هآرتس: من يجرؤ على محاكمة “مجرم غيّر وجه الشرق الأوسط”؟

حجم الخط
1

باستثناء الحدث الهامشي في 7 أكتوبر، كل شيء لدى نتنياهو كان مخططاً له بكل التفاصيل. لم يبق شيء للصدفة. في البداية، الدخول إلى غزة، ثم رفح، وبعدها السيطرة على محور فيلادلفيا، وفي النهاية تصفية السنوار. نظرية المراحل وجدت تعبيرها الكامل في الشمال أيضاً: في البداية، حرب صغيرة، حرب “معادلات” مع حزب الله، ثم تحايل كبير بتفجير “البنية التحتية لحزب الله”، الأيدي والأرجل، وفي النهاية تصفية حسن نصر الله.

لحظة، هناك المزيد. فقوات أبو محمد الجولاني، بتنسيق مثالي مع شارع بلفور، انتظرت بصبر إلى حين استكمال نجاح عملية لبنان، وفي يوم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، أعطى الضوء الأخضر للهجوم. المؤتمر الصحافي الهستيري الذي نظمه نتنياهو لنفسه أول أمس، كان ينقصه لوح وقلم لإتمام رؤية صورة التدفق التي ربطت بين غزة وإسقاط الأسد، من محور فيلادلفيا وحتى الجولاني، من تصفية السنوار حتى تحرير المخطوفين. وبعد لحظة، بعد القليل من الضغط العسكري، سيقتل مخطوف آخر، وبعدها سيكونون في الخارج.

كل شيء، حسب نتنياهو، كان معروفاً مسبقاً، محبوكاً ومنظماً بشكل مدهش. أي دليل أفضل يمكن أن يكون لدحض الادعاء الحقير بأنه لا يستطيع حتى إدارة الدولة، وكذلك تقديمه للمحاكمة، وعلى الطريق تحطيم كل ما بقي مما سمي ذات يوم ديمقراطية.

لو كان “الشعب” أكثر نزاهة بقليل، ولو كانت وسائل الإعلام أقل شيطنة وكذباً، فإن حجم الأحداث التي أشرف عليها رئيس الحكومة كان يجب أن تؤدي ليس فقط إلى إلغاء محاكمته، بل يعقبها شكر كبير للحظ، أو التدخل الإلهي الذي منح الدولة هذا الزعيم الأعلى في هذه الأوقات الصعبة في تاريخها. ألم يكونوا سيتصرفون هكذا في دولة سليمة؟

لكن إسرائيل ليست دولة سليمة، والآن ليس هناك من يصلحها. إسرائيل دولة مدمرة، متهالكة تقريباً، في حالة حداد ويأس، وتضطر إلى الاكتفاء بـ “المحاكمة الصغيرة”، والمهرجان الذي أدير أمس في قاعة المحكمة المحصنة في تل أبيب، التي تنشغل بـ “الأمور الصغيرة”: الشمبانيا، المجوهرات، شراء تغطية إعلامية متعاطفة مقابل تسهيلات وأمور كانت ستثير الضحك والاستهزاء على وجوه ديكتاتوريين مهنيين. بعد أن انتظرته الدولة ثماني سنوات، بات واضحاً أنها ربما كان عليها الانتظار ثماني سنوات أخرى إلى أن يصدر جهاز القضاء المذعور والمهدد قرار حكم قطعي. حتى ذلك الحين، ربما لن يكون هناك أحد يصدر الحكم ضده أو من يصدر حكماً. الشهادة أمس ليست سوى مشهد تسخين، وبعد ذلك سيأتي “الانتقاد التلفزيوني” والتحليلات المختصة التي ستشرح أين أخطأت النيابة، وماذا يمكن معرفته من لغة جسد المتهم، وإلى ماذا يسعى محامي الدفاع وكم هو حجم الصبر الذي تظهره المحكمة.

المحاكمة الكبيرة – التي ستمزق أكاذيب نتنياهو إلى أشلاء، وتخلق الشرخ التكتوني الذي سيعري الخدعة التي سوقها حين قال إنه لم يعرف ولم يسمع؛ وتكشف تجاهل التحذيرات اليائسة لرؤساء جهاز الأمن من تهديد الانقلاب النظامي؛ والتردد الكبير قبل دخول غزة؛ والعلاقة المباشرة بين محور فيلادلفيا ورفح وبين قتل المخطوفين؛ والفشل الذي اقتلع عشرات آلاف السكان من بيوتهم، وبالأساس عجز قيادته أمام المتعصب الديني والمسيحانيين الفاشيين الذين أصبحوا الزعماء الحقيقيين في الدولة – هذه المحاكمة، التي ستحدث الإصلاح الكبير، ربما لن تعقد ذات يوم.

يدا نتنياهو ملطخة بالدماء. ولكن من سيحاكم رئيس حكومة خلق بفمه نصراً عظيماً بهذه الدرجة، الذي “غير وجه الشرق الأوسط” وكل العالم يشخص إليه بدهشة وعشق؟ من الذي ستبقى لديه القوة لتقديمه للمحاكمة؟ 

تسفي برئيل

هآرتس 11/12/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فارس:

    صحيح، نتانياهو حقق لإسرائيل ما لم يحققه أي رئيس وزراء قبله، و مع ذلك انقلبت إسرائيل عليه، و هذا فعلاً يدل على بداية تآكل إسرائيل من الداخل حيث لم يعد هناك من ينظر إلى مصلحة الدولة بالشكل الذي كان يتم سابقاً و إنما ظهر جيل يتصارع فيما بينه على السلطة فقط

اشترك في قائمتنا البريدية