في تحضير الإدارة الأمريكية لزيارة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط التي ستبدأ الثلاثاء ويزور فيها السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، انشغل مستشاروه بعدة ملفات، كان الأول منها الموضوع الإيراني وتحذير إيران من الاستمرار في برنامجها النووي وتهديد مسؤول الملف ستيف ويتكوف، بأن الولايات المتحدة ستتوقف عن المحادثات محذرا طهران بعدم التلاعب مع الرئيس ترامب.
التحالف الفاوتسي
وكان إعلان الرئيس الأمريكي وقف الغارات الجوية على اليمن بمثابة إشارة من الإدارة لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط قبل وصوله. وهو وإن وصف الإعلان بأنه «استسلام» للحوثيين إلا أن إطلاق صاروخ حوثي جديد على إسرائيل يوم الجمعة لا يشي بأنهم قد استسلموا، رغم الضربات الإسرائيلية القاسية على مطار صنعاء الدولي. ورأت مجلة «إيكونوميست» (8/5/2025) أن إعلان ترامب في 6 أيار/مايو عن وقف الحملة على اليمن وأثناء زيارة رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني للبيت الأبيض، يعكس عددا من الاعتبارات، وأهمها المالية، إذ بلغت كلفة الحملة أكثر من مليار دولار، وثانيها الفشل في ردع الحوثيين عن إعاقة الملاحة البحرية، أما ثالثها فهي إيران التي جمدت المحادثات بعد تهديد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث طهران بأنها «ستدفع الثمن» جراء دعمها للحوثيين.
وفي إعلانه عن وقف الحرب فإن ترامب تخلى عن إسرائيل، حيث أعلن الحرب في آذار/مارس بعد استئناف الحوثيين هجماتهم على إسرائيل بعد انتهاك الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة. وتقول المجلة إن الإعلان الأمريكي يترك الحوثيين في مكانهم، وربما كان إشارة عن حالة من الإحباط الأمريكي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي حاول تخريب المفاوضات مع إيران.
غاضب من نتنياهو؟
وانشغلت الصحافة الإسرائيلية طوال الأسبوع بالحديث عن رفض ترامب تلقي مكالمات نتنياهو، مع أن موقع «اكسيوس» (8/5/2025) ذكر أن ترامب التقى مع وزير الاتصالات الإستراتيجية رون ديرمر في لقاء خاص تمت فيه مناقشة الحرب في غزة والمفاوضات النووية مع إيران. وكان إعلان وقف الحرب على اليمن بمثابة مفاجأة لإسرائيل لكنه محاولة من ترامب لوضع نتنياهو في مكانه، من ناحية أنه لا يستطيع إملاء ما يريد على الإدارة الأمريكية أو مواصلة التلاعب كما هي عادته مع الرؤساء الأمريكيين السابق. وكان هذا واضحا في مقال لتوماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» (9/5/2025) الذي أثنى فيه على موقف ترامب من نتنياهو وحذر من أن الأخير ليس صديقا أو حليفا لإسرائيل، لأنه وحكومته يعملان ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وهي المصالح التي حفظها التحالف الذي أقامه ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر بعد حرب اكتوبر عام 1973، وتمظهرت باتفاق عام 1974 الذي اتفقت فيه إسرائيل وسوريا على منطقة منزوعة السلاح، أحتلتها إسرائيل بعد سقوط بشار الأسد.
ويزعم فريدمان أن هذا المعمار هو الذي عبد الطريق أمام اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو. وقال إن التحالف الأمريكي- العربي، قام على فكرة حل الدولتين، مع أن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح. ولكن نتنياهو وحلفاءه يحاولون خلق أمر واقع في الضفة الغربية وضمها، وهو ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» (8/5/2025) حيث أشارت فيه إلى تغيير معالم المخيمات الفلسطينية في جنين وطولكرم، وتدمير الشوارع والمنازل وتهديد السكان الرافضين للمغادرة بالمسيرات، إلى جانب عنف المستوطنين على الفلسطينيين.
وأشار فريدمان لخطاب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر رعته صحيفة صهيونية دينية في 5 أيار/مايو قال فيه متجاهلا ما تريده أمريكا «نحن نحتل غزة للبقاء» وسيتم حصر سكان القطاع في منطقة صغيرة لا دخول أو خروج.
وضمن هذا السياق جاء إقرار الحكومة الإسرائيلية في 5 أيار/مايو بتوسيع الحرب واستدعاء جنود الاحتياط لتنفيذ خطة صممها رئيس هيئة الأركان المشتركة إيال زامير والتي تقوم على غزو غزة وحصر السكان في منطقة بالجنوب بين البحر الأبيض المتوسط ومصر. ويتم التسويق للعملية بأنها «المرحلة الأخيرة»، فقد تخلى نتنياهو عن شعاره «النصر الكامل»، وتقضي الخطة كما يقول أنصارها باحتلال أجزاء كبيرة من القطاع بذريعة منع حماس من إعادة تجميع نفسها.
ورأى فريدمان أن الخطة هي بمثابة خلق «فيتنام على البحر المتوسط»، فيما وصفتها مجلة «إيكونوميست» (5/5/2025) بأنها خطة راديكالية تعني حربا أبدية لإسرائيل في غزة وجحيما أبديا لأهل غزة. وقالت إن أهم ما في الخطة هي توزيع المساعدات على الفلسطينيين والتي تقضي بإنشاء مراكز توزيع يديرها متعهدون أمنيون أمريكيون، مرتزقة بالصريح، حيث يتم تقديم المساعدات كل أسبوعين للعائلات. وانتقدت مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الخطة باعتبارها غير عملية وتزيد من معاناة الفلسطينيين الذين يعيشون على حافة المجاعة. ولكن إدارة ترامب دعمت الخطة على ما يبدو، حيث قدم ويتكوف إحاطة لمجلس الأمن بالوضع في غزة يوم الأربعاء. وفسرت صحف إسرائيلية حديث ترامب عن أخبار مهمة في غزة، بأنها قد تكون اتفاقية وقف إطلاق النار، وأنه قد يعلن عن الخبر المهم في نهاية الأسبوع.
وبحسب ما رشح من أخبار فإن ترامب قد يقدم في خطته دورا لحماس في حكم غزة مستقبلا.
مؤسسة
ويتم الحديث عن دور لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» لدعم الإستراتيجية هذه. وسجلت المؤسسة في سويسرا في شباط/فبراير بدون ذكر تفاصيل. مع أن موقع «ميدل إيست آي» (8/5/2025) أشار إلى وثيقة من 13 صفحة تم توزيعها على منظمات الإغاثة الإنسانية في محاولة لإقناعها بتبني خطة إسرائيل لتوزيع المساعدات. ويبدو أن حكومة نتنياهو تريد فرض أمر واقع على الأرض بحيث لا يكون هناك أي خيار أمام منظمات الإغاثة إلا القبول بها. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» (8/5/2025) أن الولايات المتحدة بدأت تضغط على الأمم المتحدة وحلفائها لدعم خطة المساعدات الإنسانية وبشرط سيطرة إسرائيل عليها. وجاءت الجهود الأمريكية وسط رفض المؤسسات الإنسانية والأمم المتحدة المشاركة في خطة ترى فيها ضد «المبادئ الإنسانية الأصلية». وعبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن هذا الموقف في إحاطة وزعها على المنظمات الإنسانية وجاء فيها: «بعد مناقشات عميقة وتحليل، قررنا عدم المشاركة في هذا النموذج».
عسكرة وخصخصة
وقالت الصحيفة إن الخطة التي ستبدأ بإنشاء أربعة مراكز في الجنوب حيث سيتم إجبار سكان غزة على الرحيل، قد تتوسع لاحقا. وأهم ما في الخطة الإسرائيلية الجديدة التي ستنفذ بدعم أمريكي أنها تسير جنبا إلى جنب مع أهداف إسرائيل لإلغاء دور الأمم المتحدة في غزة، فالخطة تعمل على عسكرة وخصخصة المساعدات الإنسانية التي ترشح إلى القطاع. فالمؤسسة ستدار من قبل أمريكيين وغيرهم وتأمل بالحصول على دعم الدول العربية مثل السعودية وقطر والإمارات إلا أنها تظل تحت الإشراف الإسرائيلي بالكامل. ومع أن الدعم الأمريكي للخطة نابع من محاولة تهدئة الأجواء لزيارة ترامب إلى المنطقة إلا أن تساؤلات قد تطرحها قاعدة الرئيس والمنقسمة بين داع للمشاركة في إدارة غزة ومعلقين مثل تاكر كارلسون والنائبة الجمهورية مارجوي تيلور الناقدين للتورط الأمريكي في الشرق الأوسط. ونقل موقع «ميدل إيست آي» (9/5/2025) عن السفير الأمريكي السابق في السعودية تشاس فريمان «أعتقد أن الناس سيسألون، لماذا يجب على الولايات المتحدة المشاركة في إدارة المساعدات لغزة بسبب الحرب الإسرائيلية؟». لكن ترامب القادم للشرق الأوسط سيجد عالما متغيرا غير الذي شهده في زيارته الأولى عام 2017، فدول الخليج كما يقول فريمان تعتمد على الولايات المتحدة لضبط إسرائيل، لكنه سيزور المنطقة وقد أعطت إدارته الضوء الأخضر والموافقة على أساليب وتكتيكات إسرائيل الجديدة في غزة. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» (9/5/2025) أن هاكابي وصف خطة المساعدات الجديدة بأنها «مبادرة» ترامب. وجاءت تصريحات السفير يوم الجمعة بملكية المبادرة وسط تلكؤ من الداعمين الإنسانيين والمانحين لها. وقال للصحافيين في القدس «اليوم نعلن عن عملية مستمرة، لقد انطلقت»، ورفض تقديم تفاصيل حول التوقيت أو البلدان أو المنظمات التي ستشارك فيها.
ولكن المبادرة، التي كانت الإدارة تأمل أن تكون قد بدأت على قدم وساق بحلول الوقت الذي يسافر فيه ترامب إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، لا تزال في حالة تغير مستمر حيث رفض الممولون الرئيسيون المتوقعون، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة – المشاركة. ولم تعلن أي دولة أخرى حتى الآن عن دعمها. وأكد تقرير في موقع «اكسيوس» (9/5/2025) أن الآلية لا تفي بمتطلبات الإمارات، حسب الموقع. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»(9/5/2025) إن هذه هي أول مرة تشترك فيها الولايات المتحدة بخطة مفصلة، مع أنها لم تكتمل بعد، لإدارة المساعدات في غزة. ومع أن العنوان الأمريكي-الإسرائيلي المشترك للخطة هو منع حماس من السيطرة على المساعدات، كما تزعم إسرائيل، وبالتالي تخفيف تأثيرها على أهل غزة بل وإنهائه، إلا أن جدوى الخطة غير واضحة. والغريب أن الولايات المتحدة قبلت حتى في ظل التقارير عن الخلاف بين ترامب ونتنياهو بلعب دور «مسؤول مبيعات» لخطة إسرائيلية تهدف إلى جعل الحياة غير محتملة للفلسطينيين الذين يعانون منذ أكثر من 15 شهرا، وهذا يذكرنا برصيف جو بايدن العائم الذي كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست» (7/5/2025) حيث بدأت المهمة التي لم يكن لها داع بمشاكل تتعلق بالبحر الذي مزق الرصيف وأدى لمقتل جندي أمريكي. ولو ضغطت إدارة بايدن في حينه على إسرائيل للسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية، لما احتاجت للرصيف العائم الذي لم ينفع أحدا. ونفس الأمر يتعلق بخطة أمريكا الحالية، فهي مرتبطة بعدم الضغط على نتنياهو لوقف حربه الدائمة.
يجب وقف الحرب
ورأت مجلة «إيكونوميست» (8/5/2025) أن الحرب في غزة يجب أن تتوقف وأن على ترامب الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها الأخيرة، مشيرة أن الحديث عن نزع سلاح حماس سيأتي بعد وقف الحرب. وشككت في كلام قادة الجيش الإسرائيلي وأنصار احتلال القطاع قائلة إن نتنياهو أمضى 18 شهرا وهو يعد بتحقيق «النصر الكامل»، مشيرة إلى أنه لا يوجد أي سبب يدعو لتصديق كلامهم. فبداية لن تؤدي العملية لتحرير الأسرى المتبقين في غزة. إلى جانب معاناة الجيش الإسرائيلي من أزمة معنويات، ففي بعض الوحدات العسكرية لم تستجب سوى نسبة 50 في المئة من جنود الاحتياط للدعوة إلى الخدمة مرة أخرى. وتكشف الاستطلاعات أن نسبة 60 في المئة من الإسرائيليين يعارضون هجوما جديدا يؤدي لاحتلال غزة. وقالت إن إسرائيل قتلت قيادة حماس ودمرت ترسانتها، وما تبقى هو حرب عصابات لا قدرة لإسرائيل على إنهائها، وبالتالي فلا حاجة لعمل عسكري كبير. وقالت إن خطة إسرائيل لتقديم المساعدات لن تقدم سوى القليل من الإغاثة، ولا تتضمن أي أجراءات خاصة تتعلق بالأشخاص المرضى أو غير القادرين على الذهاب إلى مركز التوزيع. وتقول المجلة إن المستفيد الوحيد من استمرار الحرب هو نتنياهو وتحالفه المتطرف الذي يحلم بإفراغ غزة من سكانها وإعادة بناء المستوطنات اليهودية هناك. ولو تمكنوا من تحقيق هدفهم، فإن 2 مليون إنسان سوف يضطرون إلى العيش في 25 في المئة من مساحة غزة على أساس حصص غذائية. ويتفاخر بعض الوزراء بالفعل بأن مثل هذه الظروف من شأنها أن تدفع سكان غزة إلى المنفى، وهو ما يعتبر بمثابة تطهير عرقي. وتضيف المجلة أنه يجب ألا يستخدام الطعام كسلاح في الحرب، وإذا انتهى الأمر بإخلاء غزة من سكانها وإعادة احتلالها، فسوف ترتكب خطأ استراتيجيا وفضيحة أخلاقية.
خطاب إبادة
ولكن إسرائيل لا تستمع ويبدو أن نشوة الانتقام لم تخف بعد، فحكومة نتنياهو تبرر العملية الأخيرة لسحق ما تبقى من حماس وحرمان الأخيرة من السيطرة على المساعدات الإنسانية. وما وراء السياق هو عملية تجريد كامل للفلسطينيين من إنسانيتهم، ولا يقتصر هذا على وزراء الحكومة المتطرفين ونتنياهو بل والجنود والإسرائيليون الذين يبررون القتل بلغة مثيرة للقلق. فمنذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، استحضر نتنياهو من التوراة ليصور كل الفلسطينيين بأنهم أعداء الشعب اليهودي «تذكروا ما فعل العماليق بكم». ومنذ ذلك الحين، واصل الوزراء وأعضاء الكنيست والصحافيون وغيرهم من الشخصيات العامة حملتهم الرامية إلى نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، حتى الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ قال إنه لا يوجد أبرياء في غزة، وهي المقولة الشائعة التي تبرر القصف والتجويع الذي يتعرض له القطاع بأكمله. وفي يوم الثلاثاء، أجرت القناة السابعة الإسرائيلية مقابلة مع تالي غوتليف، عضو الكنيست عن حزب الليكود بزعامة نتنياهو، حول العملية العسكرية الجديدة في غزة حيث أشارت غوتليف إلى أن العملية بدأت بالفعل، حيث أن غزة تخضع لحصار شامل منذ شهرين و«حتى قبل التدخل العسكري، كان الأمر بمثابة مجاعة. ففي نهاية المطاف، لا ينطبق القانون الدولي على المنظمات الإرهابية»، كما تزعم. وأضافت أن إسرائيل بحاجة إلى تجويع غزة «لأنه لا وجود لمدنيين في غزة كل واحد مسؤول». وقالت: «في الوقت الحالي، لسنا مضطرين لإعطائهم أي فتات أو حبة قمح، وأنا مستعدة لأن يقتبس كلامي في جميع أنحاء العالم. هل هناك دولة تطعم أعداءها؟».
وهذا تعليق جزء من كم كبير من التعليقات المتداولة بين الإسرائيليين كما يقول نداف رابابورت في موقع «ميدل إيست آي» (9/5/2025). و شاركت إسرائيلية، الثلاثاء، محادثة على صفحتها في فيسبوك سمعتها بين جنديين في محطة للسكك الحديدية.
«جنديان يرتديان ملابس مدنية، أحدهما يستخدم عكازات. كانا يتحدثان عن غزة. ونقلت عن الجنود قولهم: «يا أخي، كان الأمر أشبه بلعبة كمبيوتر. قدمنا لهم طعما. فتحنا علب الطعام ووضعناها على الطريق» ثم «جاءوا على الفور، وقمنا برش الجميع، وطار الناس في الهواء. نحت نتحدث عن الأمر بهذه الطريقة، وفجأة يبدو الأمر إجراميا». وجاء في التقرير أن المؤرخ الإسرائيلي لي موردخاي الذي جمع قاعدة بيانات ضخمة عن الحرب في غزة، أعد تقريرا جاء فيه أن «نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين أصبح الآن أمرا طبيعيا ومنتشرا وواضحا في مئات الصور ومقاطع الفيديو، والتي قام جنود الجيش الإسرائيلي بتحميلها جميعها تقريبا على وسائل التواصل الاجتماعي».
ولعل تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ساهم في الرقم المذهل للقتلى في الحرب، أكثر من 52.000 شخص، مع أن المجلة الطبية البريطانية «لانسيت» تضع الرقم ما بين 77.000- 107.000 فلسطيني قتلوا منذ بداية الحرب أي ما بين 4-5 في المئة من سكان غزة.
ورغم كل الأدلة اللفظية والعملية تدافع الدول الغربية عن الإبادة الجماعية في غزة، ورأت صحيفة «فايننشال تايمز» (6/5/2025) أن ترامب لم يفعل حتى الآن سوى منح الجرأة لنتنياهو على مواصلة حربه، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي سيزور الشرق الأوسط ويجتمع مع القادة العرب الغاضبين على ما يجري في غزة، ومع هذا سيستقبلون ترامب في احتفالات فخمة مع وعود باستثمارات بمليارات الدولارات وصفقات أسلحة. وسيحمل ترامب حماس المسؤولية عندما سيتحدث مع مضيفه الخليجيين. وتتفق دول الخليج على أن استمرار حصار غزة لا يعمل إلا على إطالة أمد الحرب. لكن عليهم أن يقفوا في وجه ترامب ويقنعوه بالضغط على نتنياهو لوقف القتل ورفع الحصار والعودة إلى المحادثات. وحذرت من التزام الغرب بالصمت أو فقدان الجرأة على الكلام يعني أنهم سيصبحوا متواطئين ومتورطين أكثر. وهو ما أشار إليه أيضا منسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابق جوزيف بوريل، حيث قالت صحيفة «الغارديان» (9/5/2025) أن بوريل، وزير الخارجية الإسباني السابق انتقد فشل الاتحاد في استخدام كل الوسائل المتاحة له للتأثير على إسرائيل، قائلا إن التعبير عن الأسف لم يكن كافيا ببساطة. وكان بوريل يتسلم جائزة تشارلس الخامس بحضور الملك فيليب في جنوب إسبانيا يوم الجمعة، حيث قال: «نحن نواجه أكبر عملية تطهير عرقي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل إنشاء وجهة سياحية رائعة بمجرد إزالة ملايين الأطنان من الأنقاض من غزة وموت الفلسطينيين أو رحيلهم».
واتهم الدبلوماسي السابق إسرائيل بانتهاك كل قواعد الصراع واستخدام تجويع السكان المدنيين في غزة «كسلاح حرب». وقال إن «المتفجرات التي ألقيت على غزة تعادل ثلاثة أضعاف القوة التفجيرية التي استخدمت في قنبلة هيروشيما». و«منذ أشهر، لم يدخل أي شيء إلى غزة. لا شيء: لا ماء، لا طعام، لا كهرباء، لا وقود، ولا خدمات طبية. هذا ما قاله نتنياهو وهذا ما فعلوه». وأضاف: «نعلم جميعا ما يجري هناك، وقد سمعنا جميعا الأهداف التي أعلنها وزراء نتنياهو، والتي تعد تصريحات واضحة عن نية الإبادة الجماعية. ونادرا ما سمعت زعيم دولة يحدد بوضوحٍ خطة تناسب التعريف القانوني للإبادة الجماعية». وقال إن أوروبا لديها الأدوات للتأثير على إسرائيل وليس فقط الاحتجاج.