للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، حلم وخارطة طريق حول الطريقة التي ستتصرف فيها سوريا بعد سقوط الأسد. “نحن نُقدر بأن تجمعاً قوياً سيقوم في سوريا، حيث لا يوجد للشباب في سوريا ما يخسرونه؛ المدارس والجامعات والبيوت والشوارع غير آمنة”، قال خامنئي في خطابه الذي ألقاه في بداية هذا الأسبوع. “لذلك، فإنهم ملزمون بالوقوف بتصميم ضد الذين يخططون وينفذون عدم الأمن هذا”، شرح وكأنه محلل في صحيفة إيرانية رسمية.
في الوقت الذي كان يتحدث فيه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنه “من السابق لأوانه الحكم الآن. هناك جهات كثيرة ستؤثر على مستقبل هذه الدولة (سوريا)”. في الواقع بصورة ضبابية. هذه التصريحات لم يستوعبها زعماء سوريا الجدد بسهولة. وزير الخارجية المؤقت أسعد الشيباني، وجه لطهران سهماً حاداً من خلال تهديد غير مخفي. “نحذرهم (الإيرانيين) من زرع الفوضى في سوريا، ونعتبرهم المسؤولين عن التداعيات التي ستكون للملاحظات الأخيرة التي أصدروها”، قال الشيباني الذي لم يكن يتحدث فقط باسمه.
قبل بضعة أيام من ذلك، قام القائد الجديد لسوريا، أحمد الشرع، بتأطير تدخل إيران في سوريا على النحو التالي: “في ظل الأسد، أصبحت سوريا منبراً، سيطرت من خلاله بعض العواصم العربية ووسعت الحرب وضعضعت الخليج بواسطة المخدرات، مثل حبوب الكبتاغون”. في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” قال الشرع إنه “بإسقاط نظام الأسد، أعادت المعارضة مشروع إيران الإقليمي أربعين سنة إلى الوراء. ولا حديث الآن بشأن إعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق. وبعد أن نشرت إيران بأنها تقيم علاقات مع القيادة الجديدة، يبدو أن العلاقات بين الدولتين هي بالأساس عبر وسائل الإعلام، ولا تبشر بالخير لإيران.
أعلنت سوريا نيتها مقاضاة إيران على الأضرار التي حدثت فيها أثناء الحرب الأهلية، وتطالبها بحوالي 300 مليار دولار، هذا في حال حاولت إيران طلب تسديد الديون المتعلقة بالاستثمارات وخطوط الائتمان التي وفرتها لنظام الأسد، التي تقدر بـ 30 – 50 مليار دولار. ولكن قضية تسوية الدين تبدو الآن ثانوية إزاء الضربة الشديدة التي تلقتها إيران، سواء في سوريا أو لبنان. الآن، يجب عليها وضع الاستراتيجية الإقليمية والدولية الخاصة بها على طاولة الرسم لتفحص كيف تموضع نفسها من جديد وكيف تحافظ على ذخائرها التي بقيت لها، بالأساس تعزيز مواقع سيطرتها في العراق الذي تحول بعد فقدان سوريا ولبنان إلى المعقل الاستراتيجي الأهم بالنسبة لها.
الضغط الأمريكي على رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، من أجل حل المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران، لا يمكن أن يضمن نتائج عملية. ومثلما في لبنان، فإن هذه المليشيات وزعماءها، العسكريين والسياسيين، هي جزء لا يتجزأ من القيادة العراقية والبرلمان والحكومة. أي قرار لنزع سلاحها أو فصلها عن ثدي خزينة الدولة، قد يثير مواجهات عنيفة تهدد استقرار الحكومة، التي هي في الأصل لا تعاني من فائض في دعم الجمهور. تتخوف إيران الآن من أن تتسبب المشاعر العامة المناوئة لها في العراق في إثارة “عمليات سورية” وتحدد مجال تأثيرها.
لكن الخوف على سلامة الذخائر القريبة هو جزء من الضغوط التي تمليها الثورة في سوريا على إيران، وسيطرتها في سوريا ولبنان، وتطوير مشروعها النووي دفعها إلى مكانة قوة استراتيجية إقليمية، ما ساهم في تغير مواقف الدول العربية منها. استئناف العلاقات مع الإمارات قبل سنتين تقريباً، ومع السعودية مؤخراً، وانضمامها لمنظمة “بريكس” ومنظمة التجارة في شنغهاي، وتدخلها في الحرب في أوكرانيا بواسطة الصواريخ والمسيرات والوسائل القتالية التي زودت روسيا بها؛ والتعاون مع الهند التي وقعت إيران معها في أيار الماضي على عدد من الاتفاقيات لإدارة ميناء شبهار، الميناء الرئيسي للتواصل بين الهند ووسط آسيا؛ ومشاركة إيران في “الممر الشمالي – الجنوبي” الذي يربط بين روسيا والخليج الفارسي – كل ذلك منح طهران موقع تأثير قوي وجعلها بؤرة جذب استراتيجية، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي.
إذا كان مفهوم “محور الشر” يهدف إلى وضع إيران وتأطيرها كجزء من الدول الداعمة للإرهاب، فهي الآن عامل رئيسي في “محور الشر”، الاقتصادي والسياسي، الذي تشارك فيه روسيا والصين وكوريا الشمالية، الذي يسعى إلى كبح ما يسمى في هذه الدول بـ “المحور الإمبريالي” للغرب برئاسة الولايات المتحدة. وهذا الحضن الدولي الدافئ هزته الثورة في سوريا.
على سبيل المثال، العلاقات بين إيران وتركيا حصلت على ضربة شديدة بعد اتهام خامنئي لتركيا (في الواقع دون ذكر اسمها) بالمشاركة في “المؤامرة الصهيونية – الأمريكية” لإبعاد نظام الأسد. دخول تركيا السريع إلى مكان إيران وتبني النظام الجديد في سوريا واحتضانه، أوضح لإيران من هو صاحب البيت الجديد في دمشق. تركيا، وليس إيران، هي الدولة التي قد توجه سياسة الشرع، وتقود الجهود لإعادة إعمار سوريا، وستجني أيضاً المكاسب الدولية التي ستأتي مع هذه الشراكة. تغير الأدوار هذا لا يعني القطيعة بين إيران وتركيا، لأن لهما حتى الآن مصالح اقتصادية وعسكرية، تلزمها باستمرار التعاون، مثل الغاز الذي تشتريه تركيا من إيران، أو الحرب المشتركة ضد التنظيمات الكردية. ولكن وزن إيران في ميزان القوة بينهما تضاءل بشكل كبير، وربما يؤثر أيضاً على العلاقات بينها وبين دول عربية أخرى.
إيران ليست وحيدة في دائرة الدول التي تضررت من الانقلاب في سوريا. فروسيا اليوم تحصي أضرارها في المنطقة أيضاً. مكانتها في سوريا أفضل من مكانة إيران، لكنها لا تثق بأنه يمكنها الحفاظ على قواعدها في حميميم وفي ميناء طرطوس. ولكن السؤال الأهم هو: كيف ستؤثر التطورات في سوريا على العلاقات بين إيران وروسيا؟
للوهلة الأولى، يبدو أن العلاقات بين إيران وروسيا تعتمد على أسس متينة، ليس فقط بسبب التعاون الأمني بينهما في أوكرانيا، ولكن هذه العلاقات يشوبها الشك وعدم الثقة. ففي كانون الأول 2022 نشرت وسائل الإعلام في إيران بأن روسيا ستبيع طائرات قتالية لإيران من نوع “اس.أو 35″، وقد مرت سنتان وبقي هذا الوعد على الورق. وفي تموز الماضي، وقعت روسيا على بيان مشترك مع زعماء دول الخليج يرفض طلب إيران السيادة في الجزر الثلاث في الخليج الفارسي، التي تدعي الإمارات سيادتها عليها. وتؤيد روسيا أيضاً إقامة ممر يربط مع أذربيجان، خلافاً لموقف إيران.
عند بدء التمرد في سوريا وسقوط مدينة حلب، وجه بوتين انتقاداً للجيش السوري و”المليشيات المؤيدة لإيران التي انسحبت بدون قتال”. بعد شهر، قال بوتين إن إيران طلبت مساعدة روسيا لإخلاء 4 آلاف جندي إيراني. “في السابق، طلب الأصدقاء الإيرانيون المساعدة على نشر وحداتهم في سوريا، ولكنهم الآن يطلبون المساعدة من أجل انسحابها”، قال بوتين في مؤتمر صحافي. طهران غضبت جداً. “لم يكن لنا جنود في سوريا. بل مدربون فقط”، هكذا احتج المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي. وأكد أنه تم حقاً إخلاء مواطنين إيرانيين من قاعدة حميميم، لكن بطائرات إيرانية وليس روسية.
هذا الحوار الذي جرى عبر وسائل الإعلام يظهر كحدث هامشي، لكنه يضاف إلى ادعاءات أعمق بين الطرفين، تشمل ضمن أمور أخرى، احتجاج إيران على أن روسيا سمحت لإسرائيل بالعمل في سوريا ضد الأهداف الإيرانية، وبأن موسكو حصلت على معظم التسهيلات الاقتصادية من نظام الأسد، في حين أن إيران حصلت على الفتات، رغم أنها هي التي وفرت معظم التمويل لتفعيل النظام.
في هذا الأسبوع، زار إيران وفد روسي رفيع، ضم نائبين لرئيس الحكومة الروسية، ميخائيل ميشوستن. ونشرت وسائل الإعلام أن هذه الزيارة ركزت على وضع اللمسة الأخيرة لاتفاق التعاون الاستراتيجي، بهدف التوقيع عليه قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
لكن النقاشات حول هذا الاتفاق الاستراتيجي مستمرة منذ ثلاث سنوات، وإيران لن تكون على ثقة بإجراء توقيع هذه المرة، وإذا تم التوقيع هل سيكون مصيره مشابهاً للاتفاق الضخم الذي وقعت عليه إيران مع الصين، الذي تقدر قيمته بحوالي 400 مليار دولار؟ حتى الآن، استثمرت الصين بضع مئات الملايين في مشاريع في إيران. والنتيجة أن إيران ستجد نفسها بعد سوريا في مكانة الوكيل بدلاً من الشريكة الاستراتيجية. وعن الوكيل، كما تعلمت إيران، يمكن التنازل أيضاً.
سقوط سوريا وضرب مكانة طهران وشرخ العلاقات بين إيران ودول المنطقة، لا سيما تركيا، تضاف إليه المشكلة المزمنة؛ أي الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تغذي مظاهرات الاحتجاج وانتقاداً من شخصيات رفيعة في المؤسسة. “كيف يعقل اختفاء 20 مليون لتر من البنزين يومياً، في حين أننا نحن الذين نقوم بإنتاجها وتزويدها”، هكذا تم اقتباس الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في هذا الشهر في موقع “تبناك” الحكومي. “هذه الأقوال تسري أيضاً على الغاز والكهرباء والمياه وكل شيء آخر”، أضاف.
البنك المركزي الإيراني نشر هذا الشهر بأن النمو في الأشهر آذار – أيلول، انخفض النصف مقارنة مع السنة الماضية، وبلغ 2.9 في المئة فقط. الكثير من مصانع الأدوية أغلقت، وقوة بشرية مدنية تركت المجال أو انتقلت إلى دول أخرى؛ ومدارس أغلقت بسبب نقص الوقود لتشغيل التدفئة؛ وتصدير النفط عانى من تخفيض حقيقي. عندما تسلم منصبه، أعلن بزشكيان أن هدفه الأسمى هو تخليص إيران من الأزمة الاقتصادية، وأنه سيعمل على رفع العقوبات عن إيران. وقد حصل على الضوء الأخضر من خامنئي لإجراء المفاوضات مع الدول الأوروبية، وحتى مع الولايات المتحدة، حول بديل عن الاتفاق النووي الذي سيؤدي إلى رفع العقوبات.
لكن مثل الرئيس روحاني، واجه بزشكيان قوات معارضة قوية، سواء داخل حرس الثورة أو من قبل سياسيين محافظين، الذين يدفعون نحو زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم ويهددون بإعادة فحص “العقيدة النووية” لإيران. وهو تهديد يعني التقدم نحو تطوير السلاح النووي خلافاً للسياسة المعلنة التي تقول إن النووي الإيراني أعد للأهداف السلمية. حتى إن محللين محافظين قالوا إنه بعد الانقلاب في سوريا والخطاب في إسرائيل الداعي إلى “مواصلة الزخم و مهاجمة إيران”، باتت طهران ملزمة بإظهار قدرتها على الردع لئلا يكون مصيرها مصير سوريا. لم يتم اتخاذ القرار حتى الآن، وسيكون مرهوناً بدرجة كبيرة بسياسة الرئيس ترامب. ولكن ليس بها فقط؛ فالإرث الذي يريد خامنئي أن يخلفه سيكون له دور حاسم.
تسفي برئيل
هآرتس 27/12/2024
هه عبارة الشرق الأوسط التعيس يا بئيس مصطلح بريطاني يا إخواني وقد وضعوا في خريطة الشرق الأوسط إيران يا حيران ✌️🇵🇸🤔