من بينالي البندقية الفنانة منيرة الصلح تدعو عبر تجهيز «رقصة من حكايتها» للمساواة
بيروت ـ «القدس العربي»: من خلال الأسطورة يشارك لبنان هذا العام في بينالي البندقية، حيث يشغل جناحه تجهيز فنّي متعدد الوسائط نفّذته الفنانة منيرة الصلح عنوانه «رقصة من حكايتها» إنها حكاية الأميرة «أوروبا» التي اختطفها «زوس» من شاطئ مدينة صور إلى جزيرة كريت.
مقاربة منيرة الصلح لهذا العنوان تجسّدت رسماً وفيديو وموسيقى وأداء، وتقنيات حديثة مختلفة. أرادت منه مصيراً مختلفاً للنساء، يمسكن فيه قرارهنّ، ويقررنّ مصيرهنّ. إنها الرغبة بالانعتاق من الإلهة، والأسطورة التي تعيد منيرة الصلح قراءتها من وجهة نظر معاصرة إن صحّ القول.
وجد الجناح اللبناني ترحيباً في بينالي البندقية، سيما وأنه يعمل على موضوع معاصر هو المساواة بين الجنسين، ومن خلال الأسطورة التي غالباً ما تجد استحساناً.
بينالي البندقية الذي شكّل واحداً من الفعاليات الأوروبية والدولية الكثيرة التي دعمت وبقوة إقصاء روسيا عن المشاركة سنة 2022 بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، مارس هذا العام معايير مزدوجة فيما يتعلّق بالإبادة التي تنفّذها الدولة الصهيونية على غزة. ليس هذا وحسب، بل وصف وزير الثقافة الإيطالي الطلب بخصوص الإبعاد بأنه غير مقبول من «أولئك الذين يعتبرون أن بإمكانهم تهديد حرية الفكر والتعبير الإبداعي» رغم توقيعها من 9 آلاف فنان حول العالم.
مع المفوضة العامة والقيمة على الجناح اللبناني ندى غندور هذا الحوار:
○ تشغلين مهمة المفوضة العامة والقيمة على الجناح اللبناني في بينالي البندقية للفن المعاصر. هل لنا شرح فعالية هذه المشاركة وجدواها لعامة الناس في لبنان؟
• معرض الجناح اللبناني في بينالي البندقية لعام 2024 هو بمثابة احتفال بتراث بلدنا وبإبداعه الفني. نؤمن بأن هذا الجناح هو بمثابة شهادة على روح الفن اللبناني الرّاسخة والمتفائلة والنّابضة بالحياة. ونحن نأمل لهذه المشاركة بأن تعزّز مكانة لبنان على الساحة الدولية. وبالرغم من أن المنطقة تشهد مأساة كان من الضروري التواجد في بينالي البندقية لتسليط الضوء على المشهد الفني اللبناني، والقول إن لبنان يبقى مركزاً للإنتاج الثقافي والإبداع الفني. وهذا الجناح هو رسالة قوية لفناني لبنان لمنحهم الأمل في هذه الأوقات الصعبة حتى يتمكنوا من مواصلة ممارستهم الفنية، لأن الثقافة تشكّل جزءاً من حضارتنا ويجب الحفاظ عليها.
○ منذ متى يشارك لبنان في هذه الفعالية الدولية؟ وكيف جرى ذلك؟
• إنها المرّة الخامسة التي يشارك فيها لبنان في بينالي البندقية. والمرّة الأولى التي يشارك فيها لمرّتين مُتتاليتَين وذلك بمبادرة خاصة وبرعاية من وزارة الثقافة اللبنانية.
○ اخترتم لتمثيل لبنان في الدورة الستين الفنانة منيرة الصلح لتقدّم تجهيزاً متعدد الوسائط بعنوان «رقصة من حكايتها». ماذا أردتم القول للمتفرج الغربي بشكل خاص؟
• دعا الجناح اللبناني في بينالي البندقية الفنانة منيرة الصُّلح إلى فتحِ ممرّاتٍ بين الأسطورة والواقع داخل جدرانه ودهاليزه. يحمل التجهيز الفنّي المتعدّد الوسائط، والذي يجمع بين الرسم والتصوير والنحت والتطريز والفيديو، الزائرين إلى فينيقيا القديمة مستعيناً بالوسائل التشكيليّة والبصريّة المعاصرة. في مواجهة حاضرنا القاسي، توضَعُ أبديّة الأسطورة اليونانية-الفينيقية في مقارنة مع حقائق عالمنا المُعاصر، ولا سيما فيما يتعلّق بالمصاعب والتحديات التي تواجهها المرأة اليوم. يرتكز تجهيز منيرة الصُّلح على حكاية أسطورية تدورُ حول تنكّر الإله «زوس» على شكل ثور أبيض، من أجل اختطاف الأميرة الفينيقية «أوروبا» من على شاطئ مدينة صور. في عمل الفنانة الصلح، تولِّدُ هذه الحكاية امتدادات وتطابقات غير متوَقَّعة عبر الزَّمن. إذاً الرحلة التي تدعونا منيرة الصلح إلى المشاركة فيها على خطى الأميرة «أوروبا» تؤول نحو مصيرٍ نسائي متحرّر من «الآلهة». هو مصيرٌ تتحلّى عبره المرأة بالدور والمسؤولية في تحديده، وفي التّوق إلى وضعٍ آخر. تشكّل الأسطورة التي تعيد منيرة الصُّلح التَّفكُّر فيها مساحة بلاغية وتشكيلية، تُبجّل الانعتاق والحرية والمساواة والالتحام والتّضامن. هذا العمل هو بمثابة حيّز للحوار الشُجاع والمُستبسِل عبر الزّمن، وعلى أرضٍ هي اليوم أكثر قوة وطواعية من أي وقت مضى. يقدّم الجناح اللبناني في بينالي البندقية هذا العمل برغبة للمشاركة في تغذية الوعي الاجتماعي والسياسي الجماعي، من خلال قوة الفن وتأثيره.
○ كيف تداخلت الوسائط المتعددة وكيف تفرّدت لتظهير الفكرة التي أردتموها؟
• يتمحور تجهيز «رقصة من حكايتها» حول قاربٍ يدعونا إلى رحلة رمزية للانعتاق والمساواة بين الجنسين. غير أن هيكل القارب غير المكتمل يشيرُ إلى أن هذه الرحلة لم تكتمل تماماً. يستقرُّ تجهيز منيرة الصُّلح في مسارٍ تنظمه علاقات القِوى. في وسط المعرض، نرى القارب في منتصف الطريق بين الأعمال التصويرية والرسومية التي تدعو إلى التشكيك في المعايير الجنسانية، وإلى النضال من أجل المساواة من جهة، ومن جهة أخرى الأقنعة التي تجسّدُ القوى المحافظة في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تأخذُ الأجسام التي نراها في مساحة الجناح أدواراً في الفيلم يتألف من 12 دقيقة والذي يُعروض على شراع القارب.
○ لماذا العودة إلى أسطورة الأميرة الفينيقية «أوروبا» التي حملها «زوس» إلى جزيرة كريت بالخديعة؟
• تتمتع الأسطورة في جوهرها بسمة أساسية تتمثّل في كونها خطابًا عاماً وعالمياً، ما يجعلها دائمة المُعاصَرة والقابلية لإعادة التفسير والاستملاك والتّدارس. فإعادة تدارس الدّالّة (أو الموتيف) يفتح أبواب التفكير النقدي ويفسح المجال لانبثاق البدائل، ولهذا السبب غالباً ما كانت دراسة الأساطير على مرّ القرون، ما خدم تفسير حركات الاعتراض والاحتجاج والهَدم. تحضرُ جميع هذه الأبعاد في تجهيز «رقصة من حكايتها».
○ كيف عادت «أوروبا» لتنتصر على الإله زوس من وجهة نظر الصلح؟
• تعبّرُ القصة القديمة التي نَظَمها وفَرَضَها رجال، عن الرّغبة في السيطرة على المرأة وإخضاعها. تذكّرنا رحلة «أوروبا» إلى جزيرة «كريت» بغنائم الحرب التي أخذها الكريتيون من الفينيقيين. على مرّ القرون، وخاصة في الرَّسم الغربي، تتطوّر تصويرات الأسطورة من فعل الاختطاف إلى حالةٍ من الموافقة والرّضى. ولكن لطالما كانت وجهة النّظر الذكوريّة هي الحاضرة والمعروضة. أما هنا، تختار الفنانة إنشاء علاقة مساواة بين الجنسين فهي تقوم بتحديث الأسطورة الموروثة وإعادة قراءتها من خلال استبصار ووجهة نظر امرأةٍ حرّةٍ مستقلةٍ اليوم. تسعى الصُّلح إلى زعزعة توازن القوى بين الإله المسيطر والأميرة الخاضعة. هنا، تتعاون الأميرة «أوروبا» مع «زوس» وتتلاعب به. إنها هي التي تحمله وتمشي به على الماء، وهي التي تجعله يدور في الهواء بقدميها كالبالون.
○ تدعو الفنانة منيرة الصلح إلى التكافؤ بين الجنسين وتُحرر الأميرة من سلطة الآلهة. هل ثمّة إسقاط على الحاضر؟
• هي أسطورة من الماضي تلقي الضّوء على الحاضر. اختارت منيرة الصُّلح استخدام الأسطورة للتعبير عن المصير المفروض على النساء وعن قدرتهنَّ على الاستئناف والمواصلة، مثل الأميرة الفينيقية «أوروبا» التي قرّرت الفنانة إنقاذها من شِدّتِها. هكذا، تعمل أسطورة «أوروبا» كوسيلة للمطالبة بحقوق المرأة اليوم.
○ ما هي ردود أفعال الزوّار على الجناح اللبناني وما قدّمه؟
• ردود الفعل التي تلقيناها كانت إيجابية وأثنت على الدور المهم الذي يلعبه الجناح البناني بتسليط الضوء على تراثنا وحضارتنا والفن المبدع، بالإضافة إلى التطرق إلى موضوع المساواة بين الجنسين وإبراز دور المراة المهم في المجتمع المعاصر. الأصداء والتقييمات في وسائل الإعلام المحلية، الإقليمية والعالمية كانت جيدة جداً. وتم اختيار الجناح اللبناني كواحد من أفضل خمسة أجنحة، وواحد من الأجنحة العشرة التي يجب زيارتها وفقاً لوسائل إعلام عالمية رئيسية.
○ بينالي البندقية يعتمد معايير مزدوجة استبعد روسيا سنة 2022 ورفض استقبال رسالة لإبعاد إسرائيل لارتكابها إبادة جماعية في غزة. ما رأيك؟
• نأمل أن تتاح الفرصة لجميع الشعوب ليكون لها تمثيل في البينالي، سنكون جميعاً أكثر ثراء ثقافياً، ونأمل أن يكون هناك جناح فلسطيني في النسخة المقبلة.