لندن – “القدس العربي”:
تراجع جون بولتون، مستشار الأمن القومي عن تصريحاته بشأن سوريا ولكن ليست هذه هي المرة التي يفعل، فقد كان هنا من قبل كما يقول مارك لاندلر وهيلين كوبر في تقرير مشترك نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”. وعلقا في البداية أن بولتون وجد نفسه نهاية الأسبوع في الوضع العادي ولكنه وضع خطير وهو تنظيف آثار إعلان رئيسه سحب الفي جندي من سوريا القرار الذي أربك الحلفاء وأدخل السياسة الأمريكية حالة مضطربة.
ولكن بولتون مسؤول، جزئيا عن هذه الظروف التي قادت لقرار الرئيس المفاجيء. فكمستشار للأمن القومي قام بولتون بمحو أي نقاش داخلي ربما أسهم في تشكيل قرار سحب القوات عبر جدول زمني وظروف مواتية واستراتيجية مكافحة الإرهاب بعد خروج القوات الأمريكية. ويقول المسؤولون البارزون إن مجلس الأمن القومي في ظل بولتون كان دوره “صفر” في رعاية نقاش حول مستقبل الولايات المتحدة في سوريا.
بولتون فوجيء بإعلان الرئيس وتوقيته والذي ناقض تعهده في إيلول (سبتمبر) 2018 عن بقاء شبه دائم للقوات الأمريكية في سوريا.
ويقول المسؤولون إن بولتون فوجيء بإعلان الرئيس وتوقيته والذي ناقض تعهده في إيلول (سبتمبر) 2018 عن بقاء شبه دائم للقوات الأمريكية في سوريا. وبعد مواجهته قرار الرئيس المفاجيء الذي أدى لارتفاع أصوات من داخل الكونغرس ومكالمات من حلفاء قلقين مثل بنيامين نتنياهو أجبر بولتون على التحادث مع رئيسه يطلب منه إبطاء عملية الخروج. ومن ثم قام بولتون بتجميع ملامح استراتيجية عادة ما تحتاج لاسابيع وأشهر وتهيء الظروف للخروج بدلا من متابعة الوضع بطريقة متعجلة. وبعد الكشف عن تفاصيل محادثات بولتون يوم الأحد في إسرائيل رد ترامب على التقارير قائلا إن الخطة لا تزال كما هي، أي الإنسحاب بوتيرة مناسبة ومواصلة محاربة تنظيم الدولة، في هجوم على صحيفة “نيويورك تايمز” التي كشفت عن المحادثات لا بولتون. وتعلق الصحيفة أنه لو لم يرفض ترامب ما قاله مستشاره للأمن القومي إلا أن التناقض بين كلامهما يشير إلى الطريق الصعب الذي قطعه بولتون، 70 عاما والمسؤول السابق في إدارة جورج دبليو بوش والذي ظل جزءا من الأطراف الصقورية في الحزب الجمهوري، منذ دخوله البيت الأبيض في نيسان (إبريل) 2018. وكان بولتون قد خاض حربا ضد البيروقراطية في وزارة الخارجية بإدارة بوش. إلا أن العملية المتضاربة تم تعريتها ولتصبح قائمة على نزعات رئيس مندفع كما يقول مسؤولون.
وتعلق الصحيفة أن بولتون لا يملك الكثير ليخفف من تقلبات سيده. فالطريقة الفوضوية التي يدير فيها ترامب الحكم وعادته في التقليل من شأن أعضاء إدارته أجبرت الجنرال أتش أر ماكمستر على الإستقالة كمستشار للأمن القومي. وعقد ماكمستر لقاءات عدة مع مسؤولي الأمن القومي أكثر من بولتون إلا أنه غالبا ما فوجيء بتغريدات ترامب. ونقلت الصحيفة عن مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ويعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية “يحاول بولتون إنقاذ الوضع ولكنه لم ينجح لأن كل طرف في المنطقة سيسأل إن كان يعبر عن رأيه أم موقف الرئيس”. ويقول مسؤولون إن بولتون حاول أن يلفت انتباه الرئيس وإقناعه.
بولتون لا يملك الكثير ليخفف من تقلبات سيده. فالطريقة الفوضوية التي يدير فيها ترامب الحكم وعادته في التقليل من شأن أعضاء إدارته أجبرت الجنرال ماكمستر على الإستقالة كمستشار للأمن القومي
وقد نجحت استراتيجيته في موضوعات مثل الخروج من الإتفاقية النووية مع إيران. ولم تنجح في موضوع البقاء في سوريا لمواجهة التأثير الإيراني. ولم يكن بولتون الوحيد الذي حث الرئيس على إبطاء عملية سحب القوات بل وزير الخارجية مايك بومبيو والسناتور الجمهوري ليندزي غراهام والقاعدة العسكريون عندما زار القوات في العراق. واتصل نتنياهو الذي أوصل رسالة وهي أن بقاء قوات أمريكية في المنطقة من مصلحة إسرائيل. وعلق ديرك تشوليت المسؤول في البنتاغون أثناء فترة باراك أوباما أنه “في الظروف العادية” هناك مشاورات تقود إلى القرار وبعدها تناقش عملية تنفيذه “ولكن العملية الآن هي أنه عندما تحصل على التعليمات من خلال تغريدة للرئيس تبدأ بمناقشة الأمر وهندسة تنفيذه”. وتشير الصحيفة إلى مثال آخر وهو كوريا الشمالية حيث قرر ترامب وقف المناورات العسكرية بدون إخبار البنتاغون.
وواصل مسؤولو وزارة الدفاع المناورات العسكرية بهدوء بدون تسميتها بالتمارين العسكرية. وأكد مسؤولون في البيت الأبيض أن بولتون جاء إلى مجلس الامن القومي بتصميم على تنظيم مجلس الأمن القومي الذي يزعم أنه تضخم في عهد أوباما بحيث تداخلت أعماله مع عمل وكالات أخرى. وقالوا إن المدخل نجح وفي أول لقاء له مع جيمس ماتيس، وزير الدفاع السابق أخبره بأن لا يعقد اجتماعات عدة. ولكن هناك فرق بين تقليل الإجتماعات وإلغائها تماما. وقال مسؤولون في البنتاغون إن بولتون ألغى العملية التي وضعها ماكمستر والذي ركز على اللقاءات والإستماع لرأي كل حاضر. وفضل بولتون اللقاءات الثنائية بين أعضاء المجلس أو المسؤولين البارزين بدلا من اللقاءات الجماعية للسيطرة على الوضع حسب شخص مطلع. واستفاد باتريك شانهان، القائم بأعمال وزير الدفاع حاليا من الوضع حيث لم يتردد من مكالمة بولتون شخصيا وهو أمر لم يفعله ماتيس وعادة ما حول الأسئلة التي يريدها لمديره طاقمه الذي استقال حديثا كيفن سويني. ويقول المسؤولون إن ماكمستر قام بعملية متابعة قرارات بعد صدورها لكن الوضع أصبح أسوأ في عهد بولتون الذي يكره البيروقراطية. وزاد عجز بولتون بعدم تعيينه نائبا له.
ولم يعين خلفا لميرا ريكارديل التي أجبرت على الإستقالة بعد مواجهة مع السيدة الأولى ميلانيا ترامب. وعلى خلاف مجالس الأمن القومي السابقة التي كانت تحضر لسياسة الرئيس للأمن القومي فإن المجلس في ظل بولتون مجرد صوت على الطاولة مليء بالمستشارين الذين يتحاشرون للحصول على ود الرئيس. ولكن بولتون لديه علاقة جيدة مع ترامب أحسن من تلك التي كانت بين الرئيس وماكمستر. وكذا علاقته جيدة ما جارد كوشنر، صهر الرئيس ومع مايك بومبيو. وكاد أن يعرقل قمة ترامب مع كيم جونغ- أون الرئيس الكوري الشمالي عندما اقترح المثال الليبي لنزع أسلحة كوريا الشمالية. وقد أطيح بمعمر القذافي وقتل بعد عقد من تخليه عن سلاحه النووي.