارديان» (27/9/2024) فقد كان نتنياهو وقادته يخططون ومنذ وقت طويل لضرب حزب الله، واستخدموا ذرائع مثل تخطيط حزب الله لقتل مسؤول إسرائيلي بارز للتصعيد. وقالوا أيضا أنهم تحركوا بطريقة استباقية لمنع هجوم من الحزب ضد إسرائيل، وكل هذا كلام مبهم للتغطية على التصعيد الحالي، فقد اخترعوا عبارة «التصعيد من أجل خفض التوتر» أي جلب حزب الله لطاولة المفاوضات، ولم يتساءل أحد كيف سيقود التصعيد إلى عودة النازحين إلى الشمال. والجميع يعلم أن بلدات الشمال لم تعد صالحة للعيش بسببب الرشقات الصاروخية المستمرة من حزب الله. وأكد زعيم حزب الله حسن نصر الله أن حزبه لن يتوقف طالما لم تتوقف الحرب في غزة. وربما كان التصعيد الإسرائيلي محاولة لفك العلاقة بين حزب الله وحماس، مع أن وحدة الساحات هي الإستراتيجية الأساسية في دعم حزب الله لغزة. وفي خطابه الأخير تحدى نصر الله إسرائيل وأكد أن الإسرائيليين لن يعودوا إلى الشمال طالما لم تتوقف الحرب في غزة. ويفهم أن إسرائيل ركزت في المرحلة الحالية على قتل القيادة مهما كان الثمن.

ما هي الخيارات؟

ورأت مجلة «إيكونوميست» (26/7/2024) أن حسن نصر الله، وقبل الغارة الأخيرة التي استهدفته بات معزولا لأن معظم الرفاق الذين قتلوا كانوا من مؤسسي حزب الله قبل أربعة عقود. وحتى إيران أبدت ترددا من الدخول في مواجهة مع إسرائيل وبالضرورة مع أمريكا. واقترحت المجلة أن طهران قد تقايض حزب الله مقابل رفع العقوبات عنها أو تخفيفها. وربما اقترح البعض أن إيران قد تضحي بحماس التي قيل إنها تصرفت بدون استشارة بقية الساحات، لكن حزب الله هو استثمار كبير لإيران وهو أهم وكيل لها في منطقة الشرق الأوسط وهزيمته تعني هزيمة المشروع الإيراني في كل المنطقة.
لكن الحزب يواجه معضلة اليوم، فبعد التصعيد الإسرائيلي والتركيز على الغارات الجوية، باعتبار التفوق النوعي فيها، يجد قادة حزب الله أنفسهم أمام خيار إعلان المواجهة الشاملة أو الاستمرار بنفس الوتيرة واستهداف المناطق العسكرية في إسرائيل. لكن نتنياهو وزمرته أظهروا أنهم لا يأبهون بقواعد الاشتباك وخرقوا كل الخطوط الحمر. ويواجه الحزب، سواء بنصر الله أو بدونه خيارات صعبة، ويتعين عليه الآن أن يختار ما إذا كان سيطلق المزيد من أسلحته المتقدمة، ويضرب عمق إسرائيل وربما يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، أو يتراجع ويخاطر بتقويض سمعته كأحد أشرس القوى المقاتلة في الشرق الأوسط. فالحرب الشاملة، كما تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» (26/9/2024) مثل تلك التي خاضها حزب الله مع إسرائيل في عام 2006 من المرجح أن تكون مدمرة للبنان، ما يؤدي إلى تفاقم أزمته الاقتصادية وتآكل دعم حزب الله بين السكان. ومع ذلك، إذا لم ترد المجموعة بالمثل على الهجمات الأخيرة، فقد تقوض الردع الذي أمضى حزب الله عقودا في بنائه ضد إسرائيل، إلى حد كبير بمساعدة عسكرية ومالية من إيران. ويقول بعض الأعضاء إن المجموعة كانت حذرة للغاية بشأن تصعيد الصراع. ويزعمون أن حزب الله يجب أن يرد الآن، مستغلا الغضب في صفوفه وفي صفوف الشعب اللبناني الأوسع. لكن قيادة حزب الله تريد تجنب ما تراه فخا نصبته إسرائيل: جعل حزب الله ينظر إليه على أنه يبدأ حربا إقليمية تجتذب إيران والولايات المتحدة.

فخ نتنياهو

ومع ذلك فلم ينصب نتنياهو الفخ لحزب الله، بل ولبايدن الغائب عن الأحداث في مناسبة خاصة، حيث ترك الساحة لفريقه لكي يتعامل مع الأزمة الأخيرة التي خلقها نتنياهو له. ولم يفت الأمر على المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» (25/9/2024) توماس فريدمان والمهووس دائما بخطر إيران وأهمية التطبيع بين إسرائيل والسعودية والناقد الشرس لنتنياهو، حيث قال إن إسرائيل طرحت سؤالا على العالم بعد 7 و8 تشرين الأول/أكتوبر بشأن التعامل مع حماس وحزب الله. وكان جواب الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو: غزو غزة وملاحقة قادة حماس وقتل الجميع بدون اعتبار للمدنيين وقم بدك حزب الله في لبنان وافعل الأمرين بدون التفكير بخطة خروج من أي منهما وهو «فخ، وللأسف أقول أن إدارة بايدن لم تكن حازمة بالقدر الكافي لوقف إسرائيل من الوقوع فيه ولم تكن حازمة في التأكيد على طريق أفضل». ويعتقد أن الحرب في غزة ولبنان حدثت كجزء من مشروع إيراني لتدمير الدولة اليهودية. وكان الهدف المباشر لها هو قتل المبادرة الأمريكية للسلام بين السعودية وإسرائيل. وقامت استراتيجية إيران على إشعال حزام النار حول إسرائيل وتفعيل جماعاتها الوكيلة في العراق وسوريا ولبنان وتهريب الأسلحة عبر الأردن. وكان الإيرانيون مستعدون للتضحية بآخر فلسطيني وسوري ويمني وعراقي ولبناني. ويرى فريدمان أن إسرائيل والحالة هذه تواجه تهديدا من الخارج ومن داخل إسرائيل، أي من نتنياهو وحكومته التي تقدم المصالح السياسية والأيديولوجية. ويعتقد أن إسرائيل تحتاج لوقت طويل كي تكسر حزام النار بدعم أمريكي وعربي وأوروبي، فهي لا تستطيع الدخول في حرب استنزاف طويلة بنفسها.
ورفض نتنياهو خطط بايدن واعتقد ان باستطاعته إخبار العالم أن إسرائيل تقاتل من أجل الحرية ضد حماس وحزب الله والحوثيين وسيصدقه الجميع. ولم يصدقه أحد، لأن قصته غير مقنعة، فلا يمكن أن تكون مدافعا عن جبهة الحرية وقواتك تحتل أراضي الفلسطينيين. ومع ذلك أصر على مواصلة الكارثة في غزة وبدون تقديم بديل. ويعتقد نتنياهو ومن معه أن عقيدة القوة ستنجح في تحييد حماس وحزب الله، لكن الحركتين تعرضتا في تاريخهما لنكسات، ولا يعني قتل القادة توقف فكرة التحرير في عقيدتهما. فعقيدة نتنياهو ومن معه هي الفاشلة، كما عرض تقرير في مجلة «نيوستيسمان» (26/9/2024) جاء فيه أن نتنياهو مصمم، ومرة أخرى للرهان على القوة العسكرية الإسرائيلية، معتقدا أن هذا من شأنه أن يسحق القوة العسكرية والسياسية لحزب الله.
ولا أحد يشك في أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر فتكا وتقدما في الشرق الأوسط، كما وتحتفظ إسرائيل بما يطلق عليه الخبراء «هيمنة التصعيد» فهي قادرة على قصف جنوب لبنان بقوة أعظم كثيرا من تلك التي يستطيع حزب الله أن يفرضها على شمال إسرائيل. ونتيجة لهذا، فإن الجيش الإسرائيلي يلحق الضرر بحزب الله ويقتل قياداته ويضرب العديد من الأهداف العسكرية للحزب يوميا إلى الحد الذي يجعل من الصعب تتبع الضرر الذي يحدثه عليه. وتظل القوة العسكرية وحيل الموساد الشبيهة بألاعيب جيمس بوند مغرية وخادعة، ذلك أن إسرائيل تعاني في لبنان من نفس المشكلة الأساسية التي تعاني منها في غزة، أي استراتيجية عسكرية لن تسفر على الأرجح إلا عن مكاسب قصيرة الأمد.

تواطؤ الإعلام

وفي النهاية لن يغير نتنياهو ألاعيبه طالما وجد متلقين للأكاذيب التي يجترها عن حرب يزعم انه ينتصر بها في غزة والآن في لبنان. فهو ينتاسى تاريخ الفشل الطويل في لبنان وفي غزة وحتى الضفة الغربية. ولكن إعلاما مثل «بي بي سي» مصر على اجترار هذه الأكاذيب. وقال جوناثان كوك في موقع «ميدل إيست آي» (27/9/2024) إنه كلما صعدت إسرائيل من الحرب في الشرق الأوسط، كلما صعد الإعلام الغربي من حربه على عقولنا. واتهم كوك هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بتحويل تغطيتها للحرب في لبنان إلى سلاح من أجل التستر على جرائم إسرائيل. وقال إن «بي بي سي» حولت اللغة إلى سلاح بنفس الطريقة التي حولت فيها إسرائيل تكنولوجيا بدائية لقتل وتشويه اللبنانيين. وقال: «لقد أصبحت كلمات مثل جريئة وتصعيد وأهداف، أدوات لإخفاء المعنى وليس لتوضيحه ــ ولسبب وجيه. ذلك أن تصرفات إسرائيل إجرامية ومروعة بشكل واضح، وإبادة جماعية بكل وضوح. وهكذا أصبحت اللغة سلاحا لإخفاء الحقيقة».
وأضاف أن الإعلام تبنى رواية إسرائيل ولغتها الأورويلية «يجب علينا التصعيد لخفض التوتر» ولهدف مشروع وهو عودة النازحين إلى الشمال. كل هذا في وقت يدفع فيه المدنيون اللبنانيون الثمن الباهظ ويتعرضون للتطهير العرقي، لماذا؟ لأن إسرائيل تقول إنه يخفي أسلحته بينهم. نفس القصة في غزة، حيث يبث الإعلام الغربي وبدون مساءلة أو نقد الفيديو الدعائية السخيفة عن وضع حزب الله أسلحته في غرف معيشة اللبنانيين. وأشار إلى فكرة «حق الدفاع» التي لا تزال تتردد بين الساسة والإعلام بدون أن يتم الحديث عن حق الضحية بالدفاع عن نفسها. وقال إن أحدا لا في «بي بي سي» أو أي مكان آخر سيعترف بأن حزب الله ملتزم بالقانون الدولي وأكثر من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا التي تساعد إسرائيل على مواصلة ما «يظهر» أنها إبادة جماعية.
ونظرا لرفض الإعلام الغربي تقديم سياق لأفعال حزب تملأ دعاية إسرائيل الفراغ: الافتراض هنا هو أن حزب الله ـ وربما كل «العرب» ـ لا تحركه سوى رغبة غير عقلانية ومعادية للسامية في قتل اليهود في إسرائيل. والنتيجة لكل هذا هي أن لبنان يستحق كل ما تفعله إسرائيل له. ولهذا تستمر لعبة الأكاذيب ويتوسع القتل والتطهير العرقي والإبادة في وقت يزعم فيه نتنياهو أنه يدافع عن الحرية ويصفق له قادة «العالم الحر». بل وتقول صحيفة مثل «واشنطن بوست» (28/9/2024) أن النازحين بدأوا يعودون للشمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    هه النتن ياهو يقود المنطقة إلى حرب ملعونة مجنونة ستأكل الأخضر واليابس والحابس ✌️🇵🇸🇱🇧☹️☝️🔥🐒🔥🚀

  2. يقول عبدالرحمن النهدي:

    القضية الفلسطينية بالنسبة لإيران هي الورقة التي تستخدمها في اقناع شعوب المنطقة وربما حلفاها في العراق ولبنان واليمن وغيرها للاستطفاف معها من أجل تحقيق أهدافها فهي في حالة تنافسية مع الكيان الصهيوني على اقتسام النفوذ والسيطرة على المنطقة العربيةوليست في حالة مواجهة معها،، وعندما تصل إيران مع أمريكا وإسرائيل إلى تفاهمات بشأن هذا النفوذ ويقبل الطرفين الإيراني من جهة والأمريكي الإسرائيلي من جهة أخرى بحدود هذا النفوذ ينتهي الخلاف بينهما،، أو أن يدرك العرب وهم بعيدين كل البعد عن ذلك أن القضية الفلسطينية وحلها يقع على عاتقهم وعليهم ان يبذلوا الغالي والنفيس والجهد والتضحية من أجل دحر الكيان بكل الوسائل المتاحة عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا بعيدآ عن التطبيع او الخضوع لاملأت أمريكا وان يوظفوا الجغرافيا والديَموغرافيا والامكانيات الاقتصادية والموارد الطبيعية بشكل أساسي في هذه المواجهة، وبذلك ستكون ورقة القضية الفلسطينية بيد العرب وليست بيد إيران للمساومة بها مع أمريكا والكيان الصهيوني وحينها سيكون على إيران ان تبحث لنفسها عن أوراق أخرى للمساومة بها.

اشترك في قائمتنا البريدية