“أنتم تريدون التوقيع على عدد من التفاهمات، هذا محتمل. وقعوا ولكن بدون المس بالبنية التحتية وتدمير الإنجازات التي حققها الآخرون حول الذرّة لسنوات كثيرة”، قال الزعيم الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، أثناء زيارته لمعرض حول إنجازات الصناعة النووية في طهران. كرر خامنئي الأقوال التي بحسبها لا تطمح إيران إلى إنتاج السلاح النووي “لأن الأمر يعارض الإسلام والشريعة”، وأنه إذا كانت إيران تريد تطوير مثل هذا السلاح “فلن يكون أعداؤنا قادرين على منع ذلك”. خامنئي ومتحدثون كبار في إيران لا يفسرون هذه التفاهمات. والمعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام تتحدث عن تحرير نحو 20 مليار دولار مجمدة في بنوك العراق وكوريا الجنوبية، مقابل تجميد المشروع النووي وإبقاء كمية اليورانيوم المخصب ومستوى التخصيب في التجميد الحالي.
في الحقيقة، سمحت الإدارة الأمريكية للعراق في السابق بتحرير 2.7 مليار دولار كجزء من دفع دين العراق لإيران مقابل شراء الغاز والكهرباء. ولكن لم يرد هل ستنتقل هذه الأموال مباشرة إلى طهران أم سيتم ذلك عن طريق حساب منفصل سيتم فتحه في تركمانستان. نشر في إيران والعراق بأن الأموال مخصصة لشراء الدواء والغذاء ومساعدة الحجاج إلى مكة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي توافق فيها الولايات المتحدة على نقل الأموال من بغداد إلى طهران، وحتى إنها تعفي العراق بشكل جزئي من العقوبات المفروضة على إيران كي تتمكن من شراء الكهرباء والغاز والمياه منها. وحسب تقديرات غير مؤكدة، فإن العراق مدين لإيران بـ 10 – 12 مليار دولار. وفي كوريا الجنوبية أكثر من سبعة مليارات دولار مجمدة فيها، التي كوريا مدينة بها لإيران.
وترى إيران أن تحرير 20 مليار دولار لن ينقذها من أزمتها الاقتصادية، رغم أن هذا المبلغ غير قليل وهو يساوي تقريباً العجز في الميزانية، و40 في المئة من إجمالي الميزانية التي تمت المصادقة عليها للعام 2023، وهو بعيد جداً عن الطموحات الاقتصادية التي أرادت إيران تحقيقها بواسطة الاتفاق النووي الذي يشمل رفع جميع العقوبات. إيران بحاجة إلى عشرات مليارات الدولارات لترميم آبار النفط ومواقع الإنتاج، وتطوير حقول الغاز وتمويل التطوير الجاري للخدمات العامة. توقعت طهران أن الاتفاق النووي الأصلي، والاتفاق الذي أجرت حوله مفاوضات لأكثر من سنتين، سيجلب لها الاستثمارات الأجنبية وسيمكنها من تجسيد الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعت عليه مع الصين، وكي تحقق فائدة اقتصادية من الاتفاق الجديد مع السعودية، لا سيما إعادة السيطرة على سوق النفط التي سحبت منها.
يبدو أن التفاهمات التي لن تحرر طهران من العقوبات، هي فشل لاستراتيجية لإيران. إذا كان تخصيب اليورانيوم المتزايد ورفع مستوى التخصيب إلى 60 في المئة على الأقل، استهدف الضغط على الغرب للتوصل إلى الاتفاق، فإن تجميد الوضع لا يحقق لإيران هذا الإنجاز. إضافة إلى ذلك، إيران تتنازل بالتوقيع على التفاهمات عن تعهدات أمريكية بأن الولايات المتحدة لن تخرق الاتفاق في المستقبل. هذه القضية كانت العقبة الرئيسية أمام المفاوضات السابقة التي توقفت في أيلول الماضي. لم تكتف إيران بتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن لا يخرق ويتراجع عن الاتفاق ما دام في المنصب. وطالبت بسن قانون ينص على تطبيق الاتفاق في المستقبل. وقد أوضح الرئيس الأمريكي بأنه لا يمكنه التعهد باسم إدارات مستقبلية، وطالبت إيران ببديل على شكل التعهد بدفع تعويضات في حالة حدوث خرق. وهو أمر لم يوافق عليه الرئيس الأمريكي. الآن يبدو أن مسألة الضمانات لم تطرح للنقاش، أو على الأقل ليست أساسية كما كانت في السنة الماضية.
أكدت إيران في السابق وتعلن بعدم وجود مفاوضات، ولن تكون هناك مفاوضات حول “اتفاق مؤقت” أو “اتفاق جزئي”. الوفد الإيراني في الأمم المتحدة أوضح مرة أخرى بأنه “لا يوجد أي اتفاق مؤقت بدلاً من الاتفاق الأصلي. هذا الأمر غير موضوع على طاولة النقاشات”. يبدو أن هذا الموقف يناقض أقوال خامنئي بأنه “يمكن التوقيع على تفاهمات مقابل التعهد بعدم مهاجمة المنشآت النووية”. المفارقة هي أنه وفقاً لهذا الموقف، إيران على استعداد للوثوق بتعهد الولايات المتحدة، ربما هكذا أيضاً تمنع إسرائيل من الخيار العسكري، بعد عدم حصولها على تعهد أمريكي بتنفيذ الاتفاق النووي الجديد الذي يشمل في الأصل التعهد بعدم الاعتداء، وكان سيؤدي أيضاً إلى رفع العقوبات. يبدو أنه إذا كانت هناك مكاسب لإيران من التوقيع على الاتفاق فتكمن في أنه يمكنها الحفاظ على مخزون اليورانيوم المخصب فيها وعلى عدد أجهزة الطرد المركزي التي تشغلها والتي تتجاوز العدد الذي سمح لها به في الاتفاق الأصلي، وعلى قدرة الردع ومكانتها كدولة حافة نووية.
هذا التناقض يمكن حله عندما ستعرف تفاصيل التفاهمات وما تم الاتفاق عليه. الافتراض الآن هو أن الإدارة الأمريكية تجنبت تسمية هذه التفاهمات “اتفاقاً” كي لا تضطر للمرور في مطحنة الكونغرس. تعهد بايدن في السابق بأن أي اتفاق سيوضع أولاً على طاولة الكونغرس للاطلاع عليه قبل التوقيع. في حينه، أمل في أنه سيتمكن من التوصل إلى الاتفاق قبل انتخابات منتصف الولاية التي جرت في تشرين الثاني الماضي. لم ينجح الجدول الزمني، وهناك خشية من ألا يجتاز الاتفاق الكامل الآن مجلس النواب. ورغم أن الرئيس يمكنه فرض الفيتو على القرار فإنه بحاجة إلى أغلبية تمكن من النظر إلى هذه الخطوة على أنها عملية مشروعة من قبل الجمهور.
السؤال هو: ماذا سيكون حجم التفاهمات وإلى أي درجة ستكون بعيدة عما تم الاتفاق عليه في كانون الأول؟ جهاز الأواني المستطرقة، الذي يستند إليه الاتفاق الأصلي والمفاوضات حول الاتفاق الجديد، يرتكز على أن أي تنازل أمريكي (غربي بشكل عام) لإيران يقتضي التخلص من اليورانيوم المخصب فوق المستوى المسموح به، ووقف الكثير من أجهزة الطرد المركزي، وتشغيل كامل غير المشروط لآلية رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية. وافقت إيران على كل ذلك، سواء في الاتفاق الأصلي أو في المفاوضات حول الاتفاق الجديد. ومن غير المستبعد أن “الاتفاق على تفاهمات” لن يكون إلا خطوة أولية كنوع من خطوة لبناء الثقة في الطريق إلى إحياء الاتفاق النووي الكامل.
تجد إسرائيل صعوبة في اتخاذ قرار حول كيفية الرد على التفاهمات مع إيران. السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايك هرتسوغ، قال إن “الدبلوماسية بحد ذاتها والسعي إلى تفاهمات ليست أمراً سيئاً بطبيعتها”. يمكن الافتراض بأن أقواله تعكس اعتراف إسرائيل بأنها لم تعد تستطيع التأثير في خطوات أمريكا، كما أوضحت جهات إسرائيلية رفيعة في محادثات مع المراسلين. ولكن صرح رئيس الحكومة أمس، وقال: “أوضحنا لأصدقائنا الأمريكيين بأن التفاهمات محدودة جداً، وغير مقبولة”. وبالطبع، كرر شعار “سنفعل كل ما يجب علينا للدفاع عن أنفسنا، بقوتنا الذاتية، أمام أي تهديد”. السؤال الآن هو: كيف تصريحات ستواجه نتنياهو التعهدات الأمريكية بعدم مهاجمة إيران – حيث إن أي هجوم لإسرائيل سيكون بواسطة الطائرات والمنظومات الأمريكية؟ من الغريب أن الولايات المتحدة تعمل على التوصل إلى تطبيع بين إسرائيل والسعودية مقابل ضبط النفس، وربما موافقة إسرائيل على الاتفاق مع إيران. إذا كانت إيران تهديداً وجودياً فإن السلام مع السعودية لا يمكنه تبديد هذا التهديد. وأي عملية تعارض سياسة الولايات المتحدة لن تساعد في ذلك بالتأكيد.
تسفي برئيل
هآرتس 19/6/2023
إيران لا تثق بأمريكا وأمريكا لا تثق بإيران يا هامان، نقطة إلى السطر ✅✅