نحن متهمون بحب الأسد!

حجم الخط
30

بـ«نحن» أقصد مواطني شمال إفريقيا، تونس، الجزائر، المغرب وحتى موريتانيا. هناك انطباع، تطوَّر إلى تهمة، بأننا معجبون بديكتاتوريات المشرق العربي ونعشق رؤوسها مثل بشار الأسد وقبله صدام حسين.
هناك معطيات تدفع إلى الاعتقاد بأن هذه «التهمة» ليست نابعة من فراغ. كلما عصفت أزمة بدولة من دول المشرق العربي، ارتفع منسوب الجدل في المغرب العربي وبرزت «التهمة» في المشرق تصريحا وتلميحا.
لن أنسى ما حييت حمى انبهار الجزائريين، شعبا ونخبا، بصدام حسين وهو يحتل الكويت ويشرّد شعبها، وبـ»انتصاره الأسطوري» على التحالف العالمي الذي التأم لتحرير الكويت وتدمير الجيش العراقي بالنتيجة. أذكر تفاصيل ذلك الفلتان الإعلامي الكبير: كنت محررا مبتدئا في صحيفة مسائية وأشاهد من حولي كتّاب المقالات ينزوون كلٌّ في ركنه ليكتبوا ما يحلو لهم في تمجيد صدام. يمدحون خططه و«عبقريته العسكرية» بلا معلومات موثوقة وبلا رؤية كأنهم مخططون استراتيجيون عالميون أو جنرالات خاضوا معارك الحرب العالمية الثانية، رغم أن بعضهم لم يرَ بالعين المجردة بندقية صيد في حياته. ثم يجد كلامهم طريقه إلى النشر من دون أدنى تدقيق أو مراجعة.
عندما أتذكر ذلك الفلتان أقول في قرارة نفسي إننا مَدينون باعتذار علني للكويت. كنا في جهل كبير بمأساة الكويتيين جراء ذلك الاحتلال، ونصر على تجاهلها. حاولت السلطات الجزائرية تصويب الأمور لكنها فشلت لأسباب، منها مرور البلاد بحالة هيجان تعود لانفتاح سياسي وإعلامي أوشك على الخروج عن سيطرتها، وتزامنه مع هيمنة الإسلاميين بشعبيتهم الجارفة على الشارع. هناك مَن قال إن السلطات شجعت ذلك الفلتان لامتصاص حمى الشارع وتكريس الانطباع بوجود حريات سياسية وإعلامية.
قبل الكويتيين، كنا جاهلين بما فعلت ديكتاتورية صدام بالعراقيين ذاتهم، رغم وجود مئات الأساتذة العراقيين يُدرّسون في الجامعات الجزائرية من أقصى البلاد إلى أقصاها. التقيت عددا من هؤلاء في لندن بعد سنوات وعرفت أنهم كانوا من المعارضين، ووجدت بينهم من درَّسوا في جامعات سيدي بلعباس ووهران والعاصمة وحتى تيزي وزو فأحبوا أهلها وتعلموا كلمات أمازيغية.
وعندما تعلق الأمر بالحالة السورية لاحقا، تكرر الجهل الفادح بمعاناة السوريين من إجرام نظام حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار.
أقصد هنا الجزائريين، لكنني أستطيع أن أجزم بأن الحالة نفسها تتكرر، بشكل أو بآخر، في تونس والمغرب وموريتانيا.
لما أطاح التونسيون بنظام بن علي في 2011 هلّل لهم العالم العربي وفرح لفرحتهم. وعندما امتدت الانتفاضة إلى مصر كانت الفرحة ذاتها وأكبر. لكن عندما وصل طوفان الغضب إلى سوريا، بدأ الحديث عن مؤامرة عالمية تستهدف دورها المزعوم في دعم القضية الفلسطينية. حتى في تونس ارتفعت أصوات مثقفين وناشطين ينددون برغبة السوريين في التخلص من ديكتاتورهم ويعتبرونها «مؤامرة» دولية، رغم أن هؤلاء الأشخاص ذاتهم شجعوا الثوة على بن علي باعتبارها «إطاحة بنظام ديكتاتوري».

كلما عصفت أزمة بدولة من دول المشرق العربي، ارتفع منسوب الجدل في المغرب العربي وبرزت «التهمة» في المشرق تصريحا وتلميحا

استمر هذا المزاج في تونس والجزائر قبل هروب الأسد وبعده. في تونس مال المزاج السياسي منذ اليوم الأول نحو رفض ما حدث في سوريا. تسمع ذلك تصريحا وتلميحا في أوساط ما يسميها التونسيون الثورة المضادة. في الأسبوعين السابقين لهروب الأسد، حفلت قناة «الميادين» اللبنانية الداعمة لإيران، بالضيوف التونسيين الذين يدينون ما يجري ويصنّفونه في خانة المؤامرة على سوريا بسبب موقف قيادتها «الممانع الداعم للقضية الفلسطينية».
في الجزائر تناول الإعلام المحلي ما يجري في سوريا، ولا يزال، بحذر يقترب أحيانا إلى التعتيم. في موريتانيا يبدو نظام الرئيس ولد الغزواني أقل اندفاعا نحو سوريا مقارنة بنظام ولد عبد العزيز، لذلك جنح المزاج الموريتاني وفضّل الإعلام ما يشبه الحياد: تغليب الجانب الخبري على ما دونه.
سألني عراقيون في لقاءات لندن من أين نستمد كل ذلك الإعجاب بصدام حسين. وقال آخرون: لو أعرناكم إياه يحكمكم يوما واحد ستلعنون سلالته إلى عاشر جدّ. واليوم قد يكرر سائل السؤال ذاته عن صدام والأسد. جوابي: القضية الفلسطينية هي السبب! صديقنا أيّ أحد يدّعي الدفاع عن فلسطين. لا يهم إن كان صادقا أو كذوبا. ولا يهم إن أصاب أو أخفق. ولا يهم أيضا إن كان لذلك ثمن.
والدليل أن مواطني شمال إفريقيا لم يراكموا مشاعر قوية تجاه صدام حسين وهو يخوض حربه الشرسة الطويلة ضد إيران رغم أن إعجابهم به وبالعراق كان موجودا. لكن الإعجاب الكامن تطوَّر إلى انبهار أثناء احتلال الكويت بسبب مشاعر سلبية دفينة تجاه الكويت بسبب الثراء وبعض الأحكام الجاهزة المُخزّنة في شمال إفريقيا عنها وعن دول الخليج كله آنذاك. ثم تضاعف الانبهار بصدام ليفلت من عقاله في الشهور اللاحقة لأنه أطلق بضعة صواريخ في اتجاه إسرائيل.
مشكلتنا أننا مثل العاشق الأعمى، نتوقف عن ملاحظة عيوب مَن نفتتن بهم عندما يدَّعون الدفاع عن فلسطين. واستنتاجا رفض الكثيرين منا تصديق ما أُشيع طيلة السنوات الماضية عن جرائم بشار الأسد وصدام حسين في حق شعبيهما.
بعيدا عن السياسة، هناك أسباب سيوسيو ثقافية غير مباشرة لكن يجدر أخذها في عين الاعتبار. عشنا في شمال إفريقيا في مجتمعات متجانسة تماما ومستقرة.. دين واحد، طائفة واحدة، مذهب واحد. مجتمعات متجانسة عرقيا إلى حد بعيد. نشبه بعضنا في المأكل والملبس والعادات والتفكير والفرح والحزن، وفي التديّن وما يتفرّع عنه من أفكار ومعتقدات. وقد ترتَّب عن هذا الانسجام شيء من الصعوبة في تقبّل الاختلاف أو الخروج عن الإطار الاجتماعي المرسوم. وقابل الانسجام جهل بمجتمعات المشرق العربي فاعتقد كثيرون منا أن كل العرب مسلمون بالضرورة، واستغرب آخرون وجود مسيحي قيادي في حركات النضال الوطني الفلسطيني.
وسط هذا الجهل كنا نعتقد أننا نعرف عن المشرق أكثر مما يجب، ونعتب على أهله معرفتنا بهم وجهلهم بنا، واستمر هذا الحال إلى وقت قريب. اليوم هناك انفتاح واطلاع أكثر، لكن لم يصل الأمر بعد إلى تحرير «المغاربيين» كليا مما يمكن تسميتها مجازا «متلازمة طغاة المشرق».

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سلام عادل _المانيا:

    اعتقد ان الأمر كان مرتبط أولا بالقضية الفلسطينية سابقا حيث العرب منقسمون الى فئتين اولها كنا نسميها بحسب انظمتنا تقدمية ومتمثلة بالانظمة التي اسقطت الملكيات واقامت الثورات وتبنت الاشتراكية وهي مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن وتعتبر داعمة للفلسطينيين ومنظماتها او فصائلها الثورية وهي مع السوفيت والثانية رجعية متمثلة عموما بالملكيات وتعتبر داعمة للفلسطينيين بالمال فقط وهي مع امريكا ولكن وصول الخميني للسلطة في ايران خلط الاوراق او الاصح اظهر حقيقة مجتمعاتنا الطائفية ومع الحرب العراقية الايرانية اصبحنا فئتين أحدهما مع العراق وأخرى مع إيران وهنأ برز نجم صدام حسين وأصبح اكثر شعبية من جمال عبد الناصر لأنه يحارب إيران الشيعية ويمنع امتداد الشيعة وتوسعهم في الخليج والعراق ولكن الامر لم يدم طويلا فانقسم العرب مرة آخر ى بعد غزو الكويت اما مع او ضد صدام وحتى مع حزب الله قبل الأحداث في سوريا كنا منقسمين بسبب الطائفية معه او ضده رغم انه كان يحارب إسرائيل وتجلى الأمر بعد سقوط صدام والأحداث في سوريا ولم يشفع لحزب الله وإيران وقوفهم مع حماس في حربها الأخيرة

  2. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

    خبر موازي..
    .
    الحكومة السورية الانتقالية الحالية تعلن عدم اعترافها بالتمثيلية الدبلوماسية
    السورية السابقة المتواجدة حاليا في ‎الجزائر، مما يعني أن سوريا لا تمتلك
    أي تمثيلية شرعية في الجزائر.

    1. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

      تتمة..
      .
      كان بامكان الحكومة الانتقالية استبدال السفير.. او
      تعطيل عمله مؤقتا… لكنها اعلنت هذا الخبر..
      ما يترجم بلغة الدبلماسبة قطعا للعلاقة حاليا..
      .
      لان الجكومة لم تفعل حتى مع روسيا مثلا..

  3. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل
    من يحدد كراهية وحب الأنظمة؟
    جاء في المقال ما نصه:
    “لكن الإعجاب الكامن تطوَّر إلى انبهار أثناء احتلال الكويت بسبب مشاعر سلبية دفينة تجاه الكويت بسبب الثراء وبعض الأحكام الجاهزة المُخزّنة في شمال إفريقيا عنها وعن دول الخليج كله آنذاك. ثم تضاعف الانبهار بصدام ليفلت من عقاله في الشهور اللاحقة لأنه أطلق بضعة صواريخ في اتجاه إسرائيل”انتهى
    ما سلف لخص فكرة الكاتب.
    الجملة الأول تتضمن خطأ فادح، لأن انبهار المغاربة بصدام حسين لم يكن لاحتلاله الكويت، إنما لوقوفه ندا في وجه الغرب ولا سيما، لما دكَّ الكيان المؤيد والمدعوم من الغرب.
    وكرههم للخليجيين ليس بسبب ثرائهم الفاحش، إنما لسقوطهم في أحضان الغرب، لا سميا بريطانيا وأمريكا، ودفعهم لهما الملايير ليحميان عروشهم، ويبخلون حتى بالفتات على شعوب عربية فقيرة.
    دليل تحليلي، هو واقع الحال في غزة، فكل الشعوب العربية بدون استثناء يكرهون الأنظمة المطبعة والمدافعة عن الكيان الخاذلة للمقاومة.
    وبالمختصر المفيد، حب أو كراهية الأنظمة يحددهما عاملان:
    1- موقفهم من القضية الفلسطينية، لا سيما المقاومة.
    2- موقفهم من المغرب، لا أعني العلاقات الطبيعية، إنما أعني علاقات التحالف والولاء والإخلاص للغرب، حتى لو أراد تدمير بلد كما وقع للعراق وليبيا وسوريا.

  4. يقول عبد الله ب.:

    ألف تحية للكاتب توفيق رباحي.

  5. يقول خليل ابورزق:

    قاتل الله التخلف فهو سبب الجهل و الفقر و المرض و الكدب و الغش و النفاق. و ما تقول عنه في شمال افريقيا موجود بكثافة ايضا في المشرق.
    سبب التخلف هو تراكمات متعددة و اختصار العلاج هو اولا: في اقرار حق الانسان و المجتمع بالحرية. حرية الاختيار و حرية التفكير و التعبير و التنظيم و العمل كلها تقر و تنطم بارادة اجتماعية و تتولد منها النظام الديموقراطي المناسب لتداول السلطة. احد نواتج انعدام الحريات هو ضمور التفكير و ندرة المفكرين القادرين على قيادة الامة… و ثانيا في تحسين التعليم كما و نوعا و المقصود هو تعليم الاولاد و البنات التفكير الحر و الابداع و قيم الكرامة و المواطنة و احترام الاخرين و العمل مع الفريق و قيمة الانتاج ومعنى الجهاد الخ.. فالتعليم هو مصنع الانسان و اساس المستقبل.. كدلك التركيز على البحث العلمي لاستشراف المستقبل. و ثالثا: تمكين المرأة بمعنى اعدادها لمسؤوليتها الكبرى في تربية رجال و نساء المستقبل و ارضاعهم القيم السامية..
    وقد يقول قائل قائل ان كل ما دكر موجود و اقول ان مقارنة بين ما ينفق على التعليم و الامن مع ما ينفق على التعليم و الصحة في بلادنا المتخلفة يقول اننا نصرف على التعليم و الصحة واحد من عشرة مما يجب انفاقه

  6. يقول رمضان الجزائري:

    صاحب المقال وقع في التعميم وهذا خطأ فادح.
    توجد شرذمة تدعم الدكتاتور السوري
    لكن يوجد الكثيرين من هللوا لسقوط نظام البراميل المتفجرة الذي دمر سوريا وشرد شعبها وقتل مئات الآلاف وحول السجون إلى مسالخ بشرية.

  7. يقول مسلم عربي:

    لماذا تستمر المفاوضات سنمة وخمسة اشهر دون الوصول الى نقطة اتفاق يمكن التوفق عنها لوقف العدوان الإرهابي الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة ؟

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية