نيويورك ـ “القدس العربي”: ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن رسائل الكترونية مسربة ان دولة الامارات سلمت المجموعات الليبية المسلحة التي تقاتل الاسلاميين اسلحة وقدمت للمبعوث السابق للامم المتحدة في ليبيا برناردينو ليون وظيفة مغرية يتقاضى فيها 50 الف دولار شهريا.
وقالت الصحيفة ان “هذه الرسائل المسربة تهدد بتقويض شهور من المفاوضات في ليبيا لانها تكشف تورط المبعوث الدولي في ما يبدو أنه تعارض مصالح. كما تسلط هذه المراسلات الأضواء على الوسائل السرية المتناقضة التي يلجأ إليها اللاعبون الإقليميون مثل دولة الإمارات، التي ساعدت على تصعيد الاقتتال بالرغم من إعلان دبلوماسييها أنهم يدعمون التوصل إلى حل سلمي”.
وتشير الصحيفة الى رسالة الكترونية مؤرخة في الرابع من آب/ أغسطس حين كتب الدبلوماسي الإمارتي أحمد القاسمي الى سفيرة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبه قائلا: الحقيقة التي لا شك فيها هي أن الإمارات انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي الخاص في ليبيا وما تزال تنتهكه.
وقالت “نيويورك تايمز” أن التسريبات التي رفض ممثلو الحكومة الإماراتية التعليق عليها، حصلت الصحيفة عليها من وسيط منتقد للسياسة الخارجية لدولة الإمارات، وهي السياسة التي يراها تميل إلى إبراز “قوة عضلات الخارجية الاماراتية”.
وجاء في التقرير الذي كتبه دافيد كيركباتريك: شنت دولة الإمارات حملة ضد الحركات الإسلامية في مختلف أرجاء المنطقة، وكان لها دور رئيسي في دعم الانقلاب الذي أطاح برئيس مصر الإسلامي، وتدعم الآن الفصائل المناهضة للإسلاميين في الحرب الأهلية الليبية. وكان من نتائج الاندفاع الإماراتي أن قاد إلى معارك بالوكالة مع الدولة الخليجية المجاورة، دولة قطر، في تنافس على النفوذ. وتدعم الدوحة الجماعات المتحالفة مع الإسلاميين في كل من ليبيا ومصر، ويقول القطريون إنهم يعارضون العودة إلى اسلوب الحكم السلطوي القديم.
والتسريبات تظهر اعتراف الدبلوماسيين الإماراتيين صراحة أن حكومتهم كانت تشحن الأسلحة إلى حلفائها الليبيين في انتهاك صارخ للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة – وهي السياسة التي، كما يقولون، تتم بتوجيه مباشر من “مستوى رئاسة الدولة” – ويقرون أيضا بأنهم كانوا يتبعون استراتيجية تعمل على إخفاء شحنات السلاح عن لجنة الرصد والرقابة التابعة للأمم المتحدة.
وتنقل الصحيفة عن ايميل أرسله القاسمي: ستؤدي الإجابة على الأسئلة والتقيد بالإجراءات المطلوبة بموجب قرار الأمم المتحدة إلى الكشف عن مدى تورطنا في ليبيا. علينا السعي إلى توفير غطاء يقلل من الأضرار الناجمة.
ويقول دافيد كيركباتريك في تقريره “لقد كان معروفا منذ زمن لدى وكالات الاستخبارات الغربية ولدى الدبلوماسيين الغربيين أن الإمارات وقطر تزودان حلفاءهما المتنافسين في ليبيا بالأسلحة منذ الانتفاضة التي اندلعت ضد العقيد معمر القذافي في عام 2011، وأن الحرب بالوكالة بين الدولتين الصغيرتين، الثريتين بالنفط، ساعدت في إذكاء لهيب الاقتتال. إلا أن التقارير التي أفادت في الربيع بحدوث تقارب بين الدولتين الخليجيتين المتنافستين فهم منها أن التقارب قد يؤدي أخيرا إلى توقف تسليح الجانبين المتقاتلين، واللذين يدعمان كلاهما محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
وأضاف كيركباتريك “مع ذلك، يفهم من التسريبات أن إرسال الإمارات للأسلحة استمر على الأقل طوال شهر آب/ أغسطس، وذلك بينما كان الوسيط الأممي بيرناردينو ليون يستكمل إعداد اتفاقية مقترحة لإحلال السلام بين الطرفين بما يعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأشار التقرير الى التسريبات التي نشرتها صحيفة الغارديان الاسبوع الماضي وسلمت نسخة منها لصحيفة “النيويورك تايمز”، والتي تظهر بوضوح أنه بينما كان المبعوث الدولي يعد صياغة مسودة الاتفاقية، كان الإماراتيون عرضون عليه وظيفة كمدير عام لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية براتب شهري قدره خمسين ألف دولار، وهو ما يعتبر تعارضا في المصالح. وكان المبعوث الدولي تلقى عرضا رسميا في شهر حزيران/ يونيو واستمر خلال شهور الصيف في التفاوض مع الإماراتيين حول تفاصيل العقد وبدل السكن المعروض عليه بمبلغ 96 ألف دولار سنويا. وقد كتب المبعوث الدولي إلى ليبيا مخاطبا المسؤول الإماراتي الرفيع سلطان الجابر، قائلا له في إيميل مؤرخ في السادس من أيلول/ سبتمبر وحصلت الصحيفة الأمريكية على نسخة منه: سأطير اليوم إلى أبو ظبي لمدة أربع وعشرين ساعة. وغدا سوف أنشغل مع الزملاء في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وسأكون كالعادة تحت تصرفك فيما لو احتجت إلى أي شيء مني.
وتقول الصحيفة أن مسؤولي الأمم المتحدة كانوا على اطلاع باحتمال وجود تعارض في المصالح. ففي إيميل آخر مؤرخ في السابع والعشرين من آب/ أغسطس، ولم يكشف النقاب عنه سابقا، كتب جيفري فيلتمان، نائب الأمين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية والدبلوماسي الأمريكي السابق، إلى المسؤولين الإماراتيين طالبا منهم السماح للمبعوث الدولي بمواصلة مهامه وسيطا لبضعة أسابيع أخرى على أمل التوصل إلى اتفاق يتم التوقيع عليه. وسأل فيلتمان المسؤولين الإماراتيين: هل لي أن أطلب من الأمين العام الاتصال بكم لتوجيه الطلب بنفسه؟
وتؤكد الصحيفة أن وظيفة ليون الجديدة لم يتم الكشف عنها للأطراف الليبية المشاركة في المحادثات حتى هذا الشهر، مما دفع الأطراف الليبية المنحازة إلى الفصائل المعارضة للإماراتيين إلى الغضب واتهام المبعوث الدولي بالانحياز والمحاباة، ويضع شكوكا جديدة على اقتراحاته، بينما يستعد خلفه لاستلام مهام الوساطة في المحادثات.
وتنقل الصحيفة عن وولفرام لاتشير، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية والمختص في الشأن الليبي اعتبار ما تم الكشف عنه “فضيحة حقيقية”. ويضيف انه كان على ليون أن يعلم أن “قبوله بتلك الوظيفة سوف يلحق ضررا جسيما بالمفاوضات، أو، حتى لو أن الاتفاقية تم فعلا التوقيع عليها، كان يمكن أن يؤدي قبوله المنصب إلى إيقاع ضرر جسيم بأثر رجعي بالاتفاق”. ويرى ان “من الواضح أن الأمر لم يكن يعنيه وأنه لم يكن يأبه بما يمكن أن يحصل من تداعيات ذلك”.
من جهته يؤكد ليون أن الوظيفة التي عرضها عليه الإماراتيون لم تكن لتؤثر في دور الوساطة الذي كان يقوم به. وقال للصحافيين في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي “قد لا يكون مظهر ما يرى سليما”، إلا أنه أكد أنه اتبع القواعد المعمول بها في الأمم المتحدة، التي تطلب تعليماتها من الوسطاء أن ينقذوا أنفسهم فحسب “إذا كانوا يشعرون بعدم قدرتهم على الحفاظ على مقاربة متوازنة ومحايدة” حسب تعبيره.
إلا أن الرسائل المسربة حول مدى تورط دولة الإمارات في القتال الدائر، بما في ذلك الاستمرار في تزويد أحد الفرقاء بالسلاح في الوقت نفسه الذي تتفاوض فيه مع السيد ليون على وظيفة منحته إياها، تكرس الانطباع بوجود تعارض في المصالح.
وتتحدث الصحيفة عن وجود إيميلات أخرى مسربة تناقش رد فعل الادارة الأمريكية على شحنات الأسلحة، مع تلميح إلى تكوين صورة أشمل عن تجارة السلاح التابعة لدولة الإمارات. فالإيميل الداخلي بتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر يشير إلى ملاحظات دبلوماسية رسمية سلمها إيثان إيه غولدريتش، نائب رئيس هيئة السفارة الأمريكية في أبو ظبي. يقول الإيميل إن المسؤولين الأمريكيين يشكون منذ شباط/ فبراير الماضي على الأقل من أن الإماراتيين ينتهكون المعاهدات الدولية الخاصة بالتحكم بالصواريخ، وذلك من خلال تزويد مصر بطائرات مراقبة من غير طيار من نوع يونايتيد 40، والتي تصنعها شركة “أدكوم” التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها. ويقول الإيميل أن مثل هذا الإجراء “يمكن أن يدفع باتجاه إعادة نظر إجبارية في نظام العقوبات المنصوص عليه في قانون الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن يؤدي بالتالي إلى فرض العقوبات على كيانات تابعة لدولة الإمارات. كما أن القوانين ذاتها تتطلب أيضا من وزارة الخارجية الأمريكية الكشف عما لديها من معلومات أمام الكونغرس.”
ويقول التقرير أن الأمريكيين حذروا أيضا من أن شركة أدكوم الإماراتية نفسها كانت تبيع طائرات بلا طيار لبلدان أخرى خارج نطاق اتفاقيات التحكم بالصواريخ بما في ذلك روسيا، الأمر الذي يمكن أن يدفع باتجاه فرض عقوبات ويهدد بوقف مبيعات التكنولوجيا الأمريكية إلى دولة الإمارات.
وينقل التقرير في الصحيفة عن مذكرة أمريكية أخرى منفصلة الاحتجاج على أن شركة “موريسون كوموديتيز” التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، كانت تنتهك الحصار المفروض على بيع السلاح إلى ليبيا، ويحتمل أنها كانت تقوم بذلك بالتعاون مع شركة الخدمات العسكرية الدولية السعودية “سعودي انترناشيونال ميليتري سيرفسز” السعودية. وجاء في المذكرة: تحث الولايات المتحدة دولة الإمارات على التحقيق في هذا التطور واتخاذ إجراءات مباشرة لوقف كل عمليات نقل السلاح.
وليس معروفا كيف كان رد الإماراتيين على ذلك. وهناك مراسلات مسربة أخرى تظهر أن بعض الدبلوماسيين الإماراتيين تعاملوا بجدية مع الشكاوى الأمريكية من أن شركة إماراتية أخرى، هي “المطلق للتكنولوجيا” أقدمت على انتهاك نظام العقوبات الدولي وذلك من خلال شراء اسلحة من كوريا الشمالية بحوالي 100 مليون دولار عبر شركة تجارية اسمها مؤسسة تطوير المناجم التجارية الكورية “كوميد”.
وتشمل التسريبان وثيقة أمريكية رسمية ظهر عليها ختم “سري للغاية” سلمها دبلوماسيون أمريكيون في وزارة الخارجية الى سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة وتحتج على هذا التعامل التجاري، وتشير الى أن الأسلحة المذكورة والتي دار بشأنها النقاش جزء من الصفقة مع كوريا الشمالية اشتملت على “مدافع رشاشة وبنادق وصواريخ”. وأن وسيطا إماراتيا كان “يسعى للحصول على سفينة شحن / أو طائرة مستأجرة لنقل البضائع في المستقبل القريب جدا”، وأن لدى المطلق والوسيط تاريخ طويل من التعامل مع شركات تجارة الأسلحة في كوريا الشمالية بما في ذلك شركة كوميد.
ومن التسريبات التي نشرتها الصحيفة انه في 3 حزيران/ يونيو، كتب سفير الإمارات في واشنطن، إلى الفريق فراس المزروعي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية رسالة يقول فيها أنه استدعي إلى وزارة الخارجية الأمريكية مرة أخرى بخصوص صفقات السلاح مع كوريا الشمالية، وأنه من الطبيعي أن أي تعامل مع كوريا الشمالية يؤخذ على محمل الجد، وبشكل جاد جدا، ويمكن أن يكون له تداعيات سلبية كبيرة. أقترح أن تنظروا في المسألة على عجل.
ليبيا بعيدة عن دول الخليج،ولم تتدخل في شؤونهم ،فلماذا يتدخلون ـ سلبا ـ في شؤونها ؟.أنا واثق وأعتقد أن عشرات الماءات من العرب إن لم تكن مائات الملايين يشاركوني الرأي أن ذلك سيعود بالضررالبالغ على تلك الدول.