في غزّة 175 شهيداً أكثرهم مصورون يعملون في وسائل محلية
بيروت ـ «القدس العربي»: في بدايات تشرين الأول/أكتوبر 2024 استشهد المصور الصحافي حسن حمد الذي رصد قبل ساعات لوكالة «الأناضول» الأوضاع الميدانية في جباليا. وجد أشلاءً دلت عليه سترته وشارة الصحافة، وتأكد شقيقه من استشهاده من خلال شعره.
وفي نهايات شهر أيلول/سبتمبر كانت الصحافية وفاء العديني قد استشهدت مع عائلتها بقصف لمنزلها في دير البلح، وسبقها بأسبوع الصحافي اللبناني هادي السيد وبالطريقة عينها.
بالعودة إلى بدايات العدوان على غزّة كان 13 تشرين الأول/اكتوبر 2023 علامة بارزة على مدى ضيق الصهاينة من الإعلام، في غزّة وجنوب لبنان. فنفذوا جريمة معدّة عن سابق تصور وتصميم على فريق صحافي لبناني أدت لاستشهاد عصام عبدالله في علما الشعب وجرح عدّة زملاء. أيام فصلت بين الجريمة الأولى والثانية والتي أدت لاستشهاد فرح عمر والمصور ربيع معماري ومرافقهما من قناة «الميادين». وما زال استهداف الصحافيين متواصلا في غزّة ولبنان، ووصل إلى سوريا حيث استشهدت مؤخراً الصحافية صفاء أحمد في قصف على المزّة.
قبل أيام أصدر مركز «الميدان لحقوق الإنسان» ما أسماه «ورقة حقائق» وعنوانها «الصحافة هدف للإبادة». ومن أولى الحقائق المذكورة «تعمّد استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام وعائلاتهم». بات الصحافيون أهدافاً عسكرية، وخاصة في قطاع غزّة، وإلى حين صدورها في نهايات أيلول/سبتمبر وثّقت الدراسة استشهاد 173 صحافيا.
ورقة الحقائق التي أصدرها مركز الميدان لحقوق الإنسان قالت إن المصورين هم الأكثر استهدافاً، لكونهم الأكثر تواجداً على الأرض، وأن 92.2 منهم يعملون في وسائل فلسطينية محلية. و6.3 في وسائل اقليمية، و1.5 في وسائل دولية. وأكثرهم قتلوا في استهداف مباشر لمنازلهم. كما ويوجد 33 صحافياً قيد الاعتقال يتعرّضون لشتى أنواع التعذيب.
وإن كانت مشاهد قتل الصحافيين موثّقة وبالتفاصيل، فبعض الصور يشكل طعناً للقانون الدولي الذي يفترض أن يحميهم. ومن تلك الصور السترة المهشّمة التي تحمل كلمة «برس» والتي كان يرتديها الشهيد الصحافي إسماعيل الغول. وخلال تشيعه أمسك زميله أنس الشريف بها وخاطب العالم دالاً على السلوك الإجرامي للكيان المدعوم من الغرب.
بعد عام على الإبادة المتواصلة على القطاع وصحافييه والممتدة فصولاً إلى لبنان، كانت قراءة مع نقيب المحررين في لبنان جوزف قصيفي، ونقيبة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع في لبنان رندلى جبور:
النقيب جوزف قصيفي: أظهرت التحقيقات تعمد إسرائيل قتل الصحافيين
○ كيف للنقابة أن تحمي قدر المستطاع الصحافيين اللبنانيين المتواجدين في الميدان في هذه الحرب؟
• ترعى النقابة نشاط الصحافيين وتواكب ما يجري معهم على الأرض. هؤلاء الصحافيون يعملون لحساب مؤسسات عملت مع بدء الحرب لاتخاذ الإجراءات الضرورية والأساسية لضمان سلامتهم. ويتمثّل ذلك بتوفير المعدّات والثياب، وتجهيز السيارات بالطريقة الملائمة والمتعارف عليها عالمياً. وتتمثّل بوضع شارة الصحافة على الخوذ والسترات، وعلى السيارات التي يستخدمونها في عملهم. وتلي هذه الخطوات العملانية التدريب على الحماية الذاتية، والإرشادات التي يجب إتباعها، وهي صادرة عن معهد حماية الصحافيين في الاتحاد الدولي للصحافيين، وكذلك عن منظمة الصليب الأحمر الدولي. إذاً هناك مواثيق وأعراف دولية تُحظّر التعرّض للطواقم الطبية والإسعافية، والصليب الأحمر والطواقم الصحافية التي تتولى تغطية الأحداث في الميدان. ويفترض على المتقاتلين أن يحترموا هذه القواعد. إنما إسرائيل لم تحترم هذه القواعد، وهي تعمّدت قتل الصحافيين، وهذا كان جلياً وبالوقائع الملموسة، والتي أظهرتها التحقيقات فيما بعد. ولهذا اضطرت وكالة «رويترز» لتغيير بيانها، بعد أن ألقت في البداية نوعاً من الضبابية على واقعة استشهاد المصور عصام عبدالله، إلى الاعتراف بما خلُصت إليه التحقيقات الدولية. ونعرف أن هذه التحقيقات أدانت إسرائيل بل جرّمتها في اغتيال عصام عبدالله، ومحاولة قتل مجموعة الزملاء الذين كانوا معه، ومن بين هؤلاء زملاء لحقت بهم إعاقة دائمة، ومنهم من اُصيب بجروح بليغة وما يزال يتعافى منها. من هذا المنطلق وكوننا كنقابة عضو في اتحاد الصحافيين العرب، والاتحاد الدولي للصحافيين طلبنا إليهما فوراً توجيه رسائل إلى الأمم المتحدة، وإلى مجلس حقوق الإنسان الدولي، والمحكمة الدولية في لاهاي، من أجل مساءلة إسرائيل ومحاكمتها على هذه الجرائم وحثّها على وقف هذا الإجرام المتمادي. بدورنا كنقابة محررين نظمنا دورات تدريب قدّمها الزميل سلطان سليمان، كخبير دولي في حماية الصحافيين زمن الكوارث والحروب.
○ وأين طبّق الكيان أيا من القرارات الدولية؟
• نعرف أن إسرائيل لم تكن لديها أذناً صاغية لكافة القرارات الدولية، ولكافة المطالبات والنداءات، وهي استمرت في عدوانها والذي توّج بجريمة نكراء ثانية في لبنان على الصحافيين باستشهاد الزميلة فرح عمر والزميل ربيع المعماري من قناة «الميادين» ومرافقهما حسين عقيل. ولم يتوقف شريط الاستهدافات في الأيام الأخيرة حيث مُنيت قناة الميادين بخسارة الصحافي العامل عبر الأونلاين هادي السيد، ومن ثمّ استشهد مصور المنار كامل كركي.
○ مع توسّع العدوان على لبنان كيف تنظر إلى دور الإعلام في إيصال حقيقة ما يجري إلى العالم وكشف المجاز التي يتعرّض لها المدنيون؟
• ينقل الإعلام الصورة لحظة بلحظة، وهو يقوم بواجبه في الميدان. ويتفاوت حجم التغطية بين قناة وأخرى، وبين وسيلة مكتوبة وأخرى. كما وتتفاوت اللهجة بين موقع وآخر حسب الميول السياسية. وفي مطلق الأحوال الإعلام اللبناني، والإعلام الخارجي الذي يتحرّك على الأرض يقوم بنقل ما يجري من وقائع، والرأي العام العالمي يرى بأم العين ما يحصل على أرضنا. وأرى أنه على الإعلام اللبناني أن يسلط الضوء أكثر وأكثر على المآسي الإنسانية التي تحلّ بالمواطنين، وعلى الجانب الاجتماعي المتصل بهم ليعرف الرأي العام العالمي مقدار وحجم الآلام التي يعيشها اللبنانيون يومياً، وخاصة مئات الآلاف منهم الذين هجروا منازلهم في المدن والقرى وهاموا على وجوههم يبحثون عن مأوى آمن لهم، ومع ذلك تلاحقهم إسرائيل بعدوانيتها ووحشيتها، فهي تقصف أهدافاً مدنية مدعية أنه بجوارها أو تحتها مستودعات للأسلحة، وهي ادعاءات باطلة. وبالتالي أرى أن الإعلام اللبناني قام ويقوم بواجبه، وعليه أن يبذل جهداً إضافياً، وعلى كافة المستويات من أجل نقل المأساة التي يعيشها لبنان حالياً.
رندلى جبور: يستهدفون الصحافيين لأن صوتهم وصل للعالم أجمع
○ لماذا برأيك شهدت هذه الحرب استهدافاً واسعاً للصحافيين حيث عدد الشهداء بين فلسطين ولبنان يفوق 175 في غزّة وحدها؟
• منذ نشأة الكيان في سنة 1948 لم يوفّر العدو الإسرائيلي الصحافيين من ضرباته واستهدافاته واعتداءاته. أولاً أن يصل عدد الصحافيين الشهداء إلى175 فهذا يُدلل إلى عدم احترام العدو الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني. ثانياً نعرف أن جزءاً من المعركة هو إعلامي، وبالتالي يحتاج العدو لأن يقضي على أصوات تنقل الصورة المعاكسة للسرديته، أي تلك التي تنطق وتكتب بخلاف ما يريده الإسرائيلي. الإعلام موجود على الأرض ويرى حقيقة المجازر والاعتداءات، وهذا القتل المتعمّد يشكّل تصفية للصوت والصورة المخالفة للسردية الإسرائيلية،. والدليل أن الصحافيين الذين استهدفوا واستشهدوا أو جرحوا، كانوا يقفون على الأرض الفلسطينية، أو الأرض اللبنانية ومن محور المقاومة، ولم يسقط أي صحافي إسرائيلي، في حين استشهد بعض الصحافيين الأجانب نتيجة تواجدهم في المكان الذي تعرّض للضرب، أو هم غربيون وتعرّضوا للقتل لأن سرديتهم لا توافق ما يرغب الإسرائيلي بقوله للعالم. ولهذا أعتقد أن قتلهم ليس خطأ وليس أضراراً جانبية، بل هو استهداف مباشر كي تُحافظ إسرائيل على تفوقها في المعركة الإعلامية والنفسية، وأن تبقى روايتها وخطابها هما المسيطران.
○ لأول مرة خلال الحروب الحديثة توجه رسائل تهديد مباشرة للصحافيين كما وائل الدحدوح ومؤخراً أنس الشريف وسواهما. إسرائيل تهدد وتنفذ ليقينها بأن مساءلتها مستحيلة؟
• لكافة الأسباب معاً، ولأن أحداً لم يتخذ إجراء حقيقياً لإجبار إسرائيل على احترام ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني، والذي ينصّ على تحييد المدنيين، والطواقم الصحية، والصحافيين والإعلاميين. كلمة «برس» المكتوبة بوضوح يجب أن تكون محترمة. المصوّر الشهيد عصام عبد الله كان داخل سيارة تحمل على سطحها هذه الشارة، وكذلك الزميل وائل الدحدوح يرتدي على الدوام كافة المستلزمات التي وضعها معهد حماية الصحافيين التابع للاتحاد الدولي للصحافيين، فما من أحد يمنع إسرائيل عن ممارسة الإجرام بحق الصحافيين. هم يستهدفون الصحافيين لأن صوتهم بات منتشراً في العالم ووصل مع الصورة إلى كافة أصقاع الأرض، فهذا ما يخافه العدو، حيث يعتبر الإعلام سلاحاً إضافياً يقاوم القتل للقتل الذي يمارسه. المحور الذي ينتمي إليه الصحافيون كان يراكم المعرفة خاصة على الصعيد الإعلامي، وبروز هذه القوة الإعلامية بمواجهة العدو، أمر غير مناسب له مطلقاً، ولهذا اعتمد مع الصحافيين الموجودين على الأرض إما الترغيب، وإما التخويف أو الإزالة. فهو هدد البعض بوضوح «أصمتو وإلاّ» ولجأ لإقفال مكاتب لوسائل إعلامية عبر قصفها لكم الأفواه. وتمثّل الترغيب والترهيب بدفع المال للبعض كي يصمتوا، أو أن يتبنوا سرديته. وكانت التصفية الجسدية تلي الترهيب، وحين يصرّ الصحافي على متابعة عمله وفق قناعاته وما يراه على الأرض تتم تصفيته وإلغاءه. اعتمد العدو أساليبه هذه لكونه يُدرك كم حقق محور المقاومة من نجاح على الصعيد الإعلامي. حركات المقاومة التي يتشكّل منها المحور لم تكن تعطي في البدايات كبير اهتمام للإعلام، إذ يُعرف أن حركات المقاومة تعتمد نوعاً من السرية، وتكتفي بناطق رسمي يخاطب الجمهور من وقت لآخر. ولاحقاً عندما دخلوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المفتوح والقنوات والمواقع وغير ذلك، وباتوا إلى حد ما يعملون وفق الأسلوب المتبع في الإعلام الغربي والإعلام الإسرائيلي، بات الإعلامي على الأرض هدفاً للنار الإسرائيلية.
○ منذ سنة والإعلام الغربي ممنوع من دخول غزّة لماذا لم تكن له مواقف متسائلة حول السلوك الإسرائيلي إن لم نقل مستنكرة؟
• السبب أن الإعلام الغربي بمعظمه مملوك من رجال أعمال يهود أو صهاينة. ويُعرف جلياً أن الصهاينة يسيطرون بشكل واضح على المؤسسات الإعلامية الكبيرة في الغرب خاصة. وهم كذلك يمسكون بوسائل إعلام ناطقة بالعربية. وقد تابعنا مع تطور العدوان على غزّة أنه ومن داخل مؤسسات إعلامية غربية، حيث تمّ ايقاف صحافيين كثر لدعمهم فلسطين، أو لمساندتهم للقضية الفلسطينية، أو هم تحدّثوا عن الوجه الحقيقي المجرم لإسرائيل. مُنع الصحافيون الأجانب من دخول غزّة لنقل الحقيقة، وكذلك كانت الكلمة المؤيدة لفلسطين في كتاباتهم، سبباً مباشراً لإقالتهم من مهامهم، والشواهد على هذا السلوك الغربي نحو الصحافيين أكثر من أن تُحصى.
○ ستنتهي الحرب يوماً بعدها هل سيعمل الصحافيون لتكوين رأي عام مؤيد لهم بعد قتلهم على الهواء مباشرة؟
• نحن نعمل ونسعى لمراكمة التحولات. التحوّل الكبير ما زال مبكراً بما فيه الميدان الإعلامي، ومنها حماية الصحافيين وحرية الصحافة المناهضة للسياسية الإسرائيلية. نحن في طور صناعة التحوّل لكن التحوّل الكبير لم يحن أوانه بعد.
قبل أسبوعين أقدم الصحافي الأمريكي العامل في شبكة CBS صموئيل مينا على حرق نفسه خلال مظاهرة أمام البيت الأبيض في واشنطن. راح يصرخ والنار تلتهم ذراعه «لقد نشرنا المعلومات الخطأ. أنا صحافي وجعلت الأمر يبدو وكأنه طبيعياً».
يُذكر أن صموئيل مينا هو الرابع الذي أقدم على احراق نفسه رفضاً للإبادة بحق أهل غزّة.
ولأن الصهاينة يخشون الإعلام، فإلى جانب قتلهم المتعمّد للصحافيين عملوا وما زالوا يعملون على الإبادة الرقمية للفلسطينيين منذ 7 اكتوبر. وهذا ما يتمثّل بحجب المحتوى. وتمّ تسجيل 23 ألف انتهاك. و700 رقم واتسأب فلسطيني تعرّض للحجب. 29 في المئة من تلك الانتهاكات استهدفت الصحافيين والصحافيات والمؤسسات الإعلامية.