نواكشوط –»القدس العربي»: قوبل الحوار السياسي الشامل الذي دعا له الرئيس الغزواني أمام قادة وممثلي التشكيلات السياسية الموريتانية وعين منسقاً له، بموجة رفض داخل أوساط المعارضة، حيث اعتبره نواب وساسة ناشطون في الساحة أمس «خطوة غير جادة لن تقدم الجديد لموريتانيا ولن تحل مشاكلها».
كما قابل معارضو هذا الحوار اختيار الرئيس الغزواني للسياسي المخضرم موسى افال لتنسيق هذا الحوار، بانتقادات شددوا خلالها التأكيد على أن «منسق الحوار المكلف شخص ينتمي من حيث السن ومن حيث الخبرة لجيل قديم لا يلائم تفكير ورؤى الجيل الشاب الحالي ويتعارض مع شعار «مأمورية الشباب» الذي جعله الرئيس الغزواني شعاراً لمأموريته الحالية».
وكان أبرز من انتقدوا الحوار الذي بدأ الرئيس الغزواني التحضير له، هو النائب بيرام الداه اعبيد الثاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وزعيم المعارضة المتشددة الذي طالب في تصريحات صحافية أمس «الرئيس الغزواني بتطبيق أحكام الدستور، وبالكف عن تعطيل قانون الأحزاب»، مؤكداً «أن تطبيق الدستور وتطبيق القوانين يجب أن يسبق الدعوة للحوار».
وقال: «يجب ألا ننسى أن نظام الرئيس الغزواني سبق له أن فتح حواراً أو تشاوراً مع المعارضة عام 2022، لكن الرئيس ألغى ذلك الحوار بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار وبدون أن ينسق إلغاءه مع المعارضة».
وتساءل ولد اعبيد قائلاً: «لماذا نحاور اليوم نظام الرئيس الغزواني من أجل الحصول على بعض من حقوقنا التي يرفض النظام منحها لنا؟».
وأضاف: «ما السبب الذي جعل هذا النظام الذي كان يدعي بأنه لا توجد أزمة في موريتانيا تدعو للحوار، يستيقظ فجأة اليوم ليعلن أنه يريد الحوار».
وزاد: «يجب على الحكومة أن تدرك بأن الحوار الذي يراد له أن يكون ناجحاً، له شروط لا بد من توفيرها؛ ويجب أن يكون الحوار بين النظام والمعارضة الحقيقية التي بينها مشاكل مع النظام وليس مع المعارضة الاحتياطية التي يسميها النظام معارضة؛ ويجب ألا يكون المقصود من الحوار هو أن يحاور النظام نفسه بل أن يحاور المعارضة الحقيقية التي نمثلها نحن، حسب تعبيره».
وأضاف النائب بيرام الداه: «لم أقل إننا نقاطع الحوار، لكن لن نشارك في الجانب الاستعراضي الحالي الذي يسعى من خلاله النظام لتلميع نفسه، ولن نشارك إلا في حوار جدي له ضمانات؛ وما زلنا نأمل أن يراجع النظام نفسه وأن يتوجه لحوار جاد؛ والحوار الجاد له شروطه ومقدماته».
وأردف قوله: «لن ننضم للحوارات الشبيهة بالحوارات الماضية التي لم تحقق للبلد اية نتيجة، ونرجو من الله أن يهدي الرئيس الغزواني ومجموعته لما فيه مصلحة الوطن، وأن يقلعوا عن الحوارات الكيدية والمبتذلة التي تعود العسكر على تنظيمها منذ وصوله للسلطة عام 1978؛ كما نرجو أن يعود النظام لصوابه وأن يتجه لحوار جاد ينهي أسلوب الحوارات الماضية التي تستهدف الترويج للنظام والتي لا تتماشى مع مصالح الشعب ولا مع ترسيخ الديموقراطية في البلاد».
وحول موقفه من تعيين السياسي موسى أفال منسقاً للحوار المرتقب، قال النائب بيرام الداه اعبيد: «أحترم السيد موسى أفال وأقدره، لكنني أؤكد أنه لا يمكنه أن ينسق حواراً بيني مع النظام لأنه هو نفسه جزء من النظام، وهو نفسه يعمل لصالح النظام وكان يعمل لصالح الأنظمة التي قبله».
وقال: «الذي يجب أن يتولى تنسيق هذا الحوار، لا بد أن يكون شخصاً يتمتع بنسبة من الحياد وبمسافات واحدة من جميع الأطراف، وهذا ما لا يتوفر عليه المنسق المقترح لأنه لن يعمل الا لمصلحة النظام دون غيرها».
وضمن موجة الرفض التي قوبل بها الحوار، أصدر عدد من الشخصيات السياسية والبرلمانية الموريتانية بياناً مشتركاً، عبروا فيه عن موقفهم من اللقاءات التي أجراها نظام الرئيس الغزواني مع بعض السياسيين، تمهيداً للحوار الوطني».
وجاء البيان موقّعاً من طرف كل من نور الدين محمدو رئيس حزب موريتانيا إلى الأمام (الممنوع من الترخيص منذ 2017)، ويعقوب ولد لمرابط رئيس حركة كفانا، بالإضافة إلى النواب البرلمانيين: خالي جالو، ويحي اللود، ومحمد بوي الشيخ محمد فاضل، ومحمد الأمين سيدي مولود.
وأكد الموقعون في بيانهم «أن الشخصيات السياسية التي تقود هذا الحوار متورطة في الأوضاع السيئة التي تعيشها البلاد، سواء من خلال ممارساتهم السلطوية السابقة أو عجزهم السياسي».
كما اعتبر موقعو البيان «أن أغلب من شاركوا في هذه اللقاءات يمثلون الماضي، وليس لهم أي دور في تشكيل المستقبل»، مشيرين إلى «أن بعضهم تم رفضه في صناديق الاقتراع، بينما يفرض البعض الآخر وجوده عبر التحالف مع كل نظام حاكم».
وانتقد البيان إقصاء القوى الشبابية الموريتانية من هذه المشاورات، رغم حجمها الديموغرافي، وحضورها الميداني، وإنجازاتها الانتخابية.
وأشار البيان إلى أن هذا الإقصاء تجلى في منع ترخيص الأحزاب، وقمع الحركات الشبابية المعارضة، وسن قوانين تقييدية مثل قانون الرموز، بالإضافة إلى سجن المدونين وأصحاب الرأي المخالف، والتعامل العنيف مع المتظاهرين من الأطباء والممرضين والمعلمين.
كما ألقى البيان باللوم على إعادة تدوير النخب السياسية القديمة في المناصب التنفيذية، بما في ذلك المتورطون في الفساد، ما دفع الشباب إلى الهجرة الجماعية.
وشدد البيان على أن هؤلاء السياسيين فشلوا في كل الحوارات السابقة مع الأنظمة المتعاقبة، مشيرًا إلى أن الشخصيات الفاعلة حاليًا في هذا الحوار هي نفسها التي ساهمت في تدهور أوضاع البلد خلال العقود الماضية، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها لحل المشكلات الحالية.
وفي ختام البيان، دعا الموقعون القوى الشبابية المعارضة والمستقلة، وحتى الموالية التي تعاني من التهميش، إلى توحيد الصفوف والعمل على تجاوز هذه «الطبقة السياسية المترهلة»، ومقاطعة الحوارات التي وصفوها بـ»الصورية»، معتبرين أنها محاولات فاشلة لإحياء شخصيات وهيئات غير قادرة على إدارة شؤونها، فكيف لها أن تدير حوارًا يهدف إلى حل أزمات البلاد.
وأبلغ الرئيس محمد ولد الغزواني الليلة قبل الماضية، مجلس الإشراف على مؤسسة المعارضة الديمقراطية، ومرشحي الرئاسة السابقين وقادة وممثلي التشكيلات السياسية موالاة ومعارضة، باختياره للسياسي موسى افال منسقاً للحوار المرتقب، ودعاهم لتقديم مقترحاتهم وتصوراتهم له في مسار تحضيري لجلسات حوار وطني سينظم خلال أسابيع قليلة، طبقاً لما أكده الرئيس الغزواني.