رام الله ـ «القدس العربي»: طالب خبراء فلسطينيون ونشطاء وإعلاميون أمس بضرورة الكفّ عن التحايل أو «الضحك» على الخوارزميات والمنصات الرقمية من خلال مواجهتها المباشرة واستمرار التعبير عن الهوية والرواية الفلسطينية، مؤكدين أنه من حق الفلسطيني أن يعبر عن وجهة نظره بحرية كاملة ودون أي مخاوف.
جاء ذلك خلال ورشة في «منتدى معهد الجزيرة لأخلاقيات الصحافة في العصر الرقمي» سلطت الضوء على السردية الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي، شارك فيها الإعلامية منى حوا، ومنى اشتيه مديرة المناصرة في موقع حملة الفلسطيني، ومدير مؤسسة «صدى سوشيال» إياد الرفاعي، والناشطة منى الكرد، الناشطة المقدسية التي تسكن في حي الشيخ جراح.
ورأت الكرد أن ما يجري على المنصات الرقمية لا يستهدف فقط المحتوى الرقمي الفلسطيني، أنما الأشخاص المؤثرين. وقالت «لقد تمت محاربة اسمي أينما كان في المحتوى الرقمي والسبب يعود إلى عدد المتابعين لحساباتي».
وشرحت أن حسابيها على «فيسبوك» و«انستغرام» تعرضا للإغلاق لأكثر من 4 ساعات فقط حيث تمت استعادته، لكنْ هناك نشطاء ومؤثرون لم يتمكنوا من استعادة ما فقدوا من حسابات تشكل جانبا مهما من شخصيتهم، في إشارة إلى ممارسة «إعدام رقمي» لهم.
وتابعت الكرد: «ما نتج عن هذه الممارسة الموجهة ضد أشخاص مؤثرين بعينهم هو أن قدرة وصول المنشورات تراجع للغاية، كلما كنا ننشر كلما كان الوصول أقل. وهو أمر استمر حتى اللحظة الحالية، حيث تتعرض منشوراتي للتقييد والمحاربة».
وترى أن هذه المرة كان النشاط الرقمي مختلفا حيث ترتب عليه أننا لم نعد نقدم أنفسنا في قالب الضحايا الذين يبكون، بل قدمنا أنفسنا بصفتنا بشرا ولنا حقوق، ومن الميدان الذي كان مصدر الحدث.
وطالبت الكرد بضرورة التوقف عن عملية «الضحك» أو التحايل على المنصات الرقمية عبر مجموعة من الحيل الذكية والصغيرة، «نريد أن نقدم روايتنا وهويتنا دون مخاوف وهو ما لا يكون إلا باستمرار التحرك في الميدان».
منى حوا، الناشطة الفلسطينية المقيمة في كندا، قالت في مشاركتها إن حسابها تعرض لهجمات وتمت معاقبتها عبر تقليل الوصول لما تنشره، فبدلا من أن يصل المحتوى الواحد إلى 600 ألف شخص أصبح يصل إلى 20 ألفا فقط.
وتابعت أنها كانت تقوم بنشر محتوى من حسابات أخرى كان يتعرض للحذف فورا على حسابها، في حين أنه كان موجودا على الحسابات الأخرى، وهذا دليل على عنصرية واستهداف محدد، وهو ما يجعل القمع يمارس على حسابات بعينها بغض النظر عن طبيعة المنشور.
خلال منتدى معهد «الجزيرة» لأخلاقيات الصحافة في العصر الرقمي
وتتابع أن الذكاء الصناعي والخوارزميات كانت ضد حسابات محددة ولم يكن على جميع الحسابات، وهذه رقابة ذكية محددة ومركزة ضد أشخاص ومؤثرين بعينهم.
وقال إياد الرفاعي، مدير «مركز صدى سوشيال» إن مشكلة المحتوى الفلسطيني لم تكن مع الآلات أو الخوارزميات، بل مع إنسان يفكر مثلما تفكر الآلات عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فلو كان الشخص إنسانا حقيقيا لما مارس سياسات القمع والتضييق على قضية ظلم تاريخية. ويرى أن ما جرى خلال الشهر الماضي يؤكد أن المواجهة انتقلت إلى مرحلة جديدة يكون فيها الصراع على الرواية والسردية الرقمية.
ويرى أنه في شهر واحد من عام 2021 كان عدد الشكاوى أكثر من 700 ألف شكوى، أما في عام 2020 فكانت الشكاوى على مدار العام 1200 شكوى، وهو ما يعكس حجم الجهود التي بذلت لمحاربة المحتوى الفلسطيني. وتابع أن المنصات في الحقيقة هي شركات تعتقد أنها تمتلك السيطرة على المستخدمين أو الناشرين من خلال امتلاك الوسيط، لكن ما جرى في الفترة الأخيرة هو أن المستخدمين ومنتجي الخطاب الفلسطيني هم من امتلكوا الوسيط وأصبح بين أيديهم، فلا يمكن لاي منصة أن تغلق حسابات كل المستخدمين فهذا يعني عكس جدوى وجودها ومصدرأرباحها.
وأكدت منى اشتيه من مركز حملة أن المشكلة لم تبدأ في الشهر الماضي وخلال العدوان بل هناك منهجية لدى المنصات الرقمية لإسكات وتكميم الأفواه، وهذه الشركات تنفذ حرفيا طلبات «وحدة السايبر الإسرائيلية» بطريقة ممنهجة حيث قدمت هذه الوحدة أكثر من 20 ألف طلب ضد محتوى فلسطيني وتم التعامل والاستجابة مع أغلبها.
وتابعت: هناك صراع على الرواية والسردية الفلسطينية ونحن لا نريد ان نترك المنصات لكونها تحارب المحتوى الفلسطيني، بل نريد البقاء عليها لكونها أصبحت كنزا ثمينا لنا حيث عليها الأصدقاء والمناصرون.
وأضافت: «نريد أن نمسك برواية الحقوق القانونية الرقمية، حقوق الإنسان، وأن نكون إلى جانب الذين يمارس بحقهم قمع رقمي مثل الناس في كشمير والصحراء المغربية وكولومبيا وكل السكان الأصليين، والمطلوب أعادة تركيز القضية ورفع صوتها». وتابعت «أن أصوات الناس على الأرض وفي الميدان هي التي نقلت القضية وهي من دفعت المنصات لتغيير طريقة تعاملها معنا وعلينا الاستمرار بالضغط والمناصرة لغاية الوصول لنتيجة عادلة».
واستطردت ان المشكلة اليوم هي أن الخوارزميات والآلات تعلمت أن تقمع المحتوى الفلسطيني»وبالتالي سيكون أمامنا المزيد من القمع الرقمي، فعملية تكرار القمع تعني أن الآلة ستمارس مزيدا من القمع والمحاربة والاقصاء والقمع، فقد تعلمت ذلك عبر الممارسة».
وتتابع اشتيه أن خطورة محاربة المحتوى لا تنبع من آنية حذف الفيديوهات، «فالحذف على المدى البعيد وضمن سياسة ممنهجة يعني أن هناك أرشيفا كبيرا يتم التلاعب به وإخفاؤه، أي أن سرديتنا يتم التخلص منها، فالشبكات تقوم اليوم بفعل التأريخ اليومي (كما كانت تقوم به الصحف الورقية عبر نشر الأخبار) وهذا يؤثر على الأجيال القادمة، كما أن إخفاء وخذف الفيديوهات سيؤثر على التحقيقات التي يمكن أن تصبح واقعا بحيث تكون مفيدة في معرفة الانتهاكات وممارسات التطهير العرقي. والأمثلة على ذلك كثيرة حيث تم حذف أرشيف كبير عن حي الشيخ جراح على سبيل المثال».
وختمت منى حديثها مؤكدة أن المنصات قامت بتعديل سياساتها بفعل تغطية وسائل الإعلام التقليدية لتجاوزات وممارسات هذه المنصات، وهو ما يؤكد على تبادل المنفعة والتأثير والضغط.