الناصرة ـ «القدس العربي»: يسلط تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الفلسطينية «مدار» الضوء على «الهجرة السلبية» أو الهجرة العكسية من فلسطين برؤية تاريخية، ويتوقف عند فصولها بعد عملية «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023. ويقول التقرير إنه خلال العام 2024، غادر إسرائيل نحو 82.700 إسرائيلي انتقلوا لأماكن أخرى من العالم بعيدًا عن «حروب إسرائيل»، التي لم تستطع منذ قيامها عام 1948 أن تضع لها حدًا مرّة واحدة وللأبد. وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى أن هذه النسبة هي الأعلى في تاريخ إسرائيل، حيث كانت معدلات الهجرة العكسية السنوية في العقود السابقة نحو 35 ألفًا فقط، وهي أيضا معدلات تعتبر- بحد ذاتها- كبيرة. يستعرض تقرير «مدار» موجات الهجرة العكسية للإسرائيليين الذين «تخلوا عن الحلم الصهيوني»، بالتركيز على فترة الحرب ويوضح أنه في العام 2024، شهدت إسرائيل ارتفاعًا كبيرًا في الهجرة العكسية، وفقًا لمعطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي. وبلغ عدد الأشخاص الذين غادروها 82.7 ألف شخص، ويمثل الرقم زيادة كبيرة مقارنةً بالسنوات السابقة، وينتمي معظم المغادرين للفئة العمرية تحت 49 عامًا، حيث بلغت نسبتهم 81 في المئة. من بينهم، كان 27 في المئة أطفالًا تحت سن 19 عامًا، ما يدل على أن نسبة كبيرة من المغادرين هي عائلات شابة لديها أطفال وهذه الفئة مهمة للاقتصاد، لأنها تساهم من خلال العمل والاستهلاك المرتبط بتربية الأطفال.
وقد بدا تأثير الحرب، وفَتْحُ أكثر من جبهة قتال مع إسرائيل، و«هول» هجوم 7 أكتوبر 2023، واضحًا جدًا على نسب الإسرائيليين الذين قرروا مغادرة إسرائيل، فبين عامي 2018 و2024، غادر إسرائيل 322.6 ألف شخص، غير أن أكثر من نصف هؤلاء غادروا خلال العامين الأخيرين فقط 2023 و2024. وكان شهر تشرين الأول/اكتوبر عام 2024 الأسوأ من منظور إسرائيلي من حيث معدلات الهجرة العكسية، حيث غادر خلاله 10.900 إسرائيلي. وينتمي غالبية الإسرائيليين الذين غادروا البلاد في العام 2022 لفئة الشباب في سن العمل، حيث بلغت نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عامًا نحو 40 في المئة من إجمالي المغادرين. أما من حيث التوزيع الجغرافي، فالنسبة الكبرى منهم من منطقتي تل أبيب والمركز، بواقع 54 في المئة من إجمالي المغادرين. وجاءت بعد ذلك منطقة حيفا بنسبة 12 في المئة، ثم الجنوب بنسبة 11 في المئة، والقدس بنسبة 11 في المئة أيضًا، بينما كانت نسبة المغادرين من منطقة الشمال نحو 10 في المئة أما نسبة المستوطنين من سكان الضفة الغربية المحتلة الذين تركوا إسرائيل فقد بلغت نحو 3 في المئة.
في رواية «الأرض القديمة الجديدة» التي كتبها ثيودور هرتزل عام 1902 يجسدّ المستوطن اليهودي فريدريش لوينبيرغ الصراعات التي تجول في ذهن من يقرر مغادرة الحلم الصهيوني ويترك «البلاد». يصل لوينبيرغ إلى فلسطين محملًا بآمال عظيمة، لكنه سرعان ما يصطدم بواقع قاسٍ؛ أرض تفتقر (وفق الرواية) إلى أبسط مقومات الحياة، من بنية تحتية وفرص عمل إلى استقرار معيشي. أمام الخيبة، يقرر لوينبيرغ الرحيل، معبرًا عن قناعته بأن هذه الأرض، التي وُعدت بأنها «أرض الميعاد»، ليست وطنًا، بل مجرد سراب. ترمز شخصيته إلى المفارقة العميقة بين الوعد الصهيوني والواقع المرير، وتجسد تجربة الكثير من المستوطنين الذين تخلوا عن «الحلم الصهيوني» بعد أن بدت لهم الأرض قاحلة بلا أفق. ولكن رحلة لوينبيرغ لا تنتهي عند الرحيل؛ بعد سنوات، يعود ليجد واقعًا جديدًا تمامًا، فقد شهدت فلسطين في غيابه تطورًا ملحوظًا على أيدي مستوطنين يهود «رياديين» جعلوا منها مجتمعًا نابضًا بالحياة. يدرك لوينبيرغ أن فشله السابق لم يكن في الأرض نفسها، بل في نظرته إليها؛ فقد تعامل معها كفندق يمكن مغادرته حين تسوء الخدمة. واللافت بنظر «مدار» أن رواية هرتزل تشير إلى أن أسباب خيبته كانت اقتصادية وثقافية، إذ افتقد نمط الحياة الأوروبي الذي تخيله، بينما لم تحضر في مخيال هرتزل، مؤلف الرواية، قضايا الحروب والأمان التي ستصبح لاحقًا جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاستيطاني.
طبقا للتقرير يصف الإسرائيليون قدوم مستوطنين جدد إلى إسرائيل بأنه «صعود» أي العودة إلى «أرض الميعاد» كتحقيق لنبوءات التوراة، على أن «الصعود» هو ممارسة دينية تشير إلى الحج/ الصعود إلى الهيكل. منوها أنه في الخطاب الصهيوني، تحوّل المصطلح إلى مفهوم سياسي- أيديولوجي يمنح الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بُعدًا مقدّسًا ويبرر عدم وجود مكان للفلسطينيين في دولة اليهود. وبالمثل، فإن ترك المستوطن لإسرائيل أي الهجرة العكسية عادة ما يشار إليه بأنه «نزول» ومنذ بدايات الاستيطان الصهيوني 1880-1900 وحتى اليوم، ترك إسرائيل مئات الآلاف من المستوطنين، وتخلوا عن المشاركة في الحلم الصهيوني. وبينما أن «الصعود» يحمل دلالات توراتية وفيه احتفالية وبعد وطني، فإن «النزول» عادة ما يحمل دلالات صهيونية بحتة، وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين المهاجرين بـ«الضعفاء»، في إشارة إلى اعتقاد عميق بأن الهجرة من إسرائيل تمثل خيانة للقومية اليهودية والمشروع الاستيطاني.
ووفقًا للتعريف الجديد الذي اعتمده مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي للعام 2023، فإن مصطلح «الهجرة من إسرائيل» يشير إلى قيام الإسرائيلي بالإقامة خارج البلاد مدةً لا تقل عن 275 يومًا خلال سنة واحدة من تاريخ مغادرته، وهو تعريف «معبأ أيديولوجيًا» إذ إنه لا يعني صراحة أن الإسرائيلي قد تخلى عن الحلم الصهيوني، وإنما فقط أنه قرر أن يعيش في مكان آخر «مؤقتًا». وربما لهذا السبب، حمل تقرير أصدره معهد الاستراتيجيات الصهيونية عنوان «الهجرة من إسرائيل: مشكلة أم فرصة؟»، والذي يحاول أن يلقي بافتراض مفاده أن الإسرائيليين يغادرون إسرائيل لكسب المعرفة، والخبرات، بالتالي فإن الهجرة العكسية هي «فرصة» لإسرائيل. ويشير «مدار» أن القانون الإسرائيلي لا يسلب الجنسية الإسرائيلية تلقائيًا من المغادرين، حتى بعد سنوات طويلة في الخارج، فقانون الجنسية للعام 1952 يضمن بقاء المواطن إسرائيليًا ما لم يتنازل عن جنسيته طوعًا. ومع ذلك، فإن من يُصنف كمغادر قد يفقد بعض «الحقوق» مثل التأمين الصحي إذا استمر غيابه طويلًا أما قانون العودة للعام 1950، الذي يمنح اليهود حق الهجرة إلى إسرائيل، فلا يعالج مسألة الهجرة العكسية لكنه يؤكد على إمكانية العودة دومًا.
طبقا للتقرير فإنه منذ بداية المشروع الصهيوني وحتى اليوم، شهدت إسرائيل موجات متتالية من الهجرة العكسية، حيث غادرها آلاف الإسرائيليين على مر العقود. تشير التقديرات إلى أنه خلال فترتي الهجرة الأولى والثانية بين عامي 1882 و1914 وصل عدد المغادرين الذين تخلوا عن «الحلم الصهيوني» ما بين 40 في المئة من موجات الهجرة وفق تقدير أستاذ التاريخ اليهودي يوشع كنالي، إلى نحو 80 في المئة وفق تقديرات أخرى من الوكالة اليهودية. وخلال فترة الاستعمار البريطاني 1920-1948، غادر فلسطين بين 60 إلى 80 ألف شخص، وفقًا لبحث مئير مرجليت. بعد العام 1948، واجهت «الدولة الجديدة» مشكلات اقتصادية واجتماعية حادة بسبب التدفق الكبير للمهاجرين الجدد، حيث تضاعف عدد السكان خلال سنوات قليلة، ما أدى إلى أزمة بطالة وسكن، خاصة مع إقامة آلاف المهاجرين في مخيمات العبور «معبروت» وسط ظروف معيشية صعبة. وخلال السنوات الأولى بين 1948 و1951، غادر نحو 60 ألف شخص آخر أغلبهم من المهاجرين الجدد الذين لم يتمكنوا من التأقلم. بين عامي 1948 و1980، كان معدل المغادرين السنوي يتراوح بين 4.000 و20.000 شخص، لكن موجات كبيرة من الهجرة وقعت بعد حرب العام 1973 وخلال حرب لبنان عام 1982.
خلال العقود التالية، استمرت موجات المغادرة: بين عامي 1990 و2017، غادر نحو 575 ألف شخص، بمعدل سنوي يقارب 32 ألفًا. في العام 2012، قدرت السلطات أن إجمالي من غادروا إسرائيل منذ إنشائها بلغ نحو 684 ألفًا، منهم 120 ألفًا توفوا في الخارج. وبحلول نهاية العام 2017، وصل عدد الإسرائيليين الذين غادروا ولم يعودوا إلى نحو 732 ألفًا، لكن بعد حساب عدد المتوفين في الخارج، تبين أن ما بين 561 و599 ألفًا ما زالوا يعيشون خارج البلاد. والسبب في احتساب عدد المتوفين من الذين تخلوا عن الحلم الصهيوني هو أن إسرائيل لا تزال تعمل على إعادتهم، وإثبات أنها لا تزال المكان الأكثر «أمنًا» ليهود العالم.
ويقول «مدار» إنه بينما كانت الهجرة العكسية من إسرائيل تاريخيًا مرتبطة بالمستوطنين الجدد من أبناء الفئات الاجتماعية الأقل حظوظًا، وغير القادرين على التأقلم في دولة جديدة أو إيجاد فرص حياة لائقة، فإنه في ما يتعلق بموجات المغادرين في العقود الأخيرة باتت الهجرة مرتبطة أكثر بالطبقات القيادية في المجتمع الإسرائيلي. فمثلا، خلال الاحتجاجات العارمة في إسرائيل ضد خطط تهويد الدولة وتعديل نظام الحكم والجهاز القضائي في بداية العام 2023، كانت الهجرة المعاكسة تعبر عن احتجاج سياسي ضد الدولة. ويلفت التقرير أن هناك وزارة لشؤون «الهجرة واستيعاب القادمين الجدد» في إسرائيل، وتبذل هذه الوزارة جهودًا كبيرة لتشجيع عودة المهاجرين الذين عاشوا في البلاد ثم قرروا تركها. في العام 2008، أطلقت الوزارة حملة «نعود إلى الوطن في ذكرى 60 عامًا لإسرائيل» موجهة للإسرائيليين المغادرين، إما بسبب الأزمات الأيديولوجية، أو الأوضاع الأمنية، أو الاقتصادية. ويختتم مدار تقريره بالقول إنه خارج إسرائيل، تنشأ مجتمعات للمغادرين حيث يسهم وجود جاليات يهودية كبيرة (خصوصًا في الولايات المتحدة التي تعتبر وجهتهم الأولى) في تسهيل الاندماج والحفاظ على الهوية اليهودية. تتوفر للإسرائيليين المغادرين إلى الولايات المتحدة وسائل إعلام متنوعة باللغة العبرية، بما في ذلك مواقع إلكترونية وصحف ومجلات في نيويورك ولوس أنجلوس ومدن أخرى. في العام 2002، تأسس في لوس أنجلوس «مجلس الجالية الإسرائيلية» لتعزيز التضامن مع إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، ونظم فعاليات لدعم إسرائيل.
هه، قد خرقت السفينة الصهيونية بالفعل وحقيقة ذات 7 من أكتوبر أو تشرين يا أبو العينين وهي الآن تغرق شيئا فشيئا إلى أن يأتي اليوم الموعود يا عبد الودود الوعد الإلهي قادم قادم يا ابن آدم ✌️🇵🇸😎☝️🔥🌪️🐂🐒🔥